شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-09-28 |
الرفيق الراحل الشاعر جرجس طانيوس ابو جودة: من مؤسسي العمل القومي الاجتماعي في ساحل المتن الشمالي |
من السيرة الذاتية للرفيق الراحل الشاعر جرجس طانيوس ابو جودة، التي قدم بها الامين فاروق ابو جودة الديوان الكامل – زجل- لوالده الراحل الشاعر الرفيق جرجس ابو جودة، اخترنا المقاطع التالية، وفيها اضاءة جيدة على بدايات العمل القومي الاجتماعي في منطقة الزلقا – جل الديب (ساحل المتن الشمالي).
هو جريس ابو جودة، وتمييزاً له عن بقية الاسماء المشابهة، دُعي "جريس طانوس"، وعرف بإسم "ابو فاروق" حيث طغى اللقب على الاسم الاصلي. ولُقِّب زجلياً "بالبلبل"، على غرار ما كان شعراء الزجل يطلقون على بعضهم، كالشحرور والحسون والزغلول والكروان... بالرغم من انه كان هاوياً وليس محترفاً، كالزجالين الآخرين الملتحقين بجوقات تمتهن الشعر، لكنه كان يعتلي المنابر في كل المناسبات الوطنية والقومية والدينية والاجتماعية على اختلافها... وُلد (ابو فاروق) في الزلقا – منطقة المتن الشمالي محافظة جبل لبنان، سنة 1908 – والده طانوس بولس "الخوري" ووالدته ندّي ميلان، من بحنّس، (ضهر الصوان). هو سابع العائلة بين اخوته: يوسف "ابو داوود"، بولس "ابو رشيد"، بطرس "ابو جودة"، حنا "ابو نسيب"، وشقيقتيه: فريدة نعمة اللـه "ام شكري" ومرتا شرف "ام الياس". كان والده من المزارعين الملاكين، وصاحب قافلة من "البغال"، الوسيلة الاولى للنقل في تلك الايام. ونتيجة لعلاقاته المهنية، من جهة، والسياسية والاجتماعية، من جهة أخرى، تلك العلاقات التي تخطت حدود المنطقة الصغيرة، الى مجالات اوسع وارحب، وسلّحته بصداقات ذات شأن، تمكن ان يصل بقوافله الى "جبل حوران"، عندما اندلعت الحرب الكبرى في سنة 1914، واشتدت الازمة المعيشية على كل الناس، خصوصاً على اهالي وسكان جبل لبنان، الذين قاسوا شتى انواع الظلم والقساوة والحرمان والجوع... وبفضل فروسيته وشجاعته ومعارفه، انقذ الكثيرين من الموت، لانه كان ينقل الحبوب على ظهور دوابه وبغاله، مغامراً بحياته، ليطعم أهله وعياله وبني قومه. وكان اهل المنطقة، يعلّلون انفسهم ويعِدون بعضهم بعودة "طانوس بولس" من حوران. وعندما كانت قافلته تلوح من بعيد، كان الاهالي يخرجون كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، مرددين: "إجا الفرج؟!، إجا طانوس بولس". وكان "ابو يوسف" يصطحب معه في اغلب الاحيان، اولاده الثلاثة الكبار: يوسف وبطرس وبولس، وفي بعض الرحلات كان يرافقه القبضاي "حنا عاصي" وذلك، لحماية القافلة من اللصوص وقطاع الطرق والدوريات الانكشارية التركية العثمانية، التي كانت تستولي على ما تحمله القوافل لاطعام جيوشها. ماتت والدة الشاعر والاولاد صغار، فتزوج والده ثانية من قنصلية زينون، من بياقوت، التي ربّت العائلة بحنان الام وعطف الوالدة. لم يحصّل "ابو فاروق" من العلم الا النذرَ القليل، لكنه كان قارئاً ومطالعاً واستفاد من علوم ومعارف وحكمة خاله (الخوري موسي ميلان)، المناضل الوطني والساعي للحرية والتخلص من نير الاستعمار التركي لنيل الاستقلال لبلاده، فشرّده الاتراك واضطهدوه واعتقلوه في سجونهم. في هذا الجو الوطني، والعنفوان القومي، والغليان الثوري، عاش الشاعر مع اشقائه وشقيقاته... * تأثّر شاعرنا بالفكر القومي الاجتماعي وتلقّفه، ونهل من معينه الكثير، وأعطته النهضة مجموعة من الافكار والمواضيع فحاكها، وصاغ في المناسبات القومية أجمل القصائد وأحلى الاشعار واروع المنظومات. فبعد زواجه من ميليا ضومط زينون، من جل الديب (1930)، تعرّف على الحزب القومي "السري" آنذاك، على يد شقيق زوجته، يوسف، الذي كان احد مؤسسي اول مديرية للحزب في جل الديب مع عبدو رزق اللـه زينون وميشال الحجل ونهاد ملحم حنا وغيرهم... فانتمى مع زوجته الى الحزب وأقسما اليمين على يد الزعيم سعادة، في بستان الليمون، خلال سنة 1933، مع الكثيرين من ابناء الزلقا وجل الديب، حيث انه لم يَخلَ بيت من بيوت المنطقة الا واقتحمه فكر النهضة القومية الاجتماعية. وكان هؤلاء الاعضاء يجتمعون "سراً" في الليالي الحالكات، على ضوء القناديل او الشموع، في الجنائن والبساتين، هرباً من جنود وعملاء الانتداب الفرنسي الذي كان يحظّر تأسيس الاحزاب، كما كان يمنع تجمعات تضم خمسة اشخاص، حتى كانوا يُخفون سرهم عن اهلهم وجيرانهم والاقربين اليهم. وفي مرويّة عن حادثة غير منتظرة، يُحكى ان الياس ضومط زينون، دخل ذات مرة، غرفة ابنه يوسف، أثناء وجود الاخير خارج البيت، واذ به يتفاجأ بصورة علم حزب "الزوبعة" مرسومة على احد الجدران، فسارع الى معول قريب استعمله لازالة الرسم عن الحائط اعتقاداً منه ان هذا علم النازية!؟. وعند عودة يوسف، طرده والده من البيت، فالتجأ الى اخته ميليا، واخبرها بما جرى مع والده، وأطلعا ابا فاروق على صدق الخبر، وقرروا جميعاً الذهاب للتوسط لدى "ابو يوسف". وذهب الثلاثة الى جل الديب لاسترضاء الاب، ولما وصلوا، وكانوا متهيّبين لما يمكن ان تكون عليه الحال، سألت "ام فاروق" والدها عن سرّ غضبه على شقيقها؟ فانتحى بها الوالد جانباً، وبعد ان تطلّع يميناً ويساراً، وبعد ان تيقّن ان احداً لا يسمعه، قال لها همساً: "خيّك عم يعمل حكومة مع الالمان ورح يخربلنا بيتنا!؟". وبعد شفاعة ام فاروق وابو فاروق، وتعهدهما بألا يسمحا ليوسف بالعمل على تشكيل حكومة "مع الالمان"، صفح عن ابنه وسمح له بالعودة الى البيت. وبعد ان اطّلع "ابو يوسف" على مبادئ الحزب وغايته وعقيدته، اصبح من كبار محبّذيه، كما كانت الحال مع معوض الحجل، "ابو جورج"، والد الرفقاء جان وميشال ومسعد، الذي طلب ان تُعقد كل الاجتماعات واللقاءات في دارته في جل الديب، لا سيما زيارات الزعيم الى المنطقة. وكانوا، كما رووا على اسماعنا، يوقفون احدهم ليراقب المارّين، فيطلق اشارة او صوتاً، عند شكّه بأحد المارة، او اشتباهه بحركة غريبة. وفي غالب الاحيان كان يقف خفيراً، "حمزة" المعروف بـ "حمزة النمّورة"، وصَدْرُ الحلوى أمامه، وكانت العلامة بين المجتمعين سراً، وبينه هي: "دبّر حالك بالربع"، "النمّورة بربع"، فيسارع هؤلاء الى اطفاء الشموع وانتظار الاشارة لاعادة عقد الاجتماع. من المرويات ايضاً، انهم كانوا ينقلون مكان الاجتماع في الليلة الواحدة الى عدة اماكن، لدواعٍ امنية. وفي احد الاجتماعات وصل فجأة زعيم الحزب، انطون سعادة، وكان اكثر الحاضرين لا يعرفونه، فنهضوا وحيّوه التحية القومية، ودعاه مدير الاجتماع ليجلس مكانه، فتمنّع قائلاً له: انت الآن المسؤول الاول فأكمل ادارتك للاجتماع، وتربّع الزعيم مع الآخرين على الارض، اذ لم يكن مُتّسع على كرسي لكثرة الحاضرين وقلة الكراسي. وعند الانتهاء من اعمال الاجتماع طلب الزعيم متطوعاً يحمل بريداً هاماً الى منفذ عام طرابلس، فحمل الرفيق "جريس حنكش" البريد والقى التحية وسار على قدميه الى الفيحاء وأوصل البريد... وانخرط العديد من ابناء عائلات المنطقة في الحزب، وتأسست في نطاق الزلقا – مديريتان. وكان للشاعر دور كبير في ادخال فكر الحزب الى مجمل بيوت المنطقة، لا سيما بيوت اشقائه وشقيقاته وجيرانه ومعارفه، مستفيداً من الارث المعنوي، السياسي والاجتماعي، الذي تركه والده، حيث كان مرجعاً في كل ذلك. ونذكر من المنتمين الى الحزب بعضاً من الاسماء: ابراهيم انطون، وجريس نجيب، ورشيد سريح، الذي عُيّن مدة، منفذاً عاماً للمتن الشمالي، ويوسف رشيد سريح، وكان مديراً لمديرية الزلقا، ونعيم غالب وشقيقاه يوسف وميشال، وحنا طانوس، وداوود ابو جودة، واخوته انطوان واديب، الذي شغل مسؤولية مدير لمديرية الزلقا عدة مرات وكان يعيد تنظيمها بعد كل اضطهاد تتعرض له، لا سيما بعيد الحرب الاهلية بين 1975 و1990، وجهاد (تحمّل مسؤوليات سرية خاصة بعيد الانقلاب 1962) وشقيقته هيام، ورشيد بولس، وجريس الجلخ، وادونيس سمراني، وجوزيف سليم وملحم ماضي وزوجته ليندة، (احدى المناضلات الكبيرات منذ ايام الحزب الاولى وحتى وفاتها)، واشقاؤه جريس وجوزيف واسعد، وكان الاخيران مرافقين للزعيم على دراجتيهما الناريتين، واولاده شوقي وسامي. وكذلك نذكر: نعوم ميلان، وابراهيم وفوزي بطل فيلم (زهور حمراء) ويوسف زينون وشقيقه فهيد، من بياقوت، وعيسى سلوم وشقيقه طعمة واميل غسطين وجريس البشعلاني وانطون يوسف بشعلاني وبطرس سلهب وعيسى ابراهيم وسامي عيسى وغيرهم وغيرهم... * وأنجب "ابو فاروق" عائلة قومية اجتماعية، مؤلفة من ثمانية اولاد: سبع بنات وصبي واحد، وهم: - ماري، زوجة ميشال الحجل – من مؤسسي اول مديرية للحزب في منطقة جل الديب. - الامينة نادية، زوجة الامين مسعد حجل – رئيس سابق للحزب. - الرفيقة عفيفة، زوجة الرفيق يوسف بو سليمان – احد القوميين الابطال، الذين شاركوا في احتلال مخفر المتين، ابان الثورة القومية الاجتماعية عام 1949. - الرفيقة ايزابيل، زوجة الرفيق اديب ابو جودة – مدير لمديرية الزلقا عدة مرات. - الامين فاروق ابو جودة – تزوج من الرفيقة ميليا قرطباني. - الرفيقة فوزية، زوجة يوسف شرف. - الرفيقة ليلا، زوجة ميجال خوري. - الرفيقة فريال، زوجة الرفيق اليان شمّا، من المناضلين القوميين. واعتقل (ابو فاروق) ايام الافرنسيين، بسبب انتمائه الى الحزب القومي، وامضى فترة في سجن "المية ومية" قرب صيدا، اثر وشاية احد العملاء وعلى ذلك قال: الواشي وشِي والحاكم بْسِجْني أَمَرْ وظنّ الوِشي بِوْشايتو عَبَّى الكَمَرْ ان دارتِ الايامْ وْرْجِعْنا سَوا مِنْعلّمَكْ يا زَيْدْ شو بْيَعْمَلْ عُمَرْ كما تعرّض للملاحقة خلال الانقلاب القومي 1961 – 1962، لكن ابن شقيقه ميشال، الصحافي اللامع، استحصل له على ورقة من "المكتب الثاني" تمنع عنه الملاحقة والاعتقال. بعيد اندلاع الحرب الاهلية الدموية 1975، نُسفت سيارته وقُصفت دارته وأُحرقت مكتبته، وسُرق بيته، وتَعرّض للخطف. كما احرق بعضهم مكتبة ابنته الارملة ماري، وكانت مع اولادها الخمسة في الطبقة العليا، ومنع بعضهم سيارات الاسعاف والاطفاء من الوصول لاخماد النار وانقاذ العائلة، باطلاق النار عليها لابعادها عن المكان... لم يتحمّل (ابو فاروق) مسؤوليات عليا في الحزب، لكنه كان مناضلاً مغموراً، تُكلّفه الادارة الحزبية بمهمات صعبة وخاصة، فيقوم بها وينفّذها بصمت ونجاح... بعد ذلك سافر وزوجته الى الكاميرون، وامضى وقتاً هناك ريثما هدأت الامور وتغيّرت الاحوال وتبدّلت الاوضاع... في الكاميرون نظم الشاعر كثيراً من زجلياته الغزلية والوصفية، نزلت تحت باب "كاميرونيات". وعاد الى بلدته الزلقا اوائل الثمانينات، وكان الجيش "الاسرائيلي" موجوداً في كل مكان، وبالرغم من ذلك، كان الشاعر القومي، ينفذ مهمات صعبة تطلبها منه القيادة العليا للمصلحة الحزبية. وبقي في ضيعته، الى ان توفاه اللـه عن عمر ناهز السابعة والثمانين.... وسقطت ورقته الصفراء من شجرة الحياة، نهار السبت 11/ شباط /1995، وأُقيم له مأتم حزبي حاشد نهار الاحد، في كنيسة سيدة النجاة، شفيعة الزلقا. أبَّنَهُ باسم الحزب عميد الاذاعة يومها المحامي الامين جمال فاخوري وألقى الشاعر أنطونيوس بشير قصيدة رَثاءٍ، كما ألقى حفيده الرفيق هشام كلمة العائلة
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |