شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-09-16 |
بدايات العمل الحزبي في البقاع الأوسط وزيارات سعاده إليها |
النفسية الثورية التي يتمتع بها الأمين يوسف الدبس، وعشقه للكلمة، وللشعر، هي التي قادته في العام 1933 إلى إصدار مجلة باسم " الغزال " (نسبة إلى بلدته دير الغزال) وإلى أن تحتوي مقالاته فيها كما خطبه في المناسبات، على بذور التحرر والتصدي والعنفوان مما جعل أهالي منطقة رياق يلقبونه بالثورجي، وأيضاً إلى أن يبحث عن طريق تحقق لبلده الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي وتؤمن له النهوض . ذات يوم من عام 1934 توجه الأمين يوسف إلى بيروت لقضاء عدة أيام، فدخل مقهى فتوح(1) غربي ساحة الشهداء، حيث كان يتلاقى فيه سياسيون وأدباء وشعراء. وكان ان دخل الأمين عبدالله قبرصي الذي كانت تشده إلى الأمين الدبس روابط صداقة، وسبق أن نشر له الامين دبس مقالات في " الغزال " فانضم إلى مجلس الأدباء الذي كان منه يومذاك الصحافيان ميشال زكور (صاحب جريدة المعرض) وجبران تويني (صاحب جريدة "النهار") فخري البارودي (أحد القادة السياسيين في دمشق)، والشاعر أمين نخلة. يقول الأمين يوسف: " بعد وقت قليل، دخل شاب أسمر اللون منبوش الشعر يلبس الجزمة ويتأبط دفتراً صغيراً، وجلس في زاوية من المقهى بعد أن ألقى التحية على الحاضرين، وراح يدوّن على الدفتر ما يجول في خاطره ". ساور الأمين يوسف الشك خاصة أنه كان يلاحظ أن الشاب الجالس في زاوية المقهى يدون على الدفتر كلما تحدثوا في السياسة، فسأل الشاعر أمين نخلة: هل تعرف هذا الشاب ؟ فأجاب: هو أستاذ في الجامعة الأميركية. الأمين قبرصي وكان يستمع إلى الحوار ضغط على يد الأمين دبس خفية وقال له: ستعلم ذلك، اليوم، اتركها لي ". بعد فترة قصيرة كان الأمين عبدالله قبرصي ينتحي زاوية في المقهى مع الأمين يوسف الدبس قائلاً له: أتذكر أنك في اجتماعنا الأخير في رأس بيروت قلت لي أن بلادنا تحتاج إلى حزب منظم يقوم على رأسه رجل قوي جرئ يضرب بيد من حديد ويقود الأمة إلى الصواب ". وإذ أجابه أنه يذكر ذلك جيداً، تابع: " أن الحزب الذي قلت عنه قد وجد ولعلك قد تنبأت عنه، فهل لك أن تعمل في صفوفه؟ ثم راح يشرح له مبادئ الحزب، فأعجب بها الأمين يوسف، وإذا بهما يتوجهان إلى منطقة "خان أنطون بك" في بيروت حيث قرع الأمين قبرصي باب إحدى الغرف قرعاً معيناً استرعى انتباه الأمين الدبس، ودخلا . يروي الأمين الدبس: " شد ما كانت دهشتي عندما رأيت الشاب المنبوش الشعر الأسمر الجذاب جالساً وراء طاولته، فقال له الأمين عبدالله، هذا يا سيدي هو صديقي الذي أخبرتكم عنه ". فاستقبلنا بكل حرارة وأخذ يفند لي القضايا القومية بشمولية وعمق بالغين وذلك بأسلوبه البديع وكنت مأخوذاً بسحر بيانه وجاذبيته، ولم أكن أصدق أن رجلاً مسيحياً في لبنان يفكر هذا التفكير الجريء " . تلك كانت بداية تعرّف الأمين يوسف الدبس، الرفيق الأول في منطقة البقاع الأوسط، على سعاده وعلى الحزب. وكان أن أدى قسم الانتماء أمام " الشاب المنبوش الشعر " وقد عرف أنه أنطون سعاده زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، " وإنني أمام شخصية فذة توجب علي احترامها والسير معها حتى الموت، وخرجت وأنا مؤمن بأمتي وبزعيمها وبالعمل الجبار الذي يقوم به ". زيارة سعاده والنواة الأولى : عاد الأمين يوسف الدبس إلى بلدته " دير الغزال " وهو مصمم على أن يعمل لنشر الدعوة القومية الاجتماعية في المنطقة، ولذا راح يتردد إلى رياق " لأنها مركز الثقل بالنسبة للفرنسيين وقاعدة كبيرة للجيش والطيران "، وراح يجتمع بأصدقائه الذين كان تعرّف إليهم وعرف بما يتمتعون به من ثقافة وتفهّم للأمور الوطنية القومية. وكان الأمين يوسف كلما توجّه إلى بيروت ينقل إلى سعاده ما يقوم به مع مجموعة الأصدقاء إلى أن باتوا مهيئين للقسم، وفي الموعد المحدد اصطحب الأمين يوسف حضرة الزعيم إلى رياق، وتحديداً إلى غرفة صغيرة كان قرر وأصدقاؤه المقبلون على الحزب أن يستعملوها مقراً للسكن عند الاضطرار ومكتباً للاجتماعات الحزبية. يقول الأمين يوسف الدبس: حصل ذلك في آخر تشرين الثاني 1934 وكان الطقس ممطراً، ويضيف: " دخل سعاده وهو يرتدي البنطلون الرصاصي وينتعل الجزمة السوداء، وأخذ يشرح للحاضرين مبادئ الحزب وأهدافه، والأسباب التي دعته لإنشائه، والكل ينظر إليه مشدوهاً مأخوذاً بسحر بيانه وتحليله للأمور من جميع جوانبها، لمدة ثلاث ساعات متواصلة ". في هذا الاجتماع أقسم الرفقاء التالية أسماؤهم يمين الولاء للحزب: جاك مطران، ديب كربجها، ميشال كعدي، فهد الدبس، نبيه دموس، عزيز خيرالله ونجيب فيكاني. وهم – بعد الأمين يوسف الدبس – الرفقاء الأوائل في منطقة البقاع الأوسط . بعد أداء القسم، تمّت كتابة البطاقات الحزبية، التي كان على كل عضو جديد أن يملأها: الاسم الكامل، مكان وتاريخ الولادة، المهنة، ثم وضع بصم الإبهام الأيمن، من اليمين إلى اليسار. يذكر الأمين يوسف الدبس في كتابه " في موكب النهضة " أن الرفيق ديب كربجها، عندما وضع إبهامه على البطاقة، وكانت يده ضخمة، أخذ الفسحة كاملة من يمين البطاقة حتى أيسرها، فلم يتمالك الجميع من الضحك، ويضيف أن سعاده بعد عودته من المغترب عام 1947 وحين استقباله للأمين الدبس بادره بالسؤال، كيف حال رفيقنا ديب وإبهامه؟ وكان قد مرّ 13 سنة على هذه الواقعة . شكّل هذا الاجتماع، واداء الرفقاء السبعة لقسم الانتماء بداية تأسيس العمل الحزبي في البقاع الأوسط، وقد انطلق الرفقاء يعملون بدون كلل، انما في الخفاء، خوفاً من انكشاف أمر الحزب، وخوفاً من الفرنسيين وعملائهم الكثر في رياق ومحيطها. وزيادة في الحيطة عمدوا إلى الحصول على رخصة لجمعية، وانتخبوا منهم هيئة إدارية لها، ووضعوا لافتة على الغرفة التي كانوا استأجروها في رياق باسم " جمعية النهضة الخيرية "، وقاموا ببعض النشاطات لمساعدة المحتاجين والفقراء. وهكذا أمكن للرفقاء أن يجتمعوا في الغرفة – المكتب دون خوف، فيما الأوراق الحزبية محفوظة في مكان آخر. الرواية الاولى من النشاطات التي فكر فيها الرفقاء، بعد استئجار الغرفة – المكتب وتأسيس " جمعية النهضة الخيرية " هو إنشاء فرقة للتمثيل التي، بعد أن أجرت التدريبات، اختارت رواية " شهامة العرب " (في مواكب النهضة ص26-27) لتكون أول رواية تقوم الفرقة بتمثيلها وقد تقصّدت أن تقدم التمثيلية في الأول من أيلول الذي يصادف "عيد استقلال لبنان الكبير" الذي كان أعلنه المفوض السامي الجنرال غورو، وكانت الدولة في ذلك الوقت تعتبره عيداً رسمياً تعطل فيه مختلف الدوائر. تمت دعوة سعاده ومن يرغب من العمد لحضور هذه التمثيلية، كما دعي لإلقاء كلمات في المناسبة كل من الأمين عبدالله قبرصي، الأستاذ نجيب حنكش(2) الشاعر رياض معلوف، والشاعر فريد لحود صاحب جريدة "العندليب" الزجلية . امتلأت القاعة (وهي مطعم كبير) بالحضور حتى غصّت على رحبها . كان الأمين يوسف الدبس عريف الحفلة وقد افتتحها بالكلمة التالية: " أيها الحفل الكريم، يسرّني أن استقبلكم اليوم في هذه القاعة لحضور تمثيلية " شهامة العرب " ونفتتح حفلتنا بالنشيد السوري"، ثم ارتفع الستار الخلفي وظهر الممثلون وإبتدأوا بنشيد " أنت سوريا بلادي أنت عنوان الشهامة "، " وقف الجميع مشدوهين، كيف يكون ذلك؟ عيد استقلال لبنان وتفتتح الحفلة بالنشيد السوري؟ كيف يجرؤ هؤلاء الشباب على عمل كهذا ان لم يكن هناك أسباب جوهرية خفية وراء عملهم". وصل الزعيم متأخراً بعض الوقت " فاستقبلناه بالتصفيق، وتعاقب الخطباء على الكلام، وقد شعر الجميع أن هناك شيئاً في الأفق غير طبيعي لم يتعود الناس عليه ". يفيد الأمين يوسف الدبس أن سعاده رغب بعد انتهاء التمثيلية أن يقوم بجولة في السهل رافقه فيها الأمين عبدالله قبرصي والرفقاء ميشال كعدي، ديب كربجها ونجيب الفيكاني. العشاء في دير الغزال بعد انتهاء الحفلة توجه المدعوون إلى منزل الأمين يوسف الدبس في " دير الغزال " لتناول طعام العشاء كما كان مقرراً. كانت حفلة العشاء في الهواء الطلق في كرم صغير، وقد جلس الجميع على الطنافس في أجواء جميلة توحي الشعر والأدب " وكان رفيقنا فوزي دموس يشنّف آذاننا بين الفينة والأخرى بصوته الشجي الرقيق ". ويضيف الأمين يوسف في كتابه " في موكب النهضة ": " تشعب الحديث في السياسة والأدب. " من مقطوعة شعرية لرياض معلوف، الى مقطوعة زجلية لفريد لحود، حتى خطر على بال الأستاذ قبرصي أن تكون الحفلة شبه حزبية فقال: " ما رأيكم يا اخوان لو أقمنا زعيماً لهذه الجلسة " ؟ فوافق الجميع ثم أضاف: " أقترح أن يكون الأستاذ أنطون سعاده زعيماً لهذه الجلسة " فرفعنا كؤوسنا نشرب نخب الزعيم ثم نخب الرئيس الذي هو نعمة ثابت ثم نخب المدير الذي هو كاتب هذه السطور " (اي الامين يوسف الدبس). امتدت الجلسة حتى منتصف الليل . " نام الزعيم عندنا وعاد في اليوم التالي إلى بيروت مشيعاً بعيوننا والأفئدة ". عن تلك الحفلة يقول الأمين عبدالله قبرصي في كتابه "عبدالله قبرصي يتذكر": " بيني وبين الرفيق يوسف الدبس، رابطة صداقة نشأت قبل نشوء الحزب، وعلى الأقل قبل انتمائنا إليه، بل أن هذه الصداقة كان لها أثر كبير على إقناع يوسف بالعقيدة السورية القومية. " في أيلول 1935، كان يوسف والرفقاء في منطقة رياق – دير الغزال قد اعتزموا إقامة حفلة خطابية. كنت أنا أحد خطباء الحفلة. وقد أقيمت في قاعة فسيحة !… حملني يوسف على المجيء من بتعبورة – الكورة إلى رياق، فانسلخت عن خطيبتي في ذلك الأحد من شهر أيلول انسلاخاً قسرياً.. عدا نفقات الانتقال بسيارة خاصة وقد كانت فوق طاقتي المالية بكثير. في تلك الحفلة تناوب على الكلام عدد من الخطباء بينهم يوسف الدبس ونجيب حنكش وكان يحضرها الشاعر رياض معلوف وشاعر زجلي يدعى فريد لحود (من بعبدا صاحب مجلة الزجل اللبناني) . " كنت أخطب بحماس. اندفع مع كلماتي كأنما أنصب على الحاضرين عصبا ثائراً أو غضباً زاجراً. راح الناس يصفقون وأنا أرجوهم التوقف لئلا ينقطع سيل أفكاري… فلما تمادوا أكثر صحت بهم: لم أنته بعد… (يوسف الدبس يذكر هذا المشهد ويضحك طويلاً)... " لم يكن بمقدورنا أن نشير إلى الحزب بقليل أو كثير. كانت كلماتنا مبطنة بالحزب. ظاهرها كان عاماً وتجريدياً. لذلك كنت كثيراً ما أركز على إيقاظ الروح التحررية في الناس، وأعدهم لتقبل عقيدتنا بالكلام عن سورية الطبيعية، الأمة التامة والوطن الأمثل. في البدء – في مرحلة التأسيس – لم يكن لنا بد من توليد عصبية قومية سورية… ما كنا في صدد علاقاتنا بالعروبة وبالعالم. كنا في طور بعث الأمة السورية. ولا بد من التشديد على شخصيتها مستقلة عن أية شخصية أخرى". ويذكر الأمين عبدالله أن سعاده وصل متأخراً وكان يرافقه نعمة ثابت ومأمون أياس وبعض المركزيين. بعد انتهاء الحفلة انتحى به سعاده وأخبره كيف أنه في ذلك النهار عقد جلسة المحكمة التي انتهت بإصدار قرار طرد شارل سعد ورفاقه(3) . وعن العشاء في " دير الغزال " يقول الأمين قبرصي: " رتل من السيارات يتجه إلى كروم دير الغزال. الأضواء تشعشع في الكروم من قناديل لوكس معلقة على العواميد. الطاولات ممتدة على طول الكرم. وفوق ذلك قمر البقاع يرش من عليائه الأغطية الفضية على عناقيد القوميين وعناقيد العنب. سعاده، على المائدة، كان يبشر بالعقيدة ويتحدث عن الأوضاع العامة، كأنما يحفز الحاضرين إلى البحث عن وسيلة للخلاص. دبّ الحماس والخمرة في رأسي، فوقفت رافعاً كأسي وقلت: " ليست هذه الجلسة لتكتمل بدون زعيم، فلنزعم الأستاذ سعاده، " ولنشرب سر الزعيم… " فوقف المدعوون جميعاً وشربوا سر الزعيم… ثم بعد لحظات، قلت: ولنرأس الأستاذ نعمة ثابت، ولنشرب سر الرئيس، وهكذا شربنا سر الجميع بمن فيهم المدير يوسف الدبس. بعد ثلاثة اشهر انكشف الحزب . فما إن التقيت بعد السجن بالشاعر رياض معلوف حتى بادرني: ما إن طلعت الصحف في 17 تشرين الثاني وفيها الأسماء والأخبار، حتى فهمت مغزى الكؤوس التي شربناها في كروم دير الغزال !… يا عبدالله كنت تخدعنا دون أن نحس بالماء تجري من وراء ظهورنا " . أول حفلة في زحلة يروي الأمين يوسف الدبس في كتابه " في موكب النهضة "، التالي: " كان الحزب لا يزال سرياً ورفقاؤنا في زحلة أقلية ضئيلة عندما فكروا بإقامة حفلة خطابية في إحدى دور السينما تكون الدعوة إليها عامة لمن يرغب في الحضور. " حضر ما يقارب المئتي شخص، تخلل الحفلة مقاطع غناء وموسيقى وألعاب بهلوانية، وكان القصد من كل هذا تعريف الناس على الشباب المثقف والاحتكاك بهم والتداول في أن هناك من يرغب في رفع شأن هذا الشباب الذي يتوق إلى كل جديد ومبتكر، فيشعر كل واحد أن عليه مسؤولية هي محبة وطنه والدفاع عنه ونبذ روح التعصب واللامبالاة . بعد الانتهاء من الغناء والموسيقى والألعاب ألقى الأمين الدبس قصيدة حماسية، هي التالية: (القصيدة مرفقة) . انتشار الحزب راح الحزب ينتشر في منطقة زحلة، وبرز من المنتمين رفقاء كان لهم حضورهم في الحياة العامة، لعل أميزهم الشاعر سعيد عقل الذي انتمى على يد الرفيق فؤاد مفرج من بشمزين – الكورة، كما يفيد الأمين جبران جريج في الجزء الأول من مجلده "من الجعبة"(4) . ومن المعروف أن الشاعر سعيد عقل ألف نشيداً للحزب مطلعه: صخب البحر أم الجيش السخي أم بلاد تملأ الدنيا دوي سورية يقظة ملء المدى بسمة ملء الربيع سورية فوق الجميع إلا أنه لم يعتمد لصعوبة تلحينه . من الرفقاء الأوائل نذكر: توفيق التيني، سليم المعلوف (نائب زحلة)، فوزي بردويل (محافظ البقاع)(5) ، المحامي أنطوان رامي، المحامي طانيوس البقاعي، جوزف بحمدوني(6)، المحامي نظمي عزقول(7)، وديع نصرالله، جورج هاشم، الأديب والشاعر خليل القادري، نقولا ريا، رشيد ليون . ولم يقتصر الانتماء إلى الحزب على مدينة زحلة وبلدات رياق، دير الغزال وجوارهما، إنما امتد إلى تربل، المعلقة، سعدنايل، قب الياس، شتورة وبر الياس(8) . ومن المنفذين العامين الذين توالوا على المسؤولية في الثلاثينات، بعد الأمين يوسف الدبس الذي يعتبر بحق مؤسس فروع الحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقة البقاع الأوسط، نذكر: جوزف بحمدوني، رشيد ليون ونظمي عزقول. إذا كنا حالياً نرى في الانتماء إلى الحزب أمراً لا تحيق به أخطار الملاحقات والمحاكمات والسجون، إلا أن الوضع لم يكن كذلك في الثلاثينات، ليس فقط لأن لبنان كان تحت وطأة الانتداب الفرنسي حيث جيش المستعمر يحتل أرضه، واستخباراته تحصي الأنفاس، وقانون قمع الجرائم(9) سيف مسلّط فوق رقاب المواطنين إنما لأن منطقة زحلة كانت تحتضن، إلى مطار رياق العسكري، خط سكة الحديد من دمشق إلى منطقة الشمال السوري. فكان طبيعياً أن يضاعف الجيش الفرنسي من عيونه في هذه المنطقة وأن يتشدد في مراقبة كل شاردة وواردة، وبالتالي أن لا ينظر بارتياح إلى نمو الحزب وانتشاره بعد انكشاف أمره في 16/11/1935 واعتقال زعيمه ومعاونيه والعديد من أعضائه، فعمد على طرد جميع الرفقاء العاملين في المطار أو في محطة سكة الحديد، ثم توسعت عملية الطرد لتشمل كل من يمت بصلة قرابة إلى الأمين يوسف الدبس، أو هو من بلدة "دير الغزال" ، حتى إذا ما روجع المعنيون أجابوا: " اذهبوا إلى المسيو دبس فهو يدبر لكم عملاً في الحزب" . بعد خروج سعاده من أسره الأول في أواسط أيار 1936 قام وفد من منفذية زحلة بزيارته للتهنئة. يقول الأمين عبدالله قبرصي في الجزء الأول من كتابه "عبدالله قبرصي يتذكر" التالي: " لم يسعدني الحظ أن أحضر كل الاستقبالات لأن مشاغلي كانت قد تكاثرت ومسؤولياتي كذلك، إلا أن الزميل الاستاذ فوزي بردويل مرّ بي مع وفد زحلة في رتل طويل من السيارات، فقصدنا معاً بيت المعلم، وقد استمعت إلى الخطابين الحماسيين اللذين ألقاهما كل من الأستاذ بردويل والأستاذ جوزف بحمدوني. أذكر عبارة ظلت راسخة في ذاكرتي ألقاها الأستاذ بردويل: " إننا سنحقق بالدم المبادئ التي بها آمنا ". ويضيف الأمين قبرصي: " آسف أن أسجل أن الزميلين العزيزين ما استمرا طويلاً على طريقنا، كل منهما ذهب في سبيله ". وبعد خروجه أيضاً بأيام " تمّ اعتقال 15 رفيقاً من زحلة بينهم أربعة محامين كانوا مجتمعين حول مائدة في منزل الرفيق ميخائيل ريا في حي مارتقلا بتهمة انتمائهم إلى الحزب واجتماعهم في المنزل المذكور للتداول في تسيير شؤون الحزب(10) . مؤامرة اغتيال الأمين الدبس ولأن كل هذا التنكيل لم يؤثر على صلابة الرفقاء، وعلى ثبات إيمانهم، فقد تدبرت السلطات الفرنسية مؤامرة لاغتيال الأمين يوسف الدبس . يروي الأمين يوسف تلك المؤامرة في كتابه " في مواكب النهضة " فيقول: في إحدى الليالي وكانت الساعة الثانية عشرة ليلاً سمعت قرعاً على الباب فقمت لأفتحه وشد ما كانت دهشتي عندما شاهدت فتاة فرنسية، والدها كولونيل في الجيش الفرنسي في رياق، وكنت قد تعرفت عليها في بيت أحد الأصدقاء في رياق، هذه الفتاة لا زلت أذكر إخلاصها ووفاءها حتى اليوم، قالت: "لا تتعجب من مجيئي إليك في هذه الساعة المتأخرة من الليل فاسمع ما جرى: " كان الاجتماع في بيتنا الليلة وقد كلف أحد الجنود باغتيالك عند ذهابك إلى رياق، دهساً بسيارة رينو رقمها كذا... فانتبه لنفسك وكن حذراً وإنني أفضل أن لا تنزل إلى رياق هذا الأسبوع وسأخبرك بكل التفاصيل فيما بعد، ثم ركبت حصانها وعادت في الحال. " اتخذت الحيطة للأمر وكلّفت أحد أصدقائي الذين أعرف أنه على اتصال دائم بأحد الضباط فجاءني بالمعلومات التالية: "إن صاحب الرينو الحمراء كان يذرع رياق ذهاباً وإياباً مرات عديدة في النهار وهو يحمل رسمي بيده علّه يهتدي إلي للقيام بما كلّفوه. في الأسبوع نفسه بينما كان الجندي المسكين يقوم بمناورته كالمعتاد، ويظهر أنه كان قد شرب كثيراً من الخمر، اصطدمت سيارته بعامود الكهرباء وتحطمت فنقل إلى المستشفى وهو في غيبوبة ". وفد زحلة إلى حفلة تأبين إبراهيم هنانو في دمشق بعد أن وافت المنية في حلب رئيس الكتلة الوطنية في الكيان الشامي، إبراهيم هنانو، تقرر إقامة حفلة تأبينية كبرى في دمشق بتاريخ 11 كانون الثاني 1936. من الشمال اللبناني تشكل وفد من الرفقاء مصطفى المقدم، جبران جريج(11)، سعدي الذوق، فيما تشكل من منفذية زحلة وفد آخر ضم الأمين يوسف الدبس وعدداً من الرفقاء منهم سليم المعلوف (نائب زحلة). يروي الأمين الدبس في كتابه أنه اتصل بالزعيم في سجنه يسأله الموافقة لأن يخطب باسم الحزب، بعد أن طلب منه ذلك المسؤول عن الاحتفال ونائب دمشق، عضو الكتلة الوطنية السيد لطفي الحفار، فنال الموافقة. ويضيف أنه ألقى قصيدته في الجامع الأموي الكبير بعد أداء فريضة الصلاة عن روح الفقيد، وإلقاء كل من الأستاذ فخري البارودي (أحد أقطاب الكتلة الوطنية) ونائب حماه الدكتور توفيق شيشكلي لكلمتهما، فلاقت التصفيق الحاد والاستحسان الكبير، مشيراً إلى أنه كان أول مسيحي يخطب في جامع بني أمية، حسب تقديم الأستاذ فخري بارودي له. يوم تربل (13) كان الأمين يوسف الدبس يتولى مسؤولية منفذ عام البقاع الأوسط عندما أقام الحزب مهرجانا حاشداً في سهل البقاع، في بلدة تربل، اعتبره سعاده من أيام الحزب وقد أتى على ذكره في ندائه إلى الأمة السورية في أول تموز 1939، " أذكركم بيوم طرطوس ويوم صافيتا ويوم تلكلخ وكواكب فرسانه ويوم تربل ومناوراته ". عن يوم تربل يقول الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من كتابه "من الجعبة": " لا بد من ذكر ذلك الاجتماع الضخم الذي أقامته منفذية زحلة في سهول البقاع الرحبة حيث حمل القوميون الاجتماعيون أعلامهم الى الاجتماع سراً ثم راحوا ينشرونها فجأة في المكان المقرر للاجتماع، فتعلم به قوى الأمن وتحاول مداهمته ولكن آنى لها ذلك فقد ناور المسؤولون واختفوا كما ظهروا منكفئين لجهة "تربل" وهذا مما حدا بالزعيم بتسمية ذلك الاجتماع من أيام الحزب التاريخية. وعنه يقول الأمين يوسف الدبس في كتابه "في مواكب النهضة": "وقف القوميون صفوفاً منتظمة بقيادة ناظر التدريب الرفيق ديب كربجها الذي كان يتمتع بجسم رياضي لافت وصوت جهوري ويرتدي اللباس الرسمي. وابتدأ بالإيعاز: " تهيأ، إلى الأمام سر، فمشت الصفوف بديعة النظام، وارتفعت أكفّ المواطنين بالتصفيق الحاد فيما رفيقنا ديب يصيح بصوت عال: " واحد اثنان"، الى ان وصل الصف الأول إلى حافة الساقية، أو قل النهر الصغير، دون أن يسمع أعضاؤه كلمة إلى الشمال در، فنزل الصف الأول في الماء وتبعه الآخرون دون أن يلتفت أحد منهم شمالاً أو يميناً، ودون أي تذمر، وتبلّلت ثيابهم بالماء وهم لا يزالون سائرين كأنهم يسيرون على العشب الأخضر، ثم صاح ناظر التدريب: مكانك راوح، فوقفوا والماء تتراوح معهم إلى الأمام وإلى الوراء، ثم سمعنا كلمة إلى اليمين در، فخرج الجميع من الماء بشكل اعتيادي ومشوا كما كانوا، حتى خرج الجميع من الساقية كأن شيئاً لم يحدث دون أي اعتراض أو تأفف . عند ذلك اقتربتُ من الرفيق ديب وسألته: "لماذا فعلت هذا" ؟ وقف رافعاً يده زاوية قائمة وقال: " كنت يا حضرة المنفذ أمتحن قدرة القوميين على الصبر وفهمهم للنظام، ألم نقسم على السير إلى الموت، فكيف لا نسير إلى ساقية في الماء" ؟ . زيارات أخرى لسعاده من الزيارات التي قام بها سعادة إلى منطقة زحلة نذكر تلك التي تحدث عنها الأمناء جبران جريج، يوسف الدبس ومصطفى عبد الساتر في مذكراتهم. 1.الأمين جبران جريج يروي في الجزء الثالث من مجلده "من الجعبة" (ص328-329) أن سعاده لبى، ومعه الرفيق فريد مبارك دعوة صديق له من البرازيل يدعى سليم نادر الذي كان والسيدة قرينته في زيارة إلى مسقط رأسه، زحلة. انضم إلى سعاده منفذ عام زحلة الرفيق نظمي عزقول، وفي الحفلة الراقصة التي أقيمت في أوتيل قادري شارك سعاده في الرقص، مفتتحاً إياه مع زوجة صاحب الدعوة. 2.عن كتاب الأمين يوسف الدبس "في موكب النهضة" (ص111-112) . " وصل الزعيم فجأة إلى زحلة في سيارة تاكسي دون أن يرافقه أحد أو يعلم أحد بمجيئه، وما كاد يترجل من السيارة حتى شاهده أحد الرفقاء من مديرية بر الياس فاقترب منه رافعاً يده بالتحية وقدم نفسه "الرفيق قاسم الكردي" تعجب الزعيم وسأله: "كيف عرفتني ؟ وهل رأيتني قبل اليوم" ؟ قال: "كلا ولكن وجه الزعيم مرسوم في عقلي وقلبي". ولما سئل إلى أي مديرية ينتمي قال: بر الياس، فسأله الزعيم: "هل تعرف أين يكون المنفذ العام في مثل هذا الوقت" ؟ فأجابه الرفيق قاسم: "كان المنفذ يحضر الاجتماع الدوري عندنا وهو يتردد كثيراً على بر الياس هذه المدة ". قال سعاده: "إذهب فتش عليه وعد معه إلي ولكن قبل ذلك ادع لي عربة تجرها الخيول لأذهب إلى وادي العرائش، فإن لوقع حوافر الخيل على الأرض رنّة موسيقية أحب سماعها ". " وصل الرفيق قاسم إلى رياق فدهشت لرؤيته متسائلاً: " هل هناك ما يقلق في بر الياس " ؟ قال: "جئتك بخبر مفرح فالزعيم في وادي العرائش" . جئت مسرعاً مع مدير مديرية رياق الرفيق نبيه دموس ومدير مديرية زحلة الرفيق أنطون خوري(14) إلى الوادي فرأينا الزعيم جالساً عند طاولة فوق مجرى البردوني وهو مسترسل في أفكاره، يستمع إلى خرير مياه النهر . " طال بنا الحديث حول أمور كثيرة: وضع المنفذية والمديريات، وضع زحلة ورياق، الإقطاعيون ومحاربتهم لنموّ الحزب. وعن مديرية بر الياس أخبرته أنني ترددت على المديرية لمدة أسبوع كامل يومياً وأدخلنا اثنين وستين شخصاً جديداً فاقسموا اليمين وأصبحوا أعضاء في الحزب. أنصت المعلم لما أقوله وكان انطباعه الأولي أنه لا يمضي أكثر من ستين يوماً حتى يكون هذا العدد عاد إلى قاعدته، وبالفعل لم يمض ثلاثة أشهر إلا والعدد الأكبر كان قد سقط وتخاذل ولذلك على ما أعتقد سببان: الأول أن العائلية لعبت دورها والعشائرية رفعت أذنيها، كل واحد يريد أن يكون المدير أو يفرض إرادته على لجنة المديرية، والسبب الثاني إننا لم ندرس هؤلاء الأشخاص درساً كافياً وافياً " . 3.عن كتاب الأمين مصطفى عبد الساتر "أيام وقضية"، ص90-91 . " التقيت سعاده مرة أخرى على ضفاف البردوني. كان يتناول طعاماً بسيطاً خالياً من المشروبات الروحية، برفقة الرفيق أنطون خوري من زحلة ومرافق للزعيم لعله كان الرفيق توفيق نور الدين. أعلمني الزعيم أنه في زحلة للمراجعة بقضية خاصة لزوجته. عند مغادرة المقهى فوجئت أنه لم يكن هنالك أية سيارة في انتظاره. بناءً على طلبه انتقلنا سيراً على الأقدام إلى ساحة زحلة حيث استقل سعاده مع مرافقه المقعدين الأماميين إلى جانب السائق في سيارة أجرة عمومية، وبقي منتظراً، ونحن إلى جانبه رغم إلحاحه علينا بالانصراف، إلى أن اكتمل عدد الركاب. فأكبرت جداً هذا التواضع في الزعيم. أليس هو القائل في خطاب دير الغزال، قبل ذلك بأشهر قلائل " نحن لا نركب السيارات الفخمة إلى المقصف لشرب الويسكي وسماع الأغاني الجميلة. نحن لا نذهب إلى اجتماعات خفيّة ونقفل الأبواب مع عمال مأجورين للمساومة على مصالح الأمة. نحن نسير على أقدامنا ونعمل في أرضنا ونقف تحت الشمس شرفاء أعزاء، نأبى كل ما يعترض إرادتنا الحقّة في الحياة ". زيارة سعاده إلى البقاع الأوسط عام 1948 بعد عودته من مغتربه القسري في 2 آذار 1947 قام سعاده بعدة جولات وزيارات إلى الفروع الحزبية، وكانت زيارته إلى البقاع الأوسط وخطابه في دير الغزال، من بين الأبرز فيها. عن "النشرة الرسمية" – عدد أيار 1948 - ننقل أهم ما جاء عن هذه الزيارة: " في صباح يوم الجمعة الواقع فيه الثالث والعشرون من نيسان عام 1948 توجه حضرة الزعيم يرافقه عميد الداخلية الأمين الياس جرجي والأمين عبدالله قبرصي وبعض كبار المسؤولين لزيارة مديرية دير الغزال التابعة لمنفذية البقاع الأوسط والتي يقيم فيها المنفذ العام. وكان المنفذ العام الرفيق يوسف الدبس قد توجه لملاقاة حضرة الزعيم وسار الموكب حتى وصل "المريجات" التي تقاطرت إليها وفود القوميين الاجتماعيين وقد ارتفع نصب قوس النصر وعليه ثلاث لوحات باسم المديريات الثلاث "مكسه" "بوارج" "المريجات". وكان قد وصل القوميون الاجتماعيون من قب الياس وزحلة والمعلقة، فما أن أطل موكب الزعيم(15) حتى دوى الشارع بالتصفيق الحاد والهتاف وأدى القوميون الاجتماعيون التحية الرسمية، فاستعرضهم حضرة الزعيم ودخل بيت السيد أمين المصري حيث جاء أعيان البلدة للتعرف عليه وألقى الطفل فوزي أبو سعدى سعيد أبياتاً زجلية حتى إذا تمّ تقديم الحلويات نهض الزعيم واستعرض القوميين الاجتماعيين الذين كانوا لا يزالون في صفوفهم ثم سار الموكب بالترتيب التالي: الدراجات البخارية، سيارة المنفذ العام، سيارة الزعيم، سيارة الأمناء، سيارة الحرس، سيارة هيئة منفذية البقاع الجنوبي التي كانت وصلت في تلك الأثناء، ثم سيارات القوميين من بوارج والمريجات ومكسة وزحلة والمعلقة وقب الياس . تابع الموكب سيره يخترق "شتوره" بين الزغاريد والهتافات حتى وصل "بر الياس" وكان القوميون الاجتماعيون على مدخل البلدة وعلى جانبي الطريق بشكل مرتب وقد رفعت لوحة فوق قوس النصر كتب عليها: "القوميون الاجتماعيون ووجهاء بر الياس وأهلها يرحبون بالزعيم المفدى". فوصلت السيارات تخترق الصفوف المتراصة التي استقبلت الموكب بالتصفيق والهتاف الشديدين والتحية الرسمية، وكان قد نُصب سرداق فخم انتشر فوقه شعار الزوبعة ورسوم قائد النهضة وفرشت الأرض بالسجاد. وتقدم الأعيان للترحيب بحضرة الزعيم والتعرف إليه وما إن أخذ الزعيم مكانه حتى وقف مدير مديرية بر الياس الرفيق يوسف حشيمة فألقى كلمة ترحيب باسم المديرية وأهالي بر الياس كان لها الوقع الطيب. ثم أعلن المنفذ العام أن حضرة الزعيم سيلقي كلمة، فعلا الهتاف والزغاريد ووقف سعاده يلقي كلمته ، فحيا فيها القوميين الاجتماعيين وشكرهم وشكر أهالي بر الياس وخصّ بالذكر آل عراجي الذين كانوا أول المستقبلين متمنياً لهم كل توفيق ونجاح ثم أديرت القهوة المرّة والحلويات وودع الزعيم الجموع، وتابع الموكب سيره وقد انضمت إليه سيارات القوميين الاجتماعيين في بر الياس وهيئة منفذية راشيا التي وصلت ساعتئذ. وفي أول رياق كانت ست فتيات يحملن الزهور ومعهن طفلتان صغيرتان، الأولى كريمة الرفيق ميشال سلامة مدير مديرية رياق والثانية كريمة السيد نسيب الغندور، وقدمتا لحضرة الزعيم باقتين من الزهور فيما الصبايا ينثرن الرياحين. وقد ترجل سعاده وأخذ الباقتين وسأل عن الرفيق ميشال سلامة وطلب له العافية التامة والعودة إلى حياة الجهاد. تابع الموكب سيره إلى بيت الرفيق نبيه دموس الذي كان قد أعدّ مأدبة شاي وكان القوميون الاجتماعيون بصفوفهم النظامية يستقبلون زعيمهم ويرحبون بباعث نهضتهم، والسطوح والشرفات ملأى بالناس، وعندما أخذ سعاده مكانه راح المواطنون يتوافدون للسلام عليه. بعد ذلك ألقى الرفيق ميشال كعدي مذيع مديرية رياق كلمة ترحيب كان لها الوقع الطيب فعبر عن اعتزاز المنطقة القومية الاجتماعية ونظرتها إلى الكون والحياة والفن. وعندما انتهى ألقى سعاده الكلمة التالية: " أيها القوميون الاجتماعيون أشعر بسعادة عظيمة لوجودي في هذا البلد الطيب، سعادة خاصة لي، لأن رياق لم تخيب قط الأمل الذي وضع فيها لإنشاء عهد جديد لهذه الأمة، إذ في هذه المنطقة ابتدأ الحزب السوري القومي الاجتماعي في البقاع ومنها امتد إلى جميع أنحائه (يشير حضرة الزعيم بذلك إلى أن الرفيق يوسف الدبس هو أول من آمن بالحزب ونشره في أنحاء المنطقة) . " أذكر يوم رياق وقد دخلت إلى حانوت صغير رأيت فيه من الرجولة والعز الشيء الكثير واجتمعت فيه إلى عدد قليل من شباب رياق أكثرهم عمال وافتخر أنهم كانوا عمالاً حتى اليوم فنحن جميعاً عمال لهذا الوطن. " وبعد خمس عشرة سنة جهاد ومثابرة صارت رياق جيشاً صغيراً من جيوش النهضة القومية الاجتماعية، إنها كتيبة من ألوية الزوبعة الحمراء وجيش الانتصار للنهضة القومية الاجتماعية. " إن عهد الذل قد انقضى وقد وضعنا له حداً وابتدأنا عهد عز ومجد فتحناه بقوة إيماننا وسواعدنا وسنبقى رجاله المتمكنين نصونه إلى النهاية. " أهنئكم أيها الرفقاء واعتزّ بكم، فلتحي رياق وليحي القوميون الاجتماعيون ". وبعد استراحة قليلة تناول الجميع خلالها الحلويات والفواكه ودع الزعيم هذا الجمع الغفير واستأنف الموكب سيره باتجاه "دير الغزال" مخترقاً شوارع رياق، والهتافات تشق عنان السماء والجمهور يصفق للزائر الكبير حتى أطل الموكب على دير الغزال. عند وصوله إلى قرية "رعيت" كان القوميون الاجتماعيون من مديرية قوسايا واقفين بالنظام القومي يهتفون ويهلّلون وساروا صفاً بديعاً أمام رتل السيارات حتى وصل الموكب إلى مكان الاجتماع. وهناك كانت الجموع الغفيرة محتشدة تنتظر وصول موكب سعاده فيما الفرسان على خيولها تلاقي الموكب وتهتف "لعينيك يا زعيم". ترجل الزعيم فدوّت الهتافات بحياته فيما القوميون الاجتماعيون يؤدون التحية الرسمية والمنفذ العام بجانبه يقوم بتعريف أعيان القرى المجاورة على سعاده. أما الحفلة الكبرى فقد أقيمت في دار المنفذ العام. فوق قوس النصر الذي نصب، رفعت صورة الزعيم ونشرت على الجدران وبخط واضح كلمات عديدة لسعاده وأبيات شعرية للمنفذ العام فيما حملت لوحة باسم قوميي دير الغزال الكلمة التالية: "أهلاً بالزعيم المنقذ". وسط حشد يفوق الألفي رفيق ومواطن اعتلى المنفذ العام الرفيق يوسف الدبس المنبر ليعلن ابتداء الحفلة، فوقف الجميع وأدى القوميون الاجتماعيون التحية الرسمية، ثم ألقى المنفذ العام كلمة جاء فيها: "حضرة الزعيم من هذه البقعة الطيبة من قريتنا الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بمبدئها وأمانيها، الفقيرة بمالها والغنية برجالها وإخلاصها، من هذه البيوتات المتواضعة وأنا أحد أبنائها والتي كانت أول قرية بقاعية استمدت نور الحزب السوري القومي الاجتماعي ووزعته في البقاع العزيز يسرّها أن تكون أول قرية تزغرد وتهلل لملاقاتكم والاحتفاء بكم. " من دير الغزال، بلدي الحلو الصغير، الذي يحييك أخضرها ويابسها وسماؤها وأرضها، وباسم منفذية البقاع الأوسط أقف لأقول ويردد معي الحضور مرحباً بقائد الأمة وباعث النهضة القومية الاجتماعية: يا فؤادي هلل هياماً ووجدا يا زعيم الحمى وكل الأماني في فؤادي من الأماني جيوش عزمها همة الصبا وقواها فالشباب القومي إن هب يوماً إن عمراً قطعته في جهاد أنت آمالنا وفيك منانا لك في هذه القلوب مقام يا زعيمي حرّر بجيشك شعباً قد غزاه من اليهود فسادٌ نحن والله في طليعة عهد ذللوا صفحة الزمان وخانوا لا تقل غطت السماء غيوم خلق الناس في الحياة كراماً ل
* * * سوف يبقى على الزمان ويهدا أزهرت دوحة وطابت عهدا قد صفا نهلة ورقرق وردا خيم الذل فوقه واستبدا ووراء الفساد إثم تعدى جعلوه معكّراً مسوداً أمل الشعب واستحلوه مبدا إن بين الغيوم برقا ورعدا ليس نرضى في الناس حرّاً وعبداً ل
* * * عاد للموطن الزعيم المفدى صد عنا عوامل الظلم صدا كل جند منها يصادم جندا خاض فيها القومي مثنى وفردا راح يبنـي فـوق السماكيـن مجـدا إن عمراً قطعته في جهاد أنت آمالنا وفيك منانا لك في هذه القلوب مقام يا زعيمي حرّر بجيشك شعباً قد غزاه من اليهود فسادٌ نحن والله في طليعة عهد ذللوا صفحة الزمان وخانوا لا تقل غطت السماء غيوم خلق الناس في الحياة كراماً ليس نرضى في الناس حرّاً وعبداً " يا زعيمي: نحن نعلم أن الذين يؤمنون بحقهم في الحياة ويشعرون بكرامة ومجد لا يقف في طريقهم فقر ولا غنى ولا شدة ولا رخاء لأن الإيمان يغمر قلوبنا ويملأ أفئدتنا نوراً وضياء. فلا نتكل إلا على أنفسنا ولا نتوانى لحظة عن متابعة النضال ومواصلة التضحيات في سبيل حرية أمتنا وفقاً للمبادئ التي وضعتها ونسعى لتحقيقها والوصول إليها. أما أنتم أيها البقاعيون إن الحزب القومي الاجتماعي الذي يعمل لأجل الحياة والكون والفن يعمل ليبني لكم وطناً جميلاً يفيض بالخير فنحن لا نرضى أن يكون لنا وطن لا خير فيه ولا فائدة بل نحن وطناً يشعر أفراده بشخصيتهم الإنسانية ويزاولون حقوقهم الاجتماعية لينمو في قلوبهم حب الوطن والتعلق به والإخلاص له. نحن نريد أن نحطم عن كاهل الفلاحين النير الذي وضعه في أعناقهم أصحاب السلطات المالية لأننا نطلب نظاماً اقتصادياً يكفل النصيب العادل للعمل إذ لا يترك الحق لصاحب العمل في تحديد أجور العمال حسب رغبته بل يضع إنتاج العامل أساساً لذلك التحديد ويوجد التعادل الحق بين الأجرة والإنتاج لكي ينصف العامل ويرتفع الحيف اللاحق به. نحن نريد أن نحرر فلسطين الشاطئ الجنوبي العزيز من طمع الطامعين وفساد اليهود العابثين ففي نفوسنا من عبثهم ثورة وشاءت الإرادات الأجنبية أن يتسلحوا وأن نبقى نحن بلا سلاح.
هلل المجد اغتباطاً وهياماً وشدا كل بأنغام الهنا يا زعيمي هي ذي أرواحنا عقد المجد على أكتافنا ل واكتسى " الدير " جلالاً فتسامى مظهراً ما جاش في الصدر وقاما لا نبالي أن سفكناها غراماً لا نهاب الموت ، أو نحيا كراما ل يا رفاق الخير إن جاء الندا فابعثوها ثورة قومية وانشروا رايتكم زوبعة نحن في الدنيا حديث للملا ل قظ الكسلان فينا والنياما تملأ الشط الجنوبي حماما والجبان النذل واروه الرغاما نملأ البطحاء رفقاً واحتشاما ل جاء دور السيف أجدى شاهد دبت النخوة هزت شعبنا يا زعيمي مرَّ دوماً ترنا جونا الجو فلسطين لنا ل يقطع الأعناق يلقيها ركاما شيخنا والكهل فينا والغلاما نستحث السير لا نبغي انفصاما نحن لا نرضى انخذالاً واغتناماً ل ثم راح المنفذ العام يقدم الخطباء فكان الخطيب الأول الأمين عبدالله قبرصي فألقى كلمة موضوعها لماذا نحب الزعيم. واشار إلى كلمة المنفذ العام عن دير الغزال، البلد الصغير، فقال أن النوابغ لا يخرجون عادة إلاّ من القرى الصغيرة، ألا يكفي أن دير الغزال أنبتت يوسف الدبس وأن ضهور الشوير البلد الصغير أنبتت سعاده قائد النهضة الجديدة، ألم تخرج بيت لحم السيد المسيح، وكان للكلمة الأثر الطيب. وعقبه الرفيق يوسف حاتم بقصيدة زجلية كانت تقاطع أبياتها بالتصفيق ثم كانت كلمة منفذ عام بعلبك الرفيق مصطفى عبد الساتر الذي ألقى كلمة جميلة كان لها الوقع الحسن في الجمهور. ثم كانت مقطوعة السيد سليم فرحات باسم "المعلقة" فيها أبيات شعرية عالية أعجب الجميع بها نظماً وإلقاءً. ثم كانت قصيدة الرفيق توفيق التيني باسم زحلة. وما كاد المنفذ العام يعلن أن الكلمة الآن لحضرة الزعيم حتى دوى المكان بالهتاف واشرأبت الأعناق والكل متلهف أن يسمع خطاب قائد الأمة في هذا الموقف العصيب الذي تقطعه البلاد اليوم. ووقف أبناء الحياة يؤدون التحية وكانوا قد تحمّسوا كثيراً فأمر المنفذ العام بعدم إطلاق النار بتاتاً وكان حضرة الزعيم قد اعتلى المنبر وألقى خطابه التاريخي. (مثبت في ختام الكتيب) . مأدبة الغداء انتهت الحفلة الخطابية بين الإكبار والإعجاب وسار المدعوون إلى المأدبة التي أعدت على شرف الزعيم ومشى القوميون الاجتماعيون في حالة من الفخر والحماس وكان قوميو رعيت ودير الغزال يتقدمون الجميع وقوميو قوسايا ينشدون ويزغردون بأصوات تشق عنان السماء، إذ بلغ الحماس أقصى شدته. وعلى المائدة التي ترأسها الزعيم وقفت الطفلة نجوى الدبس تلقي أبياتاً زجلية رقيقة أعجب بها حضرة الزعيم فقربها منه حيث أدت له التحية الرسمية فقبّلها وشكرها. وبعد المأدبة العامرة زار سعاده الشيخ عبد أبو سمرة الدبس والد الرفيق أبو سمرة الدبس مدير مديرية دير الغزال وشكر للشيخ الجليل كرم وفادته متمنياً له الشفاء العاجل وصافح القوميين الاجتماعيين الموجودين هناك والقوميات الاجتماعيات. قوسايا وغادر موكب الزعيم دير الغزال إلى قوسايا التي كانت منذ زمن طويل تنتظر بشوق زيارة سعاده، الذي حلّ ضيفاً في بيت المدير الذي كان عمل والرفقاء على إقامة أقواس النصر تتوسطها الزوابع ولوحات باسم المديرية. زحفت البلدة بأجمعها مع القوميين الاجتماعيين تستقبل زعيم الحزب والرفقاء يملأون الفضاء بأغانيهم البلدية، وحين جلس الزعيم ورفقاؤه ألقى الرفيق خليل كعدي مدير مديرية قوسايا خطاباً ترحيبياً جامعاً وقام بعده الرفيق جورج تبشراني وألقى بصوته البديع قصيدة زجلية لاقت الاستحسان الكبير. ثم ألقى سعاده كلمة حيا فيها قوميي قوسايا وأهاليها جميعاً وحثهم على الأخذ بتعاليم النهضة القومية الاجتماعية التي تقودهم وتقود بلادهم إلى النصر. بعد انتهاء سعادة من كلمته، غادر المكان وسط هتاف القوميين الاجتماعيين الذين واكبوه بأناشيدهم، ثم رافق موكبه عدد من القوميين الاجتماعيين يتقدمهم المنفذ العام حتى إذا وصلوا إلى المريجات، وقف المنفذ الرفيق يوسف الدبس والرفقاء وأدوا التحية للزعيم، الذي بعد أن صافحهم فرداً فرداً، تابع موكبه سيره نحو بيروت. الدعوى الباطلة نجاح المهرجان الحاشد أثار استباء خصوم الحزب، ومنهم ضابط الأمن المسؤول في منطقة زحلة، بربر الخازن، الذي أسرع إلى رفع تقرير إلى النيابة العامة يتهم فيه الأمين يوسف الدبس بإقامة حشد غفير في بيته دون إذن، وبإلقاء خطاب يطالب فيه بهدم الحواجز بين لبنان والشام وإقامة دولة واحدة. في كتابه "في موكب النهضة" يشرح الأمين يوسف الدبس ما جرى له، فيقول أن القاضي أنور الخطيب(16) الذي كان يرأس محكمة البقاع البدائية، بعد أن قرأ تقرير الضابط، سأل الأمين الدبس هل لديه ما يقوله جواباً على ما ورد في التقرير. أجابه الأمين الدبس: نعم، لقد دعوت الزعيم سعاده إلى دير الغزال وأقمت له حفلة تكريم في الفسحة الكبرى أمام بيتنا وهذه لا تتطلب إذناً ولا رخصة لأن الحزب مرخص له من الدولة اللبنانية وله الحق بإقامة الحفلات، أما مطالبتي بضم لبنان إلى الشام فهذا لم يحدث وليس لي أي علم به، وإذا شاء حضرة الرئيس أن يطلع على النشرة الرسمية للحزب التي صدرت بعد الحفلة وفيها الوصف الكامل لمجيء سعاده وعودته فهذه هي ". بعد كلام المحاميين الأمينين عبدالله قبرصي ومصطفى عبد الساتر، والنائب العام جوزف خوري، قرر رئيس المحكمة تأجيل المحاكمة شهراً ليتسنى لها درس الملف والنشرة الحزبية جيداً. في هذه الفترة تطوّع عدد من محاميي زحلة للدفاع عن الأمين الدبس، منهم نجيب عزقول، طانيوس البقاعي، نجيب الفرزلي، شكر الله نصر الله، عوض إبراهيم، بالإضافة إلى المحاميين الأمينين قبرصي وعبد الساتر. كذلك كانت حدثت تشكيلات بين رجال القضاء أقصت جوزف خوري عن النيابة العامة في زحلة ليحل مكانه الاستاذ ميشال خوري، وهو رجل معروف بنزاهته وإخلاصه كما يقول الأمين الدبس في كتابه، ويضيف: "حين دخولنا للمحكمة ومعي هذا العدد الكبير من المحامين، تهيّب الناس الموقف وخيّم السكون على الحاضرين وإذ أعلن رئيس المحكمة ابتداء المحاكمة تقدم الأمين قبرصي للمرافعة، وقبل أن يبدأ كلامه طلب منه الرئيس التوقف والتفت إلى النائب العام الجديد وقال: هذا الشاب الماثل أمامنا دعا زعيمه لحفلة في قريته دير الغزال بمناسبة عيد مار جرجس وتخلل الحفلة خطب وشعر وانتهت بمأدبة غداء، ولم يحدث ما يعكر صفو الأمن ولا أرى أن هناك ما يستحق هذه الضجة وهذه المحاكمة فما رأي حضرة المدعي العام ؟ فوقف هذا الأخير وهو يبتسم وقال: أرى من الواجب أن نشجع الشباب على حب وطنهم. فنحن بأشد الحاجة لمثل هؤلاء، لذلك أطلب براءة المدعى عليه " . انتهت المحاكمة بنجاح، كما المهرجان الذي يبقى درة في تاريخ الحزب في منطقة زحلة. قوسايا في الحزب صحيح أن الحزب نشأ في منطقة البقاع الأوسط في دير الغزال التي منها الأمين يوسف الدبس (أول رفيق، وأول مدير، وأول منفذ عام في المنطقة) وفي رياق كما سبق وأوردنا، إلا أن الحزب شهد في بلدة قوسايا حضوراً مميزاً، ليس فقط في سنوات التأسيس وما تلاها، إنما أيضاً في العام 1958 عندما سقط منها أربعة شهداء في معارك شملان، وبقيت في ذاكرة الحزب تحتل الموقع الجميل المتناسب مع دورها وتضحيات الرفقاء من أبنائها . يفيد الرفيق خليل كعدي(17) أن شقيقه الرفيق كرم هو أول من انتمى إلى الحزب من أبناء بلدة قوسايا. كان يعمل مساعداً لعمه طبيب الأسنان فريد كعدي في رياق، مما جعله يتعرّف على الرفقاء فيها، فينتمي، ويباشر عمله الحزبي في بلدته، فتأثر بكلامه عدد من الشبان إلا أنهم لم يؤدوا القسم، واستمروا مناصرين للحزب حتى صيف العام 1946 عندما كان الأمين يوسف الدبس يعقد اجتماعاً إذاعياً في أحد منازل قوسايا، فقرّ العزم على تأسيس مديرية فيها. يذكر الرفيق خليل من أعضائها الرفقاء جورج وفايز تبشراني، شكيب حداد، جوزف أمين كعدي، بشارة كعدي، الياس جرجس كعدي، ناصيف ديب كعدي، حسان معارك كعدي، أما هيئة المديرية فتشكلت من الرفقاء خليل كعدي مديراً، فايز تبشراني ناموساً، جورج تبشراني مدرباً(18) . بعد انتقال الرفيق خليل كعدي خارج قوسايا، تولى الرفيق فايز تبشراني مسؤولية مدير مديريتها، بعده تسلم الرفيق شاهين حداد. خلال أحداث العام 1958 ولأن قوسايا تقع على مقربة من الحدود الشامية، وتحيط بها بلدات كانت متعاطفة مع "المقاومة الشعبية"، فقد قام الرفقاء مع أهالي البلدة بدورهم في الحراسة، والحؤول دون مرور المتسللين عبرها. مع ذلك، وعندما طلب الحزب مقاتلين للاشتراك في معارك شملان، لم يتوان عدد من رفقاء قوسايا دون تلبية النداء، فسقط منهم الشهداء الأبطال: فايز تبشراني، شكيب حداد، الياس كعدي، وميشال لبكي(19) . ولا بد، ونحن في الحديث عن حوادث العام 1958 إلا أن نذكر بتقدير كبير الرفيق ميشال سعاده، صاحب أوتيل "سلكت" الذي كان إلى سنوات عديدة مقراً ومعبراً لآلاف القوميين الاجتماعيين، وقد قدم الرفيق سعاده أرضاً له في شتورة لإقامة المخيم القومي الاجتماعي التدريبي طيلة أشهر صيف العام 1958، وهذا المخيم كان نقطة ارتكاز في البقاع لكل تحركات الحزب العسكرية. مهرجان قوسايا يوم الأحد 9 تشرين أول عام 1960 شهدت قوسايا، والبقاع، أحد أهم مهرجاناتها، والمناسبة نقل رفات شهداء البلدة الذين سقطوا عام 1958 في شملان إلى ضريح جديد أقيم في أول البلدة. جريدة الحزب، البناء، التي كانت تصدر يومية في تلك الفترة، أبرزت الخبر في صفحتها الأولى، قالت: كان عرس في البقاع. كانت أعلام الزوبعة الحمراء تخفق وكانت حناجر القوميين الاجتماعيين وأبصارهم وشرايينهم تندفع في عرمرم زاحف. لم يكن لها حد ولم تسعهم أرض. من كل مناطق لبنان جاءت وفودهم لتنحني أمام أكبر رجولة من التاريخ. وجاءت لتعاهد وتؤكد بأن مفاتيح الدم لم تزل في يد الأمة وستظل معها، تفتديها وترد عنها الكيد والجريمة. الساعة الثانية بعد الظهر. قوسايا، البلدة الهاجعة ف |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |