شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1936-01-23
 

المعركة السياسية التاريخية الأولى - الجزء الثاني

أنطون سعادة

ولكنه أظهر عدم رضاه عن الترجمة وعن كيفية إجرائها بصورة تقاطعه في خطابه، والصحيح أن الترجمة كانت تأتي سقيمة ومشوهة. وأيد الأستاذ أبي شهلا شكوى الزعيم وقال عن الترجمة أنها "فرنكو- شينواز" أي فرنسية صينية. وبعد مداولة جديدة تقرر أن يخطب الزعيم بلا مقاطعة وأن يدون الكاتب كلامه ثم يترجمه بتأن ويلقى ترجمته بعد إعدادها كلها. فعاد الزعيم إلى الكلام:



تغيير شكل النظام


أنتقل، بناء على رغبة الرئيس، إلى نقطة جديدة، أعني قصد تغيير شكل الحكم. إن تغيير شكل الحكم الحاضر قد يكون واجباً وضرورياً لمصلحة البلاد. فرغبات كل جماعة وحاجاتها تتطور مع الزمن. وهذه القضية التي تشغل عقولنا كثيراً لم يقرر الحزب شيئاً نهائياً في صددها. فلا يمكن أخذ الحزب بشيء من هذه الناحية.


(هذا التصريح هو من أجرأ الأقوال وأقواها في القضايا السياسية الكبرى في العالم. فالزعيم لم يفشل تجاه التهمة الخطيرة الموجهة إليه ولم يتراجع قيد حبة في عزيمته. إنه اكتفى بتجريد هيئة المحكمة من كل حجة قانونية على الحزب ولكنه أثبت عدم رضى الحزب السوري القومي عن النظام القائم في البلاد المضيّع حقوق الأمة وعن أشكال الحكم الطائفي غير المستند إلى سيادة الأمة وإرادتها المطلقة. فأطلق الزعيم بتصريحه قول الحزب وعقد لسان المحكمة)



استقلال التفكير القومي


فيما يختص بالاستنتاج الذي ينسب إلى الحركة التي أقوم بها تقليد حركات


أوروبية، أقول:


أن لا تقليد عندنا مطلقاً ولسنا ممن يتبعون إشارات وإرشادات الغير.


وبعبارة أوضح، لسنا تحت تأثيرات عامل أجنبي.


ومن الوثائق التي صارت في حوزة المحكمة يتضح أننا نقاوم التأثيرات والدعاوات الأجنبية.


(من أهم الوثائق التي يشير إليها الزعيم خطابه في أول يونيو سنة 1935 قبل اكتشاف القوة المتسلطة في البلاد أمره بما يزيد على ستة أشهر. وقد صودرت نسخ من هذا الكتاب وضمت إلى أوراق الدعوى).


أما ما يظهر في قوانين الحزب من دلائل الروح الهجومية فقد قلت في استنطاقي أن المبادئ الأساسية، التي تشكل التعاليم الرئيسية للحزب، هي الشيء الثابت الراهن، الراسخ. وما بقية مواد القوانين إلا وسائل علمية قابلة للتغيير والتحوير وفي يد المحكمة الآن أدلة تثبت أننا كنا على وشك تعديل هذه القوانين.


وأما ما يتعلق بمسألة كثرة أعضاء الحزب للمنتمين إلى المهن الحرة وطبقات العمال فأقول بأن لجميع أبناء أمتي كل الحرية في ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية والاشتراك في الأحزاب التي يعتنقون مبادئها. وإننا لا نرى سبباً لمنعهم من الدخول في حزبنا الذي هو حزب الشعب كله.


وإذا كان الأعضاء ذوو بعض المهن قد برهنوا على شدة غيرتهم وتحمسهم لقضية الحزب وعلى فوائد عملية لجهادهم، فذلك يرجع إلى استعدادهم لقبول فكرة الحزب وإلى نجاح هذه الفكرة بينهم وإلى كثرة عددهم وعنايتنا الخاصة بهم ليست وليدة السعي لاكتساب تأييدهم فبي المهمات التي يريد الحزب القيام بها فقط، بل هي ناتجة بالأكثر عن بعض مبادئنا الإصلاحية الرامية إلى تحسين الحالة الاجتماعية – الاقتصادية المؤسفة التي يئن منها الشعب.



الحقوق المدنية والسياسية


تناول حضرة الرئيس، فيما تناول، مسألة ممارسة أبناء البلاد حقوقهم المدنية والسياسية وقد استنتج في شرحه أن الحزب السوري القومي يحرم الناس من ممارسة هذه الحقوق. ولما كانت هذه المسألة هامة جداً من وجهة نظر الحزب فإني أعود لأرد على كلام الرئيس.


إن تأسيس الحزب السوري القومي قد تم في ظروف خاصة، أوجبت نشؤ الحزب على هذه الكيفية، هي ظروف البلاد الحالية التي تضع مانعاً غير حقوقي يحول دون ممارسة أبناء البلاد حقوقهم المدنية والسياسية.


فالأمة المعترف باستقلالها وبأهليتها لهذا الاستقلال، وتمنع فيها الحرية التامة في إبداء الآراء السياسية والعقائد القومية – الأمة التي تخلو من منبر عام ومن حرية تشكيل الأحزاب السياسية هي أمة تحيا، ولا شك، في ظروف غير اعتيادية. والظروف غير الاعتيادية تقضي نهجاً غير اعتيادي. وإني أسست الحزب السوري القومي لتمكين أبناء أمتي من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية المحرومين منها، بحرية وليس لمنعهم من ممارسة هذه الحقوق.


(هذه نقطة انتصار أخر من انتصارات الزعيم في هذه المعركة العظيمة الدائرة بين الحق والباطل المتنكر بزي الحق. إن التهمة التي وجهها رجال القضاء الأجنبي إلى الزعيم بأنه أنشأ الحزب سراً وابتكر له هذا النظام المحكم والطريقة البديعة بقصد حرمان أبناء الشعب من حرية الرأي والقول والانتخاب وغيرها قد ردها الزعيم عليهم. فهو قد أوضح في تصريحه المتقدم أن السلطة الأجنبية التي أصدرت قوانين استبدادية تحظر فيها تأليف الأحزاب وتمنع حرية الاجتماع وابدأ الرأي ونشر الآراء هي التي تمنع أبناء الشعب السوري من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، وإن من أغراضه، حين عزم على إنشاء الحزب السوري القومي، أـن يعيد إلى أمته هذه الحقوق التي سلبها الأجنبي، وأن نظام الحزب وتشكيلاته وقوانينه هي لضمان إعادة الحقوق القومية المسلوبة وضبط ممارستها في ما يؤول إلى الخير القومي العام ولمنع مفاسد الفوضى والخلو من الشعور بالمسؤولية ولصيانة تدابير الحزب وإجراءاته من الإفشاء والشيوع، ثم تابع الزعيم:)


لولا هذه الظروف وضرورة اتقاء الحزب مقاومة المؤسسات والقوات المعاكسة لهذه النهضة لما كان ثمة مانع من الحزب وإعلان أمره في الحال. وأصرف النظر عن تفصيل عوامل أخرى دعت إلى كتمانه.


قد يقال أن الأمة تحيا في ظلال حريتها وأنها تمارس حقوق سيادتها بواسطة مجالسها النيابية. وأجدني مضطراً للتصريح في هذا الصدد أن السيادة الفعلية وحقوق ممارستها هي في الشعب دائماً. فإذا أقيمت حواجز تمنع الشعب من ممارسة حقوقه كان واجباً عليه أن يبتكر أسلوباً يتغلب به على هذه الصعوبة. وهذا هو تماماً ما فعلناه بإنشاء الحزب السوري القومي سراً وعقدنا الاجتماعات السرية وتنظيم صفوفنا وأعمالنا بهذه الدقة وهذا الضبط.


إن حقوق سيادتنا معترف بها رسمياً بنصوص انترنسيونية، وهي معترف بها من قبل الدولة المنتدبة أيضاً. وإن حالتنا تحت الانتداب لتضع علينا مسؤولية خطيرة جداً أريد أن ألفت إليها النظر بصورة خاصة وهي:


إن الانتداب وجد ليعطينا المساعدة والمشورة الإداريتين. وهذا يحتم أن ما وراء ذلك من الصلاحيات هو حقوق محفوظة للشعب المعترف باستقلاله.


فإذا كان الانتداب للمساعدة، كما ذكرت، فالواجب الواقع علينا ، نحن المنتدب علينا، هو واجب النمو القومي – نمو النضج الحقوقي والقوة القومية على أساليب تحفظ لنا روحيتنا الأصلية. ونحن، بإنشائنا الحزب السوري القومي نقوم بهذا الواجب ونعاون الدولة المنتدبة في مهمة الترقية.


نحن نؤدي هذه المعاونة بأنفسنا والإطلاع بمسؤوليتنا.


(هذه أول مرة يحدد لنا مفكر قومي ماهية الانتداب وحقيقته وحدوده هذا التحديد الحقوقي الدقيق. ويظهر للشعب السوري واجبه وكيفية القيام به. وقد أظهر هذا التحديد عمق نظر الزعيم في القضايا الحقوقية والسياسية القومية والانترنسيونية وسمو الروحية التي ينظر بها في هذه القضايا وبهذا التحديد الجلي أوقف الزعيم القضاء الأجنبي عند حدود لا يمكنه تجاوزها من غير التعرض لفضيحة مخزية تزيل الهيبة التي يحاول بجميع الوسائل الممكنة الاحتفاظ بها تجاه الشعب السوري المنتدب عليه وتقويتها في عينيه. ولا حاجة للإفاضة في أن هذا الموقف العظيم الذي وقفه الزعيم تجاه ادعاءات القضاء الأجنبي جعل سيطرة نظرة الحزب السوري القومي على مجرى القضاء سيطرة تامة).



نفي مبدأ كره الأجنبي


ليس في حركتنا مبادئ كره للأجنبي. فنحن لا نعمل بالمبدأ المعروف في العالم "بالكسنفوبية" ولا تدفعنا دوافع "الشوبنزم" كلا.


إن مبادئنا تعميرية بحت وغرضنا جعل بنائنا الاجتماعي متيناً وجميلاً.



البواعث على إيجاد الحزب


إن البواعث الإيجابية التي دفعتني إلى إنشاء الحزب، عدا ما قلته في صدد ممارسة حقوق السيادة، هي وضع حد لفوضى العقائد القومية في المجتمع السوري وتوحيده في عقيدة كيانه ومصلحته، وصرفه عن التخيلات العقيمة والأوهام الإتكالية إلى التفكير العملي والعمل والنهوض بالذات، وتعويد النشء خصوصاً ممارسة الحقوق والواجبات القومية والفضائل التي توحد المجتمع وترقية نظرياته وأنظمته، وقيادة النشء إلى النظام والتمرن على استخدام مواهبه في سبيل ترقية أمته وفي سبيل معرفة الواجبات العامة والإطلاع بالمسؤوليات.


من أجل تحقيق هذه الغاية جزمت في جعل الحزب كله "ميليشيا" منظمة يتعلم فيها الشباب فضائل الجندية ويتهيئون للعمل والتضحية بدلاً من الانصراف إلى أوهام الكسل والخمول هذا هو الدافع الأولي لإنشاء هذه الدائرة الخاصة التي سميت "عمدة الحربية".


لقد أردنا النظام والنظام لا يكون بلا قوانين ولا يتم إلا بتعيين الحقوق والواجبات.



الوقاية من المشاغبات


النظام من طبيعته الابتعاد عن المشاغبات. ففي كل المدة التي مضت على إنشاء الحزب السوري القومي حتى الآن لم يقم هذا الحزب بإحداث أي شغب، بل كان الحزب مانعاً واقياً من المشاغبات المخلة بالأمن العام، بفضل متانة نظامه وتنظيم قواه وإخضاع قواته لتهذيب وتأديب دقيقين.


إن للحزب السوري القومي غاية فوق المشاغبات الاعتباطية. وإلى هذه الغاية السامية أردت توجيه قوى شبيبة أمتي ضمن نظام الحزب وتحت تأثير تعاليمه.



تشجيع تنوع المزايا


أنتقل الآن إلى بحث نقطة تتعلق ببعض ما هو مكتوب في مذكراتي الخاصة وبعض رسائل واردة إليّ.


الحزب من حيث هو مجموع أفراد تتنوع مزاياهم ومواهبهم لا يمكن تحديد تفكير كل فرد من أعضائه بطريقة تفكير زعيمه في جميع المسائل والقضايا الجزئية أو التفصيلية، إي أنه لا يمكن جعل كل تفكير فرد من أفراده نسخة طبق الأصل عن تفكير زعيمه.


الحزب يجمع عناصر متنوعة ولا يمكن القضاء على هذا التنوع ولا يجوز تشجيع قتله. هذه الحقيقة توضح مسألة الرسائل التي كانت تردني يسن حين وآخر ووصل بعضها إلى هذه المحكمة. فقد وردتني رسائل بعضها من شباب متقدين غيرة ومتحمسين للسيادة والاستقلال القوميين، وبعضها من شباب تعلموا في المدارس السياسية القديمة أن السياسة هي فقط كره الأجنبي ولذلك صاروا يتصورون أن كل عمل قومي سياسي لا يمكن أن يقوم إلا على كره الأجنبي.


ومن هذه الرسائل ما كان يرد عليّ ملحاً بالإسراع في اتخاذ تدابير حربية واحتياطات مسلحة، باعتبار أن الحرية بدون قوة تصونها هي شيء خداع كالسراب. ويجوز أن يكون غالب هذه الرسائل قد كتب تحت تأثير سحر المظاهر العسكرية المسلحة.


مهما يكن من ذلك فإني لم أكن أرى واجبي يسمح برمي هذه الرسائل في سلة المهملات والاستخفاف بتفكير أصحابها. بل كنت أرى الاحتفاظ بها لدرسها وإعطاء التوجيهات المصححة التفكير الوارد فيها، لذلك كنت أسجل في مذكراتي كل نقطة عامة ترد في رسائل الأعضاء وأرى فيها ما يستدعي الاهتمام. وإذا كنت قد أجبت بعض الأعضاء مثنياً على غيرتهم وشاكراً لهم اهتمامهم بما يؤول إلى نجاح القضية فلا أرى في ذلك جريمة.


(بهذا الجواب ردّ الزعيم على استئنافات رئيس المحكمة الخاطئة من رسالة الرفيق جورج حريكة من فرنسا الحاملة على فرنسا وسياستها في وطننا وبعض رسائل أخرى تطلب جمع السلاح بسرعة. وأهم نقطة تمسك بها رئيس المحكمة هي أن رسالة الرفيق حريكة تدل على نوع التعاليم التي يلقن الزعيم أتباعه العمل بها. وتطرق الزعيم بعد ردّه الوارد آنفاَ إلى مسألة الشركة التجارية السورية التي لم يقع في يد المحكمة سوى الأوراق التمهيدية لها فقال:)


هناك نقطة تتعلق بإصدار مرسوم بإنشاء شركة تجارية تمد الحزب وتغذيه وتسد حاجاته المالية. إن الورقة المكتوب عليها هذا المرسوم ليست ورقة حزبية رسمية ولا تحمل توقيعاً ما. ولذلك هي عديمة القيمة.


أما الرسالة المنسوبة إلى السيد أسعد الأيوبي فأقول أنها لم تنشر بقرار حزبي أو بواسطة الحزب وهي لم تعرض عليّ بصفة رسمية. فإذا كنت أظهرت بعض الاستحسان لها فذلك رأي إجمالي شخصي. ولذلك لم أتبن هذه الرسالة.



السلاح والفدائية


من جملة النقاط الواردة في دفتري مسألة السلاح ومسألة فرق الصيانة والفرق الفدائية في الحزب.


في هذا الصدد أقول أن هذه المسائل هي من جملة أفكار وآراء وخواطر كنت أدوّنها لتحليلها ودرسها من جميع وجوهها. ولكني أقول بصورة قاطعة أنه لم يكن لدينا في الحزب مستودع نجمع فيه السلاح ولا رجال مخصصون لجمع السلاح ولم يتجمع لدينا سلاح ولم نستعمل سلاح.



الحزب ضد الدعاوات الأجنبية


أختم كلامي مقرراً أن الحزب خالص من كل نفوذ أجنبي وخطابي الرسمي الموجود الآن بين يدي المحكمة يقيم البرهان القاطع على أننا ضد الدعاوات الأجنبية نحاربها بكل قوانا وإننا نعمل لاستقلالنا بصفتنا أمة معترفاً بأهليتها للسيادة بحقها فيها.


إن الحزب السوري القومي هو حزب تعميري نظامي بحت وهو يعمل بجميع الوسائل المبتكرة لتمكين أبناء الأمة السورية من ممارسة الحقوق المدنية والقومية في ظروف حرجة.


ولم يكن القصد أن يكون هذا الحزب سرياً دائماً. فهو ليس جمعية إرهابية ولا هو مجموعة أفراد محدودة عقائدهم تتعلق بهم وتقتصر عليهم.


مبادئنا هي مبادئ قومية عامة لأمة بأسرها ونحن ننتظر إقبال العموم عليها لأن التعمير من جهات أربع: الاجتماع والاقتصاد والنظام والسياسة، هو عمل جدير بأن يجد التأييد اللازم ووجوده ضروري وواجب وهو ضمن نطاق جميع الحقوق المدنية السياسية للشعوب الحرة.


وأني أشكر حضرة الرئيس لسماحه لي بالوقت الكافي لإبداء هذه الإيضاحات وآسف لأني لم أتمكن من إجابة طلبه إلى أن أتكلم باللغة الفرنسية.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه