إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الى جميل شوحي

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 1943-11-01

أيها المواطن العزيز،


وقد كدت أقول أيها الرفيق، كما أحببت لك ولكني رأيت لهجة كتابك الأخير لا تفسح المجال لهذا الاستعمال، مع ان ما ورد في مقال "الزوبعة" لا يمنعه. فأنت، قانونياً، لا تزال عضواً في الحزب ولكنك اخترت اللهجة الحرة استناداً على ما ورد في "الزوبعة" ولست أرى بأساً في مجاراتك في هذه اللهجة.


ان اللهجة الواردة في كتابك المذكور المؤرخ في 29 تشرين أول 1943 تجيز الاهمال الكلي ولكني اخترت الجواب لاصلاح بعض اعتقادات سولت لنفسك بناء أحكام عليها. وأبدأ من حيث بدأت أنت.


الأمانة في الرواية: تقول <<حيث لا يوجد امانة في الرواية ويكثر التحريف والمبالغة بقصد التزويف (اي التزييف) لا مجال للجدال مع نفس الكاتب العارف بالحقيقة. والحقيقة هي تحاريري الموجودة عندكم المسندون عليها المقال ويكفي أن تراجعوها حتى تروا أين فيها قولي انني (أحتاج للمواظبة في سبعة محافل)>>. وأقول اني راجعت رسائلك ووجدت انه يوجد غلط في عدد المحافل فهي ثلاثة بدلاً من سبعة. وهذا نص كلامك في كتابك اليْ المؤرخ في 15 اكتوبر 1942. <<العرقولة الأولى التي صادفتني هي عدم تمكني من الانسحاب ولا من عمل من الأعمال العديدة التي هي على عاتقي في الجمعيات الأخرى. فأنا أمين صندوق جمعية استر ثورز شيلي ومدير في الكولوكوناد لكرة القدم ورئيس حلقات أصدقاء الثقافة العربية وعضو عامل وشرفي في الكوريو ده بومبيوس وأخ مؤسس في ثلاثة محافل ماصونية كل منها يجتمع في يوم الخ>> واذا رأيت أن الغلط في عدد المحافل يعتبر <<عدم أمانة وتحريف بقصد التذويف>> فلا يكلف كثيراً تصحيح هذا اللغط في "الزوبعة" وايراد نص كلامك وأخذ صورته بالزنكوغراف. ومع ذلك فاني أشك كثيراً في أن أهل النظر الصحيح يوافقونك على أن هذا الغلط العددي البسيط يجيز لك استعمال هذه التهم الضخمة، <<عدم الأمانة في الرواية وتحريف بقصد التزييف>> وشتان بين مرارتي منك ومرارتك مني.


تذكيرك ببعض النقط: تورد في تذكيرك أشياء تناقضها عبارات في رسائلك السابقة اليْ. فأنت تقول في كتابك الأخير: <<تمنعت (أي عن الدخول في الحزب) لا لعدم اقتناعي بجودة مبادئه بل لمعرفتي الحقيقية بانتهاك قواي وعجزي عن خدمته كما تقتضيه الأحوال والظروف>>.


وفي كتابك اليْ عينه المذكور تقول في غير موضع واحد: <<أني لا أعرف القنوط ولا اليأس ما دمت لا أستند الا على حقائق راهنة.. وبهذا الاعتراف اسحب كل ما كتبت لك سابقاً عن انحراف صحتي ولم تكن تلك المعلومات الا علامة الضعف المخجل الذي شعرت به في تلك الدقيقة. وأنا سوف أحاول بكل الوسائط أن لا يعود يتسلط علي ولا ثانية ما دمت حياً..>> وثق أيها الأخ المواطن اني صدقتك حيث أبديت عجزك الصحي ثم عدت فصدقتك حين سحبت كلامك السابق في هذا الصدد. ولكن لم يمض على كتابك الحامل هذه العبارات القومية، المبشرة بمستقبل حسن للعمل القومي من قبلك، سوى ما يزيد أياماً قليلة عن الشهر الواحد حتى ورد كتاب استقالتك مؤرخاً في 18 نوفمبر وفيه تقول في مستهله: <<.. ومن الضروري أن اطلعك على هذه الحالة اللازمة بجمع ما بقي في خبايا روحي وقلبي ومن الحماس الوطني والايمان الحار في مواطني أيام الصبا. والآن أدركت ان كل هذا لم يكن الا صدى اللاشيء. وانني قد شعوذت على نفسي وبحسن قصد كذبت عليك>>. ثم تقول <<قواي وخيالات، بما انها خيالات هي وهمية وانا مؤخذ ومولع اليوم بالخيالات والأوهام البعيدة عن هذا العالم الخ>>. وهذا النقص الأخير غير المقتصر على الحالة الادارية او الجسدية والشامل الحالة الروحية عينها أزال الثقة، التي كانت آخذة في الازدياد بعد مظهر النشاط الروحي السابق وذهب بكثير من التقدير لك، الذي أردت من كل قلبي أن يعلو يوماً بعد يوم وأن لا ينحصر ضمن حدود تشيلي.


اني أفهم الآن من كتابك الأخير، حالةٌ أنت مسؤول مناقبياً وقانونياً عن "كتمان معلومات" عن المراجع العليا يجلب كتمانها أضراراً غير قليلة. لم اتوان قط في تنبيهك الى ضعف بهجت، وخشيتي من عدم أمانته في المسائل المالية، ولكنني وضعت تنبيهي بصورة لطيفة، لأني لم أكن أعلم الى أي حد يريد أن يتمادى في خروجه على الأصول. وأنا من هنا رفضت اعطائه وكالة "الزوبعة" كما طلب، لأنه مع أمانته للعقيدة والحزب، لم يبرهن عن كفاءة عملية وأخلاقية في تصرفاته الخصوصية ومعاملاته. ولو انك استشرتني أو اطلعتني على مساعدتك التجارية له أو عزمك عليها، لكنت أبديت لك رأي صراحة في أمره وفي هذه المسائل بصورة عامة لكي تكون هنالك قاعدة تتبع تصون الحقوق الفردية وتحفظ النظام الحزبي وتفصل بين قواعد العمل القومي الاجتماعي والأعمال الخصوصية. وكثيراً ما صرحت في شروحي الكلامية لليمين الحزبية أن نص المساعدة فيها لا يشمل المساعي التجارية ومضارباتها. فالرفقاء غير مكلفين الا بمساعدة الرفيق المحتاج المساعدة الممكنة في اطعامه اذا كان جائعاً وفي تدبير نفقة انتقال اذا كان ذلك لغاية تحسين الأحوال، وفي ايوائه بعض الوقت اذا لم يكن له مأوى وكانت حاجته اليه ماسة.


أما من كان عالة على المجتمع فتنظر في أمره مؤسسات خاصة ومن أراد المغامرة التجارية فليس احد مكلفاً بدفع ثمنها عنه وحمل مسؤولياتها. وكنت أضرب مثلاً عقلية كثير من الماصونيين في هذا الصدد الذين يتخذون الماسونية وسيلة للحصول على مساعدات مالية للتجارة وعلى تأييد في المحاكم وغير ذلك. اني بصفة شخصية ألومك على عدم اطلاع الزعيم على حالة بعض الرفقاء. وكتمانك مهما كان سببه الشخصي لا يبرره تجاه خير الحركة وسلامة العمل القومي. وهذا عيسى حلبي قد صار هنا في بوانس ايرس وعدم معرفة أمره يسهل له أن يلعب مثل الدور الذي لعبه معك في تشيلي. ولو انك اطلعت الزعيم حالاً على هذه الأمور لكان دبر وضع حد لهذه المسائل الشائنة الضارة بالقضية. ولا اوافقك على قولك: <<عندما أدركت ان وجودك بالادارة يجلب أضراراً أدبية جمة على الحزب بقطع النظر عن الأضرار المادية لي، قدمت لكم استقالتي>>.


فاستقالتك لا تضع حداً لأضرار أصحاب الضرر بالحزب وكتمانك الأسباب الحقيقية يزيد الضرر وامكانياته ويضاعفه. والزعيم أحق أن يطلع على هذه الأمور قبل "كثيرين هنا" أي في تشيلي، لا بل كان الأولى كتمانها عن الرفقاء وباقي الناس ريثما يكون اطلع عليها الزعيم وأعطى تدابيره في صددها. ويغلط من يظن أنه يجب، "ان لا يعكر خاطر الزعيم" بمثل هذه المسائل لأنها خطرة في حالة جيل كجيلنا وفي فرع ينشأ حديثاً ويحتاج الى أساس متين. والزعيم أولى من أي موظف كان بمعرفة هل الاستقالة خير دواء لمعالجة داء. وكان الاخلاص والنزاهة يقضيان بوضع المسألة في يد الزعيم فتكون درساً وقاعدة.


إذا كنت ضعفت وقل ايمانك او زال تجاه هذه الحوادث فماذا كنت تفعل لو كان حل بك جزء يسير مما أعانيه باستمرار. أتعلم أن "رفقاء" هنا أرادوا أن يمنعوا الزعيم من الزواج وأعلنوا الخروج عليه لأنه تزوج؟ أبلغَ سمعك وقاحة واهانة للصفات الانسانية أعظم من هذه. وهنا أيضاً حدثت حوادث كالتي ذكرتها وتضرر منها بعض الرفقاء والاصدقاء ولكننا لم نتخل وعالجنا الحالة وتغلبنا عليها. والضرر كان معظمه ناتجاً عن عدم اطلاع الادارة على الحوادث الجارية. وكنت لا أتوقع أن يترك رجل مثلك مسؤولياته الجديدة ويدع الفوضى تتفشى، خصوصاً وانت تقول انك خبرت الشعب وفهمته.


وأعود فأقول اني كنت أتوقع منك، وأنت كاتب، وقد أدركت خطورة القضية وقيمة مبادئها، أن تعمل للايمان الجديد كما كتبت اليك، ولكنك فضلت متابعة كتاباتك في مسائل أخرى. وأن "مذكراتك" قد تكون المؤلف الوحيد الذي يستحق أن تخصص له عناية أولية في مشاريعك الكتابية. ولكن بعد اعتناقك المبادىء القومية الاجتماعية، صار ينتظر ان يصير تفكيرك منطبقاً على جوهرها ومثلها وغاياتها وان تظهر روحها في كتاباتك.


أما ما يقوله الناس في سبب مقال "الزوبعة" فهو من طبيعة الأقاويل التي يمكن بسهولة تمحيصها واظهار صحيحها من مفاسدها. وفي كتابك اليْ يوجد قول يغنيني عن الاسهاب في هذا الموضوع وهو: <<لا يوجد عمل ولا كتابة ولا قول في العالم مهما كان نبيلاً لا يقبل التحويل من حسن الى سيء باستعماله التحريف والمبالغة. النيات تقدر على كل شيء عندما تخلو من النزاهة والأمانة والجرأة>>. فأنا أوافق على القسم الأساسي من هذا التعبير ولكني أقول ان تشويه الحقائق لا يغلب الحقائق نفسها. خصوصاً متى وجدت نفوس ترغب في الحقيقة وتصمم على رفع الحق وخفض الباطل. ولا أظن أن رجلاً واحداً صحيح الادراك يعتقد أن زعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي قامت "بحرق البخور والمديح والاطراء على مذبح الزعيم" لا بالانشاء والجهاد والتضحية والمقدرة. أما الأموال فكان يمكن أن تتدفق على الزعيم تدفقاً لو شاء الزعيم أن يكون من نوع المتزعمين الذين خبرتهم الأمة. وأما السفر الى تشيلي فليس رغبة خاصة بأنطون سعاده في هذه الظروف ولا طلباً لمنفعة خصوصية. فالمنافع الخصوصية موجودة لأنطون سعاده هنا وفي كل مكان ولا تحتاج إلا الى تنازل أنطون سعاده لقبولها.



في 1 نوفمبر 1943


ولتحيى سورية


التوقيع




 
جميع الحقوق محفوظة © 2024