شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2005-01-29
 

كمال ناصر شاعراً فلسطينياً وشهيداً... في كتاب نقدي

نظام مارديني

يشكل كتاب "كمال ناصر - حياته وشعره" للباحثة شهناز مصطفى استيتيه (دار الفارابي 2003)، مدخلاً مهماً الى عالم هذا الشاعر الملتزم قضايا الانسان، والذي استشهد مع رفيقيه كمال عدوان ومحمد يوسف النجار، في 10-4-1973 في بيروت.


وإذ شكلت الصعوبات السياسية في المنطقة عائقاً أمام الباحثة إستيتيه للوصول الى حقائق ومعلومات أكثر أهمية، فإن هذا الكتاب يكفي لإعطاء صورة واضحة عن حياة هذا الشاعر - الشهيد، منذ الطفولة وحتى النهاية المأسوية.


قسمت الباحثة الكتاب الى فصول وأبواب، لتسهيل مواكبة الشاعر - الإنسان، وتوقفت عند مفاصل كثيرة من مسيرته، وألقت عليها بعض الأضواء، وتم الربط فيها بين القصائد ومناسباتها وأحداثها، خصوصاً أن القصائد كانت صدى لحياته داخل الأرض المحتلة وخارجها. وفي هذا السياق، أفردت الباحثة فصلاً كاملاً عن "أنشودة الحقد"، كأنشودة طويلة، تتكون من ثلاثة عشر مقطعاً، تربط بينها الفكرة والهدف اللذان يعرض فيهما كمال ناصر فكرته في الوصول الى دفع العرب للتحرك والتحرر وتبني الحقد على الأعداء، معتبراً ان الحقد دافع قوي لتحطيم إسار الاستعمار الفكري والاقتصادي والسياسي. إلا أن الحقد كما تقول استيتيه لم يكن عند الشاعر مبدأ عاماً بل فكرة آنية تخدم الوضع الراهن في العالم العربي.


بدأ كمال أنشودته التي سماها بـ"الملحمة" بفاتحة يدعو فيها العرب الى صبّ نار الحقد على المغتصب، وعلى من يعاونه في تحقيق مآربه: "احقدي يا جموع/ واصمدي للغريب/ ليس تجدي الدموع/ في الملمّ العصيب/ ان يوم الرجوع/ مشرق عن قريب".


وتبدأ "الأنشودة"، بإبراز الصراع بين القوة والحب والتسامح في الحياة. وإذ يرمز الشاعر في "الأنشودة" الى القوة بالنسر، فإنه يرمز الى الحب والتسامح بالبلبل. وينتهي الحوار بين الرمزين الى نتيجة حتمية تقول بأن الحب إنما هو نزعة صنعها الجبناء، كي يخفوا ضعفهم خلفها، في حين ان أسعد الناس وأجدرهم بالعيش، هم الحاقدون الأقوياء الذين لا ينتظرون أن يمنّ أحد عليهم بحقوقهم بل يأخذونها أخذاً.


وإزاء هذا التناقض الذي يعيشه النسر والبلبل، يظهر الشاعر، حزيناً، مقهوراً مغلوباً على أمره فيثير حزنه النقاش بين النسر وتجربته القوية والقاسية، والبلبل المتفائل دوماً بالمستقبل. وفي ضوء هذا النقاش، يقرر النسر أن يمنح الشاعر أجنحته لتشرعن عزيمته، وتقوي خطواته، وتوصله الى مراده متغلباً على الصراع في نفسه. لكن البلبل يحاول أن يستثير في الشاعر انسانيته. إلا ان الشاعر يقرر في النهاية اختيار مبدأ القوة الذي يمثله النسر، رافضاً الاستسلام والتسامح الذي يمثله البلبل.


وهكذا يستعير الشاعر جناحي النسر، ويبدأ تجواله في العالم العربي، قطراً، قطراً، بادئاً بأحبها الى قلبه: فلسطين. فينشد عذابها وعذابه، وحنينه اليها وحنينها اليه، حنينه الى ملاعب طفولته، وأرض شبابه، ثم يحلق الشاعر، فوق لواء الاسكندرون المغتصب، فحكايته، حكاية فلسطين. ويستكمل الشاعر مشواره "العربي"، ويزور الجزائر والخليج، ثم ينشر جناحيه، فوق أرض مصر، فيرى أن الدم العربي الزكي يقدّم قرباناً، في سبيل أن تبقى مصر عزيزة حرة.


ولم يتنبه الشاعر، وهو يجوب الأقطار العربية، الى أنه نسي في تيار الحقد الضامر ضد العدو المغتصب، مبدأ الوحدة، وهي قوة دائمة ايجابية، أعظم بكثير من مشاعر الحقد الآني: "وحدة ردّد الزمان صداها/ بين خفق الآمال والأفكار/ وحدة تعرف الحقيقة معناها/ فتسعى لفرضها في الديار".


وهكذا تنهي الباحثة استيتيه رحلتها مع الشاعر، بعد أن توقفت في كثير من محطات حياته، محاولة القاء الضوء عليها. فوجدت إنساناً، تشرّب النضال منذ الطفولة، وتهيأ للكفاح، وعندما حان الوقت، قدم روحه في سبيل الوطن: "كبرت على الذل لا أرتضيه/ ولي موطئ خالد في السحاب/ أعانق من ربوتيه النجوم/ وأختال بين الذرى والقباب".



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه