|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
لماذا اغتالوا حفيد بانيبال في تورنتو | |||
| |||
اذ تقرأ هذه المقالة، لا تتوقف كثيراً عند موضوع وفاته، اكان طبيعياً، او اغتيالاً طبياً، انما أما ما قامت به "اسرائيل" تحت غطاء القوات الاميركية من نهب منظم لآثار العراق، بذلك تعرف لماذا، ايضاً، كان غزو العراق. * لماذا اغتالوا حفيد بانيبال في تورنتو كاظم فنجان الحمامي ملف خاص نشرته جريدة المستقبل العراقي - بغداد في 03/05/2012 بانيبال: هو الملك الآشوري الشاب (آشور بانيبال) الذي حكم العراق القديم من 669 إلى 626 قبل الميلاد، وهو الابن الثالث للملك (إسرحدون)، وله أسماء كثيرة في اليونانية والعبرانية والبابلية، نذكر منها: (بني بعل)، أو (ساردانا بالوس)، أو (أوسنابير)، اما أحفاده في الألفية الثالثة بعد الميلاد فهم الآن بالملايين، نذكر منهم العراقي (دوني جورج)، الذي اغتالته يد الغدر والإرهاب الدولي في مدينة (تورنتو) الكندية في العام الماضي، وفارق الحياة في ظروف غامضة، وماتت معه أخطر أسرار القطع الأثرية المنهوبة، وأدق تفاصيل الأرشيف اليهودي المسروق من خزانة المتحف الوطني العراقي. أسس بانيبال أول مكتبة علمية في تاريخ السلالات البشرية في العقد السادس قبل الميلاد، فجاء حفيده (دوني جورج) في العام الأول من الألفية الثالثة بعد الميلاد (2001) ليحيي ذكرى جده, ويستذكر دوره الريادي في نشر العلوم والفنون والآداب. قبل الخوض بتفاصيل الحادث المأساوي المدبّر, لا بد لنا من قراءة السجل العلمي والمهني لهذا العالم الكبير, الذي خسره العراق وخسرته المنابر الأكاديمية في هذه الفترة المظلمة, التي بلغت فيها أميركا وزبانيتها أقصى درجات الطغيان. كان (جورج) رحمه الله يجيد التحدث باللغات العراقية القديمة كلها, الآشورية والكلدانية والبابلية والأكدية والسومرية, فضلا عن العربية والانجليزية. تخرج عام 1974 في كلية الآداب جامعة بغداد قسم الآثار, وتتلمذ على يد الأساتذة الكبار طه باقر, وفؤاد سفر, ثم تتلمذ على عملاق من عمالقة الآثار العراقية هو البروفسور (بهنام أبو الصوف), وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة بغداد, ثم صار معاونا لمدير عام الآثار العراقية, فمديرا عاما لدائرة الدراسات والبحوث, فمديرا عاما للمتاحف, ثم رئيسا لهيأة الآثار, ثم مديرا عاما للمتاحف العراقية, حتى صار من خيرة الخبراء في مجالات التوثيق والمسح والتنقيب, وبخاصة في المواقع الأثرية في نينوى, وسد بخمة, والرفاعي, وأم العقارب, وأم الفحم, وأور, وإيشان شعيب في هور إصليّن, والوركاء, ولكش, وكيش. شارك قبل عام 2003 بتأليف وتصوير باقة نفيسة من الكتب الأثرية نذكر منها: المخازن القديمة لبلاد الرافدين (1985), الأمثال القديمة في بلاد الرافدين (1994), الهندسة المعمارية في القرن السادس قبل الميلاد (1997), قبور الآشوريين (2000), مهارة الصنعة في كنوز النمرود (2002), ثم تغيرت مسارات حياته العلمية بعد عام 2003, وراح ينحت في الصخر بحثا عن الكنوز العراقية المنهوبة, والقطع الأثرية الضائعة, فشارك في تأليف وإعداد سلسلة من الدراسات التحقيقية والتحليلية, نذكر منها: أوعية الطعام المنهوبة من متاحف العراق (2005), تدمير التراث الثقافي في العراق (2008), الآثار تحت الحصار (2008), النكبة وعمليات النهب والدمار لآثار العراق (2008). ربما كانت خطط الهجوم على العراق توراتية الأهداف تلمودية النوايا, لأنها استهدفت المتاحف والمواقع الأثرية, واستعانت بفريق من خبراء الآثار من العاملين في جامعة (كامبردج), للتباحث في كيفية الاستيلاء على الأرشيف اليهودي المحفوظ تحت الأرض في صناديق فولاذية تابعة للمتحف العراقي, والتي جرى نقلها فيما بعد إلى السراديب التابعة لمبنى المخابرات العراقية ببغداد. كان الأرشيف اليهودي يضم أقدم نسخة أصلية نادرة لكتاب (التلمود), وأقدم نسخة أصلية نادرة لكتاب (التوراة), ويحتوي على قرابة (3000) وثيقة, ونحو (1700) تحفة أثرية نادرة, تحكي قصة سبي اليهود في العراق, ابتداء من السبي البابلي الأول إلى السبي البابلي الثاني. لذا لم يكن مستغربا توجه مجاميع مجهولة (ملثمة ومقنعة ومسلحة) إلى مقر المتحف الوطني العراقي في اليوم الأول من سقوط بغداد, ولم يكن مستغربا قيامها بشن هجوم منظم, وسطو مدبر لنهب محتويات المتحف, وبخاصة القطع الأثرية المرتبطة بتاريخ اليهود, وهذا ما كشفته وأكدت عليه التحقيقات, التي قام بها (دوني جورج) وجماعته, إذ تبين لهم بالدليل القاطع إن عملية الهجوم لم تكن عشوائية, ولم تكن من أعمال الشغب, وإنما قامت بها فرق كبيرة, تدربت على تنفيذ عملية السرقة بموجب خطط مدروسة وضعوها منذ زمن بعيد لهذا اليوم المشئوم, والدليل على ذلك إنهم فتحوا خزانة كبيرة تضم الأختام القديمة كلها, لكنهم اختاروا تسعة منها فقط وتركوا الباقي, وكانت تمثل الأغلى والأهم والأقدم, واستمرت عمليات النهب المنظم قرابة يومين كاملين على مرأى ومسمع من الدبابات الامريكية, التي كانت تقف على مسافة بضعة أمتار من بوابة المتحف, وكأنها كانت مكلفة بتوفير الغطاء للسراق والقراصنة. تحركت يوم سقوط بغداد كتيبة من كتائب الدبابات الامريكية باتجاه منطقة (الحارثية), حيث يقع مقر المخابرات العراقية, وترجل منها ممثل البنتاغون, الذي اشرف بنفسه على سرقة الأرشيف اليهودي, وأخذت النسخ الأصلية النادرة للتوراة والتلمود. بينما توجهت كتيبة أخرى إلى مقر البنك المركزي العراقي, ونزلت إلى أقبيته الواقعة تحت الأرض, واستولت على كنز النمرود الخرافي, والمثير للعجب ان الكنز ظهر ثانية في المتحف الوطني عندما عرضته القوات الامريكية هناك بوجود الحاكم الاميركية (بول بريمر), لكنه عاد للاختفاء والتلاشي, ولم يعد له وجود. . والأغرب من ذلك كله إن الثكنات العسكرية الاميركية اختارت التمركز في المواقع الأثرية القديمة, ولم تغادرها حتى يوم الانسحاب. وشيدت لها أكبر القواعد المؤقتة عند أقدام (زقورة أور), والانكى من ذلك إنها أطلقت على (تل اللحم) تسمية استخفافية تهكمية, فهو في لغتها (طليل), والعجيب بالأمر إن هذا الاسم المستهجن صار من الأسماء الرسمية المتداولة في المخاطبات الإدارية بين بعض المؤسسات العراقية من دون أن ينتبه إليه أحد, على الرغم من كل المقالات التحذيرية والتوعوية التي كتبناها عن تاريخ (تل اللحم).
كانت عناصر المفارز التنقيبية يقيمون في معسكرات موزعة حول المواقع الأثرية, يرتدون الملابس العسكرية, يركبون الهمرات, يعتمرون القبعات المرقطة, حتى بات من الصعب علينا تمييزهم عن جنود المارينز, ولا ندري ما الذي أخذوه من معبد الإله (شولكي) في الناصرية, أو من معبد (دبلان ماخ), خصوصا بعد أن تحول الموقع برمته إلى معسكر حربي وتنقيبي, وربما كانوا يستقبلون الأفواج السياحية اليهودية لزيارة مسقط رأس سيدنا إبراهيم في أور, وكان دوي موسيقى الجاز ونغمات المزامير, المنبعثة من مكبرات الصوت وسط معسكرات جنود المارينز تستفز هيبة الزقورة, في حين راحت قعقعة أغاني الراب تنتهك حرمة المكان, فتسلخه من سكونه الأبدي الكامن في جوف الصحراء, بينما حلقت طائرات الاستطلاع الصغيرة فوق الزقورة من دون طيار, لتستكشف المنطقة بعيونها الالكترونية المبحلقة, فتضيف للمكان صخبا وضجيجا مزعجا بأزيزها وتبخترها وعدوانيتها. . لم يتحمل (دوني جورج) هذا الكم الهائل من التجاوزات والانتهاكات السافرة, كانت عمليات السطو المبرمج على المواقع الأثرية تقلقه, وتحثه على توظيف خبراته لكشف حيثيات المخططات المدبرة, وتدعوه إلى استنفار طاقاته كلها في سبيل فضح المخالب الخبيثة, التي اشتركت في نهب ارثنا الحضاري والتاريخي, وتعريتها أمام الملأ, وبيان كيف تسللت مع القوات الغازية لتسرق كنوز العراق الأثرية, وكيف استولت على التماثيل والأختام والمخطوطات والألواح الطينية والمجوهرات القديمة, فتوصل من خلال تحقيقاته الموقعية, وتحليلاته الميدانية إلى مجموعة من الحقائق المذهلة, ولم يكن في منأى من التهديدات والضغوط والإغراءات لكنه كان أصلب مما توقع الغزاة, وأشد منهم إيمانا بقضيته الوطنية, التي أقسم أن لن يتخلى عنها مهما بلغت التضحيات, فاختار مواجهة الذئاب في أوكارها, واتخذ من مدينة (نيويورك) منطلقا لحملاته, التي كشف فيها زيف الادعاءات الأميركية، وكانت قاعات جامعة (ستوني بروك) الأميركية هي المنبر الذي وقف فوق منصته, ليشرح للطلاب تفاصيل أكبر سرقة تاريخية لأقدم الحضارات في الكون. فرصدوا تحركاته, ونصبوا له الكمائن, ووزعوا الأدوار على مرتزقتهم, وانتظروا حتى صباح العاشر من آذار (مارس), من عام 2011, وهو اليوم المقرر لسفره بالطائرة من أميركا إلى كندا ليلقي محاضرته في جامعة تورنتو, والتي كان ينوي فيها كشف الدوافع الحقيقية لتدمير العراق. وما أن هبطت الطائرة في المدرج, وتوجه الركاب نحو قاعة المسافرين, حتى سقط (دوني جورج) ميتا من دون أن ينبس ببنت شفة. فأعلنت إدارة المطار عن وفاته بالجلطة القلبية, وهو التبرير المتوقع لعمليات الاغتيال, التي تنفذها الخلايا الإرهابية الدولية الضالعة بالإجرام, لخنق الأصوات الوطنية الناطقة بالحق, ولم تمض بضعة أشهر على استشهاد (جورج) حتى أعلنت حكومة (تل أبيب) رسميا عن سعادتها الغامرة بتسلم الأرشيف اليهودي من القوات الامريكية, التي شاركت بغزو العراق. في احتفالية شيطانية أقامتها إسرائيل في الأرض المحتلة, وكلفتها نحو ثلاثة ملايين (شيكل), وانيطت مهمة الحفاظ على الأرشيف المسروق بنجل أول عمدة لتل أبيب, وهو اليهودي الاشكينازي المتشدد (ياد شاغال).
رحل (دوني جورج) في ظروف غامضة, وطمرت بموته أخطر الأسرار, وانطوت معه انصح الصفحات المشرقة من تاريخ العراق القديم, وأسدلت الستارة على الأرشيف الأثري المسروق, وعبرت أميركا عن سعادتها الغامرة بتسليم إسرائيل أقدم نسخة للتلمود وأقدم نسخة للتوراة, وسلمتها أيضا تسعة من أغلى الأختام البابلية, ووضعتها في أكبر المعابد اليهودية المشيدة في القدس المحتلة. كان (دوني جورج) على موعد مع الموت الذي لا مفر منه, منذ اليوم الذي أرسلوا فيه لولده الأصغر (مارتن) رصاصة بندقية, وضعوها له في مغلف ورقي ليزرعوا الرعب في كيان الأسرة الهادئة المسالمة, فدب الذعر في قلب ابنه الأكبر (ستيفن) وابنته (مريم), فسارع الأب المهدد بالموت إلى تقديم استقالته من عمله, فقبلوها من دون تردد, ومن دون أن يعترض عليها أحد, ولم يـتألموا على خسارتهم لهذا العبقري المتميز, فقرر مغادرة (حي الدورة), ثم غادر (بغداد) مكرها مع عائلته, واستقر به المقام خارج العراق عام 2006, فكانت يد المنون بانتظاره لحرمانه من البوح بما يعتمل في صدره من آلام وأحزان مدعومة بالشواهد والأدلة القاطعة. . إن من يقرأ كلماته الأخيرة, التي قالها في العشرين من مايو (أيار) 2009 يدرك انه كتب وصيته قبل موته, فجاءت كلماتها زاخرة بعبارات التواد والتفاهم والتلاحم, وليس أروع من أن نختتم حديثنا عنه بهذه الكلمات الصادقة المعبرة, التي كتبها بخط يده: ((أخواني الآشوريين من كل المذاهب, يكفي ما أصابنا حتى الآن, ولست بحاجة لأذكركم بما يحدث لنا على أرضنا المغتصبة من قتل وذبح وتهجير, وارتكاب أبشع الجرائم بحق هذه الأمة. . ألم تدركوا بعد ما الذي سيكون عليه مصيرنا بعد هذه الفرقة, وهذا التمزق ؟؟. إذن علينا اليوم جميعا التكاتف, لأن الأخطار المحدقة بنا ستمزقنا وتفرقنا. . أدعوكم من أجل هذه الأمة العظيمة, التي وضعت اللبنات الأولى لمقومات الحضارة الإنسانية على وجه الأرض, والتي نفتخر بها أمام العالم, ألا تكونوا سبباً في تمزيقها وزوالها)). . اللهم أحفظ العراق، وأبدل سوء حاله بحسن حالك، يا رب.
|
|||
جميع الحقوق محفوظة © 2024 |