شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-05-31 |
الأمـيـن مـيـشـال نـبـعـة : ثــقـافـة الالـتـزام والـمـواجـهـة |
كثيرون منا، نحن الذين عايشنا الأمين ميشال نبعة، فناناً مسرحياً، كاتباً، ومسؤولاً مركزياً في الحزب، يذكرونه بعد مرور ما يناهز الـ "16 عاماً" على رحيله، مناضلاً صادقاً، متواضعاً، دمث الخلق ومجسداً لفضائل النهضة القومية وقيمها. الأمين ميشال نبعة، كان واحداً من الكبار الكبار. حضوره في المسرح كان طليعياً، وفي الحزب كان قدوة مشعّة، وهو الذي اتخذ من الحزب عائلة وحياة، فأعطاه بصدق والتزام، ولم يعرف غيره إيماناً وقضية وصراعاً وعطاءً. عرفته جيداً خلال مسيرة نضاله في الحزب، وتعرفت عليه أكثر من خلال ما كتب وما قيل عنه من قبل عارفيه وأصدقائه ومحبيه، الذين أضاءوا على حقيقة ما جسّد في حياته من فضائل الإلتزام النهضوي. الأمين ميشال نبعة واحد من رجالات النهضة الكبار الذين سكنوا ذاكرة الحزب والنهضة، ومثل هؤلاء الكبار يستحقون التكريم عبر إعادة كتابة سيرهم النضالية الحافلة بالتضحية، سعياً وراء تحقيق الأهداف الكبرى. ونحن إذ نتذكر الأمين ميشال نبعة، نستحضر ما قيل فيه وعنه على لسان أدباء ومثقفين وفنانين ممن عاصروه في مسيرة النضال والفن والعطاء:
الممثل أنطوان كرباج: عرفت ميشال نبعة كصديق، وكإنسان، كان دمث الخلق، متواضعاً بشكل ملفت، يدافع عن رأيه بشراسة، وكان صعباً في الجدال، صعباً مع الآخرين ومع نفسه أيضاً، وهذه ميزة أخرى تضاف إلى ميزاته. ميشال خسارة فنية وثقافية كبيرة، والمؤثر أنه كان مثقفاً على غير ادعاء، وفناناً من غير تبجح، وأكبر دليل على ذلك أنه إذا سئلت عن اسم ميشال نبعة في لبنان، فقلة من أصدقائه تعرفه فقط، وهذا مؤسف.. هذا الرجل، هذا الإنسان، على رغم كل مظاهر الفرح والسخرية التي كان يتمتع بها حتى في أحلك الظروف، كان غريباً في هذا العالم، وحمل غربته حتى آخر حياته.
الكاتب طاهر مصطفى: لم يكن ميشال نبعة مجرد ممثل بارع ومخلص لقضيته المسرحية، بل كان مثقفاً. ومقالاته التي دأب على كتابتها في مجلة "البناء" في السبعينات كانت أشبه بالإطلالات النقدية التي ترافق الحياة السياسية والثقافية فتضيء مزالقها وتشق طريقها نحو الأفضل.. كان ميشال نبعة مثالياً كل المثالية، صاحب أخلاقية عالية ومناقبية نادرة. وقد رسخ انتماؤه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ثقافته ووعيه السياسي والتاريخي وأمدّه بصفاء فكري ورؤية واضحة ، فكان علمانياً بامتياز ومعاصراً وأصيلاً ومتبصراً ومنفتحاً على المستقبل. وكما عاش نبيلاً وأعطى الفن والثقافة بسخاء، مات نبيلاً بين رفاقه الذين كانوا له العائلة والبيت العائلي.
الفنان التشكيلي الرفيق أمين الباشا: كان ميشال نبعة قدوة في كل أعماله وتصرفاته، وأخلاقه مميّزة برقيّها، لقد تربى في مدرسة الحياة التي أضافت إلى فضائله مجموعة فضائل أخرى. لم يطلب شيئاً لنفسه، عاش لغيره، كان يساعد الجميع مع حاجته الماسة للمساعدة، لهذا قلت: إنه قدوة. خسرت صديقاً، والصداقة نادرة، صديق بلا شروط. بل قل خسرناه، كان استراحة زيارة.. وراحة.
الكاتب والصحافي بول شاوول: ميشال نبعة، الأنيق، المرهف، الشفّاف، المنفتح، المناضل المتماسك، الوفي لمبادئه وأفكاره وطريقه، الفنان النابض بالطليعة، رحل هكذا وكان يعلّمنا دروساً في الانتماء الأصيل، في زمن الارتدادات والتنكر والنسيان.
الأديبة ليلى عسيران: اخترق العادات ببساطة وبتواضع هو المختفي كالنسيم، الحاضر كالوهج... عرفته على مسرح الفن الراقي... وفي شوارع بيروت الفارغة من الرقي أيام الحرب.. كان مجرّد وجوده أملاً بعودة الرقي والمثل.
الموسيقار الياس الرحباني: كان فناناً أصيلاً ومحباً، وإنساناً حقيقياً.. كان مفكراً وقيادياً ناجحاً.. وموته موت لجانب مهم في حياة المسرح.
الممثل والمخرج المسرحي ريمون جبارة: عاش كالزنبقة، وفياً لفنه ، وفياً لعقيدته، وفي الاثنين ما تلوّن ولا تنازل، بعيداً عن جعجعة التافهين.. وهو، كما فيليب عقيقي. كما عصافير القصة، اختبأ في عشه ومات.
الممثلة لطيفة ملتقى: عرفته ممثلاً كبيراً جيداً.. وفناناً عظيماً. عشنا معه عمراً لا يمكن أن ننساه.. كان صاحب خلق نادر.. ورؤية لمسرح حقيقي، رحيله خسارة ولا يمكن أن ننساه.
الناقد والصحافي نزيه خاطر: ميشال نبعة مثقف دون عرض عضلات، محازب فاعل وحاضر وكريم. فنان ببساطة الأصيلين، ممثل بالنجاح الخصب الذي تتوازن فيه الحالة وصياغاتها. ومخرج بذكاء يصوّر وإحساس يتقشف وخيال يخمّر. هو في الدرجة الأولى ما حيّد نفسه مرة عن أماكن صراع أو عن أطر حوار إذ مارس محاورة الآخرين ركيزة فوارة للتأسيس لمجتمع عنيد صلب.
وقال عنه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين علي قانصو: في تجربته المسرحية كان مبدعاً بشدّ الفن إلى القضية، ويراه منارة تضيء الطريق. في تاريخه الحزبي كان كبيراً.. رفيقاً وأميناً وعضواً في المجلس الأعلى. رئيساً لمجلس العمد.. مثّل الأمانة بأبهى معانيها. كان إبداعاً في الإدارة الحزبية وفي الإعلام والثقافة والفن، والرابط بين كل هذا عنده نظرة حزبه الجديدة إلى الكون والحياة والفن. والرابط التزامه الصادق بالصراع من أجل انتصار هذه النظرة. * الرفيق خليل الوزير: كان رافق الأمين ميشال نبعة خلال توليه مسؤولية "دار فكر"، وكان الأكثر اهتماماً به في فترة مرضه فانتقاله إلى مستشفى السيدة في انطلياس، له هذه الشهادة بالأمين ميشال ننقلها بالنص الحرفي: "كان الأمين ميشال نبعة التجسيد الحقيقي لإنسان سعاده العظيم الذي نفتقده كثيراً، صديقاً صدوقاً، وصادقاً في تعاطيه وتعامله مع الجميع، هو من إذا سار في الشارع يشار إليه بالبنان ويقال هذا سوري قومي اجتماعي، ليثبت مقولة الزعيم بالفعل. كان متميزاً بدماثة خلقه وتواضعه وطيبته التي لا حدود لها، قوياً صلباً ولطيفاً ناعماً في آن، ملؤه النشاط والحيوية.
كان الأمين ميشال متفانياً في الحزب. كل همه أن يصل الحزب وأفكاره إلى أكبر شريحة من الناس، بحيث لم يكن يفوّت أي معرض للكتاب إلا ويشرك دار فكر للطباعة والنشر، التي كان مديراً لها، في المعرض، وكنت في بعض المرات أحاول ثنيه عن الاشتراك لأن ليس لدينا من جديد لنعرضه ولا مجال للاستفادة من العرض بل هي مصروف إضافي، فكان دائماً يقول لي: لا يهمني يا رفيقي البيع والربح بقدر ما يهمني وجود اسم الحزب في جميع المعارض ليبقى اسمه دائماً في ذاكرة الناس ولنقول لهم بأننا موجودون في كل مكان.
عرفته قبل مرضه الخبيث دائم الحركة لا يهدأ. لم يكن يحب ركوب المصعد مهما علت الطوابق لأنه كان يشعر أن المصعد يؤخره فيصعد الدرج راكضاً، لا تهمه المظاهر الكاذبة لأن الإنسان ليس بمظهره الخارجي بل بما في داخله، يكره ربطات العنق والبدلات وكان يقول: ان البنطلون الجينز يعطيه حرية الحركة، الأزياء الرسمية تقيد الإنسان وتشل حركته.
سألته عن سبب عدم زواجه وتأسيس عائلة تحضنه وهو العازب الدائم، فكان الجواب بأن ليس لديه الوقت ليعطيه للعائلة ومشاكلها ولأن الحزب كان مسيطراً على كل وقته وحواسه فلا يريد إضاعة ولو جزء يسير في رعاية وتربية الأولاد.
إلى أن جاءه ذلك المرض الخبيث، فدأب على العلاج الكيميائي ولفترة غير وجيزة. وبما أنني كنت أعمل معه في " دار فكر للتوزيع والنشر " وكان مديرها، وكذلك رئيساً لمجلس العمد في الحزب، لم يترك اجتماعاً أو جلسة للمجلس تفوته أو يتأخر عن إدارة دار النشر التي كان يعتبرها جزءاً كبيراً من حياته.
وبسبب المرض الذي ألم به تعطلت يده المنى وقدمه، ولم يقتنع بالرغم من جميع المحاولات بحمل عصاً أو عكازة لتساعده. ففي الفترة الأولى بقي مداوماً على قيادة سيارته للذهاب إلى بلدته الشوفية جون، وحاولت كثيراً إقناعه بأن أقود السيارة عنه ومساعدته فكان يرفض ذلك بشدة. وكان منزله في جون على وشك الانتهاء من الترميم والتوسيع إلى أن قوي عليه المرض فأصبحت أرافقه إلى المنزل المؤلف من طابقين الطابق الأول غرف النوم والمنتفعات والطابق الأرضي كان مقرراً لأن يكون صالة ومكتبة حزبية.
بعد أن ثقل المرض عليه أصبحت أنا عكازته لأنه كان يكره ويرفض حمل العكازة وأقام في غرفة في مركز الحزب. كنت أحمل له فطوره وعشاءه يومياً وأدخله إلى الحمام وأعتني به كطفل صغير إذ كان أصبح عاجزاً ولم يعد يقوى على عمل أي شيء فتأثر كثيراً من الوضع الذي آل إليه وطلب نقله إلى مستشفى السيدة في انطلياس ليلقى هناك الرعاية الطبية والعناية الجيدة على أيدي الراهبات والعاملين في ذلك المستشفى حيث كانت أمضت شقيقته آخر أيامها فيه.
دأبت على زيارته يومياً والبقاء معه أطول فترة ممكنة وكان دائماً يسأل عن دار النشر وعن المسؤولين وعن كل شيء في الحزب.
بقي الأمين ميشال حتى آخر لحظة من حياته قوياً متماسكاً وفي كامل وعيه مع أنه أصبح عاجزاً عن الحركة والنطق كلياً، وافته المنية صباح يوم السبت 28/12/1996 ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه جون بعد وداع مؤثر جداً من راهبات المستشفى والعاملين وأخص بالذكر رئيسة الدير والمستشفى الراهبة أرزة الجميل لأن وداعها له كان مؤثراً جداً، وسار الموكب وسط حشد كبير من الرفقاء، وأهالي البلدة بعد أن مرّ أمام مركز الحزب في رحلة وداع أخيرة إلى مثواه الأخير.
ويوم الاثنين 6 كانون الثاني 1997 تقبلت القيادة الحزبية التعازي بوفاته في قاعة النهضة في منطقة البريستول (قاعة الشهيد خالد علوان حالياً) وفي الذكرى السنوية الرابعة لرحيله، وبرعاية وزير الثقافة والتعليم العالي الأستاذ محمد يوسف بيضون أقيم احتفال تكريمي في الساحة العامة لبلدة جون، تكلم فيه، إلى وزير الثقافة، الفنان أنطوان كرباج، جورج جاويش (عن بلدة جون)، عميد الثقافة في الحزب الأمين يوسف كفروني، وقدمت المناسبة الأمينة نضال الأشقر.
تحّول الطابق الارضي من منزله الى مكتبة عامة لبلدة جون بعهدة بلديتها. * نـبـذة تميّز الأمين ميشال نبعة في المسرح، ممثلاً ومخرجاً، وهذه بعض أعماله قبل أن يغادر الخشبة أميراً في السبعينات بعد أن أحسّ أن المسرح لم يعد الفضاء الأصفى الذي شاء، وبعد أن لعب أدواراً مهمة في معظم المسرحيات خلال الستينات: "مكبث" لشكسبير 1962 دور "بنكو". "الذباب" لسارتر 1963 دور "إيجيست". "الإزميل" لأنطوان معلوف 1964 دور "زاد". "هاملت" لشكسبير 1964 دور "هاملت". "الملك يموت" ليونسكو 1965 دور "الحارس". "فاوست" لغوتيه 1966 دور "فيسكو". إعادة "هاملت" في مهرجان بعلبك 1967. "الديكتاتور" لعصام محفوظ 1968 دور "سعدون". في بداية السبعينات مثّل مع الرحابنة في مسرحية "يعيش يعيش". ومثّل مع الأمين رضى كبريت في مسرحيته "الستارة" وقد نالت الجائزة الأولى في مهرجان دمشق سنة 1973.
مـسـؤولـيـات حـزبـيـة في الحزب تولى مسؤوليات قيادية كان فيها ممارساً بصدق وشفافية وتواضع ورقي، وبوعي صميمي لقضية الحزب وغايته، منها: رئيس مجلس العمد لعدة مرات. عضو المجلس الأعلى. عميد الإذاعة والإعلام.
مـهـام إعـلامـيـة مدير تحرير مجلة "فكر". مدير عام مجلة "البناء".
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |