شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-08-29
 

تشييع حزبي واعلامي للأمين أنطون غريّب

شيّع الحزب وعائلة غريب وأهالي الدامور في مأتم حزبي وشعبي الاعلامي الأمين أنطون غريب، فأقيم قداس وجناز لراحة نفسه في كنيسة سيدة الوردية ـ بيروت، بحضور ارملته السيدة ليزا الغريب وأبنائه خليل وغسان وانعام، وممثلين عن نقابتي الصحافة والمحررين وعدد كبير من الاعلاميين وشخصيات وفعاليات ورئيس الجامعة اللبنانيـة الثقافيـة في العالم الأمين مسعد حجل.

وحضر وفد مركزي ضم رئيس المجلس الأعلى الأمين محمود عبد الخالق، نائب رئيس الحزب الأمين توفيق مهنا، رئيس المكتب السياسي الأمين علي قانصو، عضو الكتلة القومية الاجتماعية الدكتور الأمين مروان فارس، ناموس مجلس العمد الأمين نزيه روحانا، عميد الداخلية الأمين صبحي ياغي، عميد الإذاعة والإعلام الأمين وائل الحسنية، عميد الاقتصاد الأمين فارس سعد، مدير الدائرة الإعلامية العميد الأمين معن حمية، العميد الأمين سبع منصور، رئيس لجنة تاريخ الحزب الأمين لبيب ناصيف، وكيل عميد الداخلية الرفيق سماح مهدي، مدير الدائرة الاذاعية الأمين كمال نادر، مدير دائرة الأشبال الرفيق سامر عبد الباقي، وعدد من المسؤولين وجمع من القوميين.

وبعد الصلاة برئاسة الكاهن غابريال ثابت ولفيف من الكهنة القى الكاهن ثابت عظة قال فيها: حياة المرحوم أنطون تشابه حياة المؤمن الذي يصفه الإنجيل وذلك من خلال المحبة التي يحملها في نفسه، والالتزام الذي التزمه بحزبه وبعائلته ومجتمعه، وبعمله الصحافي، كلّ ذلك جعله يترك منزلة خاصة في قلوب وعقول أفراد عائلته ورفقائه وأصدقائه ومعارفه، وقد نال التقدير الكبير من قبل الجميع لما قدمه من أعمال باهرة، لقد أتقن أنطون لغة المحبة والالتزام والتسامح، وهذا ما يدفع رفقاءه وزملاءه وأصدقاءه إلى الافتخار به.

وقدم التعازي لزوجته وأبنائه وأهله ولعائلته الكبيرة رفقائه في الحزب وفي العمل الصحافي، وللحزبيين الذين يرافقون الوطن والمواطن في كلّ اللحظات الحرجة، فقد كان أنطون يواكب أحداث الوطن والمشرق بطريقة تحفظ سلامة الوطن كما هي حال رفقائه.

ثم ألقى الاعلامي الرفيق غسان الشامي كلمة العائلة وجاء فيها: لأنطون غريب وجه من حبق ومن ألق، لأنطون غريب صفحة لا يقرأها أحد سواه، له ركن أليف وظلّ وارف وابتسامة ناصعة بخبرة مقاوم، وعليه كان اتكال، ففي الأزمنة الصعبة كان حاضراً مثل إشراقته. إنني أشكر ليزيت وخليل وغسان وإنعام لأنهم حملوني أحاسيسهم ولوعتهم وأشواقهم وفقدانهم ومحبتهم لأنطون فجعلوا بيتي بيتين واسعين لعائلة واحدة فيها غسانان.

أنطون غريب من عمر أبي على التمام والكمال، وقريبان في الروح والانتماء إلى وطن عاث فيه المضلون، وبقيت لدى قبضة من أبنائه جذوة التراب الأول ورائحته بعد سقوط المطر، لكن والدي غادر باكراً، ورثاه أنطون بأمانة تليق بمؤتمن على الصفاء، وبقيَ أنطون في الحياة صديقاً ورفيقاً عالي الجبهة، ممدود الكفّ، من المبشّرين بالانتصار العظيم، لم يطمره عمر ولم يثنه سعال، ولم تقعده عن الرفعة مصيبة أو ازورار صديق أو تلكؤ رفيق أو انحسار حقبة، كان دائماً يجد مخارج، وملاذات للآخرين، ممراً جانبياً كي يغفر السيئات، شباكاً كي يفلت مَن غافلوه مما اقترفوه وهو الأدرى بضعفهم.

من سنديان قدّت ريشة قلمه مددها حبر نهضة افترشت البيت والشارع والمكتب، ولوّنت الصفحات البيض رغم حلكة انقلاب بعض الناس على بواريدها.

في عز ظهيرة من غادروا بيروت عام 1982 أو التبست عليهم إرادة الصراع، أو أحجم قلبهم عن مقارعة المستحيل، حوّل أنطون قلمه بندقية وجريدته منشوراً، ومقالاته مقاومة، وصندوقة سيارته بيتاً، وبقيَ مع من امتشقوا ما تيسّر من سلاح فردي يكتب ملحمة العز ومقاومة المخرز بالقبضات والأوردة.

كانت دمشق مقصداً قومياً فقط له، وقتما كان كثيرون يقصدونها تكسّباً وتمسيحاً، وبالتحديد بعد انزياح التتار اليَهَوي عن قلب بيروت، وأعلم مدى التقدير الذي كان يكنّ له هناك من كانوا لا يبيعون ولا يشترون، وكان المطعم على ضفة بردى شاهداً.

طبعاً أعرف الكثير عن هذا الرجل الطاعن في الأرض منذ شهقة قمح حوران الأولى إلى شروق موز الدامور، وأعرف أنّ جيناته مقدودة من عشق ومن رفق ومعرفة، وأن "الإثم الكنعاني" يحرث في سهول روحه، وأنّ ذلك السوري العتيق مقارع الأبالسة ومجالس الآلة القديمة ومداعب البيارق، قد زرع في فناء بيته أو على شرفته أيام الهجرات فُلاًّ وأقلاماً ودفاتر.

مرّت علينا سنتان من العمر كنت ألقاه صباحاً في ضهور الشوير على ذلك المطلّ قبالة صنين، ربما تكون أم خليل قد حضرت قهوة انقضّ على أغلبها، ثم نيمّم شطر معاناة المجلة في رأس بيروت، ونقار الفقر المالي، ومفارقة المانشيت باكراً، وتكتيك الوصول إلى لغة تقرض حطب الشعارات المكرورة وما أكثرها، كما نحاول برد النتوءات ووأد الخلافات وتقريب التنافرات، نجح أحيانا كثيرة، وحين يخفق يلجأ زعلاناً صامتاً إلى دخانه اليومي، وبعد غفوة على الكنبة كان يذهب إلى الجريدة، حيث لا مجال له إلا العمل والسهر، كي يبقى واقفاً وأنيقاً، ولا يحتاج لمنة من أحد، وعلى تخوم منتصف الليل أمر عليه لنمضي مجدداً إلى ضهور الشوير، محمّلين الطريق هموماً وخبريات، وبعض أسى من مآل الحال، وأحلاماً بالتغيير، وأفكاراً لنهار جديد وموعداً لانتزاع المستقبل من فكّ الماضي، فأنطون غريّب لم يختير، وكان يقول لي إنّ الكهولة لا تجرأ على مقاربة الصحافي أو الاقتراب منه، لأنه يكتب دائماً عن اليوم ويتوقع ما سيأتي، وغداً نهار آخر يطوي ما مضى.

لغيري أن يحكي عنه في ساحات السياسة التي لا أحبّها بالرغم من أنها في فكري وفي فكره فن تحديث الأغراض القومية، ولي حكايات العشيات وجلسات الصفاء والنقاش ووجدانيات الأيام الخوالي وطراوة الزم الأصيل الذي أنبته وأنبت رسوليين لم تلوّثهم مغريات الدنايا ودنيات الارتزاق وبيع الأقلام في أسواق النخاسة الإعلامية العربية.

لغيري أن يوثق نضالاته، فأنا الآن في حضرة حضوره في قلبي وبيتي وعائلتي وخمري وأغنيتي،

إن أبا خليل إنسان، يا الله كم شوّهت هذه الكلمة في عصر القطعان، إنسان ترك لنا نسمة وبصمة.

لله در النسمات التي تترك برودة على وجنات من لا يزالون يحسّون بنكهة الريح، وبصمة فيما كتبه وأرّخ له مياومة طيلة أكثر من نصف قرن بهدوء العارف المستنير القلب، وهذا ما يجب جمعه لكتابة مرحلة ينبغي أن نتعلم منها، وهل سنتعلم؟

إنها الأيام الصعبة أيها الأمين على ابتساماتنا وأقلامنا، إنها الأيام التي لا بدّ فيها من امتشاق العقل والبندقية. وها أنت ترحل، وتبقى، وستبقى معك هذه الأرض ما دامت تدور على نفسها.

باسم أم خليل وخليل والغسانين وإنعام نشكركم جميعاً بمحبة مثل محبته.

ولنا طلب واحد، إنه إرث اجمعوه وارفعوه وأكملوا.

والبقاء لهذه الأرض وللصالحين أبناء الحياة الذين سعوا عليها، وللذي بسطها وهي تدور فيما نحن واقفون.

بعد التأبين حملت ثلة من القوميين النعش ملفوفاً بعلم الزوبعة ويتقدمه اكليل زهر باسم رئيس الحزب الأمين اسعد حردان، وأدت ثلة أخرى باللباس الرسمي التحية الحزبية، ثم نقل النعش في موكب وشيّع إلى مثواه الأخير في مدافن العائلة في بلدته الدامور.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع