شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-07-11 |
في مواكب النسور |
كتاب يجدر بك قراءته
الكتاب الثاني للأمين مصطفى الشيخ علي " في مواكب النسور"، هو ككتابه الأول "هذا ليس كل شيء"، كتاب ممتع، ان انت بدأت بقراءته فلن تتوقف الا عند آخر كلمة فيه، وأنت ترجو لو ان صفحاته بالآلاف وقراءته لا تنتهي قبل جيل. الكتاب غنيّ بالمعلومات، شيّق، صادق وحقيقي، وهو يستحق ان يُكتب عنه الكثير. من " في مواكب النسور " هذه الاطلالة على أمين فذّ، مثاليةً ونهجاً نهضوياً ورقياً في التعاطي، الى كونه أديباً وشاعراً ومثقفاً، هو الأمين حسن ريدان. ** كانت زوجتي في زيارة لأهلها في لندن، الأمر الذي دعاني للتوقف يومياً في مقهى بفندق لآل الجوهري في منروفيا، قبل ذهابي الى البيت. لحينه لم يكن لي أي علاقة اجتماعية تجمعني بأي من المسؤولين الحزبيين، بل كانت علاقتنا مقتصرة على التعاطي الحزبي الرسمي. وتأثري بهم كان تأثراً حزبياً عقائدياً فكرياً اخلاقياً ووجدانياً. التقيت في المقهى ثلاثة شبان أميركيين، كنا نتجاذب أطراف الحديث عندما سألني أحدهم: من أين أنت؟، قلت: أنا من لبنان. فصرخ آخر: آه أنت من بلد جبران خليل جيران إذاً. قلت وبكل فخر واعتزاز: نعم. ثم راح كلّ منا يدلو بدلوه عن أدب وفلسفة وأسلوب جبران. في عز النقاش دخل المقهى الأمين حسن ريدان، كنت أعرفه، إذ شاهدته مرة أو مرتين من ذي قبل، فالأمين حسن كان زائراً في ليبيريا وليس مقيماً. لكن مميزاته كانت تترك اثراً كبيراً في كل من يلتقيه، يصعب معها نسيانه. اناقته وهو في منتصف الستينات من العمر، ثقافته الواسعة تفرض الإصغاء إليه وتشدك بغضّ النظر عن ميولك السياسية أو الثقافية. ثم تاريخه الحزبي الذي يشهد على حنكته وقدراته القيادية. جلس يصغي باهتمام شديد الى أربعة أجانب يتحدثون عن جبران، فهو لا يعرفني ولا يبدو أني لبناني من حيث الشكل. طبعاً كنت اود أن أقدم نفسي إليه معرّفاً، لكني آثرت أن أفعل ذلك بعد الحوار، أو بعد ان يخلو لنا المجلس. بالتأكيد أخذ دوره في الحوار، وكيف لا يفعل ذلك وهو أمين في الحزب – وبكل ما يعنيه لنا جبران من الناحية الفكرية والوطنية والقومية – وأستاذ لغة انكليزي في مدارس دمشق وبيروت. واخيراً، غادر الأميركيون بعد أن شكرونا على الحوار الجميل والمعلومات الأجمل، وبقينا وحدنا. نهضت من مكاني واقتربت منه لأعرّف بنفسي، لكنه عاجلني بحوار آخر، فارتبكت وأكملت التحدث معه بالانكليزية. ثم سألني: من أين أنت؟ لكنع علّق قبل أن أجيب: لكنتك الانكليزية جداً محيّرة، هل أنت من احدى الدول الاسكندنافية ؟ قلت: أنا الرفيق مصطفى الشيخ علي، تابع لمديرية منروفيا الاولى في منفذية ليبيريا العامة. قال: إذن أنت تعرف من أنا منذ دخولي هذا المكان ! قلت: طبعاً. قال: وبالرغم من ذلك لم تعرّف عن نفسك. قلت: أرجو ان تعذرني على ذلك، أردت الاستفادة من وجودك بالحوار الذي كان قائماً مع الاميركيين، واعتقدت بأن تعارفنا كان ممكناً أن يفسد الحوار العفوي معهم. طلب أن يلتقيني بحضور المنفذ العام الرفيق فؤاد صعب في صباح اليوم التالي، ليؤنبني ويشيد بمعلوماتي وثقافتي العامة.
كنا نلتقي كل يوم تقريباً خلال فترة وجوده في ليبيريا، ونتحدث بكافة المواضيع الثقافية.. فكان أول المشجعين لي للمثابرة على تثقيف نفسي.
وذات مرة روى لي هذه الحادثة: " كنت وزوجتي في زيارة الى لبنان لقضاء عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة 1961-1962، وحصلت حينها المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الحزب. وبدأت الاعتقالات بالجملة والمفرق. جلست في البيت أنتظر حضورهم لاعتقالي، بالرغم من قناعتي ببراءتي. فأنا مقيم في سيراليون منذ سنوات، ووجودي في لبنان كان محض صدفة في هذا الوقت بالذات. لكن التعسف كان سيد الموقف، عوضاً عن كوني أميناً في الحزب ومعروفاً بانتمائي والتزامي. لكن حقيقة الأمر تبقى بأني لم أكن مشاركاً في الانقلاب أو حتى على علم به. انتظرت بضعة أيام في المنزل، فلم يحضر أحد لاعتقالي. فازدادت قناعتي يوماً بعد يوم بأنهم لا يبحثون عني. بناءً عليه حجزت مقعدين على أول طائرة الى سيراليون. بقي الافتراض الأقوى أن أُعتقل في المطار لدى مرورنا بالأمن العام. لكن شيئاً من هذا لم يحصل، فصعدنا الطائرة وتنفسنا الصعداء. لسبب ما تأخر الاقلاع، وهذا التأخير كان مصدر ازعاج وتساؤل جميع الركاب، فعاد الينا بعض القلق. فجأة رأينا بعض رجال قوى الأمن في الطائرة، وكانوا يتقدمون باتجاهنا.. الى أن وصلوا الينا، فسألني أحدهم إن كنت الاستاذ حسن ريدان ؟ قلت: نعم. قال: تفضل معنا. أخذوني مباشرة الى المدينة الرياضية، حيث كانوا يجمعون المعتقلين هناك بعد أن امتلأت بهم السجون. تبين لاحقاً أنهم اعتقلوا شخصاً يدعى حسن ريدان، يعمل في احدى محطات البنزين. هذا كان سبب تأخرهم باعتقالي.
أحضروا معتقلاً شاباً بهي الطلعة، وسيم الوجه بالرغم أنه تعرض للضرب، فآثار بعض اللكمات كانت واضحة على وجهه إذ تركت بعض الجروح. أثارني بكاؤه، فاقتربت منه ورحت اطيّب خاطره وأرفع من معنوياته، لكنه ازداد بكاءً وهو يردد " أنا لست حزبياً، أنا لست منكم " فأجبته بأن الكثير من المعتقلين ليسوا حزبيين، فلا بد أن تظهر الحقيقة وتخرج سالماً بإذن اللـه. هدأ روعه، وعاد اليه بعض الهدوء. في اليوم التالي نادوا عليه، وخرج برفقة رجلين من الأمن. لكنهم أعادوه بعد أن برّحوه ضرباً، وعادت جروحه تنزف من جديد، وعدت أنا أطيّب خاطره وأرفع معنوياته. وعاد يكرر " أنا لست حزبياً، انا لست حزبياً " وبعد أن هدأ بعض الشيء، راح يخبرني أنه في كل مرة يطلبون اليه الاعتراف بانتمائه للحزب، فينكر التهمة، فيشبعونه ضرباً وهكذا دواليك... وفي اليوم الذي تلاه، نادوا عليه مجدداً واقتادوه الى التحقيق، فحملت همه ورحت أهيء نفسي للتخفيف عنه. لكنه عاد وهو يبتسم، فاقتربت منه وقلت له: يسعدني أنك تبتسم، ماذا حصل؟ أجاب: مثل العادة ونفس التحقيق، لكني اعترفت بانتمائي للحزب قبل ان يبدأوا بالضرب، فوقّعت على اعترافي ورجعت "
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |