شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2024-09-07 |
جان داية الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم |
من بين الرفقاء الذين عرفتهم في ستينات القرن الماضي اذكر بكثير من الحب ومن التقدير الرفيق جان داية الذي كان نشط في منطقة انطلياس متولياً مسؤوليات حزبية، منصرفا الى العمل الاذاعي واكثر الى الكتابة والتأليف والبحث، ونشر الكثير من الكتابات في الصحف مستمرا في ابداعه، ناشراً الكتب والأبحاث بعشق كبير لكل ما يخدم الثقافة القومية الاجتماعية. وكان اكثر ما حرص على إنجازه الكتب اللافتة عن الاديب سعيد تقي الدين وعن الكثير من الرعيل النهضوي مما يصعب تعدادهم انما يمكن الاطلاع على أسمائهم في الكتب العديدة التي أصدرها. تميّز الرفيق جان داية بإنتاجه الحزبي الغني بحيث انه لم يتوقف عن البحث مقرونا بدماثة اخلاق وبتواضع المؤمن بقيم النهضة، حيث انه اغنى المكتبة القومية الاجتماعية بالعديد من الكتب والأبحاث التي ستكون مرجعا لكل مهتم وباحث. اليوم نشعر بفداحة خسارته وندرك تماما اية قيمة حزبية تبوأها الرفيق جان، ونتساءل أما كان يستحق الرفيق جان داية رتبة الأمانة، او وساماً تقديرياً او احتفالاً يليق بالكثير الكثير مما انتج وترك لمكتبة الحزب هذا الفيض من الكتابات والأبحاث. * ليسوا كثر من يعرفون ان الرفيق جان داية الذي اقترن اسمه بمنطقة انطلياس وحضوره الحزبي في المتن الشمالي هو أساسا من من منطقة المصيطبة وقد افادني بذلك الرفيق جان، الذي كنت التقي به كثيرا منذ الستينات ومعه الرفيق الصديق المشترك هنيبعل عطية وبدوري كنت اعرف آل الداية في شارع الضناوي على مقربة من منزلنا ومن مكتب ومنزل الأستاذ بشارة مرهج. الأمين لبيب ناصيف، الرفيق هنيبعل عطية، الرفيق جان داية، الرفيق خليل الوزير والرفيق ريمون سعدالله في كل يوم آتٍ سنعلم اكثر واكثر كم كان الرفيق جان داية مولعا بطعاءاته الأدبية وبأبحاثه المتعددة القيمة وسيبقى اسمه مشعا الى جانب الكثيرين من المميزين الذين أعطوا الثقافة والادب ما يستحقونه. * من بين الذين كتبوا عن الرفيق جان داية اخترنا التالي: كلمة الأمين الدكتور جهاد العقل في الندوة التكريمية للرفيق جان داية بتاريخ 7/6/ـ2024، اوتيل سيرينادا- الحمرا،. رفيقي جان، غصة هي في القلب وألم يحزّ في النفس أن لا يكون إلى جانبنا سيد المنابر الرفيق جان داية ليتحفنا بأسلوبه الساحر الساخر في لقاء تكريمه، وكأنّي به كان سيعلّق، على هذه المبادرة، بكلمة شكرا لمحبتكم، أو بعبارة لم يحن الوقت بعد على تكريمي لأنني لم أكمل رسالتي، وباعتقادي أنّه سيقول لم يحن الوقت بعد، ودليلي هو إخباره في إصداره الأخير (سقط سهوا) أنّ كتبا ستصدر قريبا، وأخرى قيد الإعداد حسب علمي الأكيد. تعجز الكلمات، مهما كان عمقها الوجداني أن تفي هذا الرجل البحاثة الموسوعة الملتزم بقضية تساوي الوجود، حقّه في التكريم، وتقيدا بالوقت المحدّد لهذه المداخلة، سأكتفي بالاشارة إلى بعض معالم هذه الشخصية المحببة لكلّ من عرفها. تمّت عمادة جان ومسحه بميرون الانتماء إلى الحزب السوري القومي الاجتاعي في العام الثالث من انتظامه عندما استضافه القاووش رقم 14 في ثكنة المير شهاب لمدّة حوالي 100 يوما على أثر انقلاب 1962، وعلى الرغم من فشل هذه المحاولة وبطش السلطة واجرامها، فقد انقلب السحر على الساحر، إذ حوّل القوميون المعتقلون السجون إلى مدارس، أكّد رجالها أنّهم أبناء الحياة لا يهابون الموت متى كان طريقا إلى الحياة الحرّة. وجان كان واحدا من هؤلأ المناضلين، شاء من شاء وأبى من أبى، فانتاجه الثقافي ونضاله المتواصل خير دليل على قولنا. جان اختصر حياته الحزبية، بعد نصف قرن بهذه العبارة المؤثرة، التي دوّنها لي: "حياتي الحزبية يا رفيق جهاد لا بدّ أن تكون بخطوطها العريضة، وربما بتفاصيلها، بعض حياتك الحزبية خصوصا بعسلها الممزوج بالعلقم"، حقا يا رفيقي ما قاله سعاده: إنّ ألاما عظيمة تنتظر كلّ ذي نفس كبيرة فينا. جان رفيق شجاع مشاغب بامتياز، وصل سيف مشاغبته حتى حرم الادارة الحزبية فانتقدها مرارا وتكرارا، وفي المرّة الأخيرة لم يسلم من العقاب، فجمّدت طبائع الاستبداد عضويته لوقفته الجريئة مع المظلوم ضد الظالم، في نشره مقالة نقدية: "رحيل أبو وليد وترحيل أم وليد" دون إذن مسبق، يا لسخرية تسخير النظام ومسخه!. استهواه منذ البداية سعيد تقي الدين حتى الثمالة فهو في نظره نموذج الأديب المبدع والعقائدي الصلب، فلازمه على امتداد حياته الفكرية منذ اوائل الستينات حتى غيبوبته المؤقتة، فأصدر عنه عشرات المؤلفات ودقّق أخيرا كتبه الــ 25 وقدّم لها، وكان على وشك إصدار جديد عنوانه: "نهارك سعيد". غرامه بهذا الأديب، جعله موضع سخرية، حتى من أقربهم إليه، من فلذة كبده البكر أنيس ابن الخامسة الذي سخر منه لـ "سعتقيته" لكثرة ما يردّد اسم سعيد حتى أنّه طلب مازحا من والده ورقة وقلم ليكتب كلمة عن سعيد، فأصاب من جان مقتلا، فردّ على ابنه بمقالة في مجلة صباح الخير بعنوان "حتى أنت يا أنيس؟!"، وما أدراك ما مدى مقاربة هذا السؤال مع قول يوليوس قيصر لصديقه الذي غدر به وقتله: "حتى أنت يا بروتس؟". إلى هذا الحدّ وصل عشق جان لأدب سعيد وشخصيته وسيرته. جان دايه أنهك المكتبات الوطنية والعربية والأوروبية والأميركية بحثا وتقميشا وتدقيقا بحثا عن الأصول، لأنّ في ضياعها يضيع التاريخ، فساهم في صناعة التاريخ الذي رسم سعاده خطوطه العامة في المبدأ الأساسي السابع " تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة وتاريخها السياسي الثقافي القومي"، فكتب عن معظم رجالها العظماء الخالدين، الكواكبي خليل سعادة، جبران، الريحاني، البساتنة وغيرهم، وساهم مساهمة كبيرة في مدونات تاريخ الحزب فكتب عن سعيد تقي الدين،وغسان جديد،وخليل حاوي، محمود نعمة، وهشام شرابي، وفخري معلوف ومحمد يوسف حمود وسواهم، إلى جانب الكم الهائل من المقالات الصحفية . وتعدّدت كتاباته عن أنطون سعادة، ومن أبرزها: سعادة والنازية، محاكمة سعادة الأولى، ومقالات ضائعة وغير موقعة، والنسخة الأصلية لكتاب نشؤ الأمم وغيره. وفي الحصيلة خمسون كتابا قيمة مضافة في المكتبة القومية "والخير لقدام". أمّا غوصه في الأصول وانتقاده لبعض المسلمات فقد عرّضه للنقد، وكما انتقد انتقد، وكما أصاب أخطأ، وهذه من طبيعة الصراع الفكري، فالحرية الفكرية هي صراع العقائد والأفكار في سبيل الأفضل، ولا عجب في ذلك فجان انتقد نفسه حتى الخجل في اصداره كتابه الأول عن سعيد الذي أقدم على اتلافه بنفسه. لم يكتف جان بالتفتيش عن الأصول في المكتبات، فهو يداهم باستمرار منازل القوميين والمشاهير بحثاً عن مخطوطات لينشرها، وأخرها مذكرات الرفيق انطوان غربيت التي أحالها إلي لتدقيقها، وكنت قد دققت له عدّة كتب من بينها "قل كلمتك وقف" لمحمد يوسف حمود، ومقالات ضائعة لـ سعادة. لقد عرفت جان منذ نهاية السبعينات، حيث عملنا سويّة لمدّة ثلاث سنوات في مجلة صباح الخير، وتشاركنا في مجموعة من الندوات، خصوصا تلك المتعلقة بمؤلفاتي. جان كان مكتبة جوالة متنقلة لا يهدأ، لا يتعب، لايمل، يتنقل من منزل إلى آخر، ومن مكتبة إلى أخرى، ومن معرض إلى معرض.. يتأبط الكتب بحنان الأم على طفلها. عرفته المجالس الأدبية والندوات والمحاضرات والحلقات التثقيفية ووسائل الاعلام على أنواعها. هو ناقد ساحر ساخر: لا تفارق البسمة شفتيه، مرح، هادئ، مهذب، شيّق جذاب في حديثه، متميز بأسلوبه الساخر الراقي، على الطريقة السعتقية، والأمثلة كثيرة، منها، ما ورد في تقديمه لكتابي: "تجربة وزارة المغتربين وتهجير الأدمغة والشباب"، يقول: "اتصل بي من وزارة المغتربين رئيس مصلحة المغتربين والهجرة جهاد العقل ليس فقط ليطلب مني حضور "ندوة عودة الكفاءت اللبنانية المهاجرة"، وإنّما لألقي ربع محاضرة.. ليستدرك ربع محاضرة لأنّ ثلاثة الارباع الباقية توزعت على ثلاثة دكاترة آخرين. وها هو يسخر من بعض الدكاترة الأكاديمين الذين يناقشون أطروحات الدكتوراة، عن جهل، فيقول: يتبع بعضهم منهجاً حزبياً حيال صاحب الأطروحة، كما فعل د. جان شرف الذي لم ير ايجابية واحدة في دراسة جهاد العقل في موضوع الاغتراب الذي عجنه وخبزه، بحكم موقعه القيادي كضابط مجهول في هذه الوزارة (علما أن لجنة المناقشة منحت جهاد الدكتوراه بامتياز)، ويتابع بعض الدكاترة يناقشون كاتب الأطروحة ولا يتمتعون بمعرفة عميقة بالموضوع كما حصل في مناقشتين تناولتا سعيد تقي الدين، والبعض الآخر من الدكاترة يناقشون بفوقية طاووسية توحي بأمرين، أنهم يفقهون كلّ شيء، أو لا يفقهون شيئا يذكر . السؤال المحيّر، هل تعب جسد جان الضعيف من عظمة دماغه، فتخلى عنه ليستريح، ويدخل الدماغ في هذه الغربة المؤلمة الموحشة، نتمنى لـ جان أن لا تطول غربته عنا ويعود إلينا نشاطا وحيوية وانتاجا ثقافيا لا ينضب. الشكر لحضوركم، الشكر لمعدّ هذا اللقاء الرفيق مكرم العريضي ومعاونيه. والصحة والعافية للرفيق العزيز جان، وعودته السريعة إلى ساحة الجهاد القومي. * وكتب عنه الرفيق شريف ابراهيم في جريدة الديار تاريخ 5 أيلول 2024 جان داية قامة نورانية رويداً.. رويداً وكنعس الشمس عند المغيب يرحل جان داية، مترجلا عن صهوة التعب الصعب، وصقيع الزمن الأصعب ملتحفا دفء التراب الذي احب والى الابد... مضى حزينا على وطن حزين. وطن منقسم، مفتت، مجزأ، تنهشه انباب الجهل والتعصب القاتل... ابناؤه لايبصرون الا بالعمى الطائفي. جان دايه تمنى ان يكون هذا الوطن واحداً موحداً، لمجتمع واحد موحد وتفانى في سبيل ذلك. كان يطمح ان يرى ضحكة الشمس فوق تلال بلاده تصدح باغنيات المحبة وحكايا الوحدة واناشيد الانتصارات لكن التمنيات شيء والواقع اشياء أخرى.. عرفته رفيقاً وكاتباً وباحثاً متبصراً، (يفلي) مصادره (تفلية) بغية جلاء الخطأ والصواب. يعري كلمات النص ويفصلها تفصيلاً. الكتابة صحوة للحقيقة.. وبوح الكتابة وضوح.. والوضوح مفاتيح الحرية . هو النوراني المتوهج بالحياة، مبدع فذ.. فارس قلم نوراني.. ينتشر عبق كتبه على مساحات البحث العميق . جان دايه سيبقى مشرقاً في ذاكرة الضوء. انسان في تواضعه.. شموخ المعرفة.. في معرفته تواضع الكبار.. انسانيته رشاقة التهذيب.. عطاؤه فرح لا ينطفىء.. قومي حتى العضم.. اجتماعي حتى الرمق الأخير.. محبته شعلة الصدق والحق والخير والجمال تسامحه علو، ورفقته سمو.. رحل لكنه سيعود مع تنهيدة كل فجر جديد مع كل اذار يزهر بالربيع.. مع كل تموز ومواسم حصاد.. جان دايه امن بحقيقة تساوي وجوده، لا تستبيحها رياح، ولا يقتلعها فكر مضاد، ولا تهزها أعاصير عاتية. جان داية قامة فكرية نهضوية تنويرية كبيرة . عالم فريد مميز، محاط بسور عال من البحث والتدقيق والدراسة والمعرفة . لا احد يدخل جنائنه وحدائقه الغنية الا من ابواب أربعة ؛ - انطون سعادة - جبران خليل جبران - سعيد تقي الدين - وقسمه الحزبي تبقى كتبه عقداً جميلاً على صدر النهضة، وسوارا اجمل في تحية اليد المرفوعة زاوية قائمة، لتحي سوريا وليحي سعادة.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |