شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1949-02-01 |
رسالة الى النايورجعيين العروبيين الجزء الثاني |
الرابطة الثانية من الروابط التي تربط الجماهير بالقوميات هي رابطة الدم، وفي رأي السيد أنيس النصولي ان السوريين لا رابطة دموية لهم إلا ما كان دماً عربياً. فقبل الفتح العربي لسورية لم تكن للسوريين رابطة دموية. فهم لم يكونوا يتزاوجون ويولدون ويلدون، فالعناصر السورية الأصلية السامية اللغات والآرية اللغات التي امتزجت بعضها ببعض وانصهرت بعامل البيئة والتمدن والثقافة السورية- وصارت شعباً واحداً- أمة واحدة، لم يكن لها بادئ بدء رابطة ة دم، وهي الى الآن لا رابطة دموية بينها الا ما كان من "رابطة الدماء التي ارتضت العروبة حسباً ونسباً زمدنية". فإذا تزوج سوري آرامي الأصل من دمشق سورية حثية الأصل من لبنان او حمـاه، او كنعانية الأصل م نفللسطين أو يونانية الأصل من اللاذقية او انطاكية فهذان لا رابطة بينهما وبين أولادهما لأن الدم هو "الدم الذي ارتضى العروبة حسباً ونسباً ومدنية فقط". وتأمل أيها القارئ العزيز هذا التعبير العلمي الأنتلوجي البيولوجي لرابطة الدم: " ارتضى العروبة"! فإذا لم يكن الدم عربياً "وارتضى العروبة" لم يمكـن أن يكون رابطـة ! فكل دم غير الدم العربي او الدم الذي "ارتضى العروبة حسباً ونسباً ومدنية" لا يجمع بين السوريين ببعضهـم الى بعـض!!
الرابطة الثالثة التي تربط الجماهيـر بالقوميـة، هي رابطـة "الحدود الجغرافيـة". فـ " من أقصى شطـآن البصرة الى أقصى شطـآن الجزائـر توجد حـدود تجمعنـا كلنـا". والسيـد النصـولي يجعـل حـدود اللغـة والـدين "حـدوداً جغـرافيـة" ولولا ذلك لقـال: الكـرة الأرضيـة حـدود جغـرافيـة تجمـع كل النـاس! فالحغرافيـة والطبقرافيـة اللتـان تعنيـان علـم هيئـة الأرض وتكوين بيئـاتها، هما في علمـه " علـم اتساع اللغـات وانتشار الأديـان"! والا فمـاذا ينفـع جغرافيـاً، بعـد اجتيـاز الصحارى والبحـار من شطـآن البصرة الى شطـآن الجـزائـر متابعـة الشطـآن على الأطلسي هـبـوطاً نحـو الغرب والجنوب الى أن تبلـغ أقصى شطـآن السنغـال وجنـوب وشرق "افريقية العربية التي بناها افريتس العربي، الى اقصى شطـآن اليمـن والربـع الخـالي! ولمـاذا يجب ان تقـف "الحـدود الجغـرافيـة" عند " شطـآن البصـرة " مادام الخليج متقـارباً فنقفـز فـوقه كما قـفزنا جغـرافيـاً فـوق البحـر الأحـمـر، ونستـمر في شطـآن آسيـا الى الهـنـد التي تريدهـا برطانيـا "باكستانيـة" والى الهـنـد الهـنـدية او الهندستانيـة؟ ولماذا نـقـف عند خلجـان وشطـآن والشطـآن تمـتـد ولا تـقـف؟ فآسيـا واوروبا وافريكـة كلهـا شطـآن متماسكـة و"متحـدة". الجـواب على كل هذه الأسئلـة الساذجـة هو في نظـرة النايورجعيـة المتعربـة " الجغرافيـة" فالحدود "الجغرافية" هي حـدود اللـغـة والديـن!
يـعـود السيد انيس النصـولي، بـعـد أن يشرح لنـا رابطـة "الـحدود الجغرافيـة" الشرح البديـع المتقدم وصفـه الى شرح "رابطـة الـدم" شرحاً جغرافيـا حسب مفهـومه الجغرافي فيقـول:" ألا تـجد انك إذا نزلت الاسكندريـة أو دميـاط أو بيروت أو بشري او الأرز أو بـغـداد أو الـكوفـة أو المـوصل أو يثرب أو جـدة أو الـقدس أو دمشق أو حلب أو صـفاقس أو تونس أنك تـنزل عـنـد امك وعشيرتك وأبنـاء عـمـك وأبنـاء خالك؟". فـفـي هذا الشرح الـبديـع لرباط الـدم والـحدود الـجغرافيـة المبـرم من الآيات البيّنـات ما تـقـف حيـاله عـقـولنـا المشدوهة حـائـرة! إن عـقـولنـا الضعيفـة تـقدر أن تتصـور احتـمـال النزول كل آن الى بيروت أو الـقدس او العقبـة أو عمـان أو دمشق أو اللاذقيـة أو المـوصل أو بـغـداد أو البصـرة وتماسك هـذه البلاد في عمرانها واجتماعها وروابطها الدموية التي ترتضى ولا ترتضي العروبة حسباً ونسباً ومدنيـة. وهو أمـر واقع وألوف عـديدة من السوريين يتنقلون كل يوم بين هـذه الـمدن بأسباب تـفاعـل الحيـاة الـقوميـة الـدائمـة، الذي سيزيد زيادة عظيمـة حالمـا ترتـفع الـحدود السياسيـة التي أقامتـهـا الإرادات الأجـنبيـة في هذا الوطـن. أما أن نـتـصـور هذا "النزول" التخيلي في صفاقس ودميـاط وتونس وفاس والقيروان وأن نتـوهم أن "النزول" اللغـوي أو الـدينـي يقـوم مـقام النزول الإجتمـاعي- النزول القـومي- النزول الـواقعـي، العملي، فأمـر يجـب أن نـعترف بضعف مخيلتنـا وعجـز أدمغتنـا التي تـفكر في "وهـم السوريـة" عن بـلوغ مـداه! إنـنا لا نرى أي عـدد من الألوف الـعديـدة الذين يتجـولون ويتنقـلون بين الـمدن السوريـة يـجـوب تلك الآفاق العروبيـة الواسعة و"ينزل" عـنـد "أهله وعشيرته وأبنـاء عمـه وخـاله". وأما إمـكانيـة الـمواصلات و"تـقصيـر المسافات عن طـريق السيارة والـباخرة والقطارات الحديدية والطـائرات وفي التلفزيون والبريد والبرق الخ ..." التي يشير اليها السيد يحي الدين النصولي في مقاله المشار اليه فهي غير موجودة لأبناء " الحدود الجغرافيـة" التي تجمعنـا من أقصى شطـآن البصرة الى أقصى شطـآن الجزائر. إن البواخر تـمـرّ بمضيق جبل طارق حذاء "شطـآن الجزائر" ولكنهـا لا تنزل في هذه الشطـآن أحـداً من السوريين المسافرين الى أقصى شطـآن الأميركيتين! أما الطائرات فإنهـا تتطلب تـعويضـاً ماليـاً عن تقصير المسافـة ليس في مـقـدور أبنـاء الشعب في سورية وفي المـغرب فلا يستطيـع أحد منهـم القيـام برحلـة الى صفاقس أو فاس أو من صفاقس وفاس و"يشق على أولاد عمـه أو أولاد خالـه" ولو مرّه واحدة في السنـة! إن دماء اللغـة والدين لا تجـعـل من السوريين والمصريين والـعـرب والمـغاربة "أهلاً وعشيرة" أو مـجتمعـاً. إن قربى الشعوب وقربى الـدم الضعيفـة والبعيدة العهد لا تجعل السوريين والـعـرب والمصريين والمـغاربة شعبـاً واحـداً- مجتمعـاً واحـداً- أمة واحـدة. وقـد يكـون السيدان أنيس ومحي الدين النصـولي سمعـا أن النسب علـم لا يـنـفع وجهـالـة لا تـضـرّ وقد يكـونان، مع ذلك، نسيا مفهـوم هذا القـول. ولذلك يريد السيد أنيس النصولي من أنـطـون سـعـاده أن ينزل عـنـد أبنـاء عـمـه وأبنـاء خالـه، عـنـد ماء لـبـنـي عـذرة وعـنـد ماء لـبني أسد وعـند مـاء لـبني قـيس وعـنـد ماء لـبني وائـل وفي يثرب وجـدة ودميـاط وصفـاقص وفي شطـآن الجزائر وأن يـقوم برحلة تنـزّه وترفيـه الى الـربع الخـالي! وإذا كان البرق والبريـد لا يحملان لأنطـون سعـاده الـدعوات الملحّـة من أبنـاء عـمه وأبنـاء خالـه في اتحـاد هذا "الـوطن العربي" المـذكور وتذاكر السفر في الطائرات والقطـارات الحديديـة وقطـارات الجمـال وقطـارات الألفـاظ المترادفة وقطـارات القـوافي المتواردة وقطـارات الحمـاسة العروبيـة وقطـارات الأفكـار النيـورجعيـة فما ذلك إلا لأنه "يعيش في وهم السورية الهزيلة". أما السيدان الـنصولي اللذان في حـقـيـقـة العروبـة فلهمـا كل شهر تقريبـاً رحلـة في أحـد تلك الأقطـار الى كل بـقـعـة من بقاع "الوطن العربي العزيز"! وهذا شأن كل نايـورجعـي عروبي حتى انك ترى دنيـا العروبة الاتكاليـة العاجزة- دنيـا "القوميـة العربية"- تزحم بالقطـارات الذاهبـة والآتيـة، خصوصـاً قطـارات الألفـاظ المترادفة والـقوافي المتـواردة والحمـاسة العروبيـة والأفـكار الـنايورجعيـة! وقريبـاً جـداً تنشئ لنـا الـعقليـة العروبيـة اسطولاً ضخمـاً من مـدرّعات البحـور وتمخـر بنـا عـباب البحـار وعصـابات من طـائرات الأحلام المجـنّحـة تجعـل الفضـاء يضيق بنـا على رحبـه!
والرابطـة الرابعـة والأخيرة التي تشد الجمـاهير الى وتـد الـقوميـة هي رابطـة "المصلحـة المشتركـة". ولم يفـدنـا السيد أنـيس النـصولي ما هي هذه المصلحة المشبركة التي تجمعنـا و تشدنا الى "القوميـة العربيـة" ولم يعين لنـا نـوع هذه المصلحـة المشتركة هل هو خارجي انترناسيوني أم داخلي قومي. ولكنـه ما دام هو وشقيقه السيد محي الدين النصـولي يعترفان بأن العـالم العربي يتألف من شعـوب لا من شـعب واحد وما دامت الحقيقـة تقضي بأن نترك جانبـاً سفسطـة أن الأمة ليست شعبـاً فلا بـد من حسبـان المصلحة المشتركة التي يشير اليها السيد أنيـس النصـولي مصلحة خارجيـة بين أمم لا مصلحة داخليـة لشـعب واحـد وأمة واحـدة. أما قوله:"ألا ترى أن هذا المشرق العربي يؤلـف كتلة لهـا قيمتهـا في الأمور الدوليـة والقضـايا الإنترنسيونيـة بحسب زعمك؟" فلا نـدري ما هو المحصـل "القـومي العربي" لهذه الكتلة.
كل تكتّل انترنسيوني فـعال يكـون له وزن في القضـايا الإنترنسيونية من غير أن يعني أنه "قومي" بل من حيث هو تكتـل أمم (انترنسيوني).
تلك هي كل الروابط التي "تربط الجمـاهير بالقـوميـة العربية" وذاك هو شأنهـا. وقد انتقـل منهـا السيد أنيس النصـولي الى تعبير الزعيـم بأنه "لا يفرّق بين معـاني الشعب والأمة وأنه يخلط بينهمـا، فهو حينـاّ يقول "الشعب السوري" وحينـاّ "الأمة السورية". ثم يضـع قاعـدة العلـم النايورجعي البـاهرة والقائلـة "والحق أن الشعب فرع من أصل والأمة أصل ولهـا فـروع". وقـد تنـاول الزعيـم هذه الـقاعـدة العلميـة النايورجعيـة في مقـاله الرابع المنشور في عـدد "كل شئ" الصـادر في 4 شبـاط الحـاضر وعـنوانه "انتصـار القوميـة السورية يحـقق الجبهة العربية القوميـة" فـقال أنه لم يـعد في إمـكانه بـعد أن عانـى ما عانى في سبيل بنـاء الحقيقة القوميـة، أن يـتقدم الى الـوراء كل الشوط الدراسي الذي تـقتضيـه مـعرفة سفسطـة النهضـة النـايورجعيـة وأن يتعلـم "أن الأمة ليست الشعب وأن الشعب جـزء من الأمة، وأن هذا أصل وذاك فـرع". أما نـحـن فنقـول للسيدين النصـولي أن اعترافهمـا بوجود شعـوب في العـالم العربي لا شعب واحـد، يـوازي الإعتراف بوجـود أمم في العـالم العربي لا أمة واحـدة. ذلك لأن كل أمة شعـب، كما قال الزعيـم، وما قول الزعيـم إلا قول عالم اجتمـاعي واضح. فإذا كان العـالم العربي شعوباً لا شعبـاً واحـداً فهو ليس أمـة واحـدة لأن الأمة هي الشعب الواحـد المستفيق لنفسه والمكتسب شخصيـة سيـاسيـة. وقـد اكتسب الشعب السوري وعـه القـومي فهـو أمـة. واكتسب الشعب المصري وعيـه القـومي فهـو أمة أيضـاً. أما الشعوب التي لم تكتسب وعيهـا القومي أو التي لا قـدرة لهـا على اكتساب الـوعي القـومي فهي ليست أمـماً ولا أجزاء من أمـة، بل جمـاهير لا شخصيـة لهـا!
يستطرد السيد أنيس النصـولي في تراكيبه الفكرية فيقـول أن العروبة كانت الأساس الأول للحـركة الإستقلالية في "مصر ولبنـان وسورية والعراق والحجاز في القرنين التاسع عشر والعشرين". وقـوله يعنـي أنه لولا العروبة لما قام في سورية من يطلب التحرر من نير الترك. والحقيقة هي أن نبضـة السورية وتحركهـا نحو الحرية همـا اللذان اتخـذا فكـرة تأليب الأمم العربيـة على الترك أو فكرة "العروبة" وسيلة أوّليـة قبـل يقظتهم القومية وليست "العروبة" هي التي اتخذت من السوريين وسيلة. ان الشعب السوري حـرّ بذاته وله في التأريخ أمجـاد خـالدة وهو يتحرك بفطـرته الحـرّة لا بـدافـع من عـروبة أو غيـرهـا.
ويسأل السيد النصـولي الزعيـم قائلاً: ترى لو كان النـاس في سورية قوميين اجتمـاعيين أما كنـا نخسر الإسكندرونة فيمـا مضى ثم نخسر فلسطين اليـوم؟ والجـواب واحـد: ما كنـا نخسر لا الإسكندرونة ولا فلسطين!
إن القـوميين الإجتمـاعيين هم نهضة إيمـان جـديـد ووحـدة عـقـيـدة. ووحدة نظـام ووحدة عمـل وحركـة صـراع. ولهـم عقليـة أخلاقيـة ومنـاقبيـة جعلتهـم يتغلبـون على جميـع أنـواع المقـاومات والإضطهـادات والإعـتـقالات. هـم حركـة لم تر حركة أخرى في العـالم كله مثلمـا رأت من صعـوبات وتغلبت علـيهـا!...
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |