شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2024-02-15 |
الرفيق أنور فهد: في الجيش الشامي، في شملان، في المسؤوليات الحزبية، في الصحافة، في المهجر، في النضال اقومي الاجتماعي |
الرفيق أنور فهد له في حياته الحزبية الكثير الغني، صحافياً، مناضلاً قومياً اجتماعياً، رقيباً في الجيش الشامي متولياً المسؤوليات في عمدة الدفاع. نشط كثيراً في لبنان بعد نزوحه عن الشام في الامارات وفي سدني حيث كان له حضوره اللافت على مدى سنوات طوال. عرفته جيداً وأحببت فيه مزايا الصدق والإخلاص والتفاني. انشر اليوم بعضاً مما كنت نشرته عنه او لم انشره، وأعيد تكرار دعوة رفقاءنا الذين عرفوه في الامارات المتحدة وفي سدني لان يعطوا الرفيق أنور فهد حقه من التكريم القومي الاجتماعي. * عرفتُ عنه، ثم عرفته شخصياً، وكثيراً عندما التقيتُ به في استراليا(1) ثم عندما كان يتردد الى مكتب عمدة شؤون عبر الحدود كلما زار الوطن. لفتني فيه استقامته، صدقه، كثير تعلقه بالحزب الذي عنى له كل حياته، فتفانى في الشام، في لبنان، في الامارات وفي استراليا. لفتني فيه ايضاً حيويته، برز ذلك في جريدة "النهضة" وفي الكثير من الصحف التي ارتبط بها محرراً او مراسلاً. يُكتب الكثير عن الرفيق المناضل أنور فهد. لست ادري اذا كان رفقاؤنا في استراليا قد كتبوا عنه عند رحيله. ان لم يفعلوا ادعوهم الى ذلك، وفاء منهم الى رفيق عاش في كنفهم لسنوات عديدة وكان حاضراً في حياة الحزب في منفذية سدني. عنه كنت نشرت الكلمة التالية في العدد السابع من "صوت النهضة"، تاريخ 01/02/2000، أعيد نشرها كما هي: " كتاب الرفيق أنور فهد "أيام في الذاكرة" الذي صدر مؤخراً، تسجيل صادق لنضال الرفيق أنور، في الشام كما في لبنان، وهو نضال نعرف انه كان مميّزاً، ولذا فإن قراءة الكتاب أمر ممتع ومفيد، ليس فقط لأنه يعرّفنا على الحياة الصراعية لرفيق آمن فالتزم وكان مخلصاً وفياً لقسمه، انما ايضاً لانه يقدم لنا معلومات قيمة من المفيد ان يطلع عليها كل قومي اجتماعي. ولعل ما قام به الرفيق أنور فهد، وعليه ننوّه ونشكر، هو ما ندعو اليه كل قومي اجتماعي تميز في المسؤوليات والنضال المرير، فيبادر الى تسجيل كل مروياته الحزبية منذ انتمائه الى الحزب، فتشكل هذه المرويات جزءاً من تاريخ هذا الحزب العظيم. "ولجنة تاريخ الحزب" التي تسجل فرحها بصدور كتاب الرفيق أنور فهد "أيام في الذاكرة" تأمل ان يحدو حذوه أمناء ورفقاء، لهم ما يسجلونه من مرويات ومعلومات عن احداث وحوادث ومواقف ومعارك حزبية عايشونها على مدى نضالهم الحزبي، فهذه المعلومات ملك الحزب، وللأمة، بأجيالها الحالية والمقبلة، فلا يصح ان تضيع. كان الرفيق أنور قد ترك سيرته الذاتية في كتاب حمل عنواناً "أيام في الذاكرة" . * من الكتاب، نقتطع هذا الجزء من مساهمات القوميين الاجتماعيين في معارك فلسطين ضد الصهاينة. " كنت والرفيق سماح طليع، في عداد فوج المشاة الخامس الذي اشترك بتحرير "مشمار هاردن" (كعوش)، التي استشهد فيها بتاريخ 10 حزيران 1948 الرفيق الملازم اول فتحي الاتاسي وبتاريخ 10 تموز الرفيق الملازم اول عبد القادر حاج يعقوب، كما استشهد الملازم اول نصر الله نادري. وبعد تحرير المستعمرة اطلق عليها اسم "فتح الله" اذ اشتق فتح من اسم الشهيد فتحي والله من اسم الشهيد نصرالله، والشهيد فتحي الاتاسي كان من أعضاء منفذية حمص، وكنت على معرفة به والشهيد حاج يعقوب هو من الشراكسة، وكنت قد تعرّفت عليه اثناء خدمتي في كتيبة المدرعات الأولى، والشهيد نصر الله كنت على معرفة به عام 1947، حين تابعت دورة اللاسلكي. " في السادس عشر من تموز وقواتنا متجهة لتحرير "نجمة الصبح" كنا مكشوفين عسكرياً امام قوات العدو، التي كانت متوارية بين أشجار بساتين الليمون، وعلى استعداد لمهاجمتنا بشكل مفاجئ، تلقى أمر الجبهة تلك المعلومات وأبرق الى رئاسة الأركان طالبا مؤازرة سلاح الجو، وأصدرت رئاسة الأركان اوامرها الى قيادة سلاح الجو، التي اوعزت الى رفيقنا الضابط الطيار فيصل ناصيف ليقوم بتجهيز طائرته، كما وضعت طائرة ثانية بأمرته وذلك للقيام بغارة جوية على تلك القوات المعادية، ولدى قيام الرفيق ناصيف بجولاته الاستطلاعية تبين له مواقع العدو، وكان ان اصدر أوامره الى قائد الطائرة الثانية بقصف تلك المواقع، التي عيّنها له بينما كان يقوم هو بحمايته. واثناء قيامه بالتحليق شاهد قوات العدو في مخابئها، فما كان منه الا ان قام بعملية انقضاض رائعة ملقياً عليهم القنابل المدمرة ونيران المدافع الرشاشة وفي هذه الاثناء تلقى الامر من قائد الجبهة يبلغه تقديره على ما حققه ويطلب منه الانسحاب، الا ان نشوة النصر وهو يرى قوات العدو وهي تتقهقر، قد دفعت الى متابعة انقضاضه في إغارات متعددة الى ان تعرّضت طائرته للإصابة، وكان ان هتف الى برج المراقبة في المطار العسكري يبلغهم بذلك، وما هي الا لحظات حتى تهاوت طائرته وسقطت ضمن الأراضي المحتلة قرب مستعمرة "نجمة الصبح" وقد قامت "لجنة المراقبة الدولية" بنقل جثمانه، وتسليمه الى قيادة الجبهة حيث سجي في مستوصف "فتح الله" محاطاً بمفرزة من حرس الشرف. كنت اعرف الرفيق الشهيد من منفذية حمص، كما كنت على معرفة بوالده محمد علي ناصيف وأخوه الرفيق وليد وأخوه ساطح، وفور ان علمت بوضع جثمانه في المستوصف فقد توجهت الى هناك، وبعد ان أديت التحية كتبت على جدار المستوصف هذا البيت من الشعر: يا شهيد الولا ورمز الفدا لك مني تحية البسلاء " وقد استشهد في الجبهة الرفقاء محي الدين الاتاسي، سامي عزيز حواط، علي نشأت، عبد الحميد أباظة، شريف توفيق، فارس الخطيب، عزيز سلوم، محمد زكي حاتم، عزيز سليمان ". * ومنه ايضاً ما جاء في الصفحات 21 – 22 – 23 و 24 بعنوان "في صفوف النهضة": " عندما كنت مشتركاً بإحدى التظاهرات التقيت صديقي حافظ توكل، إذ لم ألتق به منذ نحو عامين، ولدى لقائنا تعانقنا وانقلبت ياقة سترته فوقع نظري على شارة يضعها تحوي رموزاً أربعة هي: "حرية، واجب، نظام، قوة". استهوتني هذه الرموز إذ انه لا يوجد في الحياة ما هو أثمن من الحرية، وفي أن يقوم المواطن بواجبه نحو أمته ووطنه، وان مسيرة الحياة لا بد لها من ان يسودها النظام، وان القوة هي القول الفصل في اثبات الحق ومعرفتنا لهويتنا ولحقوقنا ومن نحن ؟ سألت حافظ ما هي هذه الرموز ؟ فانتحى بي جانباً هامساً بأنها شعار "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، وسحب من جيب سترته كتيباً عنوانه "مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي". تذكرت في تلك اللحظة الشاب صفوح الدروبي وما قاساه وعاناه في معتقله. بعدما سلمني الكتيب اوصاني بالحيطة والحذر. بأن لا يراه احد معي حتى لا أتعرض لأية مضايقات، وعلى الفور وبعدما تفرقت التظاهرة توجهت الى بيتنا وباشرت بقراءة المبادئ. نعم ان سورية للسوريين، وليست لأي شعب آخر. وحدود الوطن الطبيعية هي ما علمنا إياها أستاذنا. وان مصلحة سورية هي فوق كل مصلحة. وان فصل الدين عن الدولة يحفظ للدين قدسيته وليس لرجال الدين ان يتدخلوا بالشؤون السياسية حتى لا يقعوا في أحابيلها مما يسيء الى مكانتهم الدينية. وان الحواجز الطائفية والمذهبية هي السبب في انتشار الحقد والكراهية بين أبناء الامة الواحدة. أنهيت قراءة المبادئ وعدت الى حافظ أبلغه عن رغبتي بالانتماء الى الحزب، فطلب مني الانتظار بعض الوقت ريثما يراجع المسؤول ويحصل منه على موعد. وعاد بعد أسبوع ليطلب مني مرافقته الى مقهى "المنظر الجميل". في تلك الاثناء انتابني الشعور بالسعادة ورافقت حافظ الى المقهى، ولدى وصولنا اتجه بي الى زاوية من المقهى حيث كان يجلس شاب وسيم استقبلنا ببشاشة ولطف وتبادلنا التعارف. وعلمت ان اسمه محمد شمنق، وهو ابن خالد شمنق، رئيس نادي المتقاعدين في حمص الذي انتمى الى الحزب بموجب مرسوم خاص صدر عن الزعيم أنطون سعادة، وذلك بسبب "كبر سنه"، وللرفيق محمد شقيقتان قوميتان اجتماعيتان هن حرية شمنق، زوجة امين أرسلان، وسميحة التي أصبحت زوجة فيما بعد لمنفذ عام حمص الرفيق صفوح الدروبي، وان هذه العائلة هي من وجهاء الشراكسة. دعانا الرفيق محمد للجلوس ووجه لي بعض الأسئلة المتعلقة بمبادئ الحزب، وعندما شعر بضعف إجابتي طلب مني العودة الى دراسة المبادئ دراسة وافية حتى يتسنى لي الانتماء. عُدت الى البيت بعزيمة واهتمام لتحقيق ما طلبه مني. كنت في تلك الأيام أعمل كاتباً متمرناً في قلم محكمة صلح حمص، وتربطني صداقة متينة مع زميلي في العمل حكمت ترجمان، وكذلك إبراهيم عبد المولى، الذي سبق ان تعرفت عليه عندما كنا نعمل في كاراج لتصليح السيارات خلال العطلة المدرسية. بعد نحو ثلاثة اشهر دعيت لمقابلة الرفيق محمد شمنق. وبعد جلسة طويلة معه أبلغني الموافقة على طلب إنتمائي وحدد لي موعدا لألتقيه في "مقهى الروضة"، وكانت تعليماته لي انه حين حضوري الى المقهى ان أجلس جانبا وأن لا أتحدث إليه وان علي اللحاق به عند مغادرته المقهى الى حيث يكون اتجاهه. * في الموعد الذي ضرب لي، وصلت الى المقهى، ووجدته جالسا مع عدد من طلاب المدرسة الحربية، فجلست الى طاولة قريبة منهم، وبعد بضع دقائق نهض وودع الجالسين معه ثم خرج من المقهى وصعد الى عربة تجرها الخيول، وهي وسيلة النقل الشعبية سنتذاك عند ذلك استقللت عربة أخرى وطلبت من الحوذي ان يتبع العربة التي أمامه. كان المطر يهطل بغزارة، لدى وصولنا الى شارع "خالد بن الوليد" الواقع خلف طريق حماه. توقفت العربة عند أحد الأبنية، ونزل محمد شمنق ونزلت وراءه، تقدّم، قرع الباب ولما سأل من كان في الداخل: من هو الطارق؟ كان جوابه كلمة السر المتفق عليها. وعند فتح الباب اتجهنا الى قاعة فسيحة، وبعد استراحة قصيرة طلب مني المسؤول الدخول الى احدى الغرف ووجه لي بعض الأسئلة التي تتعلق بطلب الانتماء، وعن استعدادي لأداء قسم العضوية، كانت لحظة القرار وانتقالي من حالة التخبط والفوضى، الى حالة النظام التي تستند الى الاخلاق وقفت بخشوع وبإيعاز من مسؤول من مسؤول التدريب ارتفعت يدي اليمنى زاوية قائمة، وافتتح المسؤول جلسة أداء القسم باسم سورية وسعاده. وأديت القسم بكل فخر واعتزاز تهيبا لذلك الموقف المصيري المتعلق بحياتي الجديدة. كنت اشعر بأن الموجودين يرمقونني بانظارهم. لقد التزمت بحركة نظامية تسعى الى نهضة الامة ورفع مستواها وإزالة ما يعترض طريقها من مصاعب والقضاء على كافة المثالب الاجتماعية التي تعيق سير موكب النهضة. وعند الانتهاء من مراسم القسم اعطى مسؤول التدريب الايعاز بالعودة الى وضع الاستراحة، وتقدم مني المنفذ العام مدّ يده مصافحا وهنأني على ما أقدمت عليه باتخاذ المبادئ القومية إيمانا لي وحذا حذوه الرفقاء الموجودون معنا. لقد شعرت بالمسؤولية، مسؤولية السوري القومي الاجتماعي، الذي أقسم بشرفه وحقيقته ومعتقده على وفائه لأمته ووطنه. كان ذلك عام 1944 وقد ألحقت بمديرية النهضة، ولم يمض وقت طويل حتى عُيّنت ناموسا في تلك المديرية النشطة. * الرفيق انور فهد الذي خسره حزبه، ومنفذية سدني، سيبقى في وجدانهما حيا بنضاله الحزبي المستمر، في الوطن كما عبر الحدود. الكثير منه سطّره الرفيق انور في كتابه "ايام في الذاكرة"، وهذا بعض ما جاء فيه: "في اواخر شباط 1947 كنت اقضي اجازتي بحمص، واستقبلت بعض الرفقاء الزائرين الذين علمت منهم انهم سيتوجهون الى بيروت يوم الاول من اذار، لاستقبال مؤسس وزعيم الحزب العائد من مغتربه القسري في الثاني من آذار. انها مفاجأة سارة، وانه علي تدبير امر اشتراكي مع الرفقاء من حيث الحصول على اجازة وتغطية رسم السفر. رأتني والدتي في حيرة من امري، فلما سألتني، اعلمتها بما انا عليه، فما كان منها الا ان سحبت من جيبها مبلغ اثنين وعشرون ليرة سورية، كانت قد تمكنت من توفيرها. وبقي امر تدبير الاجازة، وكان ان عرضت الامر على كاتب السرية الرفيق سامي عزيز حواط، الذي تدبر امر اجازتي لمدة 18 ساعة، اذ اتصلت بوالدي ليرسل لي برقية تشعرني بمرض والدتي، وان عليّ الحضور لانها تلح بطلب رؤيتي. وصلت الى حمص، اتصلت مع مسؤولي المنفذية لتسجيل اسمي مع الوفد، ودفعت ما يترتب عليّ، كانت المنفذية قد استأجرت سيارتيّ باص لنقل القوميين الاجتماعيين والمواطنين والاصدقاء. في تلك الايام، كان علم الحزب الذي صمم ايام رئاسة نعمة تابت هو غير راية الزوبعة الحمراء، ولهذا فان منفذية حمص وبالسرعة القصوى اعدت اعلام الزوبعة لنرفعها على السيارات التي تقلنا. وصلنا طرابلس ونحن نلوح بالاعلام، هتافاتنا تشق عنان السماء وانضممنا الى منفذية طرابلس واتجهنا سوية الى مطار بيروت. كان الطريق مزدحما بالسيارات التي ضاقت بالركاب، مما اضطر العديد للوقوف على سلالمها واسطحتها، هذا عدا السيارات الخاصة والدراجات النارية. بينما الموكب في طريقه الى المطار، كانت جماهير غفيرة تصطف على جانبي الطريق، وكانت عمدة التدريب قد هيأت يافطات باسم كل منفذية ووحدة حزبية مع ارقام لكل سيارة. نزلنا من السيارات بناء على تعليمات عميد التدريب، اصطففنا صفوفاً نظامية، ونحن نترقب وصول الطائرة التي تقل الزعيم، وما ان حلّقت الطائرة فوق مطار بيروت حتى اشرأبت الاعناق وخفقت القلوب وكلنا لهفة لرؤية الزعيم القائد. يطل الزعيم من باب الطائرة ويستقبله موظف الامن العام، وما ان هبط السلم حتى احاطه المسؤولون الحزبيون المركزيون: نعمة تابت، فؤاد ابي عجرم، معروف صعب، عبد الله صعب، عبد الله قبرصي، عبد الله سعاده، فايز الصايغ، الياس جرجي قنيزح، مأمون اياس، وعبد الله محسن، وسواهم ...، ثم صعد الى السيارة المخصصة لانتقاله، تتقدمها الدراجات النارية وسيارات الجيب التي تقل الحرس، شرفات المنازل والاسطح مليئة بالمواطنين، والعشرات تسلّقوا الاشجار واعمدة الكهرباء والهاتف. لقد كان يوم الثاني من اذار عام 1947 يوما مشهودا، وحدثا عظيما في تاريخنا، اذ توافد القوميون الاجتماعيون والاصدقاء من الشام وفلسطين والعراق والاردن، ومن لواء الاسكندرون وانطاكية، ومن كل مدينة وقرية ودسكرة في الوطن. امواج، بشرية زحفت، وهي ترفع يافطات الترحيب. ويصل الموكب الى بيت الامين مأمون اياس في الغبيري. ويطل سعاده على مستقبليه من شرفة الطابق الثاني، تتعالى الهتافات بحياة سورية وحياة سعاده، حياة من وقف نفسه على خدمة امته ووطنه، عاملا لحياتهما ورقيّهما، وامينا للمبادئ التي وضعها، وتدوي عاصفة من التصفيق التي توقفت عندما رفع الزعيم يده بالتحية، ويسود الصمت بانتظار سماع الخطاب التاريخي، الذي هزّ العروش الكرتونية والكراسي التي يتمسك بها المتسلطون على رقاب ابناء امتهم ووطنهم. ذلك الخطاب الذي وضع حدا لمن كانوا ينادون بالواقع اللبناني. لقد عاد سعاده الى الوطن بعد اغتراب قسري دام تسعة سنوات، ومما قاله في خطابه: (ان الكيان اللبناني هو وقف على ارادة الشعب اللبناني، وقد اثبت الشعب في جميع مواقفه انه يضع ارادة الشعب فوق كل اعتبار في هذا الصدد)". * ومن المقالات الجديرة بالقراءة من كتابه "ايام في الذاكرة"، "درس في النظام" وكان نشرها في جريدة "المستقبل" الصادرة في سدني في ايار من العام 2008. " في الرابع من آذار 1944 كان يوم انتمائي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي اثر قناعتي بمبادئه ولم أكن على معرفة بمؤسس الحزب الزعيم انطون سعاده إلا بالاسم والصورة لدى مطالعتي لمجلة الجيل الجديد التي كان يرأس تحريرها الرفيق فريد مبارك. في أواخر شباط 1947 ايام كنت اؤدي الخدمة العسكرية اتيت الى مسقط رأسي حمص بإجازة قصيرة وقد زارني الرفقاء وعلمت منهم انهم سيتوجهون الى بيروت يوم الاول من آذار لاستقبال الزعيم العائد من مغتربه القسري في الثاني من آذار انها مفاجأة سارة وبات على تدبير امر اشتراكي من حيث حصولي على اجازة وتغطية اجور السفر رأتني والدتي بحيرة من الامر، ولما سألتني أعلمتها بما انا عليه فما كان منها الا ان سحبت من جيبها ما كانت وفرته وناولتني اياه وبقي امر تدبير الاجازة، فعرضت ذلك على كاتب قطعتنا الرفيق سامي عزيز حواط، فتدبر باعطائي اجازة 48 ساعة استناداً الى برقية ارسلها لي والدي تشعرني بمرض والدتي وانها تلح بطلب رؤيتي. توجهت الى حمص واتصلت بالمسؤولين في المنطقة وسجلت اسمي وسددت ما يترتب علي. في تلك الايام كانت راية الحزب ايام الرئيس نعمة ثابت هي غير راية الزوبعة الحمراء بل مجرد خطان متقاطعان والرموز حرية، واجب، نظام، ثورة. لهذا وبالسرعة القصوى أُعدت رايات الزوبعة الحمراء ورُفعت على السيارات التي تنقلنا، وصلنا الى طرابلس ونحن نلوح بالاعلام وهتافاتنا تشق عنان السماء. وانضممنا الى منفذية طرابلس واتجهنا سوية الى مطار بيروت، كان الطريق مزدحماً بالسيارات التي ضاقت بالركاب من قوميين واصدقاء للحزب مما اضطر العديد للوقوف على اسطح الباصات وسلالمها هذا عدا السيارات الخاصة والدراجات النارية، وبينما الموكب بطريقه الى المطار كانت الجماهير الغفيرة تصطف على جوانب الطريق وكانت عمدة التدريب قد هيأت يافطات باسم كل منفذية ووحدة حزبية مع ارقام لكل سيارة وبناء على تعليمات اوعز بها عميد التدريب، اصطففنا صفوفاً نترقب وصول الطائرة التي تنقل الزعيم وما ان حلقت الطائرة فوق المطار حتى اشرأبت الاعناق وخفقت القلوب والكل بلهفة لرؤية الزعيم القائد الذي اطل من باب الطائرة يستقبله موظف الامن العام وما ان هبط السلم حتى احاط به المسؤولون في الحزب، نعمة ثابت، فؤاد ابي عجرم، معروف صعب، عبدالله قبرصي، الياس جرجي، مأمون اياس، عبدالله محسن، جورج عبدالمسيح وسواهم ثم صعد الى السيارة المخصصة لانتقاله فتقدمتهما الدراجات النارية وسيارات الجيب التي تقل الحرس وكانت شرفات واسطح البنايات مليئة بالمواطنين وبعضهم من تسلق الاشجار واعمدة الكهرباء والهاتف. لقد كان يوماً مشهوداً وحدثاً عظيماً في تاريخنا، فقد توافد القوميون الاجتماعيون والمواطنون الاصدقاء من الشام وفلسطين والاردن والعراق ولواء الاسكندون وانطاكية ومن كل مدينة وقرية ودسكرة في الوطن، امواج بشرية زحفت ترفع يافطات الترحيب وبوصول الموكب الى بين الامين مأمون اياس في الغبيري يطل سعاده من شرفة القصر تتعالى الهتافات بحياة سورية وحياة سعاده، حياة من وقف نفسه على خدمة وطنه وامته عاملاً لحياتها ورقيّها واميناً للمبادئ التي وضعها وتدوي عاصفة من التصفيق التي توقفت عندما رفع الزعيم يده بالتحية، ويسود الصمت بانتظار سماع الخطاب التاريخي الذي هز العروش الكرتونية والكراسي التي يتمسك بها المتسلطون على رقاب ابناء امتهم ووطنهم. ومما قاله في خطابه "ان الكيان اللبناني هو وقف على ارادة الشعب اللبناني وقد اثبت الشعب في جميع مواقفه انه يضع ارادة الشعب فوق كل اعتبار في هذا الصدد". صباح اليوم التالي صدرت الصحف وفي صفحاتها الاولى خبر عودة الزعيم ونص خطابه التاريخي المهم الذي وجدت فيه السلطات اللبنانية المتحكمة احراجاً لها فأوعزت الى المراجع القضائية بإصدار مذكرة توقيف بحق سعاده مقابل ذلك ارادت محاسبة القوميين وانتقل الزعيم الى مناطق الجبل يحيط به جبابرة من اعضاء الحزب. وكان سعاده يقوم بنوبة الحراسة كغيره من القوميين تجاه الامر الواقع وصمود القوميين الاجتماعيين بوجه الطغيان وخنق الحريات، اضطرت تلك السلطات الى سحب مذكرة التوقيف. وكانت بعض الصحف قد اوفدت محرريها للاتصال بالزعيم والحصول منه على تصريحات ومقابلات تتعلق بمواقفه من تلك التعديات التي عمدت إليها السلطات. في معسكرات قطعنا وصلتني مجلة الحزب وعلى صفحتها الاولى العنوان البارز "وصول سعاده الى دمشق وحلوله في بيت الرفيق رياض سكر". وبما انني لم ار الزعيم إلا في تلك الوقائع يوم عودته الى الوطن منذ كنت تواقاً للاجتماع به الاستماع الى حديثه، سارعت الى مغادرة المعسكر متجهاً الى دمشق حيث ذهبت الى محل الرفقاء يوسف يازجي وجورج بلدي، وحصلت على عنوان بيت الرفيق سكر ولدى وصولي على العنوان صعدت الى حافلة الترام تغمرني السعادة. وصلت الى هناك فوجدت الرفيق مظهر شوقي يقوم بمهمة الحراسة قدمت له التحية فسألني عما اريد اجبته لقد اتيت لرؤية الزعيم قال لي ان الزعيم مشغول مع وفد من اهالي اليوان جاؤوا للتعرف عليه والترحيب به وقد يستغرق ذلك اكثر من ساعة، قلت له سأنتظر ولو كان ذلك دهراً بكامله فتناول ورقة وكتب اسمي وسلمها لأحد الرفقاء الذي قام بتسليمها الى الزعيم. بعد نصف ساعة خرج الوفد يرافقهم الزعيم مودعاً ومن ثم اتجه نحوي وخفق قلبي غبطة وسروراً متهيباً ذلك الموقف متسائلاً هل انني في حلم ام يقظة وبينما كنت بهذه الحالة وصل الزعيم تعلو ثغره الابتسامة فانتصبت واقفاً بوضعية الاستقامة مؤدياً التحية وسألني الزعيم: "نعم رفيق فهد"، أجبت: "حضرة الزعيم لقد حضرت من اجل رؤيتكم"، نظر اليّ مقطباً حاجبيه متسائلاً: "كيف تترك واجبك العسكري وتأتي لرؤية شخص انطون سعاده، اين انت من النظام ومن معرفة الواجب، هل نسيت ذلك؟" اصابتني الدهشة لا بل الانزعاج اذ كيف احضر لرؤيته ويقابلني بمثل تلك المقابلة وما ان لاحظ ما عليّ حتى امتدت يده ورفع القبعة العسكرية عن رأسي واضعاً اياها على رأسه قائلاً لي: رفيق فهد هل يليق الزي العسكري بالزعيم انطون سعاده، ابتسمت لهذه اللفتة التي اراد بها ارضائي واجبت: نعم، رائع جداً حضرة الزعيم. رفع يده وربت على كتفي وهو يقول لي: تعود تواً الى المعسكر لتقوم بواجباتك وان الواجب حيث هو احد رموز حركتنا السورية القومية الاجتماعية. عدت الى المعسكر وبكل فخر واعتزاز لما سمعته من حضرة الزعيم ورويت ذلك للرفقاء الذين كانوا بانتظار عودتي وسماعهم ما جرى معي وابلغتهم تحيات الزعيم.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |