شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1938-03-13
 

اختبارات مبادئ واشخاص

أنطون سعادة

جاءت النهضة القومية بتعاليم جديدة تغير وجهة النظر وتقيم الحرب بين الجديد المهاجم والعتيق المدافع، بين الحياة القومية والحياة الفردية او العائلية، بين حق الأمة ومنافع الأفراد، بين النظرة القومية الظاهرة فيها مطامح أمة حية وبين النظرة الخصوصية الممتزجة فيها الرغبات الفردية بالمصالح القومية.


وما كادت تظهر تعاليم النهضة الجديدة حتى جذب سحرها الكثيرين وبينهم عدد كبير ممن كانت منافعهم الخاصة لا تزال بعيدة عن الاحتكاك بينها وبين المصالح العامة. فأطنبوا في مدح النهضة ومبادئها وتعاليمها وعملها الاصلاحي والفضائل التي تغرسها في النفوس. وهتفوا للزعيم بحرارة المؤمنين.


ولكن النهضة تعرضت لاختبارات عديدة منها اختبارات سياسية أوجبت على الحزب السوري القومي أن يسلك خطة متفقة مع موجبات الظروف من أجل مصلحة الحزب ومشاريعه وأعماله الانشائية التي لا تزال في طورها الأول. وهو طور لا يسمح بالقيام بأي عمل يعرقل النمو. وكان في هذا المسلك ما اقتضى تضحيات بوجهات نظر مستعجلة وجاء مخالفاً للرغائب الخصوصية الساعية للتوفيق بين رغائب الحزب وبينها. فإذا الموقف شديد يطلب من هؤلاء الموقفين أن يظهروا اتجاههم الكامل ثم حاولوا أن يعودوا إلى فلسفة التوفيق العقيمة فظهرت منهم هذه الأقوال: "نحن مع الحزب السوري القومي ونحب مبادئه ونرى أن فيها كل الخير، لكن لماذا وقف الحزب هذا الموقف وذاك الموقف ولماذا لا يقوم الحزب بهذا الأمر أو ذاك" وهم يتكلمون بما في نفوسهم ويريدون أن تتعين سياسة الحزب وفاقاً لهذه الرغبات الشخصية لا وفاقاً للخطط السياسية التكنيكية التي تضعها مؤسسات الحزب السياسية بناء على درس الحالة الراهنة والعوامل الجارية.


عندما قرر الحزب السوري القومي خطته السياسية المركبة وجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم في الحالة عينها التي وجد فيها الغني الذي سمع المسيح يقول له أن يذهب ويبيع أملاكه ومقتنياته ويوزع ماله على الفقراء!


تجاه موقف ذلك الغني قال المسيح عبارته "الحق أقول لكم أنه أيسر أن يدخل حبل في ثقب إبرة من أن يدخل غني ملكوت السموات".


وتجاه موقف هؤلاء الأشخاص يجب علينا أن نقول لهم: "ان التضحية بالرغبات الشخصية هي الطريق لضمان وحدة اتجاه النهضة القومية وانتصارها. وانه أيسر أن تزول الأرض وتعود فتوجد من أن تنهض أمة على الرغبات الخصوصية".


كثير من الناس يظن أنه يمكن تغيير الحالة السيئة وانشاء حالة جديدة في محلها بدون أن يتعرضوا هم أيضاً للمساهمة في التضحيات المبذولة وبعضهم يظن أن له امتيازاً يجعله فوق التضحيات فمع إدراكه وجوب القيام بها يمتنع ويراوغ ويسفسط في السياسة، فيعوض عن اعترافه بحقيقة الواقع بالقول لو أن الحزب عمل كذا لنال. وهذه هي السياسة التي كان يجب أن تتبع إلى آخر ما هنالك من الأقوال، التي يسهل على غير المسؤولين عن مصير منظمة عظيمة كمنظمة الحزب السوري القومي أن يتشدقوا بها بلا حساب كما يتشدق بى حساب الأفراد العاديون الذين يجتمعون لقتل الوقت بانتقاد سياسة بريطانية تجاه اليابان أو سياسة ألمانية في أسبانية مع كل جهلهم وبعدهم عن المسؤولية.


كل حزب يتمكن من تكييف سياسته وفاقاً لرغبات أمثال هؤلاء الأفراد العظام يكون محبوباً ومحبذاً منهم وكل حزب لا يتمكن من ذلك يمون مرذولاً.


كانت رغبات أمثال هؤلاء الأفراد العظام ذات تأثير كبير من قبل. ولكن الحزب السوري القومي يرفض الاعتراف بأي تأثير غير تأثير المصلحة القومية وضروريات الحزب السياسية.


النهضة – العدد 115 في 13 مارس 1938.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه