شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-12-31 |
الاستثناء السوري في الانقلابات العربية ومقومات استمرار النظام |
أدت فعاليات الاحتجاج السياسي الشرق أوسطي إلى زعزعة استقرار كافة العواصم العربية والشرق أوسطية، وذلك بما أسفر عن انهيار النظام التونسي، ثم المصري، ثم الليبي، وبرغم ذلك ما زالت دمشق تشكل الاستثناء الوحيد، ضاربة الرقم القياسي في الصمود برغم استمرار الاحتجاجات لأكثر من عشرة أشهر، وبرغم الضغوط الخارجية الإقليمية والدولية الداعمة للفعاليات الاحتجاجية: فما هي أسباب الاستثنائية السورية، ولماذا نجحت دمشق في البقاء هادئة ومتماسكة في وجه العاصفة السياسية الأكثر خطورة في التاريخ السوري السياسي المعاصر؟ * لماذا بقيت دمشق هادئة ومتماسكة؟ سعت العديد من التحليلات السياسية وتعليقات الخبراء والمراقبين لجهة التوصل إلى إجابة مقنعة للسؤال الحرج القائل: لماذا بقيت دمشق هادئة ومتماسكة في وجه عاصفة الاحتجاجات السياسية المدعومة أمريكياً وفرنسياً وبريطانياً وعربياً بواسطة دول مجلس التعاون الخليجي وأيضاً بواسطة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، والمنظمات الدولية غير الحكومية، إضافة إلى تركيا. وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى المعطيات المتعلقة بنقاط قوة دمشق، كما وردت في العديد من التحليلات والأوراق البحثية الأمريكية والغربية الصادرة بواسطة العديد من مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية المتعددة الاتجاهات والمذهبيات، منها على سبيل المثال لا الحصر: مركز ستراتفور الاستخباري الأمريكي ـ مركز سابان للدراسات الشرق أوسطية التابع لمؤسسة بروكينغز الأمريكية ـ مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ـ معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ـ مركز شاتهام البريطاني ـ مركز شبكة الأمن القومي السويسرية. • الأسباب الداخلية: استعراض التحليلات والدراسات والأوراق البحثية، إضافة إلى تعليقات الخبراء والمحللين، يوضح إلى أن أسباب بقاء دمشق هادئة ومتماسكة، هو بفعل الأسباب الآتية: ـ تمتع دمشق بوجود زخم شعبي كبير مساند لها، وفي هذا الخصوص، تمتعت دمشق بتفوق الزخم الشعبي في العديد من المدن الرئيسية وبالذات في العاصمة دمشق وحلب ثاني أكبر المدن، إضافة إلى اللاذقية وطرطوس والرقة والسويداء، وإضافة لذلك فقد ظلت دمشق تتقاسم الزخم في مناطق الاحتجاجات ويندرج ضمن ذلك على سبيل المثال: دير الزور ـ بانياس ـ إضافة إلى منطقة حمص، بما في ذلك مدينة حمص نفسها. ـ نجاح دمشق في منع حدوث ظاهرة فراغ السلطة، وفي هذا الخصوص لا توجد أي منطقة سورية كبيرة كانت أم صغيرة يمكن القول بأنها خرجت من إطار الشرعية، ووقعت تحت سيطرة قوى المعارضة، على غرار ما حدث في منطقة بنغازي الليبية التي نجحت المعارضة الليبية في فرض سيطرتها الكاملة عليها. ـ استمرار قوة التماسك المؤسساتي في أوساط المؤسسة العسكرية والأمنية والشرطية، وحتى الآن لم تظهر بوادر أي انشقاقات إضافة إلى عدم وجود أي مظاهر تفيد لجهة قابلية حدوث أي انقسامات، أو حتى أي عصيان أو تمرد على سلطة الدولة السورية. ـ تماسك أجهزة القطاع العام والقطاع الخاص، وفي هذا الخصوص لم تشهد أجهزة القطاع العام أي عمليات إضراب أو تسيب أو انفلات عن دولاب العمل الرسمي، ونفس الشيء بالنسبة لدوائر القطاع الخاص، حيث لم تظهر حتى أي بوادر أو حتى رغبة لجهة الانخراط في مظاهر الإضرابات أو العصيان أو الامتناع عن مزاولة الأعمال اليومية. ـ تماسك النسيج الاجتماعي السوري بما أدى إلى تماسك القوام المجتمعي، وبسبب نفور السوريين من أساليب إثارة التمييز الطائفي والكراهية الطائفية والدينية، فقد فشلت كل محاولات تقسيم النسيج الاجتماعي السوري. إضافة إلى أن هذه المحاولات دفعت إلى المزيد من تضامن وتماسك السوريين. ـ قيام دمشق منذ الوهلة الأولى لجهة إعلان الموافقة على إجراء الإصلاحات إضافة إلى مطالبة الجميع بالجلوس إلى طاولة الحوار كسبيل آمن من أجل تحقيق الإصلاحات والحفاظ على سلامة الوطن، وبرغم إصرار رموز المعارضة على رفض الحوار، فإن موقف دمشق أدى إلى نتيجتين هامتين، الأولى قيام بعض الأطراف المعارضة بقبول الحوار والتفاهم، والثانية تحييد جزء كبير من القاعدة الشعبية التي رأت بأنه لا معنى للعنف والمواجهات طالما أن الحوار والتفاهم ممكن. ـ قيام دمشق منذ وقت مبكر باعتماد التدابير اللازمة لجهة التحسب والتحوط لاحتمالات مواجهة العقوبات المتعددة الأطراف، والضغوط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. • الأسباب الخارجية: بسبب أهمية سوريا الإستراتيجية، فقد تفاعلت العديد من العوامل الخارجية لجهة التأثير في مجريات مفاعيل ملف الاحتجاجات السياسية السورية، وفي هذا الخصوص، وباستعراض الدراسات والتحليلات والأوراق البحثية وتعليقات الخبراء والمحللين والمراقبين، نشير إلى الآتي: ـ تأثير عامل الحسابات الإستراتيجية الدولية: على خلفية قيام أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن بإنفاذ سيناريو التدخل الدولي في ليبيا ضمن صيغة شكلت انتهاكاً صارخاً لمضمون ومحتوى بنود القرار الدولي 1970 والقرار الدولي 1973 المتعلقان بالوضع الليبي، فقد سعت موسكو وبكين لجهة الوقوف بحزم في مواجهة محاولات مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة القيام بتدويل ملف الاحتجاجات السياسية السورية على غرار ما حدث في ليبيا، إضافة إلى إدراك موسكو المتزايد بأن نوايا واشنطن وباريس ولندن إزاء الملف السوري، تتجاوز واقع الحدث السوري باتجاه إنفاذ مشروع أكبر تستهدف سيناريوهاته أمن المصالح الحيوية الروسية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى بما يتجاوزه وصولاً إلى القوقاز وآسيا الوسطى. ـ تأثير عامل الحرب النفسية: سعت بعض القنوات الفضائية الخليجية والأجنبية، وبالذات البريطانية والفرنسية، لجهة الانخراط في فعاليات الحرب النفسية ضد دمشق، وفي هذا الخصوص سعت إلى بث ونشر الأخبار الكاذبة والمشاهد المغلوطة المفبركة، الأمر الذي أتاح بالمقابل المزيد من الضربات الموجعة التي تلقتها أطراف محور الحرب النفسية الإعلامية ضد دمشق، وحالياً، يمكن الإشارة إلى أن الإعلام السوري أصبح الأكثر مصداقية في مسرح المواجهة النفسية ـ الإعلامية. ـ تأثير الخروج الأمريكي من العراق: كان واضحاً منذ البداية أن دخول محور واشنطن ـ باريس ـ لندن على خط ملف الاحتجاجات السورية، كان يرجع في جزء كبير منه إلى توفير الذرائع لجهة تأجيل الخروج الأمريكي، أو بالأحرى إشعال الساحة السورية بما يتيح نقل القوات الأمريكية من العراق إلى سوريا. وحالياً ، وبعد الخروج الأمريكي من العراق، فإن موقف دمشق الإقليمي اكتسب قوة أكبر على أساس اعتبارات حسابات المهددات والمخاطر العسكرية الإقليمية. ـ تأثير انكشاف الجامعة العربية: سعت جامعة الدول العربية لجهة التخلي عن مبادئ النزاهة والشفافية في العمل العربي المشترك، وبرز الأمر بوضوح أكبر من خلال قيام الجامعة العربية بدور (السمسار الذكي) الذي يعمل لصالح أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، عن طريق لعبة الكيل بمكيالين واستخدام المعايير المزدوجة. وبالذات إزاء ليبيا وإزاء اليمن وإزاء البحرين. وفي هذا الخصوص فقد سعت دمشق إلى التدقيق الفاحص أكثر فأكثر في فعاليات الجامعة العربية إزاء سوريا. ـ تأثير عامل نظرية المؤامرة: كشفت الوقائع الجارية عن حدوث عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى داخل سوريا إضافة إلى تزايد عمليات إدخال المتطرفين وعناصر تنظيم القاعدة وعناصر أجهزة المخابرات التابعة لخصوم دمشق الدوليين والإقليميين، الأمر الذي أدى إلى انتباه الرأي العام السوري إزاء معطيات التآمر الخارجي، وما أثار حفيظة الرأي العام السوري، تورط بعض دول الجوار الإقليمي ودول مجلس التعاون الخليجي (الشقيقة) في ذلك. لعبت جميع هذه الأسباب الخارجية والداخلية، دوراً هاماً في تعزيز قوة دمشق ورفع طاقة قدراتها الذاتية لجهة المزيد من التماسك القوي في مواجهة عاصفة أزمة الاحتجاجات السياسية. وإضافة لذلك، فقد لعبت فعاليات المؤامرة الخارجية الدور الأكبر في ردع نمو حجم الاحتجاجات ومنعها من الانتشار، وبكلمات أخرى، تقول سخرية القدر أن فعاليات قناة الجزيرة وقناة العربية في بث المعلومات غير الصحيحة والمشاهد المفبركة لم تحقق هدفها المنشود لجهة إضعاف دمشق وتعزيز زخم الاحتجاجات، وإنما على العكس من ذلك فقد أدت إلى إضعاف الاحتجاجات وتعزيز قوة دمشق!
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |