شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1946-02-21
 

إلى غسّان تويني رسالة 1 الجزء 3

أنطون سعادة

فبعد ان كنت فرحت بتصريحاته في كتابه السابق وتبهه لما يطرأ من الشذوذ وتباين النظر بسبب الابتعاد بين الزعيم وناشىء الفكر في الحركة، وخصوصاً تمنيه في الكتاب المذكور بقوله: "اني اتطلع بشوق الى يوم العودة الى الوطن وعسى ان يكون هذا اليوم قريباً لنا جميعاً". عدت فحزنت لهذا التبلبل الفكري والتزعزع الروحي والميعان الاخلاقي وأجبته بكتاب اوضحت له فيه التناقض بين كتابه الأخير الاستعفائي – الانشقاقي وكتابه السابق ورفضت اعفاءه من واجباته واطلاقه من قسمه. وبينت له ان لا حرج ولا اكراه في العقائد واننا لا نتنازل عن حق حرية الفكر لكل مفكر. فالقضية لا تتدخل في مسائل الايمان الديني ولا تريد ان تفرض "حقائق دينية" معينة على أعضائها. فليؤمن من شاء بما شاء وليجهر كل ذي رأي برأيه وليوافقه من شاء وليخالفه من شاء ولكن سلامة العقيدة القومية الاجتماعية ووحدة العقيدة القومية الاجتماعية وحركة النهضة يجب ان تبقى فوق جميع النظريات والمذاهب الجدلية المتعلقة بما وراء المادة وبما لا دخل للعقيدة القومية الاجتماعية فيه.

بعد جوابي الأخير اليه حصل سكوت عميق وهو مستمر الى الآن، وهذا يعني ان موقف هذا الرفيق الذي عمل في الماضي بجد واخلاص وتقدير، اعمالاَ ثقافية واذاعية وادارية مفيدة جداً قد أصبح شاذاً وخارجاً عن حدود العقيدة والنظام القوميين الاجتماعيين. وجميع الدلائل تدل على انه يريد ان يوجه عنايته الى العقيدة الدينية التي ينتمي الآن اليها، محاولاً، ليس فقط تبربر شؤون حزبيتها الدينية الخاصة، بل جعلها قاعدة لقياس كل أمر ديني او مدني او سياسي او قومي. وهو مخالف مخالفة صريحة لمبادىء عقيدتنا القومية الاجتماعية القائلة بتساوي الأفراد في حرية الاعتقاد الديني وبالفصل فصلاً تاماً بين المسائل الدينية والقضية القومية الاجتماعية والسياسية. والغريب في موقف الأمين معلوف انه لا يطلب حرية الاعتقاد التي مكفولة في مبادئنا ونظامنا ومؤيدة بخطب ومقالات عديدة للزعيم، بل يطلب استخدام حرية اعتقاده ليفرض على الحزب وجوب "اعتماد الحقائق الدينية الفلسفية التي يمكن برهانها بالعقل البشري المجرد" وهو لا يعني شيئاً اقل من وجوب تقييد حرية الفكر باقرار هذه "الحقائق" النظرية الجدلية المفترضة واعتمادها كحقائق واقعية لا يمكن الجدل فيها. وطلبه اعتماد "الحقائق" التي يذكرها لا يعني شيئاً أقل من جلب نزاع النظريات والمذاهب الفلسفية الدينية والمسيحية والمحمدية، واللادينية من علمية دروينية وغير دروينية واسبنسرية وغيرها الى صفوف الحزب وتمزيق العقيدة القومية الاجتماعية ووحدة صفوفها. وهذا القصد اما ان يكون عدائياً واما ان يدل على حالة من اختلال المنطق او الوقوع تحت تأثير عوامل غريبة يمكن أن تظهر مع الايام.

ان هذه الحالة الشاذة التي وصل اليها الأمين فخري معلوف قد أحزنتني جداً. فقد كنت أتوقع من ذكائه ونزاهة مواقفه وحسن ادراكه نتائج كبيرة الفائدة لنهضتنا وقضيتنا ولذلك صبرت عليه كثيراً وأمددته بالتوجيهات والملاحظات وكان متجهاً الى فلاسفة اليونان الكلاسيكيين فأشرت عليه بوجوب التنقيب عن الفلاسفة السوريين واظهار اثارهم وتعريف مذاهبهم ولم أكن أتوقع أن ينقلب هذا الانقلاب الغريب الذي يهدم كل ما عمل في الماضي.

لا أزال ارجو ان يعود هذا الرفيق الى الوطن وان يعدل موقفه واجتمع به واريه اي خبط يخبط في المزج بين القضايا الحقوقية المدنية والسياسية ومسائل المذاهب الدينية اللاهوتية والسياسية الطقسية، فلعله يرجع عن انقلابه ويعود الى ايمانه القومي الذي افقده اياه ايمانه المذهبي الجديد الذي مزج فيه شؤونه العينية بمراميه السياسية الانترنسيونية وغيرها.

هذه المعلومات ادلي بها اليك ائتماناً فيجب ان لا يعلم أحد لا من الرفقاء ولا من غيرهم ان الزعيم اطلعك عليها، الا أن توجب ظروف اعلان ذلك بعد الموافقة. واردت باعطائك اياها ان تتجنب اطلاع الرفيق فخري معلوف في حالته الشاذة الغريبة. على ما هو من الجائز لاصحاب رتبة الأمانة من الاطلاع على الأسرار السياسية والادارية وغيرها. فهو في موقفه الحالي لا يجوز له التمتع بالحقوق والصلاحيات والامتيازات الممنوحة لحاملي رتبة الأمانة ومن كان منهم عضواً في المجلس الأعلى.

...

يتبع

صدر عن مكتب الزعيم، في 21 فبراير 1946

خاتم وامضاء الزعيم



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه