شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2005-01-29
 

قراءة في كتاب شوقي خير الله الجديد(( صواري الزمان))

نسيب الشامي

قد ترغب في قراءة رواية إيلية: أو قل أنك لا تريد أن تحتفر ثلماً إلى الذاكرة المنسية، ولا يهمك أن في هذا لخسر عظيم، فلا تقيم عروة مع صواري الزمان، فذلكم حقا لكم.


أما أنا فقد قرأتها من الدفة إلى الدفة، بشغف لا يماثله شغف، فاللغة التي كتبت بها هذه الرواية، لم تكن لغة عادية، ولا البيان فيها بيانا تبسيطيا، أو شفوقا على قراء هواة.. أثبت شوقي أنه للعربية إبن بجدتها.. فتمرس فيها كبحار تعوّد على جني اللآليء، أكان في أعماق بحر جبيل، أم ترسلاً على اللؤلؤ في بحر الكويت.


خبيئة..؟ هو يكتشفها، ينحتها، يلمعها، يصقلها، ثم يعيد إليها رونقاً منسياً، ويطلق أسرها على صفحة سمراء فتضيء كنجمة عشتار، هكذا..


الإغريقية تعالت على الآرامية.. حتى تموز يعتقد هذا ولكن الراهب مردوك، يرمي بسهم النقطة الفاصلة، ويسحب الفاصلة المتمّمة، القابلة الموافقة، لأنها على جهل بعظمة الآرامية وقوة إدائها، لما نتعلمها ونتكشف كنوزها، ينتفي شعور المفاضلة وتتوهج اللغة الآسرة، اللغة الأم، لغة آدون وعشتار وتموز وشمّونة، لغة قوديشو، ومردوك وحيرام، ولقيانه.


حتى اللهجات والمحكيات تنطلق من جذورها نحو اللغة الأم.


وعلى هديها ترد على الاغريقي، بأن قدموس  الذي تفاخرون بالنسب إليه، هو واحد منا، هو قدمو الذي علمكم وأرشدكم وهداكم.


فتطاولتم أن أضفتم على اسمه ـ س ـ وخجلتم أن تسمونها سفراً...


صواري الزمان، كتاب شوقي خير الله الجديد، لا يجوز قراءته على أنه المرجع التاريخي، فهو ليس، وتلك هي الحقيقة التي أفضى بها الكاتب نفسه، هو رواية وأجمل ما فيها أنها جعلت التاريخ ذاكرة حية وحلما ينسل في مخيلة العاشقين، أعادت لجبيل ما أفقدتها الأيام الخوالي، أعادت لها الرؤية والحكمة، هي عينها وذاتاً التي تنص: أن الطفل في آرام يتسجل اسمه واحداثياته كاملة على صخر الجبل وأيضا على قاع اليم، وفي دفاتر المعبد فلا يضيع نسبه إلى ألف جيل أما الحكمة البابلية تقول: إن لكل شأن تفسيراً ما عدا الخوف أما حكمة شوقي: أوائل الانتفاضات حجر ومقلاع وعصا.


الرواية وإن إيلية فهي لا تخلو من قصة حب، ولأنها إيلية فقد جاءت مثلثة الأضلاع، حب حيرام وعشتار، وحب تموز وشمونة، وحيرام ولقيانه، أشخاص الرواية عند شوقي ـ منحوتة شمائلهم، مدوزنة على وقع عشقه لهم وللتاريخ الذي جاؤوا منه، حيرام الملك العادل، الذي يسهر على إدارة الحكم والرعية بالحكمة والدراية،... وعشتار أم تموز تعرفها من حكمتها في تعاملها مع الأمير الشاب، تشير عليه فيرى، وإذا ما خالف مشورتها سكتت وكأنها تطيعه..


قالت له يوماً: يا بني أطلق النهر وأترك الماء يحتفر مجراه فليس الماء بحاجة إلى نظريات.


تموز، أمير مثقف حر، نخبة صفوة، ملمّ بالمذاهب اللفظية والنحوية وتمايز الأمالة والقراءات في العالم الآرامي جميعاً، أمه عشتار العربية كانت ذات فضل عليه لأنها بنت شاعر فحل ومن قبيلة عربية إعرابية ذات شأن وتحمى ذمارها،

شمونة: صبية عنقاء شبة مستحيلة، غزالة تضج جمالا وأنوثة وفطنه، حبيبة الوزال، والزعتر والزوفا والرياحين، شمس العاقورة وأفقا ووادي آدون مصورة على وجههاوبسمتها وكبريائها وعنفوانها.


مردوك: مفكر حر وليس يتقيد لما قد "كتب" كان يرفض الرهبانية الحبيسة ـ والتنسك العقيم والمنفرد، بل كان متنقلاً.


أفقا، الرها، أوغاريت ماري، صور صيدون عكا، عمشيت تبنين، الشهباء، السلمية، بصرى، بابل، غزة، عنجر الكويت مزيارة، الهرمل، بحمدون قرطاجة عاليه، شملان، بشامون...


يسأل شوقي :وبعد هل ينال منا اذا ما تغزلنا بوطن هو بحق أبوالأوطان, وبأمة هي جدة الأمم ومقلع الحس القومي, وقبلة الإثم الكنعاني.....


ويلحّ في التسآل: ومن هو المسيح؟....


يجيب على لسان شمونة: نحن نرى أن آدون ابن ايل, أما بنوة آدون لإيل, وأبوة ايل لآدون فحقيقة روحية ورمزية, أما الحقيقة المادية فآدون ولد من امرأة تكذيبا" لمقولة تولّد المرأة من الرجل ومن ضلعه أو من غير ضلعه, المرأة تلد الرجل وليس الرجل يلد المرأة من أحشائه ولا من ضلعه, لذلك كانت ولادة آدون /تموز/ الفينيق/ المسيح من روح ايل وكلمته في أحشاء عشتار تصحيحاً للخطأ المزعوم


قوام البلاغ: أنه قد ولد لكم المسيح الآرامي الحقيقي ابن إيل /الله


إنها رسالة الرواية, رسالة الصواري العالية, وأكثر...


أما رسالته الثانية: تبدأ كالتالي:


صبية من عمشيت تدعى سلمى بنت عامر تسأل مردوك من هو في رأيك الآرامي الصالح والفاضل,


أجاب:الآرامي الصالح هو من ينصب كرماً وبستاناً ذا عنب وتين وثمرات أخر...


الآرامي لا يستعبد, لا يرتبط الآرامي حر: مبتدأ وخبر


أما رسالته الثالثة فكانت على الاجر في صحف لقمان:


-التعسف كالخمر قد لا تشعر أنك واقع فيه


-لا يستعبدن الحرف عقلك


-الوعي القومي تكافل إجتماعي للخير العام


-خير المداميك أصلبها


أما بعد فقد تعمد شوقي أن يربط جبيل بالرها حيرام بعشتار...وقد توفق في إستحضاره قول الأمام عليّ (كرم الله وجهه) حين قال: جدودنا حتى قصي بأسماء عربية وما قبله فأسماء آراميّة ونحن قدمنا مكّة من كوثى (قرية قرب الكوفة الحالية)

إنها بعض إنسانيتنا أن نحب ما هو قريب منا, صواري الزمان رواية قومية بإمتياز, سعادة, تراه في حيرام, تموز, ومردوك وقوديشو, ترى فعل النهضة في كل حرف تفوهت به شمونة, وأثرها في كل حديث تناولته عشتار مع إبنها الأمير.


شجر اللزاب أعطى لآرام صواري الزمان, غابات القموعة قرب بينو عكار, دخلت في ذاكرة تاريخنا الحي ...


وهبيليسيا لازالت تحرض الريح, فتصمد الصواري و تقلع السفن وتنتشل الشباك المثقلة بالجنى,


صواري الزمان، دخلت إلى قلوبنا, في وقت تهدّل فيه الشراع: هبيليسيا... وحتى بعد 4000 عام من مجد صور وآرام، كم نحن بحاجة أن تقلع سفننا على الجودي من جديد.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه