شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-02-10
 

دراسة قانونية: ثورة مصر ومكانة مصر

الدكتور مصطفى أحمد أبو الخير

فجأة وبدون اي مقدمات قامت ثورة في مصر يوم 25 يناير من هذا العام، عبر دعوة من عدة حركات معارضة للتظاهر في ميدان التحرير، من أجل أسقاط النظام المصري الذي بات عبئا ثقيلا ليس علي مصر فقط ولكن أيضا علي المنطقة العربية، وكانت الاستجابة أكثر بكثير جدا من المتوقع حتي من أكثر الناس تفائلا، ولم يدر بخلد أي بشر أو مؤسسة أو دولة بكافة مؤساساتها أن الاستجابة سوف تكون بالملايين وفي كافة محافظات مصر وليست في العاصمة المصرية وفي قلب ميدان التحرير، مما أربك حسابات كافة الأنظمة والدول وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في مؤسسة الرئاسة والمخابرات الأمريكية والموساد.

وقد ترتب علي هذا الأرباك تخبط في النظام المصري من قمته مؤسسة الرئاسة وكافة مؤسسات الدولة وحتي المؤسسة الأمنية أنهارت بعد أربعة أيام إلا من فلول أمنية تمثلت في بعض القناصة التي قتلت العديد من الشباب الثائر، مرتكبة في ذلك جرائم يجب المحاكمة عليها سواء في القانون الدولي خاصة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادتين الخامسة والسابعة واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005م والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد والاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد، أو قانون العقوبات المصري وخاصة الواردة في الكتاب الثاني والمواد من( 230 -232) من قانون العقوبات رقم (95) لسنة 2003م والتعديلات التي طرأت عليه، وأطلق النظام المصري علي المتظاهرين فلول من المساجين والبلطجية في محاولة لإثارة الفزع والرعب وعدم الأمن في الشارع المصري، وهذه الأفعال لا تقوم بها إلا حكومات الاحتلال سواء أيام الاحتلال الأنجليزي لمصر أو في فلسطين المحتلة من قبل قوات الاحتلال الصهيونية حتي السيارات المستخدمة في قمع المتظاهرين نفس الماركات وكذلك القنابل والرصاص المطاطي والحي، تلك أساليب قوات الاحتلال كما ذكرت، وبذلك جعلت الحكومة من نفسها حكومة احتلال، مما أدي إلي تجذر الوطنية أكثر في قلوب المتظاهرين، لذلك كانوا علي مستوي الحدث والحديث، وكونوا لجان شعبية كانت أكبر مفاجأة من الثورة نفسها، حيث قامت هذه اللجان بتسلم الشارع المصري، ونظمت الحياة وحمت البلد من فراغ أمني وانهيار في الاستقرار.

الأمر الذي لاحظه العديد من المراقبين في ظل هذه الثورة غير المتوقعة بهذا الكم الهادر من البشر، أن كافة طوائف الشعب أشتركت في المظاهرات الشباب والشيوخ والنساء، كما أن كافة التيارات السياسية في الشارع المصري بدون تفرقة بين أي تيار منها، ومن أهم فوائد هذه الثورة أنها قامت بجنحي الشعب من مسلمين ونصاري، ومع غياب الأمن تماما لم يتم الاعتداء علي أي كنيسة في مصر بل قام المسلمون بحماية الكنائس في الأسكندرية، وبدا للعالم أن ما كان يحدث من أفتعال أزمة فتنة طائفية بين أفراد الشعب كانت بعلم وتدبير النظام وأنها سياسة من سياسات النظام حتي يتم تبرير سياسات البطش بالمعارضة في الشارع المصري، وخاصة وبعد تسريبات عن أن النظام هو من دبر ونفذ حادث الأعتداء علي كنيسة القديسين بالإسكندرية.

وقد أصاب ذلك الأمر – اللجان الشعبية – خطة النظام المصري في مقتل، حيث باتت مصر كلها في أيدي الثورة وخلعتها من يد النظام المصري، مما أدي إلي بداية مسلسل التنازل من النظام بإعلان مبارك عدم ترشيحه لمدة رئاسة قادمة وتعيين عمر سليمان نائبا له وإقالة وزارة نظيف والإتيان بأحمد شفيق رئيسا للوزارة وتغيير بعض وجوه النظام القديم من الوزراء، وتعيين بعض وزراء جدد وأستحداث وزارات جديدة، حتي يثبت النظام للعالم أن الأمر لازال بيديه وأن الأمر لم يخرج من يده، ثم بدأت مرحلة أخري من مسلسل التنازل، حيث تم عزل أكبر قيادات الحزب الورقي الوطني وعلي رأسهم صفوت الشريف وزكريا عزمي وأحمد عز وعلي الدين هلال، ونشرت اوامر للنائب العام بمنع بعض رموز النظام من السفر وتجميد أرصدتهم، ومنهم رشيد أحمد رشيد الذي كشف شفوية وعدم حقيقة هذا الأمر الذي خرج من الوزارة بعد أن أعتذر عن توليها وسفره بأذن النظام.

وهناك العديد من الأسباب التي تجمعت مع بعضهم ودفعت أبناء مصر من الثورة علي النظام، وهذه الأسباب تمتد لكافة جوانب الحياة في المجتمع المصري، ويمكن تلخيص هذه الأسباب في الآتي:

أولا: الأسباب السياسية: نعتبر هذه الأسباب ممما دفع أبناء مصر للتظاهر والمطالبة برحيل النظام المصري وليس إجراء بعض التعديلات الصورية علي النظام، وهذه هي نقطة الخلاف بين المتظاهرين والنظام وهذا ما سوف نبينه بعد، نجمل الأهداف السياسية التي أدت لذلك في أسباب سياسية خارجية وأسباب سياسية داخلية:

- الأسباب السياسية الخارجية: تتمثل في المواقف السياسية التي أتخذها النظام سواء علي الصعيد الدولي او الصعيد الإقليمي، والتي أنحازت تماما لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ضد العرب والمسلمين وأهم ذلك الموقف من الأحداث الكبيرة والجرائم التي أرتكبت في يوغسلافيا السابقة دون التحرك لوقف هذه الجرائم أو علي الأقل الحد منها، وأيضا موقف النظام المصري من حرب أفغانستان والجرائم التي أرتكبتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد الشعب الأفغاني المسلم، ومن أهم هذه المواقف التي أتخذها النظام المصري موقفه من حرب الخليج الثانية عام 1991م وضرب العراق لإخراجه من الكويت، وعدم الاقتصار علي ذلك بل توسع الهدف إلي تدمير العراق، وهناك أيضا الموقف من الحصار علي ليبيا والوقوف مع الغرب ضد ليبيا في أزمة لوكيربي، وهناك موقف النظام المصري مما يحدث في السودان وتركه السودان وحده ضد القوي الكبري بل وأضعافه عن طريق الضغط عليه، وموقفه من حرب الخليج الثالثة عام 2003م واحتلال العراق من تحالف غربي بعد حصار دام أكثر من عقد من الزمن شارك فيه النظام المصري، والغريب أن مبارك كان دائما ما ينصح صدام في التنحي لإنقاذ الدولة وهذا ما يرفضه هو الآن بصلف وغرور، وهناك أيضا موقف النظام المصري من حرب تموز 2006م ضد لبنان وحزب الله، حيث وقف النظام المصري مع الكيان غير الشرعي في فلسطين المحتلة ضد لبنان، بخلاف ما تنص عليه معاهدة الدفاع العربي المشترك لعام 1955م، وهناك أيضا موقف النظام المصري من غزة وحصارها مع العدو الصهيوني، والوقوف مع هذا العدو في حصاره وحربه علي غزة في 2008/ 2009م، أغلب هذه المواقف يشكل جريمة دولية واردة في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمواد السادسة والسابعة والثامنة من هذا النظام الأساسي، يجب محاكمة النظام عليها.

- الأسباب السياسية الداخلية: من أهم هذه العوامل توحش الأمن وعسكرة النظام وخاصة عن طريق الأمن وخاصة من مباحث أمن الدولة التي فتح لها الطريق بدون عوائق للتوحش والإنفلات من القانون ومن الأخلاق، ومن خلال هذا الجهاز أرتكبت جرائم جنائية يعاقب عليها القانون الدولي وقانون العقوبات المصري رقم (95) لسنة 2003م وخاصة في الكتاب الثاني منه، وقد سمح لها قانون الطوارئ مخالفة حتي الدستور المصري الصادر في الحادي عشر من سبتمبر عام 1971م، وكان لذلك أثره الكبير في زيادة الغضب علي النظام المصري من القمة إلي القاع، ويجب محاكمة المتسببين في قتل أفراد من المتظاهرين بتهمة القتل العمد مع سبق الأصرار لأن الرصاص الحي كان يصوب إلي أجزاء قاتلة من الجسد في الرأس والقلب، مما يحدث الوفاة فورا، وهو قتل عمد مع سبق الأصرار والترصد طبقا للمواد (230 و 231 – 232) من قانون العقوبات المصري

وهناك تفشي الفساد والرشوة والواسطة في تولي الوظائف العامة والانتقائية في تولي الوظائف، فضلا عن منع الحكومة التعينات من عام 1985م حتي الآن والتي كانت تتم سنويا للمؤهلات العليا والمتوسطة، مما أدي إلي زيادة البطالة في صفوف الشباب، وهناك أيضا تزوير الانتخابات سواء في المحليات أو في مجلسي الشعب والشوري وكذلك أيضا تزوير انتخابات رئاسة الجمهورية التي أدت إلي أزدياد الغضب من الشعب المصري علي النظام، ودفع الأمور إلي الغضب والثورة، وهذه الأفعال تشكل جرائم فساد طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد والاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد.

ومن أهم هذه الأسباب التي أدت إلي هذه الثورة تدليل نصاري مصر والرضوخ للعديد من مطالبها غير المشروعة، خاصة بعد أن تهجم قادة النصاري علي القرآن وعلي الإسلام، فضلا عن تبجح النصاري في العديد من الأمور ومنها عدم الألتزام بالقانون وإعلان تحدي قيادة بعضهم أحكام المحاكم وخاصة حكم الزواج الثاني من المحكمة الإدارية ورضوخ النظام لذلك، مع تشدده مع أفراد الجماعات الإسلامية ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية، مما أدي إلي زيادة الاحتقان وكأن النظام يريد ذلك لزيادة قبضته الأمنية وتبرير بطشه تحت زعم المحافظة علي النظام والأمن والأستقرار، وقد ثبت عكس ذلك.

- الأسباب الاقتصادية: تمثلت في زيادة عدد الفقراء وانخفاض مستوي المعيشة وغلاء الأسعار مع ثبات المرتبات، وتحكم زمرة من رجال الأعمال مقربين من عائلة مبارك، فضلا عن زيادة الضرائب علي الشعب وخفضها أو أعفاء رجال الأعمال المقربين من عائلة مبارك، وبروز رجال أعمال عبارة عن سماسرة لبضائع أجنبية ليست ضرورية، وتحكم هذه الفئة في مواد أساسية مثل الحديد واحتكار احمد عز لهذه السلعة المهمة، ومما آثار غضب الشعب المصري علي النظام السرقات التي طالت المال العام وخاصة في الإستيلاء علي أموال البنوك وهروب عدد كبير بها، فضلا عن الخصخصة التي طالت مصانع مهمة ورئيسة لأي تنمية اقتصادية حقيقية، واستبدال المصانع الوطنية بالإستيراد من الخارج.

- الأسباب الثقافية والاجتماعية: تتمثل هذه الأسباب في فتح المجال لمجموعة من المتغربين في مهاجمة الثقافة الوطنية التي يعتبر الإسلام عمودها الفقري، وتهجم هذه الفئة علي الإسلام، وفتح كافة وسائل الإعلام لهذه الفئة علي أوسع أبوابها بل ومنحها العديد من الجوائز مما أدي إلي استفزاز الشعب وآثارة غضبه، وقد طال الفساد أيضا الجامعات وخاصة في النتائج التي تمنح أعلي التقديرات لأبناء المحاسيب والمعارف دون وجه حق، وتعج الجامعات المصرية بالعديد من الأمثلة علي ذلك.

تلك تلخيص لأهم الأسباب التي أدت إلي اشتعال الثورة وهناك أسباب أدت إلي زيادة الأشتعال بعد قيام الثورة، تمثلت في معالجة النظام للأزمة حيث كانت المعالجة أمنية بالدرجة الأولي، واتجهت لقمع المظاهرات والمتظاهرين بشدة، وقد اعتقد النظام في بداية الأزمة أن المظاهرات لن تستمر سوي ساعات من نهار يوم 25 يناير، وإذ بالأمر يستمر بل ويتطور بسرعة نحو الثورة في معظم محافظات مصر، مما أصاب النظام المصري بالارتباك والإسراف في التعامل الأمني مع المتظاهرين، حتي قتل بعض المتظاهرين بالرصاص الحي مباشرة، وتم أستخدام عربات مصفحة يراها الشعب المصري تستخدم من قبل العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة ضد الفلسطينين، وكذلك قنابل الغاز والرصاص المطاطي، مما أدي إلي تآكل سريع لشعبية النظام بين غير المتظاهرين من أبناء الشعب المصري، وصمود من قبل المتظاهرين.

ومن الأخطاء التي أرتكبها النظام في معالجة هذه الثورة، تأخر مبارك في مخاطبة الشعب، فلم يخطب إلا بعد أربعة أيام، وجاء خطابه مخيبا للآمال، وكأنه يتوعد فيه الشعب فخير الشعب بينه وبين الخراب وعدم الاستقرار، كما أنه لم يتحدث عن القتلي ولم يعتذر عن ذلك أو حتي الحديث عنهم خلاف ما حدث في أنفجار كنيسة القديسين بالأسكندرية، وفتح بالخطابين مسلسل التنازلات التي أدت لثقة المتظاهرين في أنفسهم، ذلك تمسكوا أكثر بالمطالب التي رفعوها في وجه النظام، وأهمها رحيل مبارك والبعض يطالب بمحاكمته هو وأسرته خاصة بعد تسريبات عن حجم ثروته هو وعائلته، ويري المتظاهرون أن هذه التنازلات التي قدمها النظام ليست كافية أو أنها ليست المطلوبة، حيث يطلب المتظاهرون برحيل النظام برمته وليس مجرد تغيير أشخاص فقط وبقاء سياسات النظام كما هي.

ومن الأخطاء المهمة التي أرتكبها النظام المصري في معالجته للأزمة، استخدام البلطجية والمساجين الفارين بأمر من النظام للأعتداء علي المتظاهرين واستخدام وسائل بدائية كالجمال والفرس، مما أدي إلي ظهور النظام علي أنه قوة احتلال وليس حكومة هذا الشعب الذي جاء بها لتيسير أموره الحياتية، وقد لقي هذا العمل استهجان من كافة دول العالم والتيارات السياسية مما جعل النظام يحاول جاهدا التبرؤ منها والتصريح بأنها ليست علي علم بمن فعل ذلك علي حد كلام رئيس الوزراء الجديد، مما أضعف موقفه ومن قبله مركزه.

يمكننا بعد ذلك طرح مناقشة قانونية لما حدث ويحدث في مصر، وعرضها علي القواعد القانونية لنري حكمها قانونا، ونعرض بداية لرؤية النظام للأحداث التي حدثت يوم 25 يناير الماضي وما بعده، يري النظام أن ما حدث مجرد احتجاجات علي الأوضاع الداخلية مطالبة بتصحيح الأوضاع، وأن النظام فعل ولبي مطالب الجماهير بالقرارات التي أصدرها مبارك من إقالة الوزارة وتعيين وزارة غيرها، وتعيين نائب له، وعزل أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطني وإقالة رئيس الحزب الوطني ومعه عدد من المساعدين، وإصدار عدة قرارات من النائب العام بمنع عدد من رموز النظام من السفر وتجميد أرصدتهم تمهيدا لمحاكمتهم، وإحالة وزير الداخلية السابق إلي محكمة أمن الدولة العليا، ورأي النظام أنه سوف يبحث تنفيذ الأحكام الصادرة بشأن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.

ويري المتظاهرون أن ما حدث ثورة شرعية علي النظام كله، وليس علي أشخاص النظام وطالبوا مبارك بالتنحي والرحيل ثم طالبوا بمحاكمته هو وأسرته، وحل مجلس الشعب والشوري والمحليات وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية لفترة مؤقتة يتم خلالها إنشاء دستور جديد وتشكيل حكومة مؤقتة، ثم يتم بعد ذلك عمل انتخابات رئاسية طبقا للدستور الجديد ثم عمل انتخابات تشريعية، وطالب البعض منهم بمحاكمة رموز النظام السابق بتهم الفساد واستغلال النفوذ.

بعد عرض وجهتي النظر نعرضهما علي القواعد القانونية والدستورية، نصت المادة الثالثة من الدستور المصري الدائم الصادر في الحادي عشر من سبتمبر عام 1971م، أن الشعب صاحب السلطات وهو مصدر السيادة، الشعب الوارد في هذه المادة ليست كافة أفراد الشعب المصري البالغ عددهم أكثر من ثمانين مليون، وهذا لم يقله أي فقيه دستوري في العالم، فالشعب المقصود هنا هو هيئة الناخبين التي تتكون من كل من له حق الانتخاب، وهم في مصر حوالي أربعة وعشرين مليون تقريبا، وفي الانتخابات الرئاسية السابقة حصل مبارك فيها علي ستة ملايين صوت تقريبا من الأصوات الصحيحة، لذلك لا يتطلب الدستور خروج الشعب المصري كافة حتي يزيل الشرعية علي النظام المصري، ولكن يكفي خروج أغلبية هيئة الناخبين المصرية، لنزع الشرعية الدستورية عن النظام المصري بما فيه الرئيس، وإذا طلبت هذه الأغلبية إسقاط الدستور وحل مجلسي الشعب والشوري والمحليات، تكون هي صاحبة هذا الحق ويكون ذلك شرعيا ودستوريا وقانونا ويجب تنفيذه.

ولكن ما حدث يوم 25 يناير وما بعده وحتي تاريخه، هل يعد ثورة شعبية من هيئة الناخبين في مصر، أم أنه مجرد اعتراضات علي سياسات النظام والمطالبة بالإصلاح والتعديل؟ يمكننا القول هنا أن ذلك نقطة الخلاف بين المتظاهرين وبين النظام، ولكن ما هو حكم القانون والدستور بينهما؟ هذا ما نوضحه هنا وهو الهدف من الدراسة.

إن التكييف القانوني والدستوري لما حدث من مظاهرات يوم 25 يناير الماضي ومازال حتي الآن، هو ثورة شرعية لها شرعية دستورية تستند علي وإلي المادة الثالثة من الدستور المصري الدائم الصادر في 11/9/1971م، لأن هذه المظاهرات قامت من هيئة الناخبين كما أن معظم الفئات العمرية من الشعب المصري اشترك فيها، ومعظمهم من الشباب الذين لهم حق الانتخابات طبقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر رقم (73) لسنة 1956م وتعديلاته، لذلك هي ثورة شرعية دستورية يحق لها طلب الطلبات التي أعلنتها المظاهرات والمتظاهرين، لأن قدر إجمالي عدد المتظاهريين حوالي ثمانية مليون شخص علي أقل تقدير وهذا الرقم أكثر من الأصوات التي حصل عليها الرئيس المصري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأن وجهة نظر النظام المصري لا تستند إلي القانون والدستور.

ونرد هنا علي ما يردده النظام المصري من النظر في تنفيذ الأحكام التي صدرت بشأن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وقد بلغت هذه الأحكام حوالي (1200) حكم تقريبا شملت معظم إن لم يكن كافة أعضاء مجلس الشعب ما عدا الأعضاء المعينين، وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما ببطلان الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب تأسيسا علي مخالفتها لقانون الهيئات القضائية وهو قانون أساسي وأيضا الدستور المصري، علما بأن الأحكام الإدارية تنفذ فور صدورها دون حاجة إلي الأنتظار حتي يتم الفصل في أستئنافها، ومن هذه الأحكام ما صدر وختم بالصيغة التنفيذية وطلب تنفيذه بمسودته، أما ما يحاول النظام المصري عمله بالقول بأن محكمة النقض المصرية هي المختصة بالفصل في تنفيذ هذه الأحكام مغالطة قانونية لأن المرشح لم يكتسب عضوية المجلس بعد وأن ما يصدر عن لجنة الانتخابات هو قرار إداري وليس حكم قضائي، كل ما يريده النظام المصري من ذلك الراهن علي عامل الوقت حتي يلتقط أنفاسه التي تقطعت بعد المفاجأة التي تعرض لها من الثورة وقوتها واستمرارها ثم هو يريد أن يدخل هذه الثورة في دوامة الروتين المصري، ويمثلها – علي غير سند من القانون والدستور – إلي مجرد احتجاجات علي تصرفات بعض أفراد من النظام وليس ثورة شرعية دستورية سحبت شرعية النظام المصري كاملا.

لذلك نري أن ثورة 25 يناير هي ثورة شرعية دستورية، سحبت الشرعية الدستورية من النظام المصري كله، وأن الأحكام التي صدرت ببطلان عضوية معظم أعضاء مجلس الشعب بسبب ما شابها من أنحرفات وتزور، فضلا عن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لمخالفتها الدستور وقانون الهيئات القضائية، تجعل مجلس الشعب منحلا دون حاجة إلي تصدي محكمة النقض للموضوع، التي يريد النظام من خلالها استهلاك الوقت المتبقي من فترة حكم مبارك ليس إلا، لذلك نري أن كافة القرارات التي أصدرها مبارك من يوم 25 يناير الماضي حتي تاريخه غير دستورية وغير قانونية لأنها صدرت من موظف غير مختص لأن الثورة سحبت منه الشرعية لذلك فهي قرارات منعدمة أي باطلة بطلانا مطلقا، لا يجوز الاتفاق علي مخالفتها من قبل أطراف العلاقة وهم هنا الشعب المصري ممثلة في هيئة الناخبين وبين النظام المصري كله من الألف إلي الياء.

لذلك يجب تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا الحكم خلال الفترة الانتقالية طبقا للمادة (84) من الدستور والتي نصت علي (فـى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشـرط ألا يرشـح أيهما للرئاسة، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه فـى الفقـرة الثانية من المادة 82. ويعلن مجلس الشعب خلو منصب رئيس الجمهورية. ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة.).

كما أن إحالة بعض الوزراء للمحاكمة وعلي رأسهم وزير الداخلية السابق دون غيرهم، المعروف أن المسئولية تضامنية لمجلس الوزراء وأن المسئولية ليست فردية للوزراء، وهذا متفق عليه في القانون، لذلك فأن هذه الإحالة يجب أن تشمل مجلس الوزراء كافة وليس البعض دون البعض، لأن ذلك يعد مخالفة قانونية ومحاباة البعض دون البعض

في النهاية نري أن ما يتمسك به المتظاهرون والقائمون بالثورة الدستورية تستند إلي الدستور والقانون، وأنها قامت علي الشرعية الدستورية، ونري ايضا بطلان كافة القرارات التي أصدرها مبارك بعد يوم 25 يناير الماضي باطلة بطلانا مطلقا أي منعدمة، لأنها من موظف عام غير مختص تم عزله الثورة الشرعية التي سحبت منه المنصب، لذلك لا يجوز الاتفاق علي مخالفة ذلك من قبل أطراف العلاقة وهم هنا الشعب ممثلا في هيئة الناخبين والنظام المصري، ونري وجوب محاكمة القتلة الذين أراقوا دماء الشباب حماية للنظام، ونري محاكمة كل عناصر النظام المصري السابق وعلي رأسهم الرئيس المصري هو وعائلته، طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المواد من الخامسة إلي الثامنة، وطبقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد والاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد، وطبقا لقانون العقوبات المصري رقم (95) لسنة 2003م الكتاب الثاني والمواد (230 232) وأن يقدم تنازلا عن كافة أمواله العينية والنقدية هو وعائلته الموجودة في مصر أو خارجها.

*الدكتور مصطفى أحمد أبو الخيرهو رئيس المجلس الإستشاري للجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان (راصد( وأستاذ في القانون الدولي العام



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه