|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
الانقلاب على الطائف... ومجلسه | ||
| ||
اقام اتفاق الطائف نظاماً سياسياً في لبنان، عنوانه الرئيسي المشاركة وعدم استئثار طائفة او حزب او فئة بالقرار الوطني، كما وعدم عزل او تخطي او تهميش اي طائفة او فئة، فكان نظام الكل، المستوعب للكل، غير المستبعد لاحد واسمي هذا النظام - نظام الكل - العيش المشترك، واسقطت مشروعية اي سلطة ان ناقضته (البند من مقدمة الدستور: لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك)، واكدت المادة 95 من الدستور على ان: العيش المشترك يكون بفحواه وجوهره الحقيقي قائماً على إلغاء الطائفية السياسية، ولكن هذا امر يستوجب العمل الهادئ والدؤوب للوصول اليه، وبانتظار ذلك، يكون الاعتراف بالطوائف وجوداً، ثم دوراً ومشاركة في الوزارة، حيث يجب ان تمثل فيها تلك الطوائف بصورة عادلة، ثم كان القرار بأن يكون مجلس الوزراء، هو السلطة التنفيذية.. اي ان الحكومة التي لا تشارك فيها طائفة ما، لا تمتلك شرعية السلطة التنفيذية، لتناقضها مع العيش المشترك.
في التطبيق الاول لدستور ما بعد الطائف، كان بعض التجاوز لروح النص، مع مراعاة للشكل، حيث كان تمثيل للطوائف جميعها في الحكومة، ومشاركة من قبل الوزراء في مجلس الوزراء، لكن العيوب في الممارسة تجلّت بأمرين رئيسين: الأول اختيار وزراء، يشك بصحة تمثيل بعضهم لطوائفهم، خاصة قسماً من الوزراء المسيحيين، والثاني وهو الأخطر، هو قيام بدعة الترويكا - ثلاثي الرؤساء - الذي اختصر السلطة التنفيذية وبعض السلطة التشريعية، ولو لم يكن هناك ممارسة فاعلة لمجلس شورى الدولة وللمجلس الدستوري، لكان الوضع بلغ درجة من السوء لا يمكن تصورها...
ان الممارسة الأولى لنظام الطائف، جاءت بسلبيتين: احباط مسيحي من جهة، واستئثار شخصاني بالسلطة من جهة اخرى.. فأخرجت فئات، وتيارات، من الدولة التي تراجعت فيها فكرة دولة القانون، لتقوم دولة الاشخاص المترجمة بالاستزلام والمحسوبية، ناحرة الكفاءة الا في الواحات النادرة من تلك الصحراء، وناشرة ثقافة الفساد وهدر المال العام... و«ألقي اللوم في كل ذلك على سوريا» لأنها كانت بجيشها تحفظ الأمن، وبرجالها ترعى السياسة اللبنانية، ونسي اللائمون انه ما من قرار أو سلوك نفذ الا بأيدٍ لبنانية «خالصة»...
ثم كان الزلزال الذي اعتبر اشارة البدء لأحداث التغيير: فخرجت سوريا من لبنان بعد ان طالبها قسم من الشعب بذلك، وتنفس المحبطون الصعداء، وسارع اركان «النظام الامني» المشكو منه، للانقلاب على ماضيهم، والمجاهرة بعداء من مل وهو يسمع تملقهم، ومديحهم، واستنجادهم به على مواطنيه... خرجت سوريا وانطلق «الانقلاب الابيض»... استقالة الحكومة... تعطيل تشكيل حكومة على قاعدة الوحدة الوطنية... ثم مصادرة القرار الامني والقضائي في الحكومة التي قبل بها... فانتخاب وفقاً لقانون رفضه معظم اللبنانيين.. فحكومة الاغلبية المتمثلة بـ72 نائباً، المتحالفة مع تكتل 32 نائباً.. وتبدأ الممارسة التي اصبحت تخلق الهواجس والخوف على لبنان وسيادته ضمن نظامه ودستوره الذي ارتضاه، شعور يتشكل لدى كل حريص على لبنان:
1. الدستور يقول: يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء... وينعقد مجلس الوزراء في مقر خاص (ليس القصر الجمهوري كما كان، وطبعاً ليس القصر الحكومي) وتأتي الممارسة... مجالس الوزراء مناصفة بين القصر الجمهوري والقصر الحكومي، فينسف المقر المستقل ليمنع عن رئيس الجمهورية حضور نصف هذه الجلسات، ويفرض عليه حضور النصف الآخر فيتساوى مع رئيس الحكومة في هذا المجال...
2 - مجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية هكذا فرض الدستور، وتأتي الممارسة: رئيس الحكومة يقرر (استدعاء الاف.بي.اي قرار المحكمة ذات الطابع الدولي، توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية، السلاح الفلسطيني، ترسيم الحدود مع سوريا)، ثم يأتي الى مجلس الوزراء فيحيطه علماً بما قرر، فيحصل على موافقة شكلية لا بد منها... شكونا من الترويكا... فوقعنا في الاحادية الظاهرة...
3- المجلس الاعلى للدفاع، هو المسؤول عن السياسة الامنية والدفاعية، وهو برئاسة رئيس الجمهورية، ومجلس الامن المركزي هو السلطة العليا في مجال الامن الداخلي.. وهو برئاسة وزير الداخلية... هكذا في القوانين.. اما في الممارسة فالمجلس الاعلى للدفاع لا ينعقد، ومجلس الامن المركزي يستبدل بمجلس آخر فيه نصف اعضاء المجلس الاعلى، ومعظم اعضاء المجلس الآخر، وينعقد برئاسة رئيس الحكومة.. انه استبعاد لرئيس الجمهورية الذي هو القائد الاعلى للقوات المسلحة بحكم الدستور... (التتمة صفحة 11)(تتمة الصفحة 1)
4- «ينشأ مجلس دستوري لمراقبة القوانين، والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات»، هذا هو النص الدستوري، اما الممارسة فتعطيل للنص، عبر شل المجلس الدستوري، ومنعه من ممارسة صلاحياته، وعدم تصدي الحكومة الى تعيين من عليها تعيينهم من اعضاء المجلس رغم مضي ستة اشهر على نيلها ثقة المجلس النيابي... 5- اعتمد الدستور مبدأ الفصل بين السلطات - والسلطة القضائية لها صلاحياتها التي تستقل في ممارستها وفقا للقانون، وثم يأتي قانون اصول المحاكمات الجزائية ليحدد الجهة القضائية الصالحة للنظر في الجرائم التي تقع على لبنانيين في لبنان، وهي لبنانية لا شريك لها، تأتي الممارسة ومن غير تعديل للدستور او تعديل للقانون، وتعطي الصلاحية لجهة دولية (غير لبنانية) وبقرار من مجلس الوزراء... فيطلب التحقيق الدولي ثم المحاكمة الدولية، لجرائم وقعت على لبنانيين وعلى الارض اللبنانية... لمنع القضاء اللبناني المستقل وصاحب الصلاحية، من ممارسة صلاحية دستورية...
6- ينسجب وزراء طائفة من جلسة مجلس الوزراء، احتجاجا على الاستفراد بالقرارالوطني، ويعلقون مشاركتهم باعمال مجلس الوزراء لاحقا.. لا يكترث رئيس الحكومة، ولا يلتفت الى خطورة خروج طائفة من السلطة التنفيذية... وما يحتمل معه الطعن بشرعية اعمال هذه السلطة، ثم تكون محاولة لارساء منطق الاغلبية والاقلية في القرار الوطني على انقاض مبدأ الديمقراطية التوافقية...
في بداية المرحلة التي نعيش تداعياتها الان، اطلق تعبير «الانقلاب الابيض» لتغيير الوضع السابق، ويبدو ان كثيرا من اهداف الانقلاب هذا قد تحقق بشكل او باخر من خلال النصوص شكلا وجوهرا، او من خلالها شكلا، اما ما لم تتح النصوص في ظاهرها تغييره، فكان لجوء الى سياسة الامر الواقع لخلق سوابق يؤسس عليها ليكون التعديل الدستوري اللاحق ممكنا بعد حين خاصة ان الاغلبية التغييرية، لا تملك القدرة والاصوات اللازمة لتعديل الدستور الان، فهل نستمر في هذه السياسة كما ولو كانت الحكومة مجلس ادارة الانقلاب تتخذ شرعيتها من قوة الدفع الزلزالي، كما كانت شرعية السلطات الانقلابية في العالم الثالث تستمد شرعيتها من القوة التي تملكها... ام نعود الى الدستور ونقلع عن اي تجاوز له؟
شكا لبنان من تفرد رئيس الجمهورية بالحكم قبل الطائف، وكان ما كان من مآس للتصويب..
ثم شكا لبنان من الترويكا بعد الطائف، وكان ما كان من خسائر للتقويم.. فهل سنكون امام مرحلة جديدة من الاهوال لنعيد الامور الى نصابها ونقيم العدل للجميع، بعد ان اصبح كثير من الممارسة في اتجاه لا يأتلف والنص؟؟
لبنان اصبح اضعف من ان يحتمل مآسي جديدة... فليتق الله في وطنهم من اوجدوا اليوم في سدة المسؤولية.. فلو دامت لغيرك ما آلت اليك..
*استاذ جامعي في القانون (ضابط متقاعد) |
||
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |