شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2024-07-11 |
يــــا لـــــلــــهــــول(*) بقلم الأمين جهاد العقل |
يا لعظمة ليلة الثامن من تموز في تاريخنا القومي الإجتماعي. يا لهول ذلك الفجر التموزي الذي تردّد فيه صدى زخات الرصاص، مخترقة صدر الحياة، مزوبعة، بدماء زكية حمراءــ وقفة عزّ هزّت أرجاء الأمة التي وهبها سعاده حياته دفاعا عن كرامتها وهيبة حزبه. يا لعظمة ذلك الفجر التموزي الذي أوحى فيه سعاده، لشعبنا، لقادة الفكر فيه، لسلطته الرابعة، الممثلة بصحافته التي هبّت مستلهمة لغتها الجديدة؛ من ثورته، من وقفته البطولية التاريخية أمام جلاديه في المحكمة، ومن مراحل طريق جلجلته، إلى إنبثاق فجر الثامن من تموز، في جمعته المقدسة، حيث الزمن توقفت عقاربه عند زاوية قائمة مشيرة إلى الثالثة والثلاثين دقيقة ــ زاوية قائمة مدوّية "لتحي سورية". يا لعظمة ذلك الفجر التموزي الذي أوحى فيه سعاده لصحافتنا أبجدية جديدة معمّدة بأزكى الشهادات ــ بالدّم الزكي من أجل مبدأ سام شريف، هو مبدأ الحياة للأمة كلّها. محطتنا، في هذه المقالة التموزية الموجزة، أمام مجموعة من عناوين وتعليقات الصحف التي صدرت في بيروت ودمشق بعد "اغتيال سعاده الرسمي"، المدوّن "حكماً باسم الشعب اللبناني" زوراً وعاراً في سجلات تاريخ مجرمي الأمة في الكيانين اللبناني والشامي. هذا "الحكم" الذي وصفه سعاده في مرافعته الإستشهادية بـ "الحكم الهمجي المتوحش"، واعتبره "مؤامرة ضده وضد حزبه"، ومخالفة مفضوحة لقوانين الدول "التي لا تجيز محاكمة رجل والحكم عليه بالإعدام وتنفيذ الحكم بمثل هذه السرعة الغريبة العجيبة . فبين اعتقالي ومحاكمتي واعدامي ساعات معدودة، وهذا أمر لا تجيزه القوانين، ولن تسكت عنه الأجيال...". كانت صحف بيروت السباقة إلى إبراز عناوينها الرئيسية بأخبار "اعتقال سعاده ومحاكمته واعدامه"، ومن بينها: التلغراف، الزمان، الشرق، البيرق، العمل، النداء، الرواد، بيروت، الصياد والنهار التي صدّرت صفحتها الأولى بعنوان "أنطون سعاده يطلب مشاهدة الرصاص يخترق صدره وهو طليق اليدين"، والأبرز في هذه الصفحة الإفتتاحية "سعاده المجرم الشهيد" بقلم رئيس تحريرها غسان تويني الذي تحدث عن "عبء الفاجعة" التي أصابت الناس بما حدث مع سعاده، فكتب: "وُفِّق المسؤولون في اعتقال أنطون سعاده، والتحقيق مع أنطون سعاده، ومحاكمة أنطون سعاده، والحكم على أنطون سعاده بالموت، والتصديق على الحكم ثمّ إعدام أنطون سعاده، بسرعة ذهل لها الناس، وصرعوا، فعجزت العقول عن استيعاب الحدث، وعجزت عن إدراك مغزاه، وكأنّها رزحت تحت عبء النبأ. بل تحت عبء الفاجعة. لا تعرف كيف تبدي رأياً، حتى الإنسان الذي كوّن على كره سعاده ومبادئه ما كان يقول قولا غير ذلك القول: يـــا لـــلـــهـــول.. وهو يكاد لا يعرف ماذا يقول! وكاد الناس لا يعرفون ما إذا كان أنطون سعاده قد أعدم أم قُتل، وإذا كان الذي جرى محاكمة أم مؤامرة "! وأشاد سعيد فريحه في صحيفته "الصياد" بهدؤ سعاده ورباطة جأشه من لحظة اعتقاله حتى استشهاده، مروراً بفصاحة لغته الواضحة في ارتجال دفاعه عن نفسه مدّة ساعة ونصف متواصلة. إلى تلقيه حكم الموت كأنّه تلقى دعوة الى الغداء، والى النوم، بعده، ملء جفنيه كأنّه حكم عليه بالنوم لا بالموت. جريدة "القبس" الدمشقية، من بين أبرز الصحف الشامية، التي تتبّعت في أعدادها الصادرة، على امتداد أكثر من شهر، تداعيات اغتيال سعاده، وكان الأبرز فيها: مشهدية مواجهة سعاده لحكم الإعدام و"الإفتتاحية" التي كتبتها "شخصية كبيرة من حماة" بعنوان: "استضعفوك فوصفوك"، والردّ على جريدة العمل الكتائبية . ومن العناوين الرئيسية في جريدة "القبس": "سعاده يقابل الموت بثبات ويرفض الإنحناء على الأرض ويتملّص من ربط عينيه". "12 رصاصة تخترق قلبه فيهوي عن خشبة الموت ويوصي لزوجته وبناته بأملاكه المنقولة وغير المنقولة" "عندما نزل من سيارة الجيب وقعت عيناه على خشبة الموت، وقد اصطف أمامها 12 جنديا، فلم يبدِ عليه أي تأثر أو انفعال، بل سار نحوها ثابت الخطى، وهناك ألبس الثوب الأبيض، ووقف يستمع إلى حكم الإعدام، وبعد ذلك طلب إليه أن يركع على الأرض، قال إنّني أفضّل الوقوف، فالحجارة تؤلمني، وشدّت يداه بعد ذلك إلى الخشبة المنصوبة في الساحة. وعندما أرادوا ربط عينيه، قال إنّني أفضّل الموت مفتوح العينين، فقالوا له: إنّ هذه هي النظم المتبعة، فأجاب إنّني أحترم القانون. فافعلوا ما تشاؤون، وعندما شدّ الجلاد ربط العصابة على عينيه، قال له: مهلا..". أما كاتب افتتاحية "استضعفوك فوصفوك" (ويعتقد أنّه مطران حماة)، فكانت صفعة في وجه قتلة الأنبياء والقديسين: "لكنّني أتمثّل ذهنية القابضين على دفّة الحكم في لبنان، فهم الذين توهّموا في أنطون سعاده، فروجاً فقتلوه، ووصفوه علاجا للأزمة التي يتخبطون فيها مع المعارضة القوية، وقدموا رأسه على طبق هديّة لجمهرة الكتائب التي يخطبون ودّها كما فعل هيرودس برأس يوحنا حينما قدّمه لإبنته هيروديا ". ولعلّ الردّ، الأكثر عنفا، على ترهات جريدة "العمل" الكتائبية، ورد في زاوية "حديث المساء" في "القبس" التي وصفت الكتائب بالدونكيشوتية التي لا تظهر إلا حينما تخلو الساحة ويقفر الميدان: "...إنّ الكتائب و"العمل" لم تحترما رهبّة الموت من أجل العقيدة والمبدأ والرأي، ولا وقفتا موقف الشرف من جلال الدنيا الثانية، التي ذهب إليها سعاده، ولا موقف الرجولة من النكبّة التي حلّت بالقوميين وحزبهم وعميدهم، بل راح كاتبهم في جريدتهم، يقول عن أنطون سعاده وحزبه " لن نطعن في جثّة، فما كانت تلك شيمتنا" ثم يسترسل فيطعن ويضرب ويطلب النزال مع الرجل الذي أرداه الرصاص، وأواه التراب، ومع الحزب الذي حلّت به النكبات، والواقع إنّ الذين استحوا ماتوا، وإنّ رجولة الكتائب وأمثالها من الطفيليات لا تظهر إلا عندما تخلو الساحة ويقفر الميدان ...أنطون سعاده أعدم وحده، وشمل العفو حلفاء "اسرائيل" وأعداء لبنان ". نعم، ياخجل تلك الليلة في سجلهم الأسود الملطخ بالإجرام والخيانة والعار. ويا لعظمة تلك الليلة في تاريخ نهضتنا القومية الإجتماعية ــ تاريخ الأمة المكلّل بالنصر والفخر والغار الذي عمّده سعاده بدمه الزكي، بوقفة العزّــ قدوة لأجيال الأمة في معنى التضحية بالذات في سبيل خير المجتمع. ونختم بألم وأمل، بعبارة سعاده في مرافعته التاريخية: "وإذا كانوا قد انتصروا عليّ بوقت قليل، فإنّ حزبي سينتصر عليهم إلى الأبد. وإذا كانوا قد ظلموني فإنّ الذين يقولون قولي ويؤمنون بعقيدتي سينتقمون". (*) ألقيت في الثامن من تموز 2024
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |