شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1939-03-18
 

حماية تركية

أنطون سعادة

يطالع القارىء، في ملخص البرقيات، خبراً يتعلق بنيات تركية ومراميها في سورية. وهذا الخبر القائل إنّ تركية عزمت على التدخل في المسألة السورية تدخلاً قوياً "لحمل فرنسة على تصديق المعاهدة ولتقديم المعونة المخلصة للشعوب الشرقية" هو من أخطر الأنباء المتعلقة بمطامح الأمة السورية ومصيرها.

إنّ اللهجة التركية الجديدة ليست من الشؤون الكلامية الخيالية، بل من شؤون السياسة العملية الخطرة الدالة على استفحال الخطر التركي على سورية، الذي دلّ عليه سعاده في خطابه في حفلة افتتاح النادي الفلسطيني في الجامعة الأميركانية في أوائل سنة 1933، ومنذ تلك السنة والحزب السوري القومي يراقب تطورات السياسة التركية ومسائل الحدود الشمالية وموقفه الشديد، فيما يختص بمسألة لواء الإسكندرونة مشهور.

لا يمكن إدراك حقيقة الخطر التركي على سورية إلا لمن يراقب بدقة حركات الدعاوة التركية في الوطن كما تفعل دوائر الحزب السوري القومي المختصة، التي جمعت من التقارير عن هذه الدعاوة إخبارات ضخمة. وفي صدر هذه الدعاوة ما قام به السيد جميل مردم رئيس الوزارة السابق. الذي أعطى شركة د.ن.ب. الألمانية تصريحات مدهشة في هذا الصدد، أولها تصريحه الرائع: "إذا كان الأتراك يعدّون مصطفى كمال أبا الترك فأنا أعدّه أبا الشرق"! وهذا التصريح عاد السيد مردم فأيده بتصريح ثانٍ للشركة البرقية عينها قبيل سفره الأخير إلى فرنسة إذ قال: "مهما يكن من أمر لواء الإسكندرونة فهذا لا يمنعنا عن طلب توثيق أفضل العلاقات مع جارتنا التركية"! و"الكتلة الوطنية" تؤيد كل التأييد هذه التصريحات المروجة للدعاوة التركية، التي يعلنها في عدة مناسبات رئيس حكومتها.

ومن أهم شركات الترويج للدعاوة التركية شركة فخري البارودي، التي تقوم على إدارة ما سموه "المكتب القومي العربي". فإن هذا المكتب يعمل بكل قواه إثارة المشاكل العنصرية في سورية بحجة تأييد "العنصر العربي"، كما فعل في قضية لواء الإسكندرونة، ولتنفير العناصر التي يعدّها "شذاذ آفاق"، (عاملاَ) دائماً على التفسيخ السوري القومي وتقطيع أوصال الوحدة السورية القومية، حتى إذا تقدمت تركية في سورية، تجد أمامها شعباً متخاذلاً، مفسخاً بين "عرب" وفينيقيين وأكراد وشركس وأرمن وآشوريين وآراميين، بدلاً من أن تجد أمة واحدة هي الأمة السورية الموحدة الروحية والعقيدة، المستعدة لمقاومة كل طمع وكل غزو.

ويزداد الخطر التركي، بازدياد الدعاوات الأجنبية الأخرى، التي أخذ عمالها يتسابقون على تفسيخ ذهنية الشعب وتوجيهها لخدمة المصالح المتضاربة التي يعملون لها. ويجد المراقب هذه الدعاوات متفشية في جميع أوساط الشركات السياسية الوطنية، التي مثـّل حكومتها السيد جميل مردم، ما عدا الحزب السوري القومي الذي تنبه باكراً للدعاوات الأجنية فألقى زعيمه خطاباً حذّر فيه أعضاء الحزب من خذخ الدعاوات وقال عبارته: "إننا لانعترف بمبدأ الدعاوة الأجنبية. يمكن للدعاوات الأجنبية أن تتفشى في فوضى الأحزاب الوطنية ولكنها متى بلغت إلى السوريين القوميين وجدت سداً منيعاً لا تنفذ فيه."

وتشتد الدعاوة التركية في الأوساط الذي لا يزال الدين عالباً عندها على القومية، فعمّال الدعاوة التركية يبثون أفكارهم في الطبقات الإسلامية غير المثقفة مغررين بها وحاملينها على الاعتقاد إنّ تركية هي الدولة الوحيدة التي تستطيع حماية المسلمين و "الشرقيين" من طغيان الغرب. وهذه الدعاوة راجت كثيراً في طرابلس وبيروت فضلاً عن حلب وغيرها من مدن الداخلية وشجعها سياسيون محترفون "دهاة" كخير الدين الأحدب الذي يريد أن يتخذ منها مجرد "نكرزة" على الحكومة التي خلفت عهده المشؤوم.

الظاهر أنّ تركية تريد أن تسير بسورية على غرار اليابان في الصين. فهي تريد أن "تحمي" شعوب الشرق الأدنى من أخطار أوروبة، كما تريد اليابان أن "تحمي" الشرق الأقصى من هذه الأخطار. فتركية القومية العصرية تريد أن تسير على الأساليب العصرية للدول القومية. وهي ترى أن تستفيد من الفرص التي تهيئها لها الشركات السياسية من "وطنية" و"عربية" وغيرخا/ قبل أن تكون الحركة السورية القومية قد تمكنت من انقاذ الشعب من شباكها. فهذه الشركات تعمل ليل نهار، لتحويل بصائر الشعب عن الاهتمام بأمر وحدته القومية إلى الاهتمام بما يحدث في تونس ومراكش ((والكويت)) واليمن، ولصرفه عن الاعتماد على نفسه إلى الاتكال على ما قد يكون، من المحتمل، أن يصدر عن الشعوب العربية.

الخطر التركي خطر عظيم أصبح مداهماً بعد الاستيلاء على لواء الإسكندرونة وتوقيع الاتفاق الفرنسي – التركي الذي ترجّح أوساط الحزب السوري القومي أنه يشتمل على تفاهم سري على تسليم دولة الشام لتركية.


سورية الجديدة، سان باولو، العدد 2، 18/3/1939



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه