الأمين أنطون سعاده.. لمناسبة رحيل يحياه

جان داية - البناء

لست أدري إذا كان والده قد أطلق عليه اسم أنطون سعاده تيمّناً بزعيم الحركة القومية الاجتماعية وشهيدها الأكبر. وسواء جرت التسمية بالمصادفة أو عن سابق تصور وتصميم، فقد حمّله مسؤولية الاقتداء بسميّه لجهة رفع راية النهضة التي تسعى الى تحقيق عدة أهداف كبرى منها القضاء على سرطان الطائفية في كسروان وعموم لبنان والهلال الخصيب. وبالمناسبة، فقد طرح عليه مرة المهندس نهاد نوفل رئيس بلدية الزوق النموذجية في صالون البلدية وعلى مسمع من عشرات الزوار، السؤال التالي: كنا سوية في مدرسة واحدة وصف واحد، فمن بنظرك هو الأنجح والألمع والأخطر؟ فأجابه وهو يبتسم كعادته: طبعاً أنت الذي تتربع على عرش أنجح بلدية في الجمهورية اللبنانية، في حين كنت وما زلت أتولى الحياكة على النول الكلاسيكي في محترفي القديم. فأجابه ابن أخت الأديب البسكنتاوي القومي سليمان كتاني: أنطون لا تخطئ، فنفوذي لا يتعدى نفق نهر الكلب جنوباً ومدينة جونيه شمالاً، في حين يشمل نفوذك مساحة الهلال الخصيب.

وعندما زرته مرة في منزله في الزوق قال لي وهو يبتسم: لقد مُنحت رتبة الأمانة، فهل هي "مبهبطة" عليّ؟ وأجبته: كيف تكون "مبهبطة" وأنت لم تكتفِ بحمل اسم أنطون سعاده، بل اعتنقت مبادئه الأساسية الثمانية التي تتمحور على سورية الطبيعية، ولم تتردد في أن تحيّي "سورية" في كسروان، ما دفع بخصومك السياسيين الذين "طحلوا" اللبنانيين بتكرار فعل ايمانهم بالديمقراطية، الى تهجيرك من "الشرقية" الى "الغربية". فعلوا ذلك، وهم يعلمون أن كل رواد النهضة في لبنان، بدءاً بالمعلم بطرس البستاني والمطران يوسف الدبس ومارون النقاش، ومروراً بأمين الريحاني وجبران وابنة كسروان مي زيادة، وانتهاء بسعيد تقي الدين، كتبوا وجاهدوا من أجل وحدة سورية واستقلالها ونهضتها.

وبالمناسبة، إذا أطلق أبوه عليه اسم أنطون لأن والد الأب يحمل هذا الاسم، وهو تقليد متبع في المتحد الكسرواني وسائر المتحدات اللبنانية، فإنه أطلق على ابنه اسم يحيى لأنه لم يكتفِ بتحية سعاده في الاجتماعات والمهرجانات الحزبية وعند كل لقاء برفيق أو أمين، وانما لجعل عبارة "يحيى أنطون سعاده" متداولة على ألسنة معلمي يحيى وزملائه الطلاب في المدارس والجامعات التي تعلم فيها، إضافة الى أصدقائه الفنانين الذين عمل معهم في الورش الفنية، وكان آخرها الورشة القاتلة في تركيا. ولقد تداولت الاسم الكامل محطة "الجديد" في سياق تغطيتها لرحيل المخرج الشاب. وثمة دافع آخر أقنع الأمين أنطون سعاده بإطلاق اسم يحيى على ابنه، هو عدم ايمانه بالأسماء الطائفية والمذهبية بعد أن آمن بقيدوم العلمانيين زعيمه وسميّه، وطلّق التعصّب الديني بالثلاثة. فبذلك، تمرّد على تقليد آخر في كسروان، حيث تكثر أسماء شربل ومارون وبطرس وبولس، فأطلق على ابنه اسماً يُطلق عادة على الأطفال المحمديين.

يبقى انها المرة الأولى التي أرى فيها الفنان الأمين باكياً. ولم أبادر الى كفكفة دموعه لأني بكيت مثله. لعل ما يكفكف الدموع ويخفف من الحزن حقيقتان: ان البقاء للأمة و... ان يحيى الذي ترك الأمين أنطون سعاده قد التحق بالزعيم أنطون سعاده.