شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2024-03-06 |
وهيب عودة: الشاعر المنسي |
نشرت جريدة "البناء" الاسبوعية في عددها رقم 56 بتاريخ 1/4/1972 القسم الأول من ملحمة شعرية بعنوان "ثامار". قبل ذلك كانت جريدة "الجيل الجديد" الصادرة في دمشق قد نشرت في أحد أعدادها، العام 1952، الملحمة الشعرية المذكورة. صاحب تلك الملحمة شاعر قلّما سمع به المواطنون باستثناء قلة من الذين تقدم بهم العمر خاصة في بلدته أنفه، هو الشاعر المهجري وهيب عودة. من المؤسف أن الشاعر الذي عرف كثيراً في المهجر البرازيلي وله العديد من القصائد المنشورة في مجلات وصحف الوطن والمغترب البرازيلي، وثلاثة دواوين لم تطبع، تناسته لجنة التكريم التي اكتفت بأن أقامت له حفلة تأبينية، كما تناسته وزارة الثقافة، مثله مثل العشرات من شعراء المهجر الذين وافتهم المنية مرتين: الأولى عند وفاتهم، والثانية عندما أسقطتهم من الذاكرة وزارة الثقافة والهيئات الثقافية العاملة في لبنان، فلم تر في شعراء المهجر سوى قلة ضئيلة منهم، فيما ضاع العشرات من الأفذاذ، ليس الشاعر وهيب عودة إلا نموذجاً لهم . فماذا عنه ؟ * نشرت "البناء" في عددها تاريخ 25 آذار 1972 النبذة التالية عن الشاعر وهيب عودة: • ولد الشاعر وهيب إسكندر عودة في بلدة أنفة – الكورة، في 28 آب 1912(1) . • تلقى علومه الابتدائية في مدرسة "المساواة الوطنية"، أنفة، وأكمل علومه العالية بين المدرسة الأميركية – طرابلس، والكلية الإنجيلية – حمص، حيث تخرج منها عام 1929 ليكمل دروسه في الجامعة الأميركية - بيروت. • مارس التعليم مدة، وكان يكتب في جريدة "الرائد"(2) الطرابلسية وفي صحف أخرى. • وصل البرازيل في 14 شباط سنة 1949، ومارس التجارة كما كتب في عدة صحف ومجلات. • توفي في 23 شباط 1959 في مدينة الريبارون بريتو Riberâo Preto (ولاية سان باولو). • تألفت لجنة في سان باولو لإحياء ذكراه من كبار رجال الأدب في الجالية السورية هناك، كما تألفت لجنة أخرى في الوطن لإحياء ذكراه حيث أقيمت حفلة تذكارية في مسقط رأسه في 21 حزيران 1959. إلا أن "البناء" لم تشر في النبذة عن الشاعر وهيب عودة أنه تولى مسؤولية منفذ عام الكورة في الحزب السوري القومي الاجتماعي. فهذا ما يوضحه العدد الثاني (أول تشرين الثاني 1944) الصادر عن النشرة الحزبية الشهرية لعمدة الإذاعة، إذ يورد في باب التعيينات أن الرفيق وهيب وهبه عين منفذاً منتدباً لمنفذية الكورة العامة بدلاً من الرفيق شفيق غنطوس(3) المستقيل . * عنه نشر الأديب جرجي ساسين مقالة في العدد التاسع، عام 1958، من مجلة "النور"، نقتطف منها المعلومات التالية: • اقترن من ابنة خاله، هيفاء ميشال سامي الخوري، في أوائل الأربعينات ورزقا بثلاثة أولاد: مريانا، فدى واسكندر. • عمل في شركة الترابة اللبنانية في منطقة شكا، وإذ آلمه وضع العمال سعى إلى المطالبة بإنشاء جمعية نقابية تدافع عن حقوقهم مما أدى إلى طرده من الشركة مع عدد آخر من العاملين فيها، فانتقل للتدريس في مدرسة "المساواة الوطنية"، وكان مسؤولاً عن "جمعية أرزة لبنان للخطابة" لتشجيع الطلاب على إتقان الخطابة وإلقاء الشعر. • كان ينشر قصائده في الصحف الشمالية، الرائد، والأفكار(4)، وبعض صحف بيروت. وعمل عضواً في "الرابطة الأدبية الشمالية". • غادر إلى البرازيل عام 1949 مع خاله سامي خوري على أن يعود إلى لبنان بعد الزيارة، لكنه استقر هناك وأرسل في طلب عائلته. وفي البرازيل رزق بابنته سعاد. • تابع في المهجر نشاطه الأدبي والاجتماعي وكان يراسل الوطن الأم والأهل حتى وفاته في 23 شباط 1959 إثر مرض مؤلم ودفن في البرازيل. أقيـم له جنـاز في أنفة مع تأبين عند مدفن العائلة في ساحة كنيسة القديسة كاترينا، وتألفت لجنتان لإحياء ذكراه في لبنان(5) وفي البرازيل(6) حيث جرى تكريمه في 28 آب 1959(7) (ذكرى مولده). وفي لبنان أقيمت حفلة التكريم في 21 حزيران 1959 في مدرسة جبران مكاري (المساواة الوطنية سابقاً) ابَنه فيها تسعة خطباء وشعراء(8). • نشرت "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم" بعض أشعاره سنة 1971، تكريماً لذكراه. * وعن الشاعر وهيب عودة، يقول الاستاذ عبدالله قبرصي أنه "كان شاعراً، أديباً وخطيباً وكان بالنسبة للحزب ممتازاً بفهمه للعقيدة والتبشير بها. كان يعد بان يصبح ركناً كبيراً للحزب ليس فقط في الشمال، بل على امتداد أرض الوطن، لأنه لم يكن عادياً في فهمه للعقيدة وفي ممارستها. أنا شخصياً، يتابع الأمين قبرصي "كنت أنتظر من وهيب عودة مؤلفات، وبخاصة في مواضيع عقيدتنا ونظامنا". الأستاذ جبران جريج يتحدث عن الشاعر وهيب عودة في أكثر من مكان في الجزء الثاني من مجلده "من الجعبة"، وإن لم يورد تاريخ انتمائه. في الصفحة 215 يقول الأستاذ جبران: أما في الكورة فقد انتشر الحزب بشكل عجيب غريب، والأعجب من ذلك كيف استطاع المسؤولون اللحاق بسرعة هذا الانتشار. كان قد تعين للمنفذية ناموس هو الرفيق حليم عكر من كفرحزير وشفيق غنطوس للرياضة من أميون وهو الخبير بالشؤون الكشفية، منذ قبل انتمائه إلى الحزب، فكم من فرقة كشفية أنشأ في الكورة وتابعها بشكل منتظم رائع. أما للإذاعة فقد تشكلت لجنة إذاعية من الرفقاء ذوي الطاقات والمواهب الثقافية وإن كان أكثرهم حديثي الانتماء أمثال عبدالله سعاده من أميون، وهيب عودة الشاعر، عزيز جبور من أنفة، أضف إليهم جبر جوهر صاحب جريدة "الرائد"، وبعدهم نبيل مكاري وإبراهيم نخول ثم وجيه الأيوبي، الشاعر من بلدة نخلة. من جهتها تورد جريدة "النهضة" في عددها 25 تاريخ 11 تشرين الثاني 1937 اسم الشاعر وهيب عودة في عداد وفد من بلدة أنفة ضم أيضاً الرفيق الصحافي جبر جوهر والرفيق توفيق عودة، قام بزيارة مكتب "النهضة" إثر ما نشره الكاتب الاقتصادي في الجريدة حول موضوع إلغاء الملاحات على الشواطئ البحرية معتبراً "أن هذا الإلغاء يجر على ألوف اللبنانيين الشقاء والفقر والتعاسة" ومطالباً الحكومة أن تعدل عن تدبيرها هذا وتشجـع القائمين باستخراج الملح في لبنان لأنه مورد قومي جيد . * هذا هو "بعض" وهيب عودة، الشاعر المقيم والمهجري الذي عرفته جيداً المناسبات القومية والعامة في الوطن وفي البرازيل، ولتكريمه تشكلت لجنتان اكتفيتا من ذلك بإلقاء الخطب والقصائد، فلم تعمد أي منهما إلى إصدار دواوينه الثلاثة التي في عهدة زوجته وأولاده في البرازيل، كما يفيد الكاتب محسن أ. يمين، ولا مخطوطته "ثامار" التي في حوزة شقيقه توفيق(9) . لعلنا في هذه المقالة نضيء على شاعر منسي ونقول لمن عرفه في بلدته أنفة أن لا يزيدوا من غربته، ومن مماته، بل أن يحاولوا استعادته للذاكرة وللبقاء حيا عبر ما أنتج وأعطى. * مـن شـــعـره أعدّ الشاعر وهيب عودة قصيدته هذه ليلقيها في احتفال أقيم في مدينة "أراراكوارا" (ولاية سان باولو) في 8 تموز 1952، في الذكرى الثالثة لاستشهاد سعاده، إلا أن أسباباً صحية اضطرته لعدم إلقاء القصيدة بنفسه، فألقاها عنه رفيقه يوسف رعد . أنت حيٌّ فينا قبّليه على الجبين المجعَّدْ قبلةَ الحقّ للجهاد المجرّدْ وامسحي جرحك المدمّى بطيف من رداه ، فكم جراحٍ ضمَّدْ عبقريٌّ هو. وثورةُ قدس في دمِ الأمَّة الأبيّة تُوقَدْ * بورك الحقُّ يا بلادي فلولاك، لكان الوجودُ منه مجردْ بورك الخيرُ، خيرُ تربتك السمحاء، يكسو الدنى جمالاً يُعبد بورك الخصبُ، لا تملُّ أياديك عطاءً، وبورك النورُ يمتدُّ تخلقين الأبطال في الزمن الصعبِ، لحطم القيد العتيّ المعّقَّدْ لا تموتين. والحياة صراع كلَّ من مات في هواك تمجَّد غير أن الأولى تعاموا عن النور، فناموا والجهل في كلّ مرقد هالهم أن تُزاح أغطيةُ الجهل (الليل) فتبدو أوهامُهم تتبّدد طعنوا الأمة العظيمة في الظهر، وعقّوا الذي هداهم وجدَّدْ فاكتسى معطفُ التحرّر لون الدم السمح على ثورة ليس تُخمد فانطلقنا زوابعاً هادمات بانياتٍ معالم المجدِ بالجّدْ نقحم النجم أين حطَّ ونسمو في هضاب إلى العلى تتمدَّدْ رجلنا في التراب تنبت خيراتٍ وأهدافنا جبين الفرقد * بورك الجرح يا بلادي يسيل العزّ منه على رتاج المعبد رشفته جراح أمتنا الظمأى، حياةً ونهضةً تتوقّدْ فاندفعنا نزيح أثقال ماضينا، ونرنو إلى المعالي وننهد أمّةً في جراحها كبرياءٌ حبّذا الموت مع نبيل المقصد * يا زعيمي، يا وقفة العزّ، والموتُ شجاعاً عيشي إليك فينهدّ يا زعيمي، يا وجه أمّتي المثلى، ويا صورة الجمال المفرد يا انتصار الحقّ الذبيح على الظلم، في حلبة الصراع المجدّد كلّ ما فيك قد دفعتَ سخيّ النفس للأمّة التي تتشيّدْ أيّ سيل من الدماء غزير أنتّ فجّرته ندى لا يُحدَّد ما سلوناك، والعراك سجالٌ قائداً عن مراده ليس يرتدّْ ما سلوناك هادياً وزعيماً وشجاعاً على القيود تمرّد أنت حيٌّ فينا وفي سوريانا ووفانا كما خبرت وتعهد أنت حيٌّ فينا، وتلك الشواطي حاضناتٌ ذكر الفداء المؤبَّد وهتاف الأجيال: " يحيى سعاده" سوف يبقى حقيقة تتردّدْ ** من شعره أيضاً
إذا تلفتُ صوب المجد إسأله أراه يدفعني من كل شبـاك فيزرع العز في دربي مثلما زرعت أنامل الأمة العظمى مزاياك أماه في أمتي عزّ ومكرمة ونهضة تتحـدى كل أفـاك * من قال أن الدين يهدم موطناً فهو المهدم والدعي المقلـق لا تخلطوا فالدين يجمع شملنا والطائفيـة تدعـي وتفـرق * بالدم السمح صبغنا العلما قل لهـم للـذي مـا علمـا إننا نمشي إلى استقلالنا أمة تسعـى ولـن تستسلمـا فمن السجن بعثنا أمة ومن المنفى نسجنـا العلمـا * من قصيدة "يا معلم" نُشرت في مجلة "الرابطة" التي كان يصدرها الأديب والمؤرخ نواف حردان في سان باولو – البرازيل : قلتها .. يا معلم قلتها تلهب المدى قلتها .. ما أعزها ، أنا أمضي وإنما حسبهم ، ما أذلهم والعظام التـكسرت حسبهم أن ليلهـم والنفوس التي لهم نعموا . ويل قاتل وانتشوا ، ويـح ظالم قبلما ينطق الدم في قوانا وتضرم يوم قالوا وغمغموا يبقى حزبي المنظم لحمك الغض يلقـم والرصاص المدمدم بالعمايـات مـظلم بالحـزازات تفقـم بضحايـاه يـنعـم ينتشي وهو يظلـم * * * نحن في الذكرى ننحني إننـا يــا معلـم كـل عيـن وملثـم كـل فكـر وخاطـر كـل عقـل وخافـق فابتسـم يـا معلـم كـل أعداك طأطأوا لهـم اللحـم والـدم لهـم لقمـة الفنــا ونناجـي ونـقسـم لسنـا ننسـى ونسأم ثغـر " تموز " يلثـم مـن معانيه يلهـم مـن أضاحيه يولم كـل أبنـاك أسلموا رأس ذل وتمتموا ؟ ولنا الـروح تطعـم .. ولنا الخلد موسـم هوامـش (1) والدته: مريانا جرجس الخوري عودة . (2) لصاحبها جبر جوهر من بلدة أنفة . (3) أ. تولى مسؤولية منفذ عام في الكورة، تعرض للاعتقال أكثر من مرة، غادر إلى استراليا وفيها وافته المنية . ب. تسمية "ناظر التدريب" في حينه . (4) لصاحبها جورج اسحق الخوري (1912-1984) . (5) من بين الأسماء التي يوردها الأديب محسن أ. يمين في كتابه "وجوه ومرايا": غسان تويني، الاستاذ عبدالله قبرصي، المحامي ألبير لحام، الأب رومانوس جوهر، المحامي فوزي غازي، المربي نسيم حنا نصر، الأستاذ موسى سليمان، الشاعران سليمان نصر ويوسف الخال، جورج اسحق الخوري (صاحب جريدة "الأفكار" الطرابلسية) والشاعر عبدالله شحادة (من كوسبا) . (6) ضمت اللجنة في البرازيل (عن مقالة الأديب محسن أ. يمين) كلاً من البرتو شكور، د. فضلو حيدر، فؤاد لطف الله ، يوسف فاخوري، حبيب مسعود، الدكتور جورج نجار، جورج حسون، الصحافي موسى كريّم، توفيق الريس، الشاعر مخايل مخول الخوري، الشاعر توفيق بربر، عبدالله بلحوس، شفيق معلوف، سامي جبارة، خير الله حداد، فؤاد نصر الله، أنطون حيدر، إيلي حايك، ظافر مكاري وأديب دمعة . (7) يورد الأديب محسن يمين أن الحفلة التكريمية للشاعر عودة أقيمت في نادي راشيا في سان باولو وتكلم نثراً وشعراً كل من: ظافر جبران مكاري، البرتو شكور (منفذ عام الحزب السوري القومي الاجتماعي في البرازيل) فيليب لطف الله (قصيدة) توفيق الريّس، يوسف فاخوري (قصيدة) حبيب مسعود، توفيق بربر (الشاعر المهجري المعروف، من الحاكور، عكار) وراتب خوري عن آل الفقيد . (8) يورد الأديب يمين أسماء الخطباء والشعراء على الوجه التالي: الاستاذ موسى سليمان (عن الجامعة الأميركية)، المحامي ألبير لحام (عن حركة الشبيبة الأرثوذكسية)، المحامي عبدالله قبرصي (عن الحزب القومي الاجتماعي)، سلوى محفوظ (عن المغتربين - البرازيل)، المحامي فوزي غازي (عن الكورة)، الشاعر كمال خير بك (عن "الشعر الواعي")، الاستاذ غسان تويني (عن الصحافة)، الشيخ عبدالله العلايلي (عن "الأدب الرفيع") وعزيز جبور (باسم عائلة الفقيد) . (9) توفي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي .
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |