شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2009-08-17 |
ثرثرة مع راقصة مشهورة (المؤتمر الراقص ) |
لست من هواة ارتياد الفنادق أو المقاهي ذوات الخمس نجوم وأفضل عليها ارتياد المقاهي الشعبية رغم كراسيها الخشبية المتخلخلة ونفاذ صبر عمالها عندما تتأخر في طلب المشروب ولكنني اليوم أرغمت على ارتيادها لمقابلة تلك الراقصة المشهورة بناءاً على مكالمة هاتفية منها. جلست على المقعد الجلدي الوثير وتقدم مني النادل ببزته الأنيقة وبأدب شديد سألني : ماذا تحب أن تشرب أستاذ ؟؟ مشروبات باردة أو ساخنة ؟؟ ضحكت في سريرتي عندما قفز إلى مخيلتي عامل المقهى الشعبي وهو يتقدم إليك وكأنه يريد الحرب أو كأن هموم الدنيا على كاهليه وبتكشيرته الدائمة وصوته الأجش : شو بدك تشرب ؟؟ المهم طلبت فنجاناً من القهوة وأشعلت سيجارتي اللعينة بانتظار مضيفتي الراقصة المشهورة . ولم تمض سوى بضع دقائق حتى لمحتها تتوجه نحوي بكل غنج ودلال تسبقها رائحة عطر أخاذ يزكم الأنوف . بصوت هامس يشوبه كثير من الدلع ألقت التحية مصحوبة بغمزة من عينيها الساحرتان ثم جلست بقربي وشفتاها تفتر عن ابتسامة ولا أحلى . منذ اللحظة الأولى باغتتني بسؤال لا يخطر على البال : أخباركم لا تسر عدو ولا حبيب !! نظرت إليها بدهشة متسائلاً : ماهي تلك الأخبار التي لا تسر عدو ولا صديق!! نفثت دخان سيجارتها في الهواء : أخبار مؤتمركم الراقص الذي أنعقد في بيت لحم . باستغراب شديد قلت : وما أدراك أنت بالمؤتمرات الراقصة والغير راقصة !! هل اعتزلت الرقص لتمتهني السياسة وكتابة التحليلات عن المؤتمرات الراقصة تلك ؟؟ ضحكت كثيراً وبكلمات تراقصت على شفتيها :الرقص ياعزيزي مهنة أمتهنها ولكن لا يعني ذلك إنه ليس لي عينان تراقب ولا أذنان تسمع ولا عقل يفكر . شعرت بالحرج من كلماتي القاسية فقلت لها متودداً :أنا أسف ولكنك ست العارفين أن للرقص حسناواته كما للسياسة رجالاتها ,هل أنا مخطئ آم على صواب ؟؟ بتبرم وسخرية لم تحاول إخفاؤها : لا عليك لكن البازار في مؤتمركم الراقص كان على عينك يا تاجر . أثارتني سخريتها رغم إعجابي بتوصيفها للمؤتمر فقلت لها متظاهراً بالجدية : أيعني هذا إنك تابعت المؤتمر وما نتج عنه من قرارات ملزمة للشعب الفلسطيني بمجموعه ؟؟ بذكائها المعهود لاحظت سخريتي المبطنة فنفثت دخان سيجارتها في وجهي وقالت : كانت هناك كثير من الحقائق يكتنفها الغموض والضبابية رغم وضوحها الشديد أهمها إن كثير من القادة الفتحاويين الحاضرين رغم تاريخهم الممتد منذ الانطلاقة الأولى تقريباً كشفوا عن الحقيقة الأولى وبصورة قاطعة بأنهم قادة مستنسخين عن كثير من قادة الأنظمة العربية المنتشرين كالسرطان اللعين في جسد الأمة العربية المنهك من الهزائم , وبعيداً عن الكلمات التي ألقوها في المؤتمر و المفعمة بالشعارات الملتهبة فقد كان المؤتمر مهرجاناً سينمائياً حافل بالراقصين والممثلين أكثر منه مؤتمراً لحركة تحررية أهدافها وطنية والدليل توزيع المكافآت والجوائز على رواد الفساد والمنخرطين في المشروع المضاد للمشروع الوطني الفلسطيني وتبخر قانون المحاسبة كما تبخر ماتبقى من الأرض الفلسطينية بالقضم والضم والتهويد بفضل جهود أولئك العمالقة الأبطال , لذلك شهدنا حلول علامات الاستغراب والتعجب مكان علامات الاستفهام المحيطة بهؤلاء العمالقة ومع ذلك لابد من الإشادة بغبائهم فقد اعتقدوا أنهم بطرحهم لكل ما هو مناقض لأدائهم العسكري والتفاوضي المثبت في المحاضر وفي الصوت والصورة يستطيعون خداع هذا الشعب العظيم . اعتدلت في جلستها وبدا الاستنفار على محياها الجميل : من أكثر الأمور استفزازاً في هذا المهرجان السينمائي طريقتهم في انتخاب رئيس المهرجان ( طريقة التصفيق الجماعي ) فتلك الطريقة المبتكرة تجاوزتم فيها بمراحل أكثر الأنظمة ديكتاتورية وأكثر القبائل تخلفاً حتى أن الخيال قادني بأنه لو عطس الرئيس لنهضت تلك الهياكل العظمية مصفقة ومهللة لعطسة الرئيس واعتبرته إنجازاً وطنياً . أومأت للنادل بيدي طالباً كأسان من عصير البرتقال الطازج وألتفت إليها قائلاً : أرى إنك متحاملة جداً على المؤتمر فرغم كل ما ذكرتيه هناك كثير من الإيجابيات فيكفي أنه أنعقد على أرض الوطن المحررة . ضحكت طويلاً حتى استلقت على ظهرها : عن أي أرض محررة تتحدث فالمؤتمر أنعقد بموافقة وحراسة إسرائيلية ليست بخافية على أحد ولكن يمكننا القول وباستحياء شديد أن البعض ممن حضروا عرسكم هذا هم من الشرفاء والمناضلين طرحوا العديد من الاقتراحات البناءة ولكن خوفهم على أرقامهم الوطنية جعلها تندرج تحت بند الأماني والتمنيات فقط وبذلك شاركوا بشكل غير مباشر في تلك الكارثة والخوف كل الخوف من حالة الصمت المرعب السائد أن تؤدي إلى الإجهاز على ماتبقى من تلك الحركة الرائدة والتي قادت المسيرة الوطنية الفلسطينية لعدة عقود من الزمن . بعصبية شديدة أردفت : فلسطينكم اليوم في أمس الحاجة إلى صراخ الشرفاء والمناضلين من أبنائها .. صراخ يعلو فوق صراخ تلك الهياكل المتعهرة . أشفقت عليها بعد أن لمحت دمعتان تنهمران على خديها فقلت لها ممازحاً : دعك من السياسة وأهلها ولنتكلم عن الرقص وحسناواته . أشعلت سيجارتها العاشرة أو العشرون لاأدري ثم ألقت عليً نظرة فيها الكثير من الغضب واللوم فأحسست بالخجل وقلت لها متودداً : أشعر بالإشفاق عليك من هذا الحديث المنهك للعقل والجسد . تجاهلت عباراتي المخففة وقالت : للأسف لقد نجحت تلك الهياكل العظمية في تحويل الآلاف المناضلين الشرفاء إلى متسولي غنائم وباحثين عن مناصب , ونجحوا في تحويل قضيتكم السامية من قضية شعب يرزح تحت الاحتلال الذي يريد انتزاع حقه في الحرية مثله مثل كل شعوب الأرض إلى قضية شعب محروم وجائع ينتظر الإغاثة من عدوه ومن شارك في ضياع وطنه . شعرت باليأس والإحباط يتملكني فقلت بصوت عال لا إرادي جعل بعض من الأنظار تتجه نحونا : والحل ؟؟ نظرت إلى الأعلى بعينين دامعتين : الأمل أن يصحو النيام وكل من هو مسكون بالهم الوطني من سباتهم شريطة أن لا تأتي تلك الصحوة متأخرة وإلا لن نجد بعد تلك القوافل من الشهداء والالالف المؤلفة ممن يقبعون في الأسر وبعد كل ما عاناه الملايين من شعبكم من ظلم وجور وتشرد إلا تلك الهياكل العظمية الأصل والصورة منها يبادلون ماتبقى من أرضكم الطاهرة بأرض تقع على كوكب أخر غير كوكب الأرض. نهضت بانزعاج وعصبية : اعذريني إنني أشعر بالدوار وبحاجتي إلى تنشق الهواء النقي وسنلتقي مرة أخرى واتجهت إلى الباب الرئيسي متمتماً كالمجانين : لاحول ولاقوة إلا بالله .
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |