شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-01-21
 

زنـــوبـــــيا: قــضية.. وســيف وكــتاب

الأمين نواف حردان

هو عنوان الكتاب الذي كان أصدره الأمين الراحل نواف حردان عام 1995 وقدم له الأمين نزار سلوم.

عن زنوبيا، ملكة تدمر، التي كان لها شأنها في تاريخ سورية كتب الأمين حردان عنها في مقدمة كتابه، المقالة التالية، نوردها لفائدة الاطلاع.

هذا كتاب جديد عن زنوبيا العظيمة ملكة سورية، هو تاريخ ورواية بنفس الوقت.

هو تاريخ من حيث تسجيل الوقائع والأحداث التاريخية، التي رافقت حياة الملكة زنوبيا، والحروب التي خاضتها، والأعمال الكبيرة التي حققتها، وذكر تفاصيلها بكل أمانة ودقة.

وهو رواية.. من حيث سرد وقائع وأحداث لم يذكرها التاريخ، وردت في فصول الكتاب، لا تؤثر على الوقائع التاريخية، ولا تغيرها أو تنال منها، بل تفسرها وتجلو بعض ضبابها، (إعتمدتها) بواسطة إستقراء التاريخ نفسه واستنطاقه، واللجوء إلى التمحيص والتدقيق والتحليل والاستنتاج والمنطق، في دراسة الاحداث، لإيجاد الحلول لبعض المسائل، ووضع الأجوبة الصحيحة على بعض الأسئلة، وتفسير الغموض الذي كثيراً ما يظهر واضحاً ومحيراً، في تاريخ الملكة زنوبيا ملكة سورية وزوجها الملك أذينة.

أقول.. (زنوبيا ملكة سورية) وليس ملكة تدمر فقط، كما درج على القول والكتابة، معظم كتّابنا ومؤرخينا، متأثرين بما كتبه المؤرخون الغربيون القدماء، الذين أجمعوا على القول: (زنوبيا ملكة تدمر) فيما كتبوه وسجلوه، مأخوذين بما كان يبدو لهم من مظاهر سطحية، دون أن يتمكنوا من إدراك حقيقة الأمور، وفهم الأفكار العظيمة، التي كانت تدور في رأس زنوبيا، والتي كانت تتمحور حول وجوب تحرير سورية الطبيعية كلها، من حكم الاحتلالين الروماني والفارسي، وتوحيدها وتأمين الاستقلال والسيادة لها، وتوفير الحياة الحرة الكريمة لشعبها.

كانت تدمر مدينة زنوبيا، صحيح.. ولكنها لم تكن جزيرة في أوقيانوس، منعزلة عن محيطها، بل على العكس، كانت دائمة ووثيقة الاتصال والاحتكاك والتفاعل مع ما يحيط بها، ومع باقي المناطق والمدن السورية، كحمص وأفاميا وأنطاكية وبيروت وصيدا وصور وبصرى وجرش ودمشق وبعلبك وغيرها، وكان وزير زنوبيا الأول حمصي، هو المفكر الكبير المشهور لونجينو، ونائبها في انطاكية البطريرك بولس السميساطي، كما كان باقي وزرائها من دمشق وبيروت وصور وفلسطين، دلالة واضحة وبرهاناً دامغاً، على انها أرادت بإختيارهم وزراء لها، من مختلف المناطق السورية، إيجاد التفاهم والتفاعل اللازمين، بين المناطق العديدة، وضمان ولائها للعرش السوري، الذي كانت تدمر مقراً له، وعاصمة البلاد السورية كلها.

كانت زنوبيا ملكة سورية، ولم تكن ملكة تدمر فقط.. هذا ما أردت تسجيله وإبرازه وإعلانه، والتشديد عليه في هذا الكتاب، لأنه كان حقيقة تاريخية صارخة، جهلها أو تجاهلها المؤرخون الغربيون الذين كتبوا عن زنوبيا، واطلقوا عليها أسم (ملكة تدمر) فقط.. ولعلهم فعلوا ذلك خدمة لرومة، التي لم يكن من مصلحتها أن يكتب أو يعلن أو يعرف، أن البلاد السورية كلها كانت ترغب بالإنفصال عنها، وتريد الاستقلال الكامل وتسعى إليه، وأن زنوبيا كانت تجسد آمال شعبها السوري وأحلامه ورغائبه، عندما نهضت تصارع من أجل الحصول على إستقلاله وتأمين سيادته على نفسه.

كتب المؤرخون الغربيون عن زنوبيا، فأظهروها بأنها كانت ملكة مدينة نائية ضائعة في الصحراء، هي تدمر، إنتقل إليها الملك فيها بالصدفة، بعد مقتل زوجها أذينة، وأنها نهضت تقاوم رومة وتجابهها، بدافع طموح شخصي فردي، ورغبة منها بالتملك والتوسع فقط، دون أن يكون لديها مثل عليا تريد تحقيقها، وغاية شريفة سامية مقدسة تسعى إليها، هي تحرير بلادها ونزع نير الاستعمارين الروماني والفارسي الثقيل عن كاهل شعبها.. ولقد ضل المؤرخون الأجانب فيما كتبوه ضلالاً بعيداً، وتخبطوا تخبطاً معيباً، بسبب جهلهم أهداف زنوبيا الحقيقية، ونفسية شعبنا والمرامي الكبيرة التي كان وسيبقى دائماً راغباً في بلوغها.

رميت من هذا الكتاب، إلى تصحيح الأخطاء المذكورة، ووضع النقاط على الحروف، وتعيين الاهداف الكبيرة، التي كانت الملكة زنوببيا تسعى إليها، وتفسير بعض الاحداث، التي بقيت أسبابها غامضة أو مجهولة.

مثل على التفسير المذكور في هذا الكتاب، لبعض الاحداث التاريخية، هو شرح أسباب الحرب التي خاضها الملك أذينة زوج زنوبيا، ضد الفرس والانتصار عليهم في أكثر من معركة، وضربه الحصار على عاصمتهم (المدائن) مرتين.

ما كانت الأسباب الحقيقية التي إكتشفتها؟ والدوافع التي كانت كامنة وراء نشوب تلك الحرب؟

لقد تزوج الملك أذينة زنوبيا، بدافع حب كبير نشأ بينهما، وكانت نتائجه ستة بنين.

وكانت تجمعهما.. إلى جانب ذلك الحب المتبادل بينهما، وحدة تفكير ومشاعر وأهداف وآمال، كان سببها، حب الوطن المتأصل في نفسيهما، والشعور القومي المتأجج في صدريهما، يدفعانهما إلى التفكير بوجوب تحرير الوطن من الفرس والرومان معاً، ثم توحيده بعد تحريره، ليعود كما كان من قبل، واحداً موحداً ضمن حدوده الطبيعية، حراً مستقلاً سيداً على نفسه، وافر الكرامة مضمون المصير.

كان الفرس يحتلون سورية الشرقية أو ما بين النهرين، وقد بنوا لهم عاصمة فيها مكان مدينة سلوقية القديمة على ضفاف دجلة، هي (المدائن). وكان الرومان يحتلون سورية الغربية، أي ما يعرف اليوم بالشام ولبنان وفلسطين وشرق الاردن، وكان الشعب السوري يرزح تحت نير الاحتلالين، وينوء تحت مظالمهما، ويتوق توقاً كبيراً عارماً، للإستقلال والحرية والسيادة وإستعادة الكرامة القومية.

وكان أذينة وزنوبيا، في أفكارهما ومشاعرهما وآمالهما، يجسدان توق شعبهما للحرية ورغبته في الحصول على الاستقلال والوحدة، ويعبران أصدق تعبير عن نفسية السوريين، وخط فكرهم الواحد التاريخي القديم.

وكانت زنوبيا.. لما وهبتها العناية، من ذكاء وحكمة وبعد نظر وعزم وطموح، تقف وراء زوجها دائماً في قراراته وتصرفاته، وتحثه على متابعة الصراع والجهاد، لتحقيق الآمال والأحلام المشتركة، التي كانت تتمحور وتدور، حول تحرير البلاد من مستعمريها وتوحيدها، ضمن حدودها الطبيعية المعروفة الممتدة من جبال البختياري شرقاً إلى جبال طوروس شمالاً، إلى البحر المتوسط غرباً، إلى ما وراء سيناء وصحراء العربة جنوباً.

تحرير البلاد السورية (الهلال الخصيب) من الاحتلالين الفارسي والروماني، وتوحيدها في دولة واحدة كاملة السيادة، كما كانت في عهود الاكاديين والآشوريين والبابليين والسلوقيين، كان الهدف الكبير والامل الحبيب، الذي كان أذينة وزنوبيا يريدان تحقيقهما.

رسالة مقدسة آليا على نفسيهما أن يؤدياها.

مبادئ سامية شريفة غالية تعهدا بأن يحققاها، ومن أجل ذلك.. نشبت الحرب أولاً، بين أذينة والفرس.. ثم بين زنوبيا والرومان.

فقام أذينة بغزو العراق، وخاض معركته الأولى مع الفرس فأنتصر عليهم، ثم عاد وضرب الحصار على عاصمتهم مرتين، وكانت سقطت لو لم يتدخل القدر الغاشم، ويضطر أذينة في المرة الاولى والثانية إلى رفع الحصار عن (المدائن) لأسباب قاهرة، فتأخر تحرير العراق من حكم الفرس أكثر من ثلاثمئة سنة.

لم يكن خوض أذينة تلك الحرب، حباً بسواد عيون رومة، ورغبة في التقرب منها، كما ذكر بعض المؤرخين، كما لم يكن الدافع لتلك الحرب، رغبة في إنقاذ الأمبراطور الروماني فاليريان، الذي كان قد وقع في أسر الفرس في معركة سابقة، بل رغبة في تحرير العراق- سورية الشرقية، وطرد الفرس منها، ليعود فيضمها إلى شقيقتها سورية الغربية في دولة واحدة موحدة.

هذا هو السبب الحقيقي الأساسي لتلك الحرب، وهذا هو التفسير المنطقي الصحيح، للغموض الذي يبدو واضحاً محيراً، في ما ذكره المؤرخون القدامى، وللتخبط الذي وقع فيه كتابنا.

وهذا ما رميت إلى إبرازه وتأكيده في هذا الكتاب، من أجل وضع الأمور في نصابها وتصحيح الأخطاء العديدة، التي تبدو لطخات سوداء بشعة في تاريخنا.

تحرير العراق- سورية الشرقية من الاستعمار الفارسي، وضمه إلى سورية الغربية وتوحيده معها، كان الدافع الأساسي الأول والأهم، لحرب الملك أذينة مع الفرس، ولم يكن على الاطلاق، خدمة لمصالح رومة وطمعاً بالتقرب منها.

هذه حقيقة تاريخية أكيدة ساطعة، وليست خيالاً.. تبدو لنا اليوم واضحة جلية صارخة، من خلال ضباب التاريخ.. لا يجوز لنا مطلقاً تجاهلها أو نسيانها.. بل يجب أن تبقى حاضرة أمام أنظارنا، عندما نقبرأ التاريخ أو نكتبه، تاريخنا الصحيح الصادق المشع، المعبر عن نفسية شعبنا الحقيقية، والشارح لمآتيه وتحقيقاته وعظمته.

مسألة أخرى غامضة في تاريخ الملكة زنوبيا، لم تلق عليها الاضواء الكافية من قبل المؤرخين الغربيين، أردت معالجتها وتفسيرها أيضاً في كتابي هذا.. هي أسباب هزيمتها في معركة حمص، التي خاضتها مع الامبراطور الروماني أورليان.

فما كانت الاسباب الحقيقية لتلك الهزيمة؟ علماً أنه كانت قد توفرت للملكة كل الوسائل والمعطيات والاستعدادات اللازمة لربح المعركة، من جيش كبير يضم فرقتي الفرسان والرماة الشهيرتين، والنجدات اللازمة والمؤونة المتوفرة والقادة والضباط الكفوئين، والاستعدادات اللازمة لربح تلك المعركة، بعد أن تراجعت من أنطاكية دون أن تكون المعركة التي خاضتها قربها حاسمة، وكان سبب تراجعها رغبة منها في إستدراج الرومان إلى المكان المناسب، لتخوض معهم فيه المعركة الحاسمة النهائية، تنتصر عليهم فيها ولا تقوم لهم بعدها في سورية قائمة.

لماذا إنتصر الرومان على الملكة زنوبيا في معركة حمص؟ التي لم يكن منتظراً، ولا متوقعاً أن ينتصروا فيها؟ وكان إنتصارهم ذاك مقدمةً لإنتصارهم النهائي وحصار تدمر وأسر زنوبيا، ووقوع سورية من جديد تحت نير الاستعمار الروماني؟

لا شك أنه كان هناك أسباب لذلك، لم يذكرها المؤرخون الغربيون القدماء، إما لجهلهم إياها، وإما تحيزاً منهم للأمبراطور أورليان، رغبة منهم في التقرب منه ومدحه وتمجيده، بواسطة الادعاء، أن كفاءته وحدها كانت سبب إنتصاره في المعركة، ولم يكن شيء آخر.

ما هي الاسباب الحقيقية لهزيمة الملكة زنوبيا في حمص؟

على هذا السؤال إنصب تفكيري من أجل إيجاد جواب صحيح له، بواسطة الدرس والمقارنة والتحليل والاستنتاج والمنطق، إلى أن تمكنت من إيجاد الجواب المنطقي المطلوب.

ذكر مؤرخون عديدون في كتاباتهم عن تاريخ تدمر، أن اليهود كانوا حاقدين عليها يضمرون لها كراهية كبيرة، وأن حقدهم وكراهيتهم هذين، كانا قديمين تاريخيين، ولدا منذ أن شارك التدمريون في مساعدة الملك السوري البابلي الكبير نبوخذ نصر، في تدمير أورشليم، ثم عادا فتجددا وتأصلا، عندما شارك التدمريون القائد الروماني تيطس عام 70 في حصاره لأورشليم ودك أسوارها.

ومن أجل ذلك.. جاء في تلمود اليهود العبارة: (هنيئاً لمن سيرى خراب تدمر..الخ) كما هو مذكور تفصيلاً في نص هذا الكتاب.

هذا بالاضافة إلى حقد اليهود القديم المتوارث على شعبنا كله، وسعيهم الدائم لأن لا يقوم له قائمة.

يتضح من هذا.. أن اليهود كانوا.. من جراء حقدهم القديم هذا، المتأصل في نفوسهم، يضمرون العداء لتدمر ويرغبون في تراجعها، ويريدون لها الهزيمة والدمار..

وكان من الطبيعي المنطقي المنتظر المتوقع، الغير مستغرب، عندما رأوا الحرب تنشب بين الملكة زنوبيا والرومان، أن يتحيزوا للرومان، ويقفوا إلى جانبهم لكي يثأروا من تدمر.

وكان من الطبيعي أيضاً، أن يترجموا حقدهم وميولهم وتمنياتهم هذه، بالتآمر على الملكة زنوبيا، ويسعوا لكي تدور عليها الدوائر في تلك الحرب، وتمنى بالهزيمة، تحقيقاً لرغباتهم وتنفيساً لأحقادهم المخزونة وارواء عطشهم الكبير للثأر، فكانت هزيمة زنوبيا في معركة حمص، إحدى نتائج تآمرهم عليها، وتتويجاً لخيانتهم لها، بفرار جنودهم المنخرطين في الجيش السوري، من ساحة المعركة، وتحريضهم الجنود الآخرين على الفرار.

هذا.. بالإضافة إلى الخيانة الاخرى الكبيرة التي قام بها اليهود، أثناء حصار أورليان لتدمر، التي تجسدت بإرسال رسالة له، تعلمه أن الملكة زنوبيا، ستخرج من تدمر إلى البادية من قصرها، بواسطة نفق سري، لكي تجتازها وتبلغ (المدائن) عاصمة الفرس، وتلاقي فيها الملك هرمز، وتطالبه بإرسال النجدات لها.

هذا ما وجدت تسجيله لازماً في كتابي هذا، مما لم يذكره التاريخ تفصيلاً، وأن يكن قد لمّح إليه، رغبة في تفسير الاحداث تفسيراً منطقياً صحيحاً واضحاً، لا يمكن أن يرقى إليه الشك ولا يمكن إنكاره، علماً بأنه لا أثر للمبالغة فيما سجلت، أو للخيال، المتولدين من عاطفة الكراهية لليهود، التي نشعر بها جميعنا.

بقي هناك شيء آخر، أريد أن أقوله عن الملكة زنوبيا، وأعلنه بصوت عالٍ لكي يعرف ويعمّم وينتشر.

هو.. أنها لم تكن امرأة عظيمة حسب، بل كانت أعظم امرأة في التاريخ على الاطلاق.

صحيح انه كانت هناك نساء عظيمات في التاريخ، كسميراميس ونفرتيتي وجوليا دمنه وكليوباترة، ولكن ولا واحدة منهن كانت تضاهي زنوبيا في عظمتها.

لقد إختلط التاريخ بالاسطورة في سيرة سميراميس، فأحاط بها الغموض، ولم يعد بالإمكان تمييز الحقيقة، والاحاطة بجميع نواحي عظمتها، لكي تسجل بصدق وأمانة، وتعرف وتعلن، بدون خشية من الخطأ.

وكانت نفرتيتي أمرأة عظيمة ساعدت زوجها اخناتون ملك مصر، على اكتشاف وجود الله الواحد الأحد، وشجعته وأخذت بيده لكي يعلن إكتشافه الكبير، ولكن عظمتها لم تبلغ ولا من قريب عظمة زنوبيا على الاطلاق.

أما كليوباطرة فسيرتها معروفة.. لم تكن ثقافتها تبلغ ربع ثقافة زنوبيا، وكانت تبدل عشاقها كما تبدل أثوابها، ولم يكن لها أهداف وغايات نبيلة تسعى إليها، إلى جانب حبها للتسلط والسيطرة والملك، وكان الفرق كبيراً جداً بينها وبين الملكة زنوبيا من نواح عديدة.. وبناء عليه، يصح التأكيد هنا، على أنه لم يكن صحيحاً ما ذكره بعض المؤرخين القدامى، من أن زنوبيا كانت تدعي بأنها تتحدر من كليوباطرة، لأنه لم يكن لها مصلحة بذلك، أو متياز لكي تفاخر به.

كانت زنوبيا أعظم إمرأة بالتاريخ على الاطلاق للأسباب التالية:

كانت وافرة العلم واسعة الثقافة خارقة الذكاء، درست في جامعة الاسكندرية على أيدي كبار الفلاسفة العلماء، الذين كان بينهم لونجينو الفيلسوف الحمصي السوري الشهير، فاكتملت شخصيتها وتفوقت، بما توفر لها من علوم ومعارف.

أحاطت نفسها بالعلماء والمفكرين، عندما استوت على العرش السوري، لكي يساعدوها في إدارة شؤون الدولة، وكانت تعقد معهم المجالس، تناقشهم خلالها بالعلم والمعرفة والادب والتاريخ والمنطق والفن.

كانت تمسك القلم وتكتب في الادب والتاريخ، كما تهز السيف وتبارز الفرسان وتصطاد الاسود وتخوض المعارك.

كانت تقود الجيوش، كما تدير شؤون دولتها بحكمة ودراية وحزم، كما تحب شعبها وتريد له الخير والعز والمنفعة والاستقلال والسيادة والرخاء والطمأنينة.

وكانت قوية الشخصية، نفاذة النظرات، رائعة الجمال وافرة الأناقة، بليغة العبارة سريعة الخاطر، قوية الحجة مرنانة الصوت، بالغة الوقار والجلال، فائقة الكرم.

وكانت تمتطي جوادها، فيقطع بها مئات الكيلومترات ويصعد الجبال ويهبط الاودية ويجتاز البوادي، دون أن تشكو أو تتذمر أو تبدي تعباً، كما كانت تسير على اقدامها، أمام جنودها عشرات الكيلو مترات، دون أن تبدي تأففاً، مع أنها كانت أماً لستة بنين.

وكانت مثالاً يقتدى به، في الفضيلة والعفاف.. لم ينكر ذلك عليها ألد أعدائها، وقد بقيت محافظة على فضيلتها وعفافها حتى آخر حياتها.

لم تجتمع هذه الصفات والمزايا لأمرأة غير زنوبيا، لا قبلها ولا بعدها.

لذلك أقول بأنها كانت أعظم امرأة في التاريخ على الاطلاق.

هذا ما وجدت لازماً أن أقوله في مقدمة هذا الكتاب.. الذي آمل أن يجد فيه القاريء اللذة والفائدة اللذين توخيتهما عندما كتبته



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه