بائع الكشــــــة

الامين لبيب ناصيف

يصل الى شاطىء. لا يعرف لغةً ولا أهلاً ولا أحداً.

لم يحمل مالاً ولا متاعاً. بعض زواده . بعض حقيبة. انما الكثير من الطموح.

يسير. أشواك تلتف. يسير. تسيل منه دماء وآلامه ترتفع، ومعها عنفوان وكِبَر هي من اصالة شعبه.

يحنّ الى وطنه. تدمع عيناه شوقاً الى اهله، الى قريته، تلك الرابضة عند ذلك السفح قرب جدول الماء. ويسير.

أعوام. يرتفع. يبني له مكاناً. يشع. محيطه يلتفّ حوله.

يرتفع أكثر. مكانه يكبر. يشتري غيره.

محيطه يتسع اكثر. بات حيث حط رحاله ، اسماً يرتفع عاماً بعد عام.

محيطه يرشحه لمركز في البلدية. يرتفع. يرشحه لمركز نيابي. يرتفع.

ابناؤه مثله، اخذوا منه الاصالة وراحوا يرتفعون.

ابن القرية المنسية هو اليوم نائب في الولاية حيث نزل شاطئها.

ابناؤه، كل في قمة، وامامهم طموح كما ذلك الكنعاني الذي سجدت له البحار وأنشدت.

*

مثله، مئات. في كل بقعة وعند كل شاطىء.

من العدم رفعوا الرايات. ومن بطون الخواء قالوا للدنيا ماذا نحن، وكيف نصير.

مثله، جابوا الغابات، واقتاتوا الحشائش، وناموا مع الجوع، وقاتلوا الضباع.

مثله، رفضوا ان يبقوا حيث اقدامهم، وما خافوا الليل ولا أي بهيم.

هو من اصالة هذا الشعب العظيم.

هو من أصالة هذا الكنز الحضاري يفجرّ في الاعماق درراً. ويشع كما شموس الكون.

تريد اسماءهم؟ اقرأ، تجدهم في كل دولة يقعدون مع الاوائل.

اقرأ. تجد ابناءهم رؤساء جمهوريات، وحكام ولايات وقادة جيوش ومجلّين في كل ميدان.

هم بعض شعبنا الذي اغترب فارتفع.

اذا بحثت عنهم وجدتهم في كل مدينة وقرية.

في كل حقل ومتجر ومصنع.

في كل منبر ومؤسسة وجامعة ومستشفى.

بل في كل قمة علم وفكر وشعر وأدب وسياسة واعلام.

في كل الدنيا هم.

وفي كلها قالوا للدنيا ماذا نحن، وما وسعت لهم قمم.

(*) نشرت في جريدة "الانباء" لصاحبها ورئيس تحريرها الامين نواف حردان، ثم في مجلة "قب الياس" في العدد تشرين الثاني – كانون الاول 1999.