|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
لأنـه سـوف يـأتـي | ||
| ||
عن " دار الفرات " صدر للكاتب أنطوان بطرس مؤلفه " لأنـه سـوف يـأتـي " وكان صدر له في اطار القومية الاجتماعية، كما يورد في الصفحة 215 من كتابه الجديد:
8 تموز قصة محاكمة أنطون سعادة وإعدامه. سعادة من التأسيس الى الشهادة 1932 – 1949.
" لأنه سوف يأتي " ربما هو الكتاب الأخير للكاتب بطرس، اذ يقول في كلمات الإهداء (صفحة 5) مقدماً الكتاب الى زوجته وحفيدته، انه " مسك الختام ".
عـن الـمـقـدمـة، نـورد الـتـالـي: بعد فشل الثورة القومية الاجتماعية الأولى وقبيل تسلّيم سعادة للسلطات اللبنانية بقليل، سيق مئات القوميين الاجتماعيين الى المعتقلات حيث كانت تنتظرهم صنوف بشعة من العذاب والتنكيل. وكان بين هؤلاء المعتقلين شابّ شارك في الثورة دون ان يكون منتمياً بصورة رسمية إلى الحزب. كان مربوع القامة لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره أسمه أياد موصلي، سليل عائلة دمشقية عريقة استضافت سعاده في منزلها أثناء جولته الشامية عام 1948. لم ينضم كامل أفراد العائلة الى الحزب ولكنهم استقبلوه بالترحاب بكاملهم حتى بمن اختار منهم البعث ملاذاً عقائدياً له. ونظراً لصغر سنّ أياد لم يلتحق بالحزب ولا كان على اطلاع على ما كان يجري حوله باستثناء نشاطات شقيقه بشير وتحركاته الكثيرة كونه على صلة مباشرة بالزعيم. أمر واحد لم يخفَ على أياد وهو قرار سعاده بإعلان الثورة في لبنان.
وفي صبيحة الخامس من تموز توجه أياد إلى مركز التجمع في دمشق حيث انضم إلى عشرات القوميين الوافدين من أماكن مختلفة، بلغ عددهم ستين مقاتلاً، استقلّوا أربع حافلات أوصلتهم إلى الحدود اللبنانية – الشامية (السورية) حيث من المقرر أن يتسلموا السلاح وينطلقوا مع رفقاء آخرين لتنفيذ خطة الثورة. وحينما وصلوا إلى مركز الانطلاق على الحدود ترجلوا من الحافلات واصطفوا بانتظار الزعيم وأخذ التحية له. وكان أياد يرتجف من البرد القارس، ولكن، مثله مثل الآخرين، تملأه الغبطة لرؤية الزعيم بإطلالته البهية.
حينما وصل سعادة كان يرتدي سروالاً قصيراً (الشورت) فاستعرضهم وصافحهم فرداً فرداً. ولدى وصوله إلى حيث كان أياد يقف توقف سعادة وسأله مبتسماً: " بردان يا رفيق أياد؟ " وغاب الجواب عن لسان أياد فتابع سعادة تجواله مبتسماً ثم اعتلى السيارة وألقى كلمة على المقاتلين ثم انصرف عائداً إلى دمشق.
ويذكر أياد اليوم ثلاث وقائع مميزة عايشها إلى جانب حياة السجن الطويلة وقد دوّنها يوماً فيوماً. الأولى اللقاء الصباحي بالزعيم صبيحة ذلك اليوم التموزي الحافل بالآمال والتوقعات. والثانية الكلمة التي ألقاها الزعيم على القوميين الاجتماعيين قبيل تسلّمهم السلاح وانتقالهم عبر الحدود لتنفيذ الثورة. ولا تزال كلمات سعادة ترنّ في أذنيه صافية نقية مغسولة بندى الصباح مجبولة بقشعريرة البرد: " أنتم أصغر جيش في العالم يقاتل من أجل تغيير مجرى حياة هذه الأمة ". " بمحاربتكم في لبنان للحكام الطغاة سوف تثبتون أن يهود الداخل هم الذين يتعاونون مع الصهيونية ويسهلون أعمالها ". هذه الكلمة كانت ستختفي مثل غيرها من خطب الزعيم لو لم يبادر أياد إلى تسجيلها اعتماداً على الذاكرة، وهي الأثر المتبقي الوحيد لهذه المرحلة بالذات التي تغلب عليها الرومنسية والحسرة والأمل الضائع. أما الواقعة الثالثة التي يذكرها أياد فهي التالية:
في الساعات الأولى للإعتقال لمح أحد الجنود أياد. وكان الجندي، على ما يبدو، متأثراً ببروباغاندا الدولة التي زعمت أن سعادة يتعامل مع اليهود. وظنا منه أن الشاب الأشقر يهودي سأله بنبرة حادّة: " أتى ولاّ ما أتى " (وكان يقصد بذلك استجواب أياد عما اذا كان يؤمن بمجيء المسيح إلى العالم ليخلّص البشر). في حين كان في ظن أياد أن الجندي يرغب في معرفة ما إذا كان سعاده دخل الأرض اللبنانية حينما أعلن الثورة فأجاب: " لا ما أتى ". فما كان من الجندي إلاّ أن صفعه وكرر السؤال: " أتى ولاّ ما أتى ". فكان الجواب يتكرر مرة تلو المرة " لا ما أتى ". وتتكرر الضربات وفي ذهن أحدهما، وهو الجندي، انه يحمي الإيمان من الباطل دون أن يعي أن المضطهد (بفتح الطاء) غالباً ما يكون هو المؤمن الحقيقي كما يشهد بذلك التاريخ.
إن المرء حينما يتمعن في جدلية الإيمان – الاضطهاد لا بد أن يستذكر صراع سعاده – الصلح، المسيح – بيلاطوس. فإلى أي مدى يمكن تشبيه سعاده بالرسل والأنبياء من الوجهة البشرية لا الإلهية؟. أولم يعلن سعادة نفسه معلماً وهادياً للناس؟ أولم يذكر للقوميين الاجتماعيين أن إبليس جربه كما جرب المسيح من قبل؟ أو ليست تعاليمه خليقة بأن توفر مثلاً عليا جديدة للأفراد والشعوب في آن؟. وهل يضنّ التاريخ على أمثال هؤلاء من الرسل العودة مرة تلو الأخرى لمتابعة رسالتهم. أو ليس العقل البشري هو الذي يعيد استدعاءهم كلما اشتدت الحاجة إليهم؟.
هناك أوجه شبه عديدة بين انتشار الحركة القومية الاجتماعية ونموّها وانتشار المسيحية ونموّها. صلب السيد المسيح حوالي العام 30 ب م ولم يُباشر بكتابة الأناجيل كما نعرفها قبل مرور ما يتراوح بين 50 إلى 70 عاماً حسب آخر تقديرات اللاهوتيين ولو أن بعض عناصرها دوّنت قبلاً. طوال ذلك مورست أبشع أنواع الاضطهاد بحق التلاميذ أو الحواريين والأتباع. منهم من قضى تعذيباً في السجون ومنهم من أُعدم ومنهم من رُمي طعاماً للوحوش. كانوا يُجمعون بالألوف في ملاعب كبيرة تشبه ملعب المدينة الرياضية في بيروت، تحت حرارة الشمس اللافحة، يُعذّبون ويجوّعون. كل فترة تهمة وكل يوم اقتناص فرصة خطأ أو صواب يرتكبونه. كانت النية إبادتهم ولكنهم استمروا. وفي كل مرة كانوا يخرجون أصلب عوداً وأشد إيماناً. وظلت الدعوة تنتشر وتنتشر إلى أن استتب الأمر لها بعد حوالي ثلاثة قرون ونصف القرن حينما اعتنقت الإمبراطورية الرومانية المسيحية ديناً رسمياً لها وانحنى الإمبراطور أمام هامة المصلوب.
هذا الكتاب يضم سبعة عشر مقالاً تغطي جوانب مختلفة من تفكير سعادة ونهضته. ستة عشر منها نشرت في مناسبات متفرقة ولكن يجمعها أنها حصيلة محاولة استشراف سعادة المستقبلي الذي كان إيمانه الحقيقي منصباً على الأجيال التي لم تولد بعد. وأما المقال السابع عشر فهو مأخوذ من كتاب " أنطون سعادة من التأسيس إلى الشهاده "، الفصل الرابع والثلاثون وعنوانه " فكر سعادة الفلسفي ". وهو بالتحديد الجزء المتعلق بالمقارنة بين فكر سعادة الفلسفي وفكر مؤسس علم الاجتماع الحديث إميل دركهايم (الصفحات 597 – 604). وسبب اختيار هذا المقطع بالذات يعود إلى عاملين اثنين: الأول الحملة التي شنت على سعادة في حينه ضمن الحملة على دركهايم لوجود شبه في الفكر الفلسفي لكلا الرجلين وخاصة تركيزهما على المجتمع وإعطاء أولوية على الفرد. أما الآن فقد أُعيد الاعتبار في الغرب لمدرسة دركهايم. وبمقارنة فكر دركهايم القديم بفكر مدرسته الجديدة يبدو سعادة أقرب بل قريباً جداً من المدرسة المتجددة وفي نقاط كثيرة أفضل منها. كما يتضح بوضوح مدى الحملة المغرضة التي شنت على سعادة، بقيادة كمال جنبلاط، رغم أن فكر سعادة في الأساس يختلف عن فكر دركهايم.
الثاني إبراز ما لفكر سعادة الفلسفي من صلة بالفكر الفلسفي العالمي الحديث ولاءمته كقاعدة فكرية مطروحة للمشاركة في القضايا المثارة. إنه بحث مطوّل يشغل جزءاً من الفصل الرابع والثلاثين وتورد فيه مقارنات مع الماركسية والهيغلية حول المرتقى الأخير لتاريخ العالم. وقد اخترنا ما ورد حول هذا المقارنات والمناقشات الفكرية في القسم المتعلق بدركهايم كونها نموذجية وراهنة.
لكن الغاية من ذلك كله ليس تبرئة صفحة أو اعلاء شأن. بل القصد تناول المعضلات التي تواجه الانسانية في مرحلتيها الحاضرة والقادمة والقيم " السعادية " التي تشكل علاجاً لها من خلال محاور ثلاثة. الأول تنامي فكر الانعزال الحضاري على الصعيد العالمي. الثاني نظريات المواجهة الإيجابية للرفض الثقافي للأخر والتي تتمثل في فلسفة التأويل. الثالث إرث سعادة الفكري ومأسسته ووضعه في متناول المفكرين والباحثين لتسهم أفكاره في النقاش الكبير الدائر حول مصير الحضارة ومستقبل الإنسان.
|
||
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |