إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

النكبة والتطور الديموغرافي اليهودي في فلسطين بعد عام 1948

نبيل محمود السهلي-إنباء

نسخة للطباعة 2009-05-17

مقدمة

بدأ المشروع الصهيوني أولى خطواته، في إقناع اليهود بالهجرة من أماكن وجودهم الأصلية إلى فلسطين، وكانت الهجرة أحد أهم ركائز المشروع المذكور، وعليها توقفت عملية رفد الكيان الصهيوني بالطاقة البشرية لتحقيق التفوق الديموغرافي المطلق على العرب في أرضهم فلسطين.

وتبعاً لذلك استطاعت الحركة الصهيونية بالتحالف مع بريطانيا والغرب، إنشاء الكيان الصهيوني في أيار عام 1948، أي بعد واحد وخمسين عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرية، ونجح قادة الحركة الصهيونية في اجتذاب 650 ألفاً من يهود العالم عبر عدة موجات هجرة باتجاه فلسطين، مستغلين الظروف السياسية السائدة في دول شرق وغرب أوروبا ووقوع غالبية الدول العربية تحت احتلالات مختلفة.

لقد شكلت الهجرة المورد الأساسي المطلوب فوراً بهدف توفير القاعدة السكانية الضرورية لإقامة الكيان الصهيوني عند الشروع في تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، ولاحقاً لتعزيز هذا الوجود السكاني، ورافق هذا التوجه الصهيوني محاولات إنشاء اقتصاد صهيوني قوي حتى يكون عامل جذب قويا ليهود العالم إلى فلسطين المحتلة، وترافق ذلك مع مصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية وطرد ما أمكن من سكانها العرب الفلسطينيين لتحقيق التفوق الديموغرافي من خلال الترانسفير الصهيوني المنظم.

دور الهجرة

بداية لا بد من الإشارة إلى أن فلسطين قد شهدت سيلاً من الهجرات اليهودية المنظمة من قبل الحركة الصهيونية قبل عام 1948، وهو العام الذي شهد في أيار منه إنشاء الدولة الصهيونيــة، ويمكن ملاحظة ست موجات هجرة خلال الفترة 1880-1948، وفي الموجة الأولى والثانية هاجر الى فلسطين 59 ألف مهاجر يهودي، في حين هاجر نحو 482,758 يهودياً إلى فلسطين خلال فترة الاحتلال البريطاني لها 1919-1948، منهم 89.6% منهم من يهود أوروبا وأمريكا، و10.4 من قارتي أسيا وأفريقيا (انظر الجدول رقم 1 بالجدول)، ومن الأهمية الإشارة إلى أن الموجة الخامسة كانت الأهم من حيث أرقام الهجرة اليهودية، حيث هاجر إلى فلسطين خلال الفترة 1932-1939 نحو 225 ألف يهودي معظمهم من ألمانيا ودول أوروبا الغربية وبولندا، كما تم جذب 118300 يهودي في فلسطين من قبل الحركة الصهيونية خلال الموجة الأخيرة التي سبقت الإعلان عن الدولة 1940-1948، و ليصبح مجموع اليهود في فلسطين في 15 أيار 1948 650 ألف يهودي، في مواجهة 151 ألف فلسطيني في المناطق التي أنشئت عليها "إسرائيل"، والمقدر نسبتها بنحو78% من مساحة فلسطين التاريخية، أي حوالي 22920000 كيلو مترا مربعا البالغة 27009 كيلو متراً مربعاً، منها 425 ألف دونم رقعا مائية، ونحو 1767500 دونماً أملاكا أميرية.


فضلاً عن ذلك و لترسيخ جذورها سعت الحكومات "الاسرائيلية" المتعاقبة منذ عام 1948 إلى جذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين لفرض تفوق سكاني مطلق على العرب، وكانت الفترات الذهبية للهجرة اليهودية إلى فلسطين خلال السنوات الممتدة بين 1948-2002 ففي الفترة الأولى 1948-1960، ساهمت الهجرة اليهودية خلال نحو 69% من إجمالي الزيادة اليهودية، تراجعت أرقام و نسب المساهمة فيما بعد، فلم تتعد مساهمة الهجرة 45% خلال الفترة 1961-1971، و 21.5% خلال الفترة 1972-1981، و بلغت أدنى حد لها خلال الفترة 1989-1983 فبلغت 7.5%، و مع انهيار دول الاتحاد السوفيتي السابق في بداية عام 1990 بدأت أرقام هجرة اليهود السوفييت تتراكم باتجاه فلسطين المحتلة، وقد وصل خلال الفترة 1990-1995 نحو مليون يهودي، و ساهمت الهجرة بأكثر من 65% من إجمالي الزيادة اليهودية خلال الفترة المذكورة، تراجع بعد ذلك خلال 1996-2002 إلى 40.3%، و ليرتفع عدد اليهود في فلسطين المحتلة، من 650 ألفاً في عام 1948 إلى 5.3 مليون يهودي في عام 2002. (انظر تطور مجموع اليهود في فلسطين في الجدول رقم 3 بالملحق).


و يجب الإشارة إلى العوامل العديدة التي ساعدت في تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين و التي يمكن إجمالها بالتالي:


أولاً: زوال عائق الدولة العثمانية بسقوطها في نهاية الحرب العالمية الأولى.


ثانياً: الدعم المقدم من المنظمات الصهيونية وتشجيعها للهجرة.


ثالثاً: التسهيلات التي قدمتها سلطات الاحتلال البريطاني للحركة الصهيونية.


رابعاً: الأزمات الاقتصادية في الدول الأوروبية وخاصة في شرق أوروبا.


خامساً: الظروف الاقتصادية المغرية في فلسطين.


سادساً: عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيههم إلى فلسـطين، و هذا ما لاحظناه مع بداية هجرة اليهود الروس منذ عام 1990 حيث منعت السلطات الأمريكية بقاء اليهود المهاجرين من روسيا إلى فلسطين المحتلة، في الولايات المتحدة عند مرورهم بها كنقطة ترانزيت.


إلا أنه رغم الهجرات التي أشرنا إليها قبل وبعد إنشاء الدولة الصهيونية، حدثت هجرات يهودية معاكسة من فلسطين إلى الدول الأخرى في العالم، و ذلك نتيجة الظروف التي كانت تمر بها فلسطين المحتلة، و كانت حرب تشرين في عام 1973 العامل الأهم في الحد من موجات الهجرة اليهودية إلى أقل عدد ممكن باتجاه فلسطين المحتلة، هذا فضلاً عن الهجرة المعاكسة بعد الحرب، و قد تلعب انتفاضات الشعب الفلسطيني دوراً بارزاً في الحد من الهجرة و كذلك تراكم أعداد المهاجرين اليهود إلى خارج فلسطين، وقد تتراجع أرقام الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين في السنوات 2002-2010، بعد أن اجتذبت "إسرائيل" نحو مليون يهودي من دول الاتحاد السوفيتي السابق حتى عام 2002، وبقي الكم الأكبر من يهود العالم في الولايات المتحدة 6 ملايين يهودي، وفي فرنسا 600 ألف يهودي، وهذه البلدان بطبيعة الحال غير طاردة لليهود بسبب ارتفاع مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية فيها، وهي بالتالي مناطق استقرار لليهود فيها.


لكن الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة ستبقى في المستقبل حجر الزاوية للاستراتيجية "الاسرائيلية"، و من أهم البنود في أجندة الحكومات "الاسرائيلية" القادمة، حيث أكد بن غوريون أول رئيس وزراء "إسرائيلي" ذلك عندما قال "إن درع إسرائيل هو في ازدياد عدد سكانها"، كما أكد من قبله ليوبنسكر حين أعلن في عام 1882 عبر كتابه "التحرير الذاتي" أن حل المشكلة اليهودية سيتم عن طريق تجميع اليهود كافة في فلسطين.


ومن الناحية الأكاديمية المحضة فإن الهجرة اليهودية لم تتخذ طابع الجذب والطرد وفق العوامل الموضوعية المعروفة في مجتمعات العالم، وإنما اتخذت طابعاً منظماً في الوقت نفسه عوامــل الطرد الخاصة بهذه العملية. وكانت ظواهر هذه العملية تكمن أولاً في تهيئة الظروف السياسية كعوامل طرد تصل إلى حدود ارتكاب الصهاينة مجازر ضد اليهود بهدف تهجيرهم إلى فلسطين، وبالمقابل وكعوامل جذب لليهود إلى فلسطين، كانت الدعاية الصهيونية ترفع شعار "أرض الميعاد". والدعاوى القومية الدينية، وكحالة ضامنة لهذه الحركات كانت شبكة العلاقات الدولية التي تكللت بوعد بلفور، وكانت التهيئة الاقتصادية في فلسطين لاستقبال سيل الوافدين اليهود فكان شعار "سياسة العمل العبري".


محاولات للتركز الصهيوني في الارض

أراضي فلسطين هي الأساس التي تقف عليها المشاريع الصهيونية، لإحداث التغيير الديموغرافي لصالح اليهود، وإن عملية امتلاك الأراضي الفلسطينية هي العامود الفقري في استراتيجية الكيان الصهيوني السكانية والاقتصادية والسياسية، وقد وضع لها أسس منظمة ومؤسسات تنفيذية تعمل بدقة وبشتى الوسائل المتاحة التي تصل إلى حدود ارتكاب المجازر البشعة والإجلاء القسري والاستيلاء على الأرض، ولقد انطلقت سياسة تهويد الأرض من تحويل الملكية العربية الى ملكية يهودية تسجل باسم الشعب اليهودي كملكية عامة، وعدم جواز نقل الملكية حيث نص دستور الوكالة اليهودية في مادته الثالثة ما يلي:


"تستملك الأراضي كملك لليهود وتسجل باسم صندوق رأس المال القومي اليهودي، و تبقى مسجلة باسمه إلى الأبد، كما تظل هذه الأملاك ملكاً للأمة اليهودية غير قابلة للانتقال".


وتبعاً للنشاط الذي قامت به المؤسسات الصهيونية، وفي مقدمتها الصندوق القومي اليهودي، استطاعت الحركة الصهيونية استملاك 1425000 دونماً حتى صدور قرار التقسيم في عام 1947. و بعد قيام الكيان الصهيوني في أيار 1948، استمرت الحكومات "الاسرائيلية" المتعاقبة مصادرة الأراضي التي بقيت بحوزة 151 ألف فلسطيني صمدوا في وطنهم، وعلى الرغم من أنهم، أي الأقلية العربية أصبح مجموعها نحو 1235000 فلسطيني في عام 2002 يمثلون نحو 19% من سكان "إسرائيل"، بيد أنهم لا يملكون سوى 3% من إجمالي المساحة التي أنشئت عليها في عام 1948.


وبعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، استطاعت السلطات الصهيونية من احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين، و قد صادرت تلك السلطات خلال الفترة 1967-2002 نحو 60% من مساحة الضفة الغربية البالغة 5800 كيلو متراً مربعاً، و نحو 40% من مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلو متراً مربعاً، كما أنشأت 190 مستوطنة في المنطقتين، منها 170 مستوطنة في الضفة و20 مستوطنة في قطاع غزة، كما جذبت السلطات الصهيونية منذ عــام 1967 وحتى نهاية عام 2002 نحو 200 ألف مستوطن منهم 4.500 مستوطن في قطاع غزة، كما تم جذب نحو 180 ألف مستوطن يهودي وإسكانهم في الأحياء الاستيطانية حول القدس، حيث تتخذ تلك المستوطنات شكل طوقين حول المدينة المقدسة، وهناك محاولات صهيونية حثيثة لرفع عدد المستوطنين في القدس بجزأيها الشرقي المحتل عام 1967 والغربي المحتل عام 1948، الأمر الذي يفسر الكثافة السكانية في مدينة القدس.


والملاحظ في سياق عرضنا للأرض كركيزة من ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين، أن عملية انتزاع الأرض الفلسطينية من أصحابها العرب، ترتبط إلى حد كبير وبصورة جدلية مع المحــور الأول وهو الهجرة اليهودية كما أشرنا، الأمر الذي يتطلب دعم الفلسطينيين الصامدين في أرضهم للحفاظ على ملكياتهم المتبقية، التي تحاول السلطات الصهيونية الزحف إليها عبر قوانين "إسرائيلية" جائرة.


البنية السكانية

تشير المعطيات "الاسرائيلية" الصادرة عن مكتب الإحصاء "الإسرائيلي" في نهاية عام 2000، إلى أن مجموع سكان الكيان الصهيوني ارتفع من 801 ألف، منهم 650 ألف يهودي في عام 1948، إلى 5.987.000 في عام 1998، أي ازداد عدد السكان منذ عام 1948 حتى نهاية عام 1998 بمقدار 7.4 أضعاف، وأن الكثافة السكانية بلغت 256 نسمة في كل كيلو متراً مربعاً، وهي كثافة عالية مقارنة مع الكثافة في العالم، وتشير المعطيات الإحصائية الصهيونية إلى ارتفاع مجموع السكان ليصل في عام2002 إلى 6.5 مليون نسمة منهم 5.3 مليون من اليهود يشكلون 81%، والعرب 19%.


وتجدر الإشارة إلى أن المجموعات الإحصائية الصهيونية تضع أرقام الفلسطينيين في القدس الشرقية ضمن أرقام الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لأهداف سياسية معروفة في المقدمة منها، اعتبار القدس الشرقية العاصمة الأبدية للدولة الصهيونية، وإذا أخذنا عدد سكان القدس من العـرب، والمقدر بنحو 210 آلاف في عام 2002، فإن مجموع السكان الفلسطينيين الحقيقي داخل الخط الأخضر في العام المذكور هو 1.025.000 عربي فلسطيني.


يتوقع مكتب الإحصاء الصهيوني أن يصل مجموع سكان الكيان في عام 2005 إلى 7 ملايين منهم أكثر من 5.3 مليون يهودي، وفي عام 2010 سيصل حسب المصدر نفسه إلى 7.5 مليون نسمة.


إضافة لذلك توقعت دراسة صادرة عن الجامعة العبرية في القدس أن يكون معظم اليهود في العالم في الكيان الصهيوني خلال العشرين سنة القادمة، ويذكر أن هذه الدراسة قدرت عدد اليهود في العالم بحوالي 13.1 مليون يهودي، ولا يتضمن الرقم عدد اليهود في الكيان الصهيوني. لكن لا بد من التأكيد أنه خلال أكثر من قرن على مؤتمر بال 1897-2002، و54 عاماً على إنشاء الكيان الصهيوني فإن أصحاب القرار فيه لم يستطيعوا جذب سوى 5.3 مليون يهودي في العالم، يمثلون أقل من 40% من إجمالي يهود العالم، وإن استشراف الدراسة المذكورة في سياقها العام، وما توصلت إليه من نتائج هي غير دقيقة وبناءً على ذلك فإن الزيادة السكانية لليهود في فلسطين المحتلة ستعتمد في المستقبل وبشكل رئيسي على عامل النمو الطبيعي، البالغ 1.5% سنوياً.


وبالنسبة للتركيب السكاني لليهود في الكيان حسب بلد المنشأ، فإنه من بين 5.3 مليون يهودي في عام 2002، هناك ثمة 40% من أصول أشكنازية أوروبية وأمريكية، في حين أن 36% من اليهود في فلسطين المحتلة هم من السفاردين، أي قارتي آسيا وأوروبا، و24% من إجمالي اليهود من الصابرا، أي لأب يهودي من مواليد فلسطين قبل عام عام 1948.


وبالنسبة للعرب داخل الخط الأخضر فإنه من بين مجموعهم المقدر في عام 2002، هناك ثمة 80.1% من المسلمين، ونحو 8.6% دروز، و11.3% من المسيحيين حسب المعطيات والتصنيفات الإحصائية الصهيونية.


وبالنسبة للتركيب العمري للسكان اليهود في الكيان الصهيوني، فإنه من بين مجموعهم البالغ 5.3 مليون يهودي في العام المذكور، هناك ثمة 29% منهم من الأطفال في سن أقل من الخامسة عشرة من العمر، في حين تصل نسبة كبار السن من اليهود فوق الخامسة الستين إلى 10%، أما نسبة من هم في سن قوة العمل أو القوة البشرية فتصل نسبتهم إلى 61% من السكان اليهود في الكيان الصهيوني، أي المجتمع اليهودي في الكيان الصهيوني هو مجتمع ناضج وفق المقاييس الديموغرافية (كما هو موضح في الجدول رقم 2 بالملحق).


أما العرب داخل الخط الأخضر فهم مجتمع فتي تصل معدلات خصوبة المرأة إلى خمسة أطفال طيلة حياتها الإنجابية، ومن مجموع العرب داخل الخط الأخضر في عام 1998 هناك 40% من الأطفال، و3% من الشيوخ، و57% في سن قوة العمل (15-64) عاماً من العمر.


ويعكس التوزيع الجغرافي لليهود في الكيان الصهيوني وتركزهم في مراكز المدن، أهمية مناطق الجذب الاقتصادية والحضرية لليهود، حيث تستأثر منطقتي تل أبيب والمنطقة الوسطى 49.6%، و12.7% في منطقة حيفا، والمنطقة الجنوبية 24.5%، في حين تستحوذ مستوطنات الضفة والقطاع على النسبة الباقية من إجمالي مجموع اليهود في فلسطين المحتلة وفق إحصاءات عام 2000.


وفي المقابل، فإن توزع العرب داخل الخط الأخضر عَكَسَ سياسةً "اسرائيليةً" معينةً تخدم التوجهات الديموغرافية، تحيث يتركز 70% من العرب في منطقة الجليل، تليها منطقة المثلث 20%، ثم منطقة النقب 10%، وهناك محاولات "إسرائيلية" لكسر التركز العربي في منطقة الجليل، التي تعتبر مدينة الناصرة عاصمتها، وذلك عبر تهويد المنطقة، وجذب مزيد من اليهود المهاجرين إليها من جهة، ومحاصرتها بالمستوطنات والمدن والأحياء الاستيطانية لليهود للحؤول دون التواصل الديموغرافي بين المجتمعات الفلسطينية، وقد توضحت الخطط "الاسرائيلية" من أجل ذلك، فقد صرح رئيس الوزراء الحالي شارون الذي تبوأ منصبه في آذار عام 2001، بأن "إسرائيل" ستسعى لاجتذاب مليون يهودي إلى الكيان حتى عام 2010.


مؤشرات سكانية و اجتماعية أخرى


تعتبر التنمية البشرية بين اليهود في الكيان الصهيوني مرتفعة، بحسب المعدلات المحققة، كما أكدت معطيات تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادرة خلال الفترة 1990-2002، فمن بين 173 دولة أتت عليها التقارير تبوأ الكيان الصهيوني المرتبة ما بين (21-23)، وحقق معدل للقراءة والكتابة بين الكبار قدره 95% خلال الفترة المذكورة / ودخلاً للفرد تجاوز 19 ألف دولار من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2002، هذا فضلاً عن عُمرٍ متوقعٍ قدره بالمتوسط للفرد نحو 78 عاماً، وقد ساعد في ذلك نسب الإنفاق الكبيرة على قطاعي الصحة والتعليم في الكيان الصهيوني ولم تتعدَ معدلات وفيات الأطفال الرضع بين اليهود (7) بالألف في مقابل (60) بالألف في الضفة والقطاع بين الفلسطينيين نتيجة السياسات "الاسرائيلية" المختلفة للضغط على الفلسطينيين، وقد ساعد في تحسين الأداء في قطاعي الصحة والتعليم والبحث العلمي في الكيان الصهيوني إضافة الى الناتج المحلي الذي وصل إلى نحو 105 مليارات دولار، المساعدات الأمريكية للكيان التي بلغت خلال الفترة 1948-2002 نحو 83 مليار دولار أمريكي.


هذه المعطيات أيضاً ساعدت الكيان الصهيوني على التوسع في مخططاته الاستيطانية، وبناء جيش قوي يحوز على تقنيات حديثة في المستويات البرية والجوية والبحرية أيضاً، وذلك أسس لصناعات عسكرية تقليدية وغير تقليدية، حيث يهتم أصحاب القرار في الكيان الصهيوني في مجالات البحث العلمي والأكاديمي والعسكري وتخصص له موازنات ضخمة في إطار الموازنات "الاسرائيلية" التي تصادق عليها الكنيست "الإسرائيلي" في نهاية كل عام.


وتبقى الإشارة إلى أن المجتمع اليهودي في الكيان الصهيوني نشأ وفق معطيات غير طبيعية، وستبقى الهجرة اليهودية رغم تراجع أرقامها مقارنة مع النصف الأول من عقد التسعينات، هاجساً يؤرق أصحاب القرار في الكيان، حيث تعتبر الهجرة حجر الزاوية لإنجاح المشروع الصهيوني في شقه البشري على الأرض الفلسطينية، وبناءً على ذلك فإن مقاومة هذا الكيان عبر الانتفاضات التي يقوم بها الشعب الفلسطيني للحفاظ على أرضه وبغية طرد المحتل الصهيوني، من شأنها أن تحد من العوامل التي تدفع لتحقيق حلقات متقدمة من المشروع الصهيوني، عبر الحد من تدفق المهاجرين إلى فلسطين المحتلة، وبالتالي الحد من محاولات التفوق الديموغرافي اليهودي المطلق على العرب في أرضهم فلسطين، وهذا يتطلب اهتماماً عربياً وإسلامياً إعلامياً ومادياً وسياسياً متزايداً، وبالأقلية العربية داخل الخط الأخضر، باعتبارها العنصر البشري الأهم، في الصراع الديموغرافي مع اليهود في فلسطين، وصمودهم في أرضهم وتمكينهم من ذلك يعتبر خطوة هامة لمواجهة السياسة السكانية الصهيونية الهادفة إلى طرد مزيد من العرب من أرضهم.


الإسقاطات السكانية عام 2020


سنحاول في هذا الفصل استشراف أرقام السكان في الكيان حتى عام 2020 بناءً على تقديرات الباحثين الصهاينة، ثم تقديرات خاصة بناءً على محددات النمو المختلفة المؤثرة في اتجاهات التطّور الديموغرافي. ووفق أحدث التقديرات "الإسرائيلية"، يؤكد الباحث الديموغرافي الصهيوني أرنون سوفر، أنه سيكون في الكيان الصهيوني والضفة والقطاع بحلول عام 2020 نحو 6,5 مليون يهودي "إسرائيلي"، مقابل 7,9 مليون عربي، منهم 2,1 مليون عربي داخل الكيان، 2,5 في قطاع غزة، و3,3 مليون نسمة في الضفة الغربية، هذا بناء على أساس الأرقام في بداية عام 2002، حيث يقدّر الباحث عدد اليهود بنحو خمسة ملايين يهودي في الكيان، مقابل 1,5 مليون عربي فيها، و1,5 مليون في قطاع غزة، و1,8 مليون في الضفة الغربية، ويؤسس البروفيسور سوفر إسقاطاته المستقبلية على افتراض أنَّ ارتفاعاً في الهجرة بحجم 50 ألف يهودي في السنة مع التكاثر الطبيعي القائم في الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه على نسبة تكاثر طبيعي بين العرب الفلسطينيين تصل ما بين 3,5-4% سنوياً. وبالإجمال يؤكد الباحث "سوفر" أنَّه يوجد في عام 2002 نحو خمسة ملايين يهودي ونحو 4 ملايين عربي بين البحر والنهر، أي نحو 9 ملايين نسمة، منهم 55.6% يهوداً، و44,4% من العرب، وسيصل المجموع إلى 14,4مليون نسمة في عام2020م في المنطقة التي أشار إليها الباحث، منهم 45,1% يهودا، و54,9% عربا، أي أنَّ هناك احتمالات تراجع في نسبة اليهود بسبب ارتفاع معدلات الخصوبة عند العرب مقارنة مع اليهود، حيث تصل الولادات بين العرب إلى 4-6 مواليد طيلة الحياة الإنجابية للمرأة مقابل أقل من مولودين عند المرأة الصهيونية في أحسن الأحوال.


وفي الاتجاه ذاته يؤكد أمنون دنكنر أنَّه في عام 2050م سيشكل فلسطينيو 1948 نصف سكان "إسرائيل" ويصف ذلك بالسيناريو المرعب.


وتبعاً لمعدلات النمو بين العرب واليهود في الكيان الصهيوني، فإنَّ رئيس معهد يهود العصر في الجامعة العبرية يؤكد بأن نسبة اليهود ستتراجع من 78% عام 2002 إلى 76% في عام 2020م، ثمَّ إلى 69%عام2050 كما توقع أن تتراجع نسبة اليهود في حدود فلسطين التاريخية من 53% في عام2002م إلى 48% في عام 2020م، ثم إلى 35% في عام 2050م، وذلك رغم موجات الهجرة المتوقعة وفي مقابل التقديرات والإسقاطات "الإسرائيلية"، نحاول استشراف بعض الأرقام بناءً على احتمالات تراجع أرقام الهجرة بعد الزخم الكبير لها في بداية التسعينات من القرن العشرين، حيث كان يهاجر في كل سنة إلى فلسطين التاريخية 200 ألف مهاجر يهودي غالبيتهم من دول الاتحاد السوفييتي السابق، تراجعت الأرقام لتصل إلى 43,5 ألف مهاجر في العام 2001م بسبب انعدام الأمن في الكيان الصهيوني نتيجة أعمال المقاومة الفلسطينية وتراجع عوامل الجذب الأخرى، وبناءً على عدم قدرة الكيان على جذب غالبية يهود العالم خاصة المتمركزين في الولايات المتحدة وأوروبا لأن عوامل الجذب الاقتصادي هناك أكبر، فإن الإسقاطات ستعتمد على معدلات النمو الطبيعية بشكل أساسي والتي لا تتعدى 1,7% خلال الفترة 2000 وحتى عام2015 فإن مجموع سكان الكيان سيصل إلى 7,7 مليون نسمة بحلول عام 2015، ومن المقدر أن يصل إلى 8,4 مليون نسمة بحلول عام2020 وبطبيعة الحال ستكون نسبة العرب أكثر من نسبة 25% لأن اتجاهات النمو ضعف مثيلاتها لدى اليهود في الكيان، بيد أن الهجرة الكثيفة لليهود من دول العالم إلى الكيان تلعب الدور الحاسم إن حصلت، وهذا مرهون بعوامل طاردة ليهود العالم من بلد المنشأ وعوامل جاذبة في الكيان الصهيوني والأراضي العربية المحتلة، وفي المدى المنظور لن يستطيع الكيان سوى جذب أعداد قليلة من بعض دول العالم التي تكون فيها التنمية البشرية أقل من مثيلاتها في الكيان مثل الأرجنتين وجنوب إفريقيا على سبيل المثال لا الحصر، في حين لن تحصل هجرات كثيفة من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وكندا.


وتبعاً لذلك فإن التقديرات السكانية المستقبلية في الكيان الصهيوني ستعتمد في المقام الأول على عامل الزيادة الطبيعية والمتمثل بخصوبة المرأة اليهودية، وسيتضاعف مجموع السكان اليهود في الكيان كل 47 عاماً، أي أنه في عام2049 سيصبح في الكيان 10,1 مليون يهودي، مقابل 6 مليون عربي يمثلون 36%، وستتراجع نسبة الأطفال بين اليهود والعرب على حدٍ سواء، بيد أن التراجع سيكون أكبر بين اليهود بسبب اختلاف العادات والتقاليد والتي تلعب دوراً حاسماً في انخفاض معدلات الخصوبة عند المرأة اليهودية مقارنة مع مثيلاتها عند المرأة العربية.


نتائج أساسية


يمكن تسجيل النتائج الأساسية التالية من خلال المعطيات التي أتت عليها الدراسة:


1- تعتبر الهجرة اليهودية الى فلسطين عامل حاسم لتحقيق استراتيجية التفوق السكاني اليهودي في فلسطين.


2- وصل مجموع اليهود في فلسطين في عام 1948 الى 650 ألف يهودي، وارتفع نتيجة عامل الهجرة بشكل أساسي والنمو الطبيعي الى 5.2 مليون يهودي في نهاية عام 2000.


3- المجتمع اليهودي في فلسطين المحتلة مجتمع ناضج حيث 61% من اليهود في سن القوة البشرية 15-60 عاماً من العمر.


4- يتركز نصف المجتمع "الإسرائيلي" تقريباً في منطقتي تل أبيب والمنطقة الوسطى، وهي في طبيعة الحال مناطق جذب اقتصادي.


5- 70% من العرب داخل الخط الأخضر يقطنون منطقة الجليل الفلسطيني، والتي تعتبر مدينة الناصرة عاصمتها.


6- مستويات التنمية البشرية مرتفعة بين اليهود، حيث توجد امكانات لاستثمار موارد مالية ضخمة في قطاعي الصحة والتعليم، وصل العمر المتوقع إلى 78 عاماً ودخل الفرد وصل إلى حدود 19 ألف دولار سنوياً، ومعدل معرفة القراءة والكتابة وصل إلى 95% في عام 2000.


7- مقارنة بالتنمية البشرية بين العرب واليهود، تعتبر التنمية متوسطة بين العرب داخل الخط الأخضر نتيجة التمييز العنصري، بين التجمعات العربية واليهودية.


8- لإنجاح جذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين، كانت الأراضي الفلسطينية محوراً أساسياً، استطاعت الحركة الصهيونية تحقيق خطوات متقدمة في ذلك من خلال المصادرة اليومية للأراضي الفلسطينية، فلم يملك العرب داخل الخط الأخضر في عام 2000 سوى 3% من المساحة التي أنشئت عليها "إسرائيل" في عام 1948، و ذلك على الرغم من أن هذه الأقلية في أرضها باتت تشكل نحو 18%.


9- ولإنجاح مشروعها، تسعى السلطات "الاسرائيلية" دائماً لطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من أرضهم، كما حصل في طرد نحو 850 ألفاً في عام 1948.


10- ستتراجع نسبة اليهود في حدود فلسطين التاريخية من 53% في عام 2002 إلى 48% في عام 2020.


11- يقدر الباحثون "الإسرائيليون" أن يصل مجموع اليهود الى 6.5 مليون، مقابل7.9 مليون عربي في حدود فلسطين التاريخية في عام 2020. ومن بين العرب 2.1 مليون عربي في "إسرائيل"، و2.5 مليون في غزة و3.3 مليون في الضفة.

جدول (1) موجات الهجرة اليهودية الى فلسطين


الهجرة الأولى

1880-1903

25الف

من روسيا وبولندا ورومانيا

الهجرة الثانية

1904-1914

34الف

روسيا وشرق أوروبا

الهجرة الثالثة

1919-1923

35.1الف

مناطق بحر البلطيق وروسيا وبولندا

الهجرة الرابعة

1924-1931

78.798الف

بولندا ورومانيا والشرق الأوسط


الهجرة الخامسة

1932-1939

224.784الف

معظمهم من ألمانيا ودول أوروبا الغربية وبولندا


الهجرة السادسة

1940-1948

118.3الف

وسط أوروبا والبلقان وبولندا والشرق الأوسط


ويجب الاشارة إلى حصول هجرة معاكسة خلال الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918، قدرت بنحو 28000.


جدول رقم (2) مجموع السكان اليهود في فلسطين المحتلة في عام 2002 والتوزيع حسب التركيب العمري


مجموع السكان اليهود 5.265.000 يهودي


من صفر-15 عاماً 1.526.850يهوديا النسبة % 29


15-64 عاماً 3.211.650 يهوديا النسبة %61


فوق 65 عاماً 526.500 يهوديا النسبة %10

المصدر: بالنسبة للأرقام المطلقة لعام 2002 تم الاعتماد على الموقع ww.jewishpost.com، في حين تم التوزيع الهرمي للسكان بناءً على المجموعة الإحصائية "الاسرائيلية" لعام 2000، قسم السكان ص 2-26.


* تمثل هذه النسبة حجم القوة البشرية في المجتمع الصهيوني، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة مساهمة الإناث في النشاط الاقتصادي.







 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024