شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2009-10-29
 

الرفيق إبراهيم منتش

الأمين لبيب ناصيف

صدف ، يوم الأحد الثاني من تشرين الثاني عام 1945 والحزب ينظم تظاهرة حاشدة في بيروت في ذكرى وعد بلفور ، المشؤوم ، أن كان الحزب الشيوعي ، النجادة ، عصبة العمل القومي ، النقابات ، وسواها ، تقيم مهرجاناً خطابياً في سينما روكسي (ساحة الشهداء) .

بدأ التحرش في ساحة الشهداء عندما حاول أحد الشيوعيين نزع علم الزوبعة الذي كان يرفرف فوق دراجة نارية يمتطيها الرفيق حسن الطويل ،

أمكن تدارك الأمر(1) بعد أن حوصر المعتدي ، لقن درساً ، وسلّم إلى الشرطة .

عندما وصلت التظاهرة إلى ساحة "عالسور" أعطيت الأوامر للرفقاء بالتفرق ، إلا أن الشيوعيين شنّوا في اللحظة هجوماً على الرفقاء ، فحصل الاشتباك الذي أوقع قتيلاً (ادوار شرتوني) وجرحى من الشيوعيين ، وسقط الرفيق إبراهيم منتش بطعنة سكين مزقت أحشاءه ونفذت إلى كبده، فتمّ نقله إلى مستشفى أوتيل ديو ، إلى أن وافته المنية في الرابع من تشرين الثاني .

عمدة الإذاعة في الحزب نعته في 21 تشرين الثاني بالبيان التالي :

" إن عميد الإذاعة ينعي إليكم ، بمزيد الأسف ، الرفيق إبراهيم منتش ، عضو مديرية الغبيرة في منفذية بيروت ، الذي قضى مساء 4 نوفمبر إثر إصابة بمدية مزقت أحشاءه ونفذت إلى كبده فعطلته عن العمل ، وذلك أثناء الاصطدام بين القوميين والشيوعيين الذي حدث عندما تعدى بعض الشيوعيين على المظاهرة القومية يوم ذكرى وعد بلفور في محلة الصور في بيروت .

إن سقوط الشهيد القومي في ساحة النضال ، يوم ذكرى وعد بلفور ، ووسط مظاهرة ضد الصهيونية ، لرمز نضال الحركة القومية الخالدة " .

الأمين عبد الله قبرصي يروي الحادثة في الجزء الثاني من كتابه "عبد الله قبرصي يتذكر" فيقول أن المجلس الأعلى ومجلس العمد أصدرا تعليماتهما بوجوب استنفار القوميين الاجتماعيين في بيروت والشوف والمتن والساحل وتجمعهم أمام البرلمان قرب ساعة العبد(2) ، ليسيروا من بعد في تظاهرة تتجه إلى السراي القديم على ساحة البرج حيث يطل عليها رجال الحكومة . ويضيف أن خال زوجته المحامي فهيم خوري الذي هو عضو مؤسس في عصبة العمل القومي أرسل له دعوة مع عائلته لحضور المناسبة التي كانت تحييها العصبة مع كل من الحزب الشيوعي ، النجادة والنقابات في سينما روكسي . وفعلاً توجه إلى صالة السينما مع زوجته ووالدتها ، إذ لم يكن مطلوباً منه أن يشارك في التظاهرة التي دعا إليها الحزب ، إلا أن القائد الشيوعي المهندس أنطون ثابت الذي طرد من الحزب عام 1935 ، وكان يقف عند الباب الخارجي للسينما منعه من الدخول . ويضيف الأمين قبرصي أن المساعد القضائي يومذاك الأستاذ بطرس نجيم روى له كيف أعلن العريف نبأ مقتل ادوار الشرتوني مستثيراً غضب الحضور ونقمتهم على القوميين الاجتماعيين ، ثم كيف وقف المحتشدون داخل السينما دقيقة صمت " .

أما بشأن الحادثة فيقول :

" بينما كان رفقاؤنا يتجهون من ساحة البرلمان باتجاه البرج يتقدمهم حسن الطويل على دراجة نارية يحرسها فرسان الشوف ، وقادة الحزب في الطليعة ، مروا أمام السراي . خطب فيهم رئيس الوزراء . شيوعي أرمني تحرش بدراجة حسن الطويل . فأُثخن ضرباً وجراحاً .

مر القوميون تحت شرفات فندق سافوا ، فانطلقت على رؤوسهم زجاجات البيرة والكازوز الفارغة . استمروا في مسيرتهم حتى ساعة عصور ، تجاه صيدلية قدوره ، وتفرقوا بناءً على أوامر رؤسائهم ، وفيما هو يتفرقون هاجمهم ادوار شرتوني على رأس فرقة من رفاقه ماراً بالزاروب الذي بين عصور وكاراج العلمين ، متجهاً إلى حيث يتفرقون . اصطدم بطلائعهم ، قتله أحدهم بضربة موسى في عنقه فخر صريعا . حتى الآن لا نعرف القاتل(3) . في تلك الأثناء كان أحد رفقائنا إبراهيم منتش متجهاً من مركز عمله عند الحاج نقولا بردويل وولسن مجدلاني إلى منزله ففاجأه شيوعيان أرمنيان وقتلاه على الفور " (4) .


1. يذكر الأمين جبران جريج في الجزء الرابع من "مع أنطون سعاده" أن الرفيق فيكتور أسعد (أحد مناضلي الحزب) هو الذي تدارك الأمر بيقظته .

2. يروي الرفيقان ادمون حايك وحمزة منصور أن الرفقاء تجمعوا في منطقة الحرش (جوار البربير حالياً) وساروا في طريق البسطة ثم توجهوا عبر الخندق الغميق إلى التياترو الكبير، ومنه إلى السراي القديم في ساحة الشهداء .

3. يفيد الرفيقان حمزة منصور وسليم منصور أن الرفيق عادل علامة (شقيق الرفيق الشهيد عبد الحفيظ علامة) هو وراء مقتل ادوار شرتوني .

4. يقع معمل الأحذية الذي كان يملكه الأمين ولسن مجدلاني والرفيق نقولا بردويل في أول شارع المعرض تجاه التياترو الكبير . لذلك نرجح أن يكون الرفيق منتش قد غادر عمله ليشارك في التظاهرة ، أو في العراك الذي دار على بعد خطوات من مكان عمله .

* * *

بعد أن كانت الدولة سحبت مذكرة التوقيف التي كانت أصدرتها بعد عودة سعاده من مغتربه القسري في 2/3/1947 ، قام سعاده يوم الأحد 4 تشرين الثاني عام 1947 بزيارة ضريح الرفيق الشهيد إبراهيم منتش في منطقة الغبيري .

رافق حضرة الزعيم ، عميد المالية الأمين عبد الله محسن ، منفذ عام بيروت الأمين جبران جريج ، وعدد من المسؤولين والرفقاء ، الذين توجهوا في رتل من السيارات إلى ضريح الشهيد منتش، حيث كان في استقبالهم أهل الرفيق الشهيد وجمع من القوميين الاجتماعيين . بعد أن وضع حضرة الزعيم إكليلاً من الزهر على الضريح ، وأخذ القوميون الاجتماعيون التحية الرسمية ، ألقى عميد المالية آنذاك الأمين عبد الله محسن كلمة مناسبة ، ثم إرتجل حضرة الزعيم كلمة هامة في الاستشهاد وفي معنى هذه الذكرى .

كلمة حضرة الزعيم

ــــــــــــــــــ

" الرفيق إبراهيم منتش حاضر بيننا لم يزل ولا يزول !

إنه أول شهيد في عراك حزبي عقائدي ، ولكنه ليس أول شهيد من شهدائنا في العراك العنيف بيننا وبين القوات التي لا تريد أن نثبت وجودنا وأن ننهض وأن نعطي الإنسانية من تعاليمنا ما نقدر أن نعطيها لفلاحها وخيرها . فقد سقط منا الرفيق سعيد فخر الدين في بشامون ، كما سقط منا في فلسطين رفقاء أعزاء أمثال سعيد العاص ومن أبناء البنّا وغيرهم ممن يجب أن تسجّل أسماؤهم وتثبت في عداد الأحياء الذين عملوا لهذه النهضة القومية الاجتماعية العظيمة ، التي تنهض الأمة السورية من مطاوي التاريخ وتؤسس قواعد للمجتمع الإنساني تضمن له الخير والحق والسعادة والجمال .

إنّ شهداءنا يمثّلون أول انتصاراتنا الكبرى ، انتصارات معنى الحياة على مجرّد الوجود، انتصارات أنّ الحياة في مبادئها ومثلها وغاياتها ، وليست في مجاريها الاعتيادية . إنهم يمثّلون أول انتصار كبير لإرادتنا وعزيمتنا على الأوضاع وعلى العراقيل والصعوبات وعلى الإرادات المعاكسة . إنهم سقطوا ليثبتوا ، ويثبتّوا حياتنا القومية الاجتماعية ، فثبتوها بالفعل ، وأثبتوا للملأ أنّ القوميين الاجتماعيين ، ليسوا بمتراجعين عن عقيدتهم وأنهم ماضون ليحققوا آخر غرض من أغراضها وآخر حرف من حروفها ، هي عزيمة ليست مرتدة عن غرضها الأخير ، هي عزيمة تطلب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة ، هي عزيمة قد عبّر عنها شهداؤنا الخالدون وبصورة خاصة شهيدنا الذي نحتفل بذكراه اليوم تعبيراً صادقاً لا يمحى .

من أجل ذلك ومن أجل أنّ شهيدنا وباقي شهدائنا المذكورين عملوا لمبادئ النهضة القومية الاجتماعية الراسخة وبذلوا نفوسهم في سبيل إحيائها وأعطوا حياتهم كلها لها ، من أجل ذلك هم يثبتون بثباتها ثباتاً خالداً – هم خالدون لا يزولون ولا يضمحلون، لأن هذه النهضة العظيمة خالدة .

إنّ لهم تقديرنا الكلي واحترامنا وشكرنا " .

* * *

بعد سنتين ، وكما تفيد مجموعة شباط عام 1949 من مجموعة "الأعمال الرسمية للحركة القومية الاجتماعية" اجتمع بعد ظهر يوم الأحد الموافق 31 تشرين أول في مدفن الرفيق الشهيد إبراهيم منتش في الغبيري عدد كبير من القوميين الاجتماعيين في منفذية بيروت (التي كانت تتبع لها يومذاك مديرية الغبيري) كذلك أهل الشهيد وأصدقاؤه ، ورهط من المواطنين وذلك "للاحتفال بذكرى شهداء النهضة القومية الاجتماعية المقررة رسمياً كمناسبة قومية اجتماعية" .

افتتح الاحتفال منفذ عام بيروت الأمين جبران جريج ، ثم ألقى الأمين إنعام رعد كلمة عمدة الإذاعة ، تلاه الرفيق يوسف الطويل الذي ألقى كلمة مديرية الشهيد منتش ، فالرفيق أمين خويص من مديرية الاستقلال الذي ألقى أبياتاً زجلية ، فالرفيق نصر المهتار من مديرية النظام ، الذي ألقى بدوره قصيدة زجلية ، وتلاه الرفيق محي الدين الفيل الذي ارتجل أبياتاً فصيحة .

واختتم الاحتفال منفذ عام بيروت الأمين جبران جريج بكلمة شاملة تكلم فيها عن معنى الاستشهاد ، وذاكراً شهداء النهضة الذين قدموا دماءهم في سبيل انتصارها .

* * *

أبيات من القصائد التي ألقاها الرفقاء :

• الرفيق أمين خويص :

" وإن كان هالإكليل عا قبر الشهيد

إحياء ذكرى منحتفلها بكل عام

الإكليل حطو مطرحو نار وحديد

تايشعل البارود ويفيقوا النيام "

• الرفيق نصر المهتار :

" ما في ولا أمة عظيمة بترتقي

غير تا تضحي بكنزها الغالي الثمين

لو استشهد الثلثين والثلث بقي

بيكفي بإنو يعيش مرفوع الجبين "

• الرفيق محي الدين الفيل :

" لا تقل مات ، فما مات شهيد

إنما الميت شعب كالعبيد

ساقه الجزار يبغي ذبحه

فحنى العنق ، وأعطاه الوريد

يا شهيدا لم يذق طعم الردى

قبل أن فتّح أبواب الخلود

كل جرح سائل منك فدى

موطن الأحرار سورية ، نشيد "

* * *

- الاسم الكامل : إبراهيم منتش .

- مكان وتاريخ الولادة : مليخ (جزين) عام 1926 .

- انتمى في مديرية الغبيري التي كانت تتبع منفذية بيروت عام 1941 .

- مكان وتاريخ الاستشهاد: بيروت مستشفى أوتيل ديو في 4 تشرين الثاني 1945 متأثراً بالجراح التي أصيب بها في الثاني من تشرين الثاني .

- كان يعمل في معمل للأحذية يملكه الأمين ولسن مجدلاني والرفيق نقولا بردويل ، ويقع في شارع المعرض (تجاه التياترو الكبير) .



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه