|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
التبرؤ من النصر اليتيم! | ||
| ||
لن يشاغب استذكار الحرب الإسرائيلية على لبنان، قبل ثلاث سنوات، على الموسم السياحي الاستثنائي، ولا على موسم المهرجانات الفنية التي تجاوزت مواقعها التقليدية إلى النواحي والجهات البعيدة بحيث يكون لكل طائفة أو مذهب مطربوه ومطرباته، راقصوه وراقصاته و«دبكته» هنا باللبادة، وهناك بالطربوش وهنالك بالكوفية والعقال واللباس البدوي معدلاً وفق أحدث مبتكرات الموضة وألوان البهجة فيها. أما الانقسام، وهو من التقاليد اللبنانية العريقة، فقد حصل ولا مجال لإنهائه: بين من يرى الحرب الإسرائيلية بقيادة أميركية للقضاء على المقاومة المجاهدة في لبنان، ومن ثم في كامل المنطقة العربية، وبين من يرى هذه الحرب في أساسها تحرشاً واستفزازاً وتصرفاً أخرق من جانب المقاومة، أو أنها ـ في أحسن الحالات ـ «مغامرة» بائسة قادت إلى تدمير «بعض لبنان» وأحرجت «العرب» وأفشلت الخطط الأميركية للسلام الموعود في فلسطين (أو ما تبقى منها!!) ونسفت مرتكزات الوحدة الوطنية بالتفرد الذي اعترفت قيادة «حزب الله» بأنها لو عرفت بنتائجه لما أقدمت عليه! إنها سابقة تاريخية: أن تتنصل بعض القوى السياسية في لبنان، ومعظم الأنظمة العربية من شرف إحراز نصر عسكري على «العدو» الإسرائيلي... وحتى من يجادل في اكتمال هذا النصر أو في بعض وجوه القصور فيه، ويراه «صموداً» في مواجهة أحد أقوى جيوش العالم المعزز سياسياً بدعم غير محدود دولياً وعربياً (وإن على استحياء) فإنه يحرص على التبرؤ منه حتى لا يؤخذ بجريرته ويحاسب على هذا التجرؤ على تبديل المقادير (والمصائر) في هذه المنطقة التي جرّدت من هويتها وأُسميت «الشرق الأوسط» لتتسع للدولة اليهودية في القلب بينما تتناثر إمارات الطوائف من حولها كالعقد المنظوم! لأول مرة يكاد «النصر» أن يكون يتيماً... بينما أهله المفترضون أحياء، وصنّاعه المباشرون ـ بالإرادة والإيمان ودماء الشهداء ـ يفاخرون بأنهم قد وضعوا نقطة بداية جديدة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي... فما بعد حرب تموز سيكون مختلفاً جداً عمّا قبلها، مهما تعددت المحاولات لطمس الحقيقة التي لا تنكرها إسرائيل، بل تعترف بها وتحاسب المسؤولين المباشرين عنها علناً بينما أهل النظام العربي يحاسبون «مرتكبي جريمة النصر» في لبنان عبر... الفتنة!! وعبر تصوير هذا الإنجاز التاريخي وكأنه يستهدف تبديل المواقع الممتازة في السلطة، بحيث تتقدم «الطائفة» إلى الصدارة مسلحة بنصرها المفترض على إسرائيل، وكأن أعلى مقام في السلطة يستحق أن تهدر من أجله دماء مجاهدين وأسر كاملة برجالها ونسائها والأطفال وأن تدمر في سبيله المدن والبلدات والقرى والضواحي، وأن يهجر من أجله مليون مواطن! ولو اقتصر أمر الخلاف حول طبيعة هذا النصر ومداه على لبنان لهان الأمر، فاللبنانيون المختلفون على جنس الملائكة يصعب توافقهم على مسائل مصيرية، خصوصاً متى كانت «الدول»، وتحت القيادة الأميركية، في جانب إسرائيل، ومعها معظم أهل النظام العربي وفيهم أغنى الأغنياء وأفقر الفقراء، وكلهم «يجنح إلى السلم» الوهمي والذي لا أساس له في السياسة الواقعية، لا في إسرائيل ولا في الدول الراعية لها، أو التي أخرجت نفسها من الصراع المصيري قائلة للفلسطيني: إذهب أنت وربك فقاتلا... أما نحن فقد تعبنا وآن أن نرتاح! كأنما لم يعد زمننا «العربي» يتسع للانتصارات بعدما أوقفه النظام العربي على الهزائم! إننا نحتفي بالهزائم وكأنها قدرنا المكتوب ونصيبنا من دنيا، والمقسوم مقسوم ولا مجال لتبديله أو تغييره. نحيي ذكرى وعد بلفور متحسرين على خيبة أملنا بالحلفاء الذين انتصروا على تركيا التي كانت سبقت إلى إسقاط الخلافة وتغرّبت.. نحتفل بالهزيمة العربية في الحرب الأولى التي أقام بها الإسرائيليون دولتهم على أرض فلسطين، وسط احتضان دولي شامل، ونسلّم بأن منطقتنا باتت مهددة في هويتها، ولا حول ولا قوة إلا... إذا أرادت واشنطن! نحتفل بهزيمة 1967 التي أعطت إسرائيل حق القرار في مصيرنا، دولاً وشعوباً وثروات.. نحتفي بمشروع النصر العسكري العظيم في حرب أكتوبر ـ تشرين 1973، والذي وأدته الثقة بالإدارة الأميركية ونقص الإيمان بقدرات الشعب والأمة والتخلي عن الأخ الشقيق وحيداً في الميدان وحولته إلى هزيمة مدوية أقفلت الباب على الأمل في العودة إلى ساحة الجهاد، ولو بعد حين، واستعادة زمام المبادرة لاستنقاذ حاضرنا ومستقبل أجيالنا المقاومة.. .. نذهب بعده إلى الصلح بشروط العدو، فيخرج النظام في مصر على عروبتها، مشجعاً أنظمة عربية أخرى على الالتحاق به، بينما شعب فلسطين متروك للريح، مشجعاً ما كان تبقى من ثورته على التحول إلى «سلطة» داخل السجن الإسرائيلي الكبير، وهذا ما سيفرض مزيداً من الانقسامات التي تشغل الفلسطينيين بأنفسهم لأمد بعيد، بينما تستكمل إسرائيل مشروعها كدولة يهودية تحظى بالاعتراف الأميركي توطئة لاعتراف العالم أجمع... خصوصاً وهي قد ثأرت لهزيمتها في لبنان بتدمير غزة تدميراً شاملاً أمام عيون العرب و«الدول» التي لم تر في الأمر جريمة إبادة ولا محرقة للأطفال والنساء والبيوت وحق الحياة! وفي الجهة الأخرى يهبط الاحتلال الأميركي على العراق، في ظل تحريض أهل النظام العربي بأكثريتهم، فيعمل فيه تمزيقاً بحيث يصبح شعبه مجموعة من الطوائف والمذاهب والعناصر المقتتلة، تحت إشرافه المباشر، بما ينشر رياح الفتنة الطائفية في المنطقة العربية جميعاً التي سينقسم أهلها بين «أصوليين» يحاولون جر الناس إلى الجاهلية وبين نزعات عبثية تحاول التستر بالليبرالية والديموقراطية للتبرؤ من هويتها الأصلية، باعتبار أن العالم بات قرية كونية واحدة لا حاجة فيها للقوميات والوطنيات وسائر البدع... وهذه الولايات المتحدة الأميركية المثل والمثال! سنظل نحتفل بالنصر العظيم في الحرب الإسرائيلية على لبنان في مثل هذه الأيام من تموز 2006، ليس فقط لأنه الأول بل الفريد من نوعه في زماننا الراهن، بل أساساً لأنه يشكل نقطة تحول خطير في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي تؤكد القدرة على المواجهة برغم بؤس الظروف التي نعيشها، بقدر ما تفضح عجز المشروع الإسرائيلي عن أن يكون قدرنا المحتوم في غدنا. ولن نضيّع غدنا أو نضيع عنه!
|
||
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |