شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1946-08-04
 

إلى غسّان تويني رسالة 6 ج 3

أنطون سعادة

وقفت على شرحك لتحفظك في قوميتك "للحق والخير والجمال" المشترك في المعنى مع احتياطات عمدة الثقافة في هذا الصدد. والذي أراه بعد النظر في الأسباب الباعثة على التحفظات والاحتياطات المذكورة، ان هذه التحفظات والاحتياطات العامة غير موفقة من الوجهة العقائدية. وموضع عدم التوفيق هو في تعميم اطلاق قيم الحق والخير والجمال الذاتية وهذا التعميم يتجاوز كثيراً حدود رفض "الشوفينية" الذي أعلنه الزعيم ويكون في الأخير خطراً نفسياً (سيكولوجياً) على العقيدة القومية الاجتماعية في نفوس الكثيرين. فالحق والخير والجمال من حيث هي قيم مطلقة لا وجود لها، في العالم الانساني الا حيث ينتفي تنوع النظر او تنوع المصالخ وتصادمها، ولما لم تكن هذه القيم مادية فلا يمكن أن يكون لها تحديد واحد في العالم، فهي إذا، حتى في اوسع اطلاقها، نسبية لتنوع الجماعات البشرية وتنوع مراتب ثقافتها واومزجتها، فالحق المطلق للانقليزي هو مايراه بنظرته الانقليزية والحق المطلق للسوري هو ما يراه بنظرته السورية وكذلك الخير والجمال. اما ما يختص بمقدرتنا النفسية على فهم مختلف أنواع الحق والخير والجمال عند الأمم الأخرى، فلا يوجب ان نتخلى عن الحق والخير والجمال كما نرها نحن لنقبل القيم المطلقة كما تصورها نظرات الأمم الأخرى.

كل حق وكل خير وكل جمال، لكي يصح أن تكون قيماً عليا حقيقية، مطلقة عندنا يجب أن تخضع لشروط رؤيتنا اياها كذلك او لاشتراكنا في رؤيتها كذلك والا تعرصنا لفقدان نظرتنا الشخصية الخاصة. فإذا كانت هذه القاعدة صحيحة فلم تكن او لم تبق حاجة الى التحفظات والاحتياطات التي هي موضوع هذا الشرح، بل ان القاعدة التحفظية المشار اليها تضعف الثقة بصحة نظرتنا الشخصية الى الحق والخير والجمال واعتبارها كافية، مع نموها وتطورها، لتعيين الحق المطلق والخير الكلي والجمال الكلي. ومعناها في الأخير، بالاستناد الى تعميمها واطلاقها، قد لا يختلف عن هذه العبارة: اننا نقدر ان نكون قوميين، في معترك الحياة والتفوق بين الأمم في كل شيء الا في النظر الى الحق والخير والجمال، اي في أهم مزايا الشحصية القومية.

يوجد فرق كبير بين هذا التعميم العقائدي او الفلسفي وتحديد الزعيم للظاهرة المعروفة "بالشوفينية". ولا تستدعي تقبيحنا لاحراق الكتب الفرنسية في الساخات العمةمية، الذي هو من الوجهة العملية شيء رمزي فقط، تقرير مثل هذه القاعدة التحفظية المطاطة التي ستبقى، بعد زوال احراق الكتب، قاعدة فكرية تضعف الثقة بالنظرة القومية وتخضع الأمة "لقيم مطلقة" تضحي نظرتها على مذبح نظرات سواها المبثوثة في آدابها. وفي هذه الحقيقة يكمن سر اهتمام الأمم الاستعمارية بحمل آدابها الى شعوب الواقعة ضمن امبراطورياتها ناقلة الى هذه الشعوب الحق والخير والجمال في الصور المطلقة الخاصة بكل أمة من الأمم التي قدرت على تكوين نظرتها العليا الى الحق والخير والجمال.

ان تقبيح احراق الكتب في تظاهرات "شوفينية" صحيح، ولكن القاعدة التي وضعت لتقبيحه ورفضه ليست موفقة. وأعود فأقول اننا لسنا في حاجة اليها في هذا الطور الذي هو طور ايجاد وجداننا القومي وارادتنا القومية في كل ما هو من معاني الحق والخير والجمال. واحراق الكتب في الساحات في تظاهرات شعبية عمل مألوف جرى ويجري في أرقى الأمم تمدناً وثقافة ولا موجب للخوف الكبير منه على الحق والخير والجمال وأنتم الذين ترغبون في التشديد على الوجهة العملية والسياسة العملية من عملنا القومي الاجتماعي، كان يجب ان تتجنبوا اثارة مثل هذه القضايا النظرية التي لا قائدة عملية منها. وعمدة الاذاعة وبعض مفكري الحزب الحريصين على عدم اضاعة الحق والخير والجمال في التظاهرات الشعبية غير المسؤولة كان يمكنهم الاكتفاء ببعض مقالات واذاعات تحليلية لهذه الأمور من غير حاجة الى مثل هذه التعميمات الخطرة من الوجهة النفسية التي قد تؤدي في الأخير الى غير المقصود منها الذي لم تقتصر عليه، بل الأولى عدم الخوف من احراق الكتب الذي ليس سوى عمل رمزي ضد أدب الدولة التيرمت الى استعباد السوريين ووضعهم في قالب نظرتها. ويوجد وسائل عملية كثيرة لمنع تحول هذه التظاهرات الى "شوفينية" متفشية من غير التعرض لهذه المطلقات الخطرة خصوصاً في الكيفية والقرائن التي وضع عميد الثقافة عبارته فيها حتى قد يبدو انها تحفظية ضد عوامل من داخل الحزب في قرائن غبارتك. وفي رأيي ان ما هو أهم من احراق جمهور من الطلاب غير المسؤولين الكتب الفرنسية هو تصريح رئيس جمهورية الشام السيد شكري القوتلي انه لا يمكن ان يؤمن ان أحد من الفرنسيين، على الاطلاق، على حياته وماله ضمن نطاق الجمهورية. فهذه شوفنية مسؤولة لا تعبر عن حقيقة نفسيتنا ونظرنا الى الأمور يجب تقبيخها وانتقاد صدورها عن المسؤول الأول في تلك الدولة السورية بشدة. أكتفي بهذا الشرح في هذا الصدد واعتقد ان ميلك الى الدرس والتدقيق ومقدرتك على القياس لا يحةجان الى أكثر منه.

…..

يتبع

صدر عن مكتب الزعيم، في 4 اغسطس 1946 ولتحي سورية

خاتم وامضاء الزعيم



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه