شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1945-03-26 |
نسر الزعامة السورية القومية ووحل تكمان وذبابها < الباب الثاني جزء 4> |
مع ذلك كان الزعيم يرفق به ويجد له بعض العذر في ما اكتسبه من الأساليب اللاقومية التي جرى عليها عدد غير قليل من كتّاب الصحف في سورية ومصر. وكان الزعيم يتوقع ان يتدرج مسوح في الروحية القومية ومناقبها ويكتسب ثقة بالحق وبالنفس تجعله يرى اعلان الحقيقة واعطاء كل ذي حق حقه منقبة تشهد لصاحبها بسمو النفس ومتانة الاخلاق فيكتسب، بهذه الطريقة، منزلة هيهات ان يكتسبها بالانتحالات والمواربات وضروب الرياء. فأخذ يضع له في مقالاته بعض الاشارات الواجب وضعها ثم جعل يشجعه بابراز اقواله وتعابيره كلما سنحت الفرصة، بل ان الزعيم ذهب الى أبعد من ذلك فعزا غلى جبران مسوح ما ليس له في الأصل، كما فعل حين ذكر في كتابه "الصراع الفكري في الأدب السوري" جبران مسوح ونسب اليه القول: "لم نكن نعلم أي درك من الانحطاط الأخلاقي وضعف المناقب بلغ شعبنا، الى ان دخلنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي. الآن أصبحنا ندرك الفساد المتفشي في أمتنا وخطره على حياتها" فكل متأمل في هذه العبارة يجد فيها انتظام تعابير الزعيم نفسه. والحقيقة ان جبران مسوح صار يردد شيئاً من هذا القول ولكن ذلك كان على أثر حديث الزعيم معه أظهر فيه سعاده كم كشفت مبادىء النهضة القومية الاجتماعية ومناقبها من تدهور المناقب والاخلاف في شعبنا فقال مسوح: "صحيح، يا معالي الزعيم، فالحقيقة اننا لم نكن نعرف الى أية حالة من الانحطاط وصلنا إلى أن دخلنا في الحزب "ثم رأى مسوح أن يستعمل هذا التعبي فاستعمله ورأى الزعيم أن ينشطه ويزيد له ايدرك انه اذا كان يُعطي اكثر مما له فكم يجب عليه أن يكون أميناً على ما لغيره. ولكن جبران مسوح، على ما أظهر أخيراً، لم يقدر ان يتجاوز حد الاعتراف الاجمالي المبهم. وهو ظن أنه أظهر من المهارة في بلوغ الشهرة غير المستحقة ما لم يبلغه غيره وكان سعيداً بهذه النتيجة الباهرة! من جهة اخرى صار جبران مسوح يهتم بالكتابة عن الزعيم أكثر كثيراً مما يهتم بالكتابة عن النظام والسبب واضح: انه فهم الزعيم وأدرك من عمله ومقاصده أكثر (م ن ا) فهم نظام الحركة السورية القومية الاجتماعية وأدرك من عملها وفلسفتها. ومقالاته كلها تشهد بذلك وهذه الشهادة تكذب ما ادعاه في "اخائه" لنه لم يقبل بزعامة سعاده إلا من أجل النظام وحاجة الأمة اليه. وأول مقالة كتبها بعد تعرفه إلى الزعيم بعنوان "كيف عرفت الزعيم" كانت شهادة في الزعيم لا في نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي وهو كتبها باختياره الشخصي لا بأمر النظام ولا عملاً بواجب النظام. فالنظام السوري القومي الاجتماعي لا يكلف أحداً أن يقول في أنطون سعاده ما لا يعتقده ويراه فيه. أما في ما يختص بالنظام القومي الذي يحاول جبران مسوح الا أن يتمسك بفكرته ويبرر رياء، فلم يكن أبعد من جبران مسوح عن فهمه والتقيد به. عندما أنشأ الزعيم أول مديرية للحزب السوري القومي الاجتماعي في تكمان عيّن جبران مسوح أحد أعضاء لجنة الادخال فيها، وكان ذلك قبل تعيينه مشارفاً على مديريتي تكمان وسنتياقو دل استيرو، وشرح للجنة المذكورة صلاحيتها المنحصرة في ادخال وتشجيل طالبي الانضمام بعد أن توافق هيئة المديرية على ادخالهم. فلم يمض غير وقت قصير حتى كثرت شكاوى المدير من خروج جبران مسوح على النظام وادخاله أشخاصاً بطرق غير قانونية. والمشاكل النظامية والادارية التي أوجدها جبران مسوح كثيرة جداً ولكنه كان ينقذ نفسه في أكثر الحالات بالتعلق بسعاده والمبالغة في اظهار الأمانة له! في تكمان تعرف الزعيم الى عائلة جبران مسوح. وما كان أشد دهشته عندما رأى الشعور الوطني السوري مفقوداً بالكلية منها. لم يكن مسوح يقول لعائلته شيئاً عن سورية الا ما كان يقوله في كتاباته السابقة مثل "المسيحي المسلم". وأول قول فاهت به زوجته في حضرة الزعيم كان أنها لا تفكر بسورية ولا تريد العودة الى تلك البلاد وانها لا تشعر ان سورية وطنها لأنها لم تذق فيها غير العذاب وكان جبران حاضراً فقال: ان ما تقوله بلوميا هو صحيح فنحن لم نكن نشعر أن لنا وطناً" وبهذا الشعور نما جميع أولاد جبران مسوح جاهلين لغة آبائهم وأجدادهم، حتى المولودون منهم في سورية. السعيد السعيد فيهم من قدر أن يردد بضع عبارات عامية. ولعل الوحيد فيهم الذي له قدرة على شيء من ذلك ابنته الكبرى المتزوجة. أما بقية أولاده فقد يفهمون بعض جمل ولكنهم لا يقدرون على الكلام والتحدث بالعربية. ولكن الزعيم تمكن، من أول حديث فاه به لفئة من الشبانأبناء المواطنين في تكمان، من اضرام شعلة القومية والوطنية في صدورهم. زكان بين الذين اتقدت نفوسهم بهذه النار المقدسة ابن جبران مسوح أمين. وأخذت أحاديث الزعيم توضح القضية السورية القومية الاجتماعية ومراميها وكان من وراء ذلك التفاف كتلة من الشبان كان يمكن ان يرجى منها خير للقضية. أصاب عائلة جبران مسوح نصيب كبير من أحاديث الزعيم التي تناولت كل ناحية من نواحي الفكر والشعور والأدب. فتكلم على الأمة السورية والوطن السوري وماضيهما وحاضرهما وتكلم على المسيح وجبران خليل جبران ومحمد. وتكلم على النعصبات الدينية وعلى وحدة العائلة. وفي هذا الموضوع الأخير وعظ الزعيم عائلة جبران مسوح وعظات خصوصية لأنه رآها متفسخة الروحية تفسيخاً كثيراً. اذا كان جبران مسوح قد حسّن كتاباته في صدد المسيح ومحمد والأديان الراقية جميعها فالفضل في ذلك لأحاديث الزعيم ومواعظه. فقد كان جبران مسوح يحارب الدين كله حرباً عمياء جاهلة وكانت أحاديثه وكتاباته فوضوية، مهدمة. فأخذ يصلح له تفكيره ويبين له ما كان للدين من فضل. فصار مسوح أخيراً يرى المسيح ومحمداً جديرين بالاعتبار وكتب لعيد أول مارس سنة 1943 مقالته "سعاده والمسيح ومحمد" التي قال فيها أن سعاده جمع بين المسيح ومحمد لخير الانسانية الخ. وصار جبران مسوح، كلما رأى كتاباته ترتقي ومركزه يتحسن ونطاق قرائه يتسع بفضل ارشادات انطون سعاده ومبادىء النهضة السورية القومية، يزداد تحمساً للزعيم وتأييداً له وكانت حدته في هذا السبيل بارزة. ولكن الزعيم كان يظن ويقدر انها ناتجة، بالأكثر، عن ايمانه الجديد واهتدائه بعد ان كان ضالاً بلا قومية ولا وطن ولا أدب صحيح ولا عقيدة دينية ولا اجتماعية. ولذلك كان الزعيم يدافع عن حدّته الظاهرة في كتاباته السياسية والاجتماعية التي اوجدت نفرة منه عند كثيرين وأثارت عداوات في بعض أوساط المواطنين لا حاجة اليها ولا مبرر لها. قلنا ان عائلة جبران مسوح كانت متفسخة تفسخاً روحياً عظيماً. وعدا عن ذلك كان هنالك انقسام اجتماعي واضح: وكانت تلك السيدة تقول انه لولا ابنها أمين لما كان قام للعائلة قائم. وكانت هذه الشكاوى تشمل حياة جبران مسوح قبل دخوله في الحزب السوري القومي. كان جبران مسوح مهملاً وعديم التدبير ومبذراً. هذه خلاصة الشكوى. فأخذ الزعيم يهوّن على زوجته ويوجد لها أعذاراً متعددة لسلوك جبران، أكثرها يستند الى تعليل الحالة باشتغال جبران في الأدب. ان جبران مسوح لكاذب في قوله في "الاخاء" انه سلّم ابنه أمينا مصير العائلة والمال الذي أصابه في الشركة التي كانت معقودة بينه وبين أخيه أديب والتي كان لإبنه أمين ضلع صغيرة فيها "بسبب مرضه". والحقيقة هي أن عائلته لم تقبل بتسلمه هو ذاك المصير لأنها عرفت من الاختبارات السابقة انه يكون إلى الخراب. فإذا تسلم أمين المال والتجارة دخل أبوه جبران في محله مستخدماً تجارياً بأجرة معينة. وصار يعمل لمحل ابنه بهذه الصفة، فلم يكن قاعداً لمرض، كما يدعي بهتاناً لستر عجزه. والذي لا يقدر أن يقوم بعمل تجاري وهو سيد محله بسبب مرضه كيف يقدر ان يعمل العمل التجاري، على الرغم من مرضه، وهو مستخدم بالأجرة؟ وسفرات جبران مسوح المتواصلة الى بوانس ايرس ووجوده في محل ابنه يومياً، الا حين يصاب بألم او حالة مرضية معقدة، لا تدل على انه كان عاجزاً عن العمل او متقاعداً. ولكنه كان يعمل على مسؤولية ابنه وليس على مسؤوليته هو. وكان عليه أن يعمل بأوامر ابنه وتوصياته. فلم يكن له من الأمر شيئ. فالأدلة متوفرة على كذبه في القول انه سلم ابنه رسمالاً لأن مرضه أوجب عليه ترك العمل التجاري. وكان بين جبران مسوح وعائلته خلاف آخر خفي بقي مستوراً إلى أن انكشف بفضيحته في اشتراكه التجاري مع الزعيم وخيانته له. للبحث اسئناف على الوصلة التالية والمنشورة سابقاً : http://www.ssnp.info/thenews/daily/Makalat/AntonSaadeh/Saadeh_12-10-44.htm الزوبعة، العدد 84 في 26 آذار 1945
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |