شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1924-10-10 |
الفاتح العربي الجديد جزء 5 والأخير |
ومن نكد الدنيا على الحر لم يقف الحسين عند حد استقلاله بالحجاز بل رأى الفرصة سانحة لإبلاغ مطامحه حداً بعيداً فاتفق مع بعض الذين التفوا حوله على إنشاء امبراطورية عربية تشمل سوريا كلها بما فيها لبنان وفلسطين ولا ندري إذا كانت قد وقفت عند هذا الحد أو شملت مصر وتونس والجزائر ومراكش أيضاً التي يعد أهلها عرباً لأن فيهم دماً عربياً ولأنهم يتكلمون العربية أو لمجرد أنهم يدينون بالإسلام فأعلن نفسه سلطان أو ملك العرب على أن الحلفاء لم يعترفوا به إلا ملك الحجاز وذهبت مساعي فيصل ولورنس في مؤتمر الصلح لإدراك هذه البغية إدراج الرياح. رأى ابن السعود من وراء ذلك أن الحسين قد تجاوز حدوده وحدث نفسه بما لم يحدث نفسه به الذي بلغ من السطوة والصولة ما لم يبلغه الحسين ولا يبلغه ولن يبلغه ووجد أن في إعلان الحسين نفسه ملك العرب أجحافاً بحقوق نجد وتهديداً لاستقلال نجد فتلهب قلبه على الحسين غيرة وغيظاً ولكنه لم يجد في بادئ الأمر فرصة تمكنه من إظهار ما به وتنفيذه إذ كان والحسين يحاربان سوية ويسيران نحو غرض واحد فكانا يظهران الصداقة الواحد للآخر في حين أن كل واحد منهما كان يود لو يتمكن من خنق الآخر. ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى *** عدواً له ما من صداقته بد ظلت الحال على ما هي عليه من إظهار الوداد بين ابن السعود والحسين إلى أن كانت سنة 1919 حين انتهى كل شيء وجاء دور الحساب فقام بينهما خلاف على الحدود بين نجد والحجاز وأدى ذلك الخلاف إلى قتال فجرت معركة بين رجال نجد ورجال الحجاز أسفرت عن خسارة الحسين 4.500 رجل ولكن الأوروبيين تدخلوا بين الفريقين وحسموا الخلاف. بيد أن ذلك الحسم كان أشبه بتغطية النار بالرماد ولكنها كانت تغطية دامت إلى هذه السنة ثم عادت نار الحرب إلى الشبوب وفي هذه المرة تخلت أوروبا عموماً وبريطانيا خصوصاً عن الحسين بالكلية وأظهر ابن السعود سلطان نجد أنه يريد أن يضرب ضربة تقضي بينه وغريمه إلى الأبد أو إلى أمد بعيد جداً على الأقل. زاد نيران الغيظ والغضب في قلب السلطان عبد العزيز سعيراً إعلان الحسين نفسه خليفة المسلمين في الأرض قاطبة ولما كان عبد العزيز يرأس مذهباً جديداً في الإسلام أتينا على خلاصته فيما تقدم فإن إعلان الحسين نفسه خليفة جعله خصماً لعبد العزيز في شيئين أولهما الملك على العرب وعبد العزيز أجدر به منه وثانيهما الخلافة وعبد العزيز خليفة محمد عبد الوهاب الذي يريد أن يصلح الإسلام (بالعودة إلى القرآن الكريم) وهو والحالة هذه لا يعترف بخلافة الحسين لا من حيث أهلية الحسين ولا من حيث مبدؤه الديني فرأى أن يكون السيف الحاكم بينه وغريمه في هاتين القضيتين الهامتين وإلى السيف عمد. "و" السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب كان ينقص إضرام نار الحرب بين السلطان عبد العزيز آل سعود والملك حسين بن علي شرارة صغيرة تصل إلى مخزن البارود وهذه الشرارة جاءت في مسألة الحج فإن الحجاج أخذوا يتذمرون من سوء المعاملة والضيافة عند الحسين حتى أنهم كانوا يقاسون شدائد فكانت مسألتهم هذه ثالثة الأثافي التي كان عبد العزيز يبحث عنها فجاءته من تلقاء نفسها. وجد عبد العزيز في مسألة الحج العذر الشرعي الذي كان يبحث عنه لضرب غريمه وأيقن أنه إذا ترك هذه الفرصة تمر دون أن ينتهزها فقد ينتظر غيرها عبثاً فتناولها كما يتناول المبارز قفازاً رمي إليه وبعد أن عقد مؤتمراً للبحث في المسألة المذكورة قرر وجوب مهاجمة الحجاز وكان ذلك منذ بضعة أشهر. وضع عبد العزيز الخطة التي عزم على اتباعها وفي صباح أحد الأيام أذاعت الجرائد في العالم كله نبأ برقياً أحدث دوياً كبيراً وكان مفاد النبأ أن قوات نجد اجتازت الحدود إلى الحجاز واستولت على الطائف وكانت قوات نجد قد هاجمت قبل ذلك شرق الأردن لأمر لا نعلمه وارتدت عنه ثم أخذت الأنباء البرقية ترد كل يوم عن تقدم قوات نجد أو قوات الوهابيين وتهديدهم مكة واستيلائهم عليها بعد أن تنازل الحسين عن الملك لابنه الأمير علي الذي حاول أن يصل إلى تفاهم مع السلطان عبد العزيز على غير طائل وقد جاء في الأنباء البرقية أن رسائله كانت تلقى في سلة المهملات. على هذه الكيفية انتهت رواية الامبراطورية العربية التي حلم بها الحسين وأولاده وكانت حلماً لا يحقق وابتدأ عبد العزيز في إنشاء سلطنة عربية إذا انحصرت في بلاد العرب فإن نجاحها معقول. لقد صرف الحسين السنين الطوال يعد طريق الامبراطورية العربية التي قال لنا بعض الخيابين أنها ستكون القوة الهائلة التي ستقف في وجه الغرب كله وهو في الحقيقة لا يكاد يملك موضع قدميه في بلاد العرب فنرجو أن يكون هو أمثولة لابن السعود الذين نظن أنه يعرف كيف يستفيد من الدروس التاريخية.
تمت
"المجلة" السنة العاشرة، اكتوبر 1924
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |