Warning: Undefined variable $PHP_SELF in /home/clients/61e9389d6d18a99f5bbcfdf35600ad76/web/include/article.php on line 26
SSNP.INFO: الاديب الكبير سعيد تقي الدين كما عرفه صديقه الرفيق عفيف خضر
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-04-15
 

الاديب الكبير سعيد تقي الدين كما عرفه صديقه الرفيق عفيف خضر

الامين لبيب ناصيف

عرف الرفيق عفيف خضر ابن بلدته بعقلين، الاديب الرفيق سعيد تقي الدين منذ العام 1951، وعرف الفيليبين التي زارها، وتعرّف الى مهاجرين لبنانيين اسسوا حضوراً لافتاً، في السياسة والاقتصاد.

عنهما كتب الرفيق عفيف ثلاث مقالات، نشرت كلها في عدد واحد من مجلة "اشارات" للمحامي سليمان تقي الدين، ونعيد نشرها لفائدة الاطلاع اكثر على اديب عملاق وعلى بلد كنا نجهل، لولا سعيد تقي الدين ان فيه جالية عريقة .

*

سعيد تقي الدين في جزر واق الواق

لماذا صوتت الفيليبين مع فلسطين(*)

لا يمكن ذكر اسم سعيد تقي الدين إلا واسم الفيليبين ملازم له لان جيلنا لم يكن ليسمع او يقرأ شيئاً عن ذلك البلد قبل أن شهره في قصصه ومقالاته التي كان يكتبها من على ظهر السفن بين جزيرة سيبوه في وسط البلاد التي استقبلته شاباً وجزيرة لوزون التي تضم العاصمة مانيلا . وكان الشاب سعيد حسب قوله، يحمل بضائع من جزيرة لأخرى ويمارس بيع بضائع خفيفة المحمل لركاب الباخرة التي تقله. وقد يكون متأثراً بحكايات السندباد البحري الذي حسب قول سعيد لي، كان يطلق على ذلك الأرخبيل اسم جزر واق الواق اي آخر الدنيا .

لا استطيع الشك بصدق هذه الرواية لان صاحبها كتبها. وبالتأكيد قام سعيد بتلك المغامرة مرات متعددة على طريقة بائعي الكشة في اميركا الجنوبية .

وعندما اتذكر ما كتبه مرة من انه أجاب المعلم عندما سأله عن سبب غيابه في اليوم السابق، انه كان مغسل قنبازه، موحيا بذلك انه كان لديه قنباز واحد وذلك من نسج خياله وبأسلوبه الفكه الساخر من الصغر. فالابن البكر للشيخ محمود تقي الدين،الوجيه الملاك الذي يحتفظ بمعصرة زيتونخاصة لعصر إنتاج أملاكه، وابن الدولة برتبة محافظ لا يكون بكره دون قنباز احتياط .

ولم يقل لنا سعيد من هو المعلم الذي كان يعلمه فك الحرف وهل هو المعلم اسعد ولي الدين الذي كان، بسبب اعاقته، يؤدب الاولاد بقضيب رمان طوله ثلاثة امتار او اكثر، أو المعلم مرشد البستاني والد إميل البستاني الذي نافس سعيد على رئاسة جمعية خريجي الجامعة الأميركية فيما بعد. ومدرسة المعلم مرشد أظنها سابقة للمعلم اسعد. ولا اظنني كنت لأسمع عنها لولا أن المرحوم إميل البستاني سألني مرة اذا كنت استطيع ارشاده الى مكان وجود مدرسة والده، وقد سألت والدي المولود سنة 1897 إذا كان يعرف عنها شيئاً، فأحالني الى ابن عمته الأكبر منه محمد خطار نصر الذي أكد وجودها بجوار منزله أي في قبو يملكه أبو فوزي حسن بشير أبو شقرا وان المعلم مرشد كان يقيم في العلية فوق القبو وبقي الى أن نشبت الحرب العالمية الكبرى. وقد نقلت هذه المعلومات إلى إميل الذي وعد بزيارة المكان ولا ادري إذا كان قد تمكن من ذلك .

انا أرجح، اذا كانت القصة ليست مجرد دعابة، ان المعلم الضحية كان مرشد البستاني إذ أن سعيدا ما كان ليزمط من قضيب المعلم اسعد ولم يخبرنا انه ذاق طعمته .

تذكرت ذلك بعدما وصلت مانيلا صيف 1961 وحاولت اقتفاء آثار سعيد وتيقنت ان الخيال الأدبي كان له الفعل الأهم في قصصه لأنه كان يتقمص شخصيات أبطال رواياته ويعيشها ويصدقها. وهذا الأسلوب شائع ومعتمد لدى الادباء الكبار ومنهم وليم شكسبير الذي كتب مسرحية يوليوس قيصر الشهيرة بانيا على عبارة واحدة تاريخية هي "نكون أو لا نكون تلك هي القضية" وباقي الرواية كله من خيال المؤلف .

نحن آل خضر كانت الفيليبين تعني لنا الكثير لان فيها خليل وعصمت أبناء كبير عائلتنا أمين بك، وهو من لوعته وشوقه لا يترك يوما يمر دون الحديث عنهما وتمني عودتهما. وقد حملّني لهما رسائل مكتوبة وطائرة.

كنت اسمع عن مكانة أفراد الجالية اللبنانية هناك ووجدت الحقيقة أهم من الخيال. ففي العاصمة مانيلا يقوم القصر الجمهوري على رابية تدعى كيزون سيتي وهي مثل اليرزة بالنسبة لبيروت، وايمانويل كيزون هو أول رئيس جمهورية بعد الاستقلال. وكانت تملك تلك الضاحية أسرة الشميَل من كفرشيما وقامت عميدة الأسرة السيدة وديعة التي تلقب بالدونا ماجدولينا بتقديم الأرض هدية للرئيس كيزون ليبني عليها القصر وعدد من المباني الحكومية، ولتصبح فيما بعد العاصمة الرسمية للدولة .

هذه السيدة الكبيرة تزوجت بعد ترملها من كامل بك خطار حمادة الذي كان مديرا لأعمال زوجها وهو الذي استقدم ابني خاله خليل وعصمت خضر لمعاونته في ادارة الشركة بمتاجرها وعقاراتها ومصانعها ومناجم الحديد المملوكة لها .

أثناء اقامتي في مانيلا صيف 61 كان من واجبي ان اذهب كل صباح الى منزل الكولونيل خليل لتناول الفطور معه وغالبا ما التقيت بمرشح الرئاسة السناتور ماكاباغال ومرشح نيابة الرئاسة السيد بيلايز وزير الخارجية السابق، والسيد جيري روهاس ابن الرئيس السابق، وقد اكتسب خليل لقب كولونيل من دوره في قيادة المقاومة ضد الاحتلال الياباني أثناء الحرب وهو الوحيد في تاريخ الفيليبين الذي منح جنسية البلاد ولقب بطل وطني بقرار برلماني. وقال لي أن الشيخ سعيد كان معه في المقاومة وان لم يحمل السلاح لان جزيرة سيبوه حيث كان يقيم كانت بمنأى عن فظائع الجيش الياباني لقربها من جزيرة لايتي التي نزلت فيها قوات الجنرال ماك آرثر لمحاربة الاحتلال الياباني .

وقد اخبرت السيد ماكاباغال عن لوعة أمين بك ورغبته برؤية خليل قبل وفاته فقال انه إذا فاز بالرئاسة سوف يحضر بنفسه مع خليل لزيارة الوالد. وقد فاز وبرّ بوعده وزار لبنان اثناء حكم الرئيس شهاب ومعه خليل وفريقه الطبي لأنه كان يعاني من مشاكل في الكليتين. وامضى الجميع يوما في بعقلين.

الرئيس ماكاباغال هو بالمناسبة والد الرئيسة الحالية السيدة اورويو.

وتقع في وسط البلاد جزيرة سيبوه وهي معقل آل تقي الدين منذ الاحتلال الاميركي للفيليبين1903 حيث استقر فيها الدكتور نجيب تقي الدين الذي قدمها ضابطاً طبيبا في الجيش الاميركي. وهو من خريجي الجامعة الأميركية في بيروت عام 1898 وسافر الى الولايات المتحدة للعمل، وانضم الى الجيش كطبيب الى ان استقر به الامر في جزيرة سيبوه التي مارس فيها الطب وتملّك مساحات شاسعة من الارض واصبح له في تلك الجزيرة ما لآل الشميل في مانيلا. وقد استقدم الدكتور نجيب شقيقيه فؤاد والدكتور رشيد وعدداً من شباب العائلة،وبعد ذلك سعيد .

ومع التقدير للشيخ سعيدوخياله الادبي الخصب فان وضعه المالي كمدير لأعمال عمه الذي كان يلقب بملك سيبوه لم يكن ليسمح له بممارسة التعتير والشكوى من الطفر، حتى بعد وفاة عمه وانتقاله الى مانيلا للعمل في التجارة وحده او بشراكة بدرو عواد. كان تاجراً ناجحا وقد اطلعني السيد عواد على بعض الملفات القديمة فكوّنت فكرة ان سعيدا كان من نوع "الهابرداشر" او "بتاع كله" كما يقول إخواننا المصريون. فمن استيراد وبيع الزيوت وقطع السيارات الى المأكولات المعلبة ثم بالات الملابس المستعملة واخيرا شراء مخلفات الجيش. وهذا الوضع يوحي بان التجارة كانت بالنسبة له مجرد بوابة رزق يقفلها عندما تؤدي الغرض .

استطيع الجزم أن سعيداً لم يعرف الطفر الا في لبنان بعد ان اضاع كل ثروته في الكرم والخدمة العامة والعمل الوطني ولا اقول السياسي لان المكاسب السياسية لم تكن من أهدافه.

وما ان انتهت الحرب العالمية الثانية وعادت حكومة الفيليبين من المنفى، توفي الرئيس كيزون وخلفه نائبه اوسمانيا واسمه تحريف لاسم عثمان العربي وهو الذي اجرى انتخابات عامة فاز فيها احد قادة المقاومة دانيال روهاس ابن السيدة وديعة الشميل بالتبني فهو ابن وصيفتها التي رافقتها لآخر عمرها وهي التي رعته صغيراً وأمنت له اعلى درجات العلم والدعم .

وكانت المفاجأة الكبرى في صيف 1947 عندما قام الجنرال رومولو مندوب الفيليبين في مجلس الأمن ورئيس الجمعية العمومية لاحقا بمخالفة الموقف الأميركي والتصويت ضد قرار تفسيم فلسطين. وقامت القيامة ضده فقال انه اتبع تعليمات رئيسه روهاس .

ما الذي جعل روهاس يخالف الولايات المتحدة راعية بلاده وحكومته؟

ان سيدة واحدة استطاعت ذلك فقد ذهب اليها سعيد تقي الدين وخليل خضر مع وفد حفظتُ من اعضائه اسمي بطرس عواد ورشيد طوق وطلبوا مساعدتها، فاتصلت فورا بالرئيس وطلبت منه تأييد الموقف العربي فكان جوابه انه يخالف الدنيا كلها ولا يخالف امه ماجدولينا.

هذا فصل مشرق من ملحمة الاغتراب اللبناني.

حررت في 30/6/2010.

***

سعيد تقي الدين– المهاجر العائد

رحلة فكرية بين الفداء والصرغزة

سافر سعيد الى الفيليبين بعد تخرجه من الجامعة الاميركية في بيروت عام 1928 فامثالي الذين ولدوا في اواسط الثلاثينات لم يسمعوا به وكان اقراننا في بعقلين يتساءلون اين هو الابن الاكبر للست ام سعيد التي لا تقل نشاطاً في الحقل السياسي عن ابنائها الستة.

انا شخصيا عرفت انه اديبومغترب من مطالعتي لحواراته مع الاديب سهيل ادريس التي كنت اقرأها وانا في سن مبكر.وكنت في غاية السعادة عندما علمت انه عائد الى لنان بعد ان شاهدنا في طرقات بعقلين سيارة دودج مستعملة قيل ان الشيخ سعيد اهداها لشقيقه بهيج بعد ان فاز بالنيابة عن جبل لبنان عام 1947 وكانت ثالث او رابع سيارة خاصة تسير في بعقلين .

اين نحن اليوم من تلك الايام حين خاض المحامي الشهير بهيج تقي الدين معركة الانتخابات في محافظة جبل لبنان منفردا ضد ثلاث لوائح، يرأس كل منها كميل شمعون، والرئيس السابق اميل اده والشيخ سليم الخوري، وفاز فيها في دورة الاعادة بتأييد الامير مجيد ارسلان والزعيم انطون سعادة الذي كان قد عاد الى البلاد منذ فترة وجيزة. وكان بهيج لا يملك سيارة ويأتي الى بعقلين ويدير حملته الانتخابية بسيارات الاجرة وقد سمعته يشكو في حديث مع والدي ان المعركة الانتخابية قد كلفته ستة آلاف ليرة لبنانية.

وقد روى لي المرحوم الامين حسن الطويل انه ذهب معه لزيارة الزعيم في ضهور الشوير لشكره على قرار الحزب بتأييده وابلغه الزعيم ان الحزب قرر دعمه تقديرا لعمله وكفاءته كما قرر تأييد المحامي اميل لحود والاستاذ فيليب تقلا لنفس السبب. اضافة الى مرشحي الحزب، الامين اسد الاشقر والرفيق الدكتور امين تلحوق. وقد اتخذ ذلك القرار دون طلب، لأن الزعيم لم يستسغ فكرة بيع المقاعد النيابية للاثرياء. وفي طريق العودة قال بهيج ان اعجابه بشخصية الزعيم سعادة لا يحد وانه يفكر جديا بالانتساب للحزب وقد رأيت فيما بعد في اوراق الامين حسن الطويل طلب انتساب موقع من الشيخ بهيج وشهادة المرحومين الامينين فؤاد ابو عجرم واديب قدورة، ولكنه لم ينفذ لاسباب لا اعلمها وقد تكون عائدة للاضطرابات السياسية التي عمقت الخلاف بين الحزب وعهد الشيخ بشارة الخوري.

كنت يافعا يوم شاركت اهل بعقلين الاحتفال بلقاء الشيخ سعيد العائد بعد طول غياب وقد شارك في الاحتفال جميع اهالي البلدة مما جعله يتساءل عما حل بحزبيات الحارات التي كانت محتدمة عند سفره،فقد رحب به اهل حارة التحتا معقل آل حمادة، وكفر حصيد معقل آل خضر، وحارة الفوقا طبعا معقل آل تقي الدين، ورأس الجاموس محلة آل علم الدين. وقد قام بزيارة عائلات البلدة دون استثناء .

تطوع شباب بعقلين لتمثيل مسرحيات سعيد تقي الدين وكان يحضر الحفلات ويبدي ملاحظاته على الاداء وابدى اعجابه بالشاب كمال العيد() بطل مسرحية لولا المحامي .

في احاديث الطريق بين بعقلين وبيروت كان الشيخ سعيد يقدم تحليلاته للاحداث الجارية وينتقد بمرارة رجال الحكم العرب المصابين بمرض الصرعزة. وهذا الاصطلاح اشتقه من عبارة صرَح عزام. وفي حينه كان الامين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام باشا يتحف الناس بتصريح شبه يومي عن بطولات العرب في العصور الغابرة وحقهم بالسيادة دون الاشارة الى الهزائم الحديثة التي اضاعت فلسطين ودون التجرؤ على توجيه النقد لاي طرف عربي حفظا للتوازنات وقد اطلق عليه صحافيو تلك الايام لقب ابو الكلام عزام .

مدرسة الصرعزة تلك خرّجت اجيالا من المنظرين والخطباء وجسدها فيما بعد احمد الشقيري المثقف الفلسطيني الذي كان يحفظ شعر شكسبير غيباً ومع ذلك يخطب في هيئة الامم، بصفته ممثل السعودية، باللغة العربية لكي تسمع خطبه جماهير العرب اكثر من مندوبي الدول الذين يفترض به ان يقنعهم بعدالة قضيته، ثم الاذاعي المصري المعروف احمد سعيد مدير اذاعة صوت العرب الذي، مع الشقيري، ملأ الدنيا بيانات عن انتصارات العرب عام 1967. ويضاف اليهم فيما بعد، محمد سعيد الصحاف وزير اعلام العراق عام 2003 وبعدهم كثيرون. ومن نعم الله علي سعيد تقي الدين انه مات قبل ذلك التاريخ .

نادراً ما سمعت سعيداً يتناول بالنقد او المديح اياً من السياسيين اللبنانيين مع ان له نوادر وطرائف معهم. كان يائساً من الوضع كله ويعتبر السياسة المحلية لعبة يتسلى بها طلاب المنافع والمناصب وان اهتمامه كان منصباً على القضية الفلسطينية مؤمناً بوجوب العمل على التحرير القريب او سوف يكون مستقبل المنطقة كارثياً .

وكان من ابرز نشاطاته داخل المؤسسة الحزبية دعوته الى انتخاب النائب الفلسطيني عن جنين الامين مصطفى ارشيد رئيساً للحزب وقد تم ذلك وتسلم معه عمدة الاذاعة، ولكن ارادة الهف قضت باعتلال صحة الامين مصطفى ووفاته .

وقد حضرت مناقشة ودية بينه وبين الصحافي البريطاني الشهير ايغور جونز الذي كان مراسلا لدار الاذاعة البريطانية في الشرق الاوسط وكانا متفقين في الرأي من ان العرب باستطاعتهم تحرير فلسطين اذا قرروا ذلك واستعدوا له ولكنهم لم يقرروا.

كان الشيخ سعيد يعرف انتمائي الحزبي ونشاطي الوطني في ذلك الوقت ويعجب به ويعزوه الى مغامرات سن الشباب ويقول انه كان كذلك اثناء دراسته الجامعية. وان ظروف هجرته لم تيسّر له العمل مع جماعة لتحقيق امنياته وانه ما كان ليسافر لولا رغبته المساهمة بتعليم اخوته وقد حقق له الله رغبته تلك، وقال لي مرة انه مارس مبادىء الحزب قبل ان يقرأها. ومرة سألني مازحاً في اي مراح ماعز امضيت ليلتي يوم مهرجان دير القمر الشهير في آخر عهد بشارة الخوري، فاخبرته اني ورفقاء لي سهرنا الليل كله في غابة الشربينة التي يصعب وصول قوى الامن اليها لاعتقالنا والحؤول دون حضورنا المهرجان. وكان وفدنا الى المهرجان اكبر الوفود واكثرها تنظيما اذ كان اوله عند فندق الهنود وآخره عند منشية دير القمر اي مسافة كيلو متر تقريباً، وكان في مقدمته الرفقاء حسن الطويل وفؤاد ابي عجرم واديب قدوره والامير زيد حسن الاطرش وغسان تويني وكامل او كامل وغيرهم من كبار المسؤولين .

واذا كان سن الشباب قد دفعني ورفقائي الى حب المغامرة والتضحية فما الذي دفع سعيد الى ذلك المنهج بعد ان تجاوز الخمسين؟

ازداد تقرب سعيد من القوميين الاجتماعيين بسبب تعامله مع عدد منهم، وكان يحدثني كيف تمكن القوميون من ايجاد ناموس اخلاقي محدد وصارم والتقيد به وذلك شيء نادر في الشرق. ولم يذكر امامي انه يدرس امر انتسابه للحزب، وقد قرأت الخبر في الصحف كغيري من الناس، ولكني لم افاجأ به لأني كنت قد سمعت منه مديحاً للحزب ووصفه انه مدرسة الرجولة الحقة. وكنت اعلم ما تعني الرجولة والفداء له . فكان يعبّر دائما عن اعجابه بالشهداء القوميين ويعرف اسماءهم جميعا ويقول ان تضحياتهم كانتلحجز مكان لهم في ضمير الامة لا في عالم آخر .

حسب التصورات اللبنانية ظن الكثيرون ان انتساب سعيد للحزب كان بدافع الرغبة بخوض الانتخابات النيابية بدل شقيقه بهيج، وكانت الظروف مؤاتية لذلك، اذ كان الحزب في اوج قوته في الشوف، ولكنه رفض مجرد البحث في الموضوع معتبراً ان تقسيم الدوائر يدل على ان النتائج مقررة سلفاً. واكد سعيد في اكثر من مناسبة انه لن يدخل لعبة السياسة المحلية، بل انه اندفع في لعبة الصراع على سورية ايماناً منه بأن حرب تحرير فلسطين لا يمكن اطلاقها الا من سورية. وكان توقعه الانتخابي صحيحا اذ اني كنت شخصياً عضوا في لجنة الفرز ولمست التلاعب في النتائج.

اطلق سعيد تقي الدين شعار كل مواطن خفير واسس لجنة تحمل الاسم نفسه وانضم اليها كثيرون من بينهم الدكتور بشارة الدهان والصحافي وفيق الطيبي والرفيق هاني بلطجي والدكتور يوسف عبد الله صائغ والدكتور الامين جورج صليبي وغيرهم. وحسب قول سعيد فوجىء الجميع بحجم التعاون الذي ابداه المواطنون في سوريا ولبنان والاردن الذين تطوعوا لتقديم معلومات ادت الى كشف شبكات تجسس اسرائيلية، وكان الرد حشر اسم سعيد في كل مجموعة انقلابية تدعي المخابرات اكتشافها. وكان آخرها مؤامرة 1956 التي اتهم بها اكثر شخصيات سوريا وكان التزوير والتجني واضحين فيها الى حد ان الرئيس عبد الناصر تدخل شخصيا لالغاء القضية بكل مفاعيلها ومع ذلك استمر استهداف سعيد شخصياً والسعي لاغتياله الى ان اضطر، تحت ضغط رفقائه ومحبيه، للسفر وليته لم يفعل اذ لم يطل به المقام في كولومبيا ولم نعد نسمع بكل مواطن خفير، بل سمعنا فيما بعد بوجود كوهين وامثاله .

*

سعيد تقي الدين عاشق بعقلين

لعل اهم حدث شاهدته بعقلين حتى الان في العام 2010 كان تدشين الساحة التذكارية للشيخ سعيد تقي الدين في منطقة بليط الشحارة التي كانت عزيزة على قلب سعيد ابن حارة الفوقا.

يحمل الحدث معاني كثيرة اهمها انه يعيد الينا الثقة ان الدنيا لا يزال فيها خير وان البلدة التي انجبت عبقريا مثل سعيد وغيره من العظماء بدءا بفخر الدين المعني، ولدت ابناً باراً مثل أمل ابراهيم()، يمثلها في التعبير عن الوفاء الذي احسسنا أننا كنا نفتقده .

الشكر والرحمة للفقيد أمل والتقدير له ولبلدية بعقلين التي تجاوبت معامنيته ووافقت على المشروع .

لقد ربطتني بالشيخ سعيد علاقة خاصة تعود الى سنة 1951 يوم زارنا في منزلنا لسبب لا اذكره جيداً وان كنت أظن أن الزيارة كانت من ضمن جولة رد زيارات كان يقوم بها كل صيف. وكنت يومها طالباً في السنة النهائية في الكلية العامة في الجامعة الاميركية، وسألني عدة اسئلة عن الانشطة الطلابية والوطنية التي كنت من فرسانها المجلين، وتحدث عن ذكرياته في الجامعة. وكان من نتائج تلك المقابلة انه عرض عليّ ان يأخذني الى بيروت وكانت تلك البادرة حلما ادخل السعادة الى نفسي واشعرني بالعظمة بين رفاقي .

كان يعطيني المجلات العالمية مثل لايف وتايم ونيوزويك لأقرأها عنه والخصّ محتوياتها له. كان يقول انه يفعل ذلك لتنمية ثقافتي وتمرَني على البحث. وكان أحياناً يقرأ لي مقالاته القصيرة قبل نشرها.

لقد وجدتني منجذبا اليه الى درجة أني لم أكن أضيع فرصة بعد دراستي إلا واذهب اليه حيث يكون في منزله او نادي الخريجين أو مكتبه في بناية اللعازارية او في بعقلين، وأصبحتُ بالنسبة اليه مثل الابن والمساعد والسكرتير والصديق الصغير .

كان الشيخ سعيد على قمة العظمة وما ذلك التواضع واللطف والاهتمام بالشباب سوى جزء منها. يتمتع بطبيعة جذابة ومحببة وتعليقاته ساخرة وصريحة، ولكنه يغضب عندما يشبهه احد بالادباء الساخرين مثل جورج برنارد شو، ومارك تواين، ويرد باتهام المشبهين بعقدة الاجنبي، كان محباً للناس ولا يحقد على احد. كان يستقبل الناس في الصالون الشمالي او على المقاعد الخارجية تحت ظل شجرة الزنزلخت.

كان يحب معاشرة ذوي الالوان كما كان يسميهم اي الذين يعبرون عن مشاعرهم دون مواربة او مجاملة وبلا اتيكيت مثل حسن نمور وابو ياسر رشيد حمدان و فواز الغصيني وفرحان ولي الدين وسعيد ابو تين وتوفيق ابو شقرا وكانوا بالنسبة اليه ممثلين للرأي العام .

كنت مرة اجلس معه قرب الزنزلختة وجاءه شخص من الشوف الاعلى باد عليه التعب والعرق يتصبب منه فناوله الابريق ليشرب، وبعد ان كرعه دفعة واحدة واستعاد روعه طلب له الشيخ عنبا، فاخذ يلتهم العنقود بنهم فقال له الشيخ سعيد: الظاهر انك بتحب العنب كثير، فأجاب الرجل: أنا بين الحبة والحبة اشتاق لأكل العنب. ضحك الشيخ وقال لي: اي اديب يستطيع ان يعطي تعبيراً افضل من هذا. اجبته بين المزاح والجد: يمكن يكون مشتاق لصحن طبيخ، وكان حدسي صادقاً اذ سرعان ما طلب له رغيف لبنة فأكله. وهنا يظهر الفرق بين الاديب الذي التقط الصورة الجمالية وبين تلميذ الادارة الذي نظر الى الحالة المادية .

لقد غادرت لبنان للعمل في الخارج سنة 1955 ولم يتسن لي مرافقة الشيخ سعيد في ازمته السياسية المتتالية مع اهل الانظمة السائدة وقتها، وكنت قد عملت معه في لجنة كل مواطن خفير وهي اول مؤسسة شعبية لمكافحة النشاطات المعادية والتي ساهمت في الكشف عن امور خطيرة جدا. ويمكن ان يكون استهداف سعيد شخصياً ومحاولات اغتياله نتيجة لنشاطه في اللجنة التي انتهت فعاليتها بعد سفره. ولا يعجبن احد من هذه الفرضية فقد ظهر مما تلا من احداث غرائب وعجائب وكواهين وكوهينات .

كنت في جريدة النهار احضر مجلس الاستاذ ميشال ابو جودة بين السابعة والثامنة مساء كل يوم ويحضره كبار رجال السياسة والصحافة والأدب، عندما ورد على إحدى وكلات الانباء خبر وفاة سعيد تقي الدين بالسكتة القلبيةفكان كالصاعقة على كل الحضور. عبّروا جميعاً عن حزنهم واسفهم واذكر ان الرئيس تقي الدين الصلح قال ان تلك الميتة خيبة امل لسعيد طالما تمنى ان يموت شهيداً. وفيما بعد، اخبرني مغتربون كانوا معه انه توفي على كرسي بحري عند الشاطىء والجريدة على صدره.

في صيف 1961، وبعد فقد سعيد كنت على اهبة السفر الى الفيليبين للمشاركة في دورة تدريبية اقامتها الشركة التي اعمل فيها. التقيت المرحوم الامين انعام رعد الذي طلب الى البحث عن اي اثر لسعيد هناك. وقد زرت قصر عمه الدكتور نجيب الذي استقدمه ورعاه، وقابلت ابنيّ عمه المحاميين الشهيرين فريد وادوارد، واولادهما المحامين الخمسة العاملين جميعا في مكتب واحد.وقد تعرفت على افراد اسرة تقي الدين في الفيليبين التي لا يقلّ عددها عما هي في بعقلين واتيت ببعض الصور والوثائق الخاصة وسلمتها للانسة ديانا.

ولكن الاثر الاهم الذي اطلعت عليه ولم احصل عليهكان مجموعة من الرسائل بعث بها سعيد من مهجره الجديد في كولومبيا الى شريكه القديم في مانيلا بدرو عواد الذي خلفه في ادارة الشركة وفي مركز القنصلية الفخرية للبنان، وكلها تقريباً تدور حول المشاكل التي واجهت سعيداً ومحاولات اغتياله المتكررة وطلب مساعدات لوجستية لبعض رفاقه في رحلة المنفى.

انها رسائل ذات قيمة تاريخية اكثر منها ادبية، واني لم اضغط لاخذ صور عنها في حينه لاني كنت مضطرا لتلبية طلب الشركة التي اعمل لها بالعودة مباشرة الى بغداد مركز عملي الجديد. وقد قدرت ان وقوع تلك المستندات في ايد مخابراتية او ايدي ناشرين سوف يلحق ضرراً بالسيد عواد فأكتفيت بطلب احضار الملف معه الى لبنان عند زيارتهالمقبلة على ان نتقابل ويقرر بنفسه كيفية التصرف بالرسائل، ولكن المقابلة لم تتم بسبب الاحداث التي تلت ثم لوفاة القنصل عواد.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه