شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1936-01-15
 

رسالة خاصة من الزعيم حول موقف الحزب من العالم العربي

أنطون سعادة

إبان الحملة التي قامت بها بعض الصحف والعناصر على الحزب بحجة عداء الحزب للعروبة وللعالم العربي، وجه أحد أصدقاء الزعيم رسالة يستفسر منه فيها عن حقيقة موقفه من المسألة. فرد عليه الزعيم بهذه الرسالة، التي نشرتها جريدة "النهار" في كانون الثاني 1936.



عزيزي،


أرى أنك قد حولت مباحثاتنا القومية الشفوية إلى وجه كتابي. فلا أستطيع أن أتجاهل الوجهة الجديدة الدقيقة التي تقصدها. وإني أنزل عند رغبتك، وأستعيذ بالقوة العاقلة من تخابثـك.


تسألني ما موقفي من المسائل العربية. فأقول: إني أشعر بأن الذين سمعوا شيئاً من آرائي قد التبس عليهم موقفي حتى أن سوريتي قد أصبحت تؤول، بالفينيقية وبغير ذلك من التآويل. ولعل هذا ما تقصد إيضاحه بسؤالك. ولست بحاجة إلى القول أن المسألة القومية لا المسألة السلالية هي التي تستدعي كل اهتمامي. فذلك واضح في كل ما أقول وما أفعل. وإذا كنت قد رأيت أني أصرف كل همي وكل عنايتي إلى خدمة أمة واحدة من أمم العالم العربي، أعني أمتي السورية، فذلك لأن أمتي أحوج إلى عملي، ولأن لها الحق الأول علي، ولأن الاشتغال في قضايا هذه الأمم، بينما أمتي جسم مشلول، يزيد بلبلة قضايا العالم العربي بلبلة. فأنا لا أؤمن بالتضخم ولا أجد له حسنة.


والذي أراه أن في العالم العربي إذا شئت قوة واحدة يمكنها في حال اكتمالها أن تقبض عليه وتصير الأغلاط الاجتماعية والدينية والسياسية التي فيه، عاملاً فعالاً في سبيل تحقيق الغايات الكبيرة النبيلة، هي قوة الأمة السورية.


وما زال هذا العنصر فاقد العصبية الموحدة في ذاته ــ فاقد استجماع القوى الموحدة في إرادته الاجتماعية والسياسية، أي ما زال هذا العنصر غير عالم بمواهبه الخاصة التي يجب أن يعول عليها، ومجزءاً بين مختلف السياسات المذهبية والطائفية والعوامل الطبقية والشخصية، وقوى عقول شبيبته الممتازة مبعثرة بين مختلف الآراء والعقائد وموزعة على بيئات تخرج من متناوله ومقدوره، فلا أرى للأمة السورية خيراً ولا أرى خيراً للعالم العربي.


أعترف أنني أغرقت في سوريتي حتى نسيت العالم العربي ومشاكله. ولكن مهما بالغت بالنسيان ومهما طال أمره فذلك لن يبعدنا عن العالم العربي، بل هو سيقربنا إليه. ونحن قد استيقظنا وأخرجنا مواهبنا من مدافنها ووحدنا قوانا المبعثرة في إرادة واحدة نافذة. ونتائج الفعل غير نتائج القول. ولقد قربت من نقطة حساسة في نفسي لا أريد أن أسميها الآن. لا أريد أن أحدثك عما يكنه فؤادي للعالم العربي. أريد أن أفعل واجبي تجاه أمتي أولاً لتستطيع أمتي أن تفعل واجبها نحو عالمها الثاني.


أنني أؤمن أن الأمة السورية هي الأمة المؤهلة للنهوض بالعالم العربي، ولكنها لا تستطيع القيام بهذا العمل إلا إذا كانت ذات عصبية قوية في ذاتها تجعل ثقافتها مسيطرة وإرادتها نافذة.


لقد وقفت نفسي على توحيد أمتي وتقوية معنوياتها وإبراز شخصيتها حتى تصبح الآمال التي تجول في مخيلة رجال سورية أفكاراً قابلة التحقيق بتولد القوى الفاعلة فيها.


هذا موقفي عسى أن يكون جلياً لديك وأن أسمع منك ما يزيدني نشاطاً واسلم لصديقك.



بيروت في 15 كانون الثاني 1935


أنطون سعاده

جريدة "النهار" في كانون الثاني 1936



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه