شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2024-02-02 |
مواقف وعبر لرفقائنا الأسرى في ستينات ا لقرن الماضي |
في نبذات سابقة تحدثنا عن التعذيب الذي طال الرفقاء الذين شاركوا في الثورة الانقلابية، وبعضهم قضى تحت التعذيب أو صفّي في أمكنه مجهولة، وتحدثنا في النبذة بعنوان السجن – المدرسة(1) عن كيف تحوّل السجن في القبه "طرابلس" ثم في القلعة" بيروت" الى مدرسة، ووحدات انتاج . من كتاب "سفينة حياتي" للأمين منير خوري نورد معلومات فيها عبر وامثولات، وزادا للمستقبل. * التعذيب "... بعد "الاستقبال الرسمي" أودعوني أحد" القواويش "مع حوالى أربعين موقوفا، تعرفتُ على عدد غير قليل منهم. أما ما لفتني فور دخولي ذلك القاووش، فهو شاب محطّم الجسد، يسيل الدم والقيح من فمه ورأسه وعينيه وأذنيه، مشهد لن أنساه طيلة حياتي. " كان بعض الرفقاء يقوم بمساعدته بين الحين والآخر في محاولة للتخفيف من آلامه التي كان يكتمها بصبر وجلد نادرين، دون أن يتفوه بكلمة آه أو أي نوع من أنواع التذمر. ولما سألتُ بعض الشباب، مَنْ هذا الذي أراه؟ ابتسم أحدهم، وقد عرفني، ثم قال همساً: " بعد ما شفت شي يا حضرة الأمين. هذا المشلول الذي تراه أمام عينيك الآن هو واحد من العشرات الذين ينالون حصتهم من هذه الوحشية يوميا ". كان ذلك الشاب، شبه المشلول، هو جبران الأطرش الذي اشتهر بطاقته وقوته على تحمل العذاب بصبر وجلد لا مثيل لهما ". * في المحكمة الامين محمد بعلبكي " في 11 شباط بدأ الأمين محمد بعلبكي دفاعه بالتعليق على الوثيقه المزوّرة التي عممّت على وزارة الخارجية، والتي بدؤها حرفيا: " من آمن بالاسلام فهو كافر، ومن آمن بالمسيحية فهو أكفر، ومن آمن بلبنان، فهو ليس منّا " قائلا : " نحمد الله على أننا برّئنا من هذه التهمة، ونحمد الله أيضا على أن حضرة المدعي العام أكد أن تلك الوثيقة المزوّره التي نسبت الينا تتحدّث عن الكفر بالأديان ولبنان، لا وجود لها في ملف الدعوى. ولكننا، بكل اخلاص كنا نتوقع من الحق العام في لبنان أن يكون حقاً عاماً لا حقاً خاصاً، أن يلاحق الذين دبّروا تزوير هذه الوثيقة ونشرها في بعض الصحف وعلى أبواب الكنائس والجوامع، بل توزيعها أيضا بواسطة سفارات لبنان في الخارج وعلى جميع أقطار المعمورة ". ثم انتقل الى موضوع مشاركته في المحاولة الانقلابية الفاشلة، فقال: " أحب في مطلع هذا الباب أن أذكر لكم وللرأي العام كله أن رئيس الحزب القومي الاجتماعي الدكتور عبدالله سعاده لم يكن وحده المسؤول عن اشتراك الحزب في محاولة الانقلاب الفاشلة، وانما أقول أننا نشاركه في ذلك، نحن معظم المسؤولين في مؤسسات الحزب، وأنا منهم ". " ورداً على الاتهام بالتآمر على لبنان قال بصراحة وجرأة: " المتآمر هو من لا يتآمر على هذا النظام ". وايضاً ردّاً على تبجّج البعض بالولاء للبنان قال: " ليس كل من قال يا رب يدخل ملكوت السموات". وردّاً على الذين يأخذون علينا تحيتنا السورية، ذكّر الأمين بعلبكي بما قاله نسيب المدعي العام اللبناني الأستاذ نبيه البستاني بأن علماً من أعلام النهضة الفكرية والعلمية، ومترجم الالياذة، عنيت به سليمان البستاني قال في حنينه الى وطنه سوريا: " ذكرت لبنان وهاج فؤادي العاني، لذاك العرين. فهل ترى يفسح آني الأجل، حتى به تغمض المقل وأرض سوريا محط الأمل". الرفيق موسى مطلق ابراهيم " أما الرفيق موسى مطلق ابراهيم، الفلسطيني الجنسية، المحمدي الهوية، العميق الثقافة، فصريح وصراحته ساطعة وقاطعة كحدّ السيف، أذهل رئيس محكمة التمييز اميل أبو خير، عندما استشهد في دفاعه بما ورد في الانجيل حول قصة السامري الصالح. وكان ذلك ردّاً على ما كان يثيره النائب العام نبيه البستاني أنّ الذين اشتركوا في المحاولة الانقلابية هم من الغرباء عن لبنان. وقف الرفيق موسى مطلق ابراهيم وتوجّه الى رئيس المحكمة قائلا: " ضرب إله من بلادي مثلاً، وهو يعلّم الناس على المواطنيه الصالحة قال: " كان لاوي مسافراً من أريحا الى أورشليم، فصادفه بعض اللصوص، فسلبوه دابته وما كان معه وضربوه وجرحوه، وأوثقوه، وتركوه ملقى على قارعة الطريق. فمرّ به لاوي وجاز عنه ولم يكترث به، ومرّ به صدوقي فجاز عنه أيضا ولم يكترث به، ومرّ به فريّسي فجاز عنه ولم يكترث به . وأخيرا مرّ به سامري فنزل عن دابته وفك وثاقه ومسح جراحه بالزيت والخمر، وأركبه على دابته ومضى به الى خان على الطريق. وهناك أنزله وأعطى صاحب الخان دينارين أجرة بقائه عنده حتى يشفى. وقال متسائلا بعد ذلك: " أيهم أقرب الى اللاوي الجريح ؟ فقالوا الذي عمل معه خيراً "، ثم أنهى كلامه: سيدي الرئيس: " في أثناء فتنة لبنان قاتلت دفاعا عن لبنان، وقتل أخي(2) الى جانبي وسلاحه في يده. وأنا لا يضيرني ولا يضير الحزب أن أكون سامريّاً من فلسطين ما دام الحزب جعل مني مواطناً صالحاً " . روى لي الأمين ميشال خوري الذي كان شارك في الثورة الانقلابية وكانت مهمته الافراج عن الأمين شوقي خيرالله الذي كان موقوفا في ثكنة الفياضية(4) ان الأمين عبدالله سعاده وقف بعد انتهاء الأمين موسى من كلمته وحيّاه، رافع اليدين. * السجن المدرسة " في نهاية شهر شباط 1964 نقلنا الى سجن طرابلس في حي القبة حيث أمضينا ثلاث سنوات سُجلت فيها أروع التحديات الايجابية. كان عددنا مئة وخمسين تماماً، أما الذين صدر عليهم الحكم بالاعدام فكانوا ثمانية: العسكريون الثلاثة: شوقي خيرالله، فؤاد عوض، وعلي الحاج حسن. أما المدنيون فكانوا خمسة: عبدالله سعاده، محمد بعلبكي، بشير عبيد، جبران الأطرش، ومحسن نزهه. توزعوا جميعهم على زنزانات سجن الرمل. في مذكراته "أوراق قومية" ذكر الدكتور سعاده في حديثه عن السجن في طرابلس تحت عنوان "السجن المدرسة وكيف حولنا ذلك السجن المجزرة، الى "السجن المدرسة" الا أن الصوره التي ذكرها الدكتور سعاده ظلت ناقصة ولو أنها تعطي فكرة صادقة عما سماه "السجن المدرسة"، مع بعض الثغرات هنا وهناك تستحق الاشارة والتوضيح. وهنا لا بد لي من العودة قليلا الى الوراء، أي قبيل اعتقالي عندما كنت، كما ذكرت سابقاً، خبيراً اقليمياً للأمم المتحدة في شؤون التنمية الريفية بحكم عملي يومها، كانت فلسفة النهوض بالمجتمعات المحلية الريفية (المتحدات الريفية) وبالقرى خاصة، تشدد على أهمية الاهتمام بالشؤون الاقتصادية – الاجتماعية وضرورتها لكل من هذه المتحدات، وتحويلها الى خلايا منتجة عمليا وعلى حد تعبير الزعيم سعاده الى مجتمعات انتاجية "فكرا وصناعة وغلالا". وكان هاجسي منذ اعتقالي في ثكنة الأمير بشير في بيروت، وأنا أشاهد عدداً كبيراً من الرفقاء السجناء منهمكين في حياكة السلع الخرزية الملونة في شكل بدائي، كيف نستطيع رفع هذا العمل البدائي الى مستوى راق؟ وعندما تسلمت مسؤولية رفقائنا المساجين في طرابلس من الأمين مصطفى عز الدين الذي كان ساعدي الأيمن في مسؤولياتي القيادية هناك، بدأت الفكرة تتطور تدريجياً بحسب المنطلقات الآتية: أولاً: كان الشعار الأول والأساسي الذي أطلقناه، وطلبنا من الجميع التقيد به هو: "كل سجين منتج" فكراً، فناً كان أم صناعةً. ثانياً: كل غرفة (قاووش) يجب أن تصبح "وحدة تعاونية" انتاجية. ثالثاً: تنوع الانتاج يتوقف على الطاقات المتوافرة عند الرفقاء: مهارات فنية، تعليمية، لغوية، صناعية خفيفة تتوافر فيها المواد الأولية في السجن. رابعاً: تشكيل لجنة فنية من الرفقاء الموهوبين، مهمتها وضع تصاميم لجميع الأشغال الفنية: خرزية، خشبية من رقائق الخشب الدقيق غير الممنوع في السجن، موزاييك من قشر البيض وغيرها من المواد المتوافرة وغير الممنوعة في السجن. خامساً: يطلب من جميع المهتمين بالأعمال الفنية التقيد بهذه التصاميم التي يهيئها الفريق الفني. سادساً: في الانتاج الفكري ـــــ الأكاديمي ـــــ اللغوي، يطلب الى كل قومي سجين يتقن اللغة الانكليزية أو الفرنسية أو العربية أو أي مهنة من المهن الأكاديمية كالمحاسبة ومسك الدفاتر، وغيرها أن لا يتردد في تعليم الرفقاء في غرفته الذين يودونه في أي حقل من هذه الحقول. سابعاً: يؤخذ خمسة في المئة من قيمة كل قطعة منتجة مادياً (هذا بعد أن يصبح الانتاج ذا مردود مادي) خاصة المنتجات الخرزية والموزاييك المصنوعة من قشرة الخشب أو قشرة البيض. ثامناً: توضع هذه الضريبة في صندوق التعاونية العام، في اشراف ادارة السجن. يفرح القلب، انه لم يمر سوى بضعة أشهر، حتى أصبح السجن خلية انتاجية حقيقية، ولم يشذ عن هذا البرنامج سوى شخصين فقط. لم يمر وقت طويل حتى بدأ المردود المادي للانتاج، من جزادين خرزية، ولوحات فنية على أنواعها، ونرابيش أراكيل، وغيرها، يسد قسماً كبيراً من الحاجات المادية من طعام وأدوية ولباس. أكثر من ذلك، شرع بعض السجناء النشيطين انتاجياً، في مساعدة أهاليهم في حدود ثلاث مئة ليرة شهرياً، (وكانت القوة الشرائية لليرة اللبنانية في أوج مجدها). ساعدنا عدد كبير من أصدقاء وصديقات للحزب بجد واخلاص في بيع تلك السلع الى المحلات التجارية والبيوتات اللبنانية(3). وبلغت حصيلة ما جمعناه من الضريبة على القطع المنتجة حوالي ثماني مئة ليرة، أودعت الصندوق العام عند ادارة السجن. كانت هذه القيمة مخصصة لتغطية النفقات لبعض الرفقاء من أدوية وأمور شخصية متنوعه. علمت، بعد خروجنا من السجن أن جمعاً من الرفقاء الذين تعلموا على أيدي رفقائهم من حاملي الشهادات الثانوية، أو الجامعية، أموراً، كاللغات الانكليزية والفرنسية والعربية، وأموراً أخرى كأصول "مسك الدفاتر" والمحاسبة، وغيرها استطاعوا التوظف في عدد من الشركات والمؤسسات التجارية. * ما ان اندلعت الحرب بين "اسرائيل" والدول العربية في صباح الخامس من حزيران 1967 حتى قفزت همومنا القومية الى الواجهة ونسينا هموم السجن والعفو، ونظرنا الى الآمال القومية التفاؤلية المرتقبة التي كنا نأملها ونحلم بها. كان ذلك سراباً بسراب اذ بعد بضعة أيام معدودة أي في التاسع من حزيران سمعنا الهزيمة الكارثة وانتصرت "اسرائيل" فيها وسيطرت في جبهاتها الثلاث مصر وسوريا والأردن. ما زلت أذكر آثار الصدمة على رفقائنا دون استثناء خاصة ونحن نستمع الى خطاب التنحي الذي كان يلقيه عبد الناصر. كان حزبنا على خصام سياسي مع الرئيس عبد الناصر وكان لنا معه جولات اعلامية سياسية والكثير من المواقف العدائية السلبية. ورغم ذلك أظهر الرفقاء القوميون في السجن في الوجدان والممارسة موقفاً مشرّفاً، على خلاف ما انتظره وتوقعه بعض الأطراف منا. يقول الأمين الدكتور سعاده في هذه المناسبة: " لقد خيّم الوجوم على الدرك جميعاً، وبعد ساعة تقريبا أتاني الرقيب أول صادق، وهو محمدي، يقول: " دكتور، أنتم جماعة كبار يصعب على أمثالنا فهمكم، كنا نتوقع في محدوديتنا أن نراكم مثل بعض هؤلاء الحرس المسيحيين في حال انشراح لهزيمة عبد الناصر، فاذا بكم أكثر منا ألماً، وأبعد وعياً، فأرجوك أن تقبلوا اعتذارنا عن جهلنا وتأكدوا أنكم اخوتنا ونحن مستعدون لتقديم أي مساعدة تطلبون ". هوامش (1) السجن المدرسة: للاطلاع على النبذة الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على الموقع التالي www.ssnp.info (2) استشهد الرفيق سعيد، شقيق الرفيق موسى مطلق ابراهيم في معركة ايعات صيف العام 1958. مراجعة أرشيف تاريخ الحزب على الموقع المذكور آنفاً (3) لا بد ان نذكر بكثير من التقدير، الدور الذي قامت به الرفيقة ليلى الجدع، وكنت كرئيس لمكتب الطلبة على تواصل معها. كانت تهتم باستئجار جناح في كثير من المعارض، لأشغال الرفقاء الأسرى، وكان رفقاء ورفيقات من الطلبة الجامعيين والثانويين يؤمنون دواماً يومياً. (4) شارك معه في المهمة، الرفقاء: اوغست حماتي، جوزيف عقل الياس وعادل اندراوس.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |