شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-11-05 |
الشهيد الرفيق حسن عبد الساتر |
إذا كان الرفيق سعيد فخر الدين هو الشهيد الوحيد الذي سقط في معركة بشامون ذوداً عن رجالات حكومة الاستقلال، فإن الرفيق حسن عبد الساتر هو بدوره الشهيد الوحيد الذي سقط دفاعاً عن العلم اللبناني المرفوع فوق قبة البرلمان، في مواجهة الجموع التي حاولت أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، مستغلة بذلك مناسبة الزيارة الأولى التي يقوم بها النائب المنتخب عن زغرتا يوسف كرم إلى البرلمان، للاستيلاء عليه وطرد النواب منه واسقاط العلم اللبناني عساهم بذلك يستعيدون عهد الانتداب الفرنسي. عن هذا يوضح الأستاذ غسان التويني في الصفحة 206 من "كتاب الاستقلال"، أن عناصر موالية لفرنسا ومدعومة من أجهزتها والأجهزة الخاضعة مباشرة لها، من جيش وأمن عام، استغلت مناسبة انتخاب يوسف كرم نائباً لمقعد نيابي شغر في الشمال، فسارت إلى البرلمان وتسلق بعض الشباب إلى سطح المبنى لإنزال العلم اللبناني ورفع العلم القديم مكانه (العلم الفرنسي وفي وسطه أرزة) فتصدى الدرك للمحاولة وانتصر له بعض المؤيدين، فوقع نتيجة الحوادث خمسة قتلى وسبعة عشر جريحاً. من جهته يروي الأمين مصطفى عبد الساتر في كتابه "أيام وقضية" أن التظاهرة المسلحة الضخمة اجتازت، كما كان مخططاً لها، من زغرتا إلى بيروت دون أية محاولة لاعتراضها. وبعد أن كانت أصبحت بحراً هائجاً تدفقت في بيروت على ساحة النجمة تهتف لفرنسا وليوسف كرم. وأصبح البرلمان والنفر القليل من رجال الأمن الذين يحرسونه، جزيرة صغيرة وسط بحر من الرجال الأشداء المسلحين. وانطلقت الشرارة عندما شك الزغرتاويون العلم الفرنسي على باب البرلمان وحاولوا إنزال العلم اللبناني عنه، تصدّى لهم، الصحافي آنذاك نعيم مغبغب (النائب لاحقاً) وأطلق النار من مسدسه على محاولي إنزال العلم اللبناني وبدأت المعركة . " كان الوضع يبدو ميؤوساً منه، وقد اختبأ النواب ورجال الحكومة والحضور في زوايا المجلس، لولا رجولة وبطولة رجال درك سيار بعلبك. أخذ الحماس بحسن عبد الساتر الذي أخذ يحدو بصوته الجهوري متصدّياً ببطولة للمهاجمين مستثيراً نخوة رفقائه. لفت صوته العالي، وغزارة رصاصه، المهاجمين والفرنسيين المتركزين في بناية الهاتف المقابلة يطلقون منها النار على المدافعين، فأسقطوا حسن عبد الساتر برصاصة قاتلة. ولكن المحاولة فشلت وتراجع المهاجمون مندحرين ولفلفت الحكومة القضية فيما بعد! أذكر في عداد الدرك المدافعين صالح سيف الدين وضاهر مشيك وأبو ممدوح خالد الكردي، بقيادة الضابط عبد اللطيف حمدان على ما أعتقد " . المأتـم وعن مأتم الرفيق الشهيد حسن عبد الساتر يقول الأمين عبد الساتر في كتابه "أيام وقضية": كنت آنذاك أقضي عطلة الربيع في بعلبك. استثارت المعركة البطولية واستشهاد حسن عبد الساتر عواطف البعلبكيين إلى أقصى حد. استقبلوا جثمانه خارج بعلبك بحشود غفيرة رافعـة الأعـلام اللبنانية الجديدة. وأمام سراي بعلبك " وقفت خطيباً لأول مرة أؤبن قريبي وأطري بطولته واستشهاده وأستثير النقمة على المستعمرين الفرنسيين وعملائهم داعياً إلى الثأر. لم يعجب تطرفي رئيس فرع الكتائب في بعلبك الدكتور أ. حايك، فانسحب من الحفل احتجاجاً . " كان من المفروض أن ينقل جثمان الشهيد إلى مثواه الأخير في قرية إيعات. وكانت الطريق تمرّ حكماً أمام مركز الأمن العام الفرنسي بجانب هياكل بعلبك. وكانت الدائرة الوحيدة في بعلبك التي لا تزال ترفع العلم الفرنسي بعد أن كان الإنكليز قد قلّصوا النفوذ الفرنسي إلى حد بعيد. " قبل دخول الجثمان إلى بعلبك حسبت للأمر حسابه وأعلنت رفضي بأن يمرّ الجثمان تحت العلم الفرنسي. كان رئيس المركز قريباً لي. اتصلت به ودعوته إلى إنزال العلم حتى لا نضطر إلى إنزاله بالقوة، الأمر الذي يسفر عنه مهاجمة المركز وإحراقه. حاول إقناعي، بروابط القربى، أن أعزف عن ذلك. وأصرّ كل منا على موقفه. " استدعيت نفراً من الشبان المتحمّسين، قوميين وسواهم، وهيأنا الخطة لاقتحام المركز وإنزال العلم الفرنسي وإحراقه ساعة مرور الجثمان أمام المركز. وقد أظهر الشبان حماساً واندفاعاً في ذلك. ولكن عملية الاقتحام لم تجر لأن الأوامر جاءت من بيروت إلى مركز الأمن العام في بعلبك، بالموافقة على إنزال العلم وطيّه بالحسنى، وطي العلم. وبإنزاله طوي آخر علم فرنسي كان ما زال مرتفعاً في سماء بعلبك. ولم يبق من مظاهر السلطة الفرنسية فيها غير مركز ومنزل المستشار الفرنسي دون أن يرفع على أي منهما أي علم . " زاد ذلك في حماس الجماهير التي حملت جثمان الشهيد على الأكف بموكب مهيب، مسافة خمسة كيلومترات إلى قرية "إيعات" حيث ووري الثرى وسط احتفالات امتدّت أعراس بطولة على عدد من الأيام إلى ما بعد عيد الشهداء في 6 أيار ". حيث أقيم في سينما الأمبير في بعلبك مهرجان خطابي حاشد تكريماً للرفيق الشهيد. بدورها أقامت عائلة عبد الساتر ذكرى الأربعين في بلدته "إيعات"، وجهت فيها الدعوات إلى قرى وبلدات المنطقة كما مدت ولائم الطعام الضخمة. ألقيت في المهرجان كلمات عديدة كان منها كلمة العائلة ألقاها المواطن جميل عبد الساتر . *** •كان الرفيق الشهيد حسن عبد الساتر طويل القامة، ممتلئ البنية وقويّها، جهوري الصوت، يغني العتابا بصوت جميل قوي يسمع إلى مسافات بعيدة جداً . •أخوه علي موسى عبد الساتر كان في اواسط العشرينات دركياً في الهرمل. يوم اندلعت الثورة السورية وانضم إليها قسم من عشيرة الجعافرة بقيادة زين جعفر في جرد الهرمل، بمساعٍ وتحريض من سعيد العاص (الرفيق الشهيد عام 1936) ونظير النشواتي. أخذ علي موسى عبد الساتر سلاح المخفر والتحق بالثورة، وناضل ببطولة مع الثائرين. ولما همدت الثورة اعتقل في بعلبك وأمضى سنوات طويلة في سجن بيت الدين إلى أن خرج منه بعفو سنة 1936 مريضاً مصاباً بأمراض عصبية ألحقت بأطرافه العليا رجفة دائمة . الأمين مصطفى عبد الساتر (من كتابه أيام وقضية) *** •أبرزت جريدة "النهار" في عددها الصادر في 28 نيسان 1944 خبر الحادث أمام البرلمان، فأوردت التالي: "ثبت ان النائب يوسف بك كرم قدم من طرابلس ومعه سيارتان من رفاقه فقط. وثبت أن جماعات كانت تنضم إلى هاتين السيارتين في الطريق ثم تندس جماعات غيرها في الموكب كلما تقدم في السير حتى إذا وصل إلى مدخل بيروت كانت جماعات عديدة في انتظاره ، كأنها كانت على موعد" . •لم تمنح الدولة اللبنانية الشهيد الرفيق حسن عبد الساتر ميدالية، ولا هي أدرجت اسمه في عداد شهداء قوى الأمن، ولم يصلنا أنها ذكرته يوماً عند الحديث عن معركة الاستقلال . *** الشهيد حسن عبد الساتر اسقط العلم الفرنسي عن قبة البرلمان وسقط. نشر الصحافي عمر صلح في جريدة "المستقبل" بتاريخ 21/11/2003 تحت العنوان أعلاه، المقال التالي: حسن موسى عبد الساتر، من اوائل شهداء الإستقلال في لبنان. لم يقبل فكرة الراحة من عناء الرحلة التي جاءت به الى بعلبك من طرابلس عبر حمص، فالتحق فوراً بالفوج الذي كان متوجهاً الى بيروت في اواخر نيسان من العام 1944، وسقط شهيداً على قبة مجلس النواب، عندما كان يقوم بنزع العلم الفرنسي ليضع مكانه العلم اللبناني. ضريح الشهيد عبد الساتر في إيعات لم يتلق أكاليل الزهور منذ زمن طويل، ولم يحظ بزيارات المسؤولين، حتى في مناسبة الاستقلال على الرغم من ان مواكب الرسميين تمر على بعد مئتي متر من ضريحه في المناسبات الوطنية الكبرى، باتجاه الهرمل لتضع الاكاليل على ضريح الرئيس الراحل صبري حمادة. وزارت "المستقبل" عائلة الشهيد عبد الساتر في بلدة إيعات، وإلتقت شقيقه محمد الذي يتحدث بكل فخر وإعتزاز عن بطولة حسن ورجولته وصفاته. ويقول: كان أخي حسن يخدم في فرقة الخيالة التابعة لفصيلة درك بعلبك، وكان قوي البنية، طويل القامة، ومن أكثر الصفات المعروفة عنه، قوة صوته. ويضيف، كان وطنياً بكل معنى الكلمة. عند عودته من مهمة من طرابلس عبر مدينة حمص الى بعلبك، ولدى وصوله الى الثكنة، صدف ان فوجاً يتهيأ للذهاب الى بيروت، بعد ورود أخبار عن أحداث تشهدها العاصمة، فكان اول الملتحقين بالفوج، علماً ان الضابط المسؤول أعفاه من تلك المهمة، نظراً الى المسافة الكبيرة التي قطعها خلال عودته من طرابلس لكن حسن رفض الفكرة ورافق الفوج الى بيروت من دون ان يعرّج على منزله ويتفقد زوجته وإبنته. ويتابع: حدّثني احد اصدقائه في الفرقة، وهو ملحم العريبي، انهم عندما وصلوا الى ساحة البرج هرب عدد من العناصر نتيجة الفوضى وإطلاق الرصاص العشوائي، لكن حسن بدأ ينشد بصوته الرخيم أغاني وأناشيد وطنية لحث رفاقه على البقاء في أماكنهم، فأستجاب العديدون، وعندها تسلّق حسن الى أعلى مبنى مجلس النواب وانتزع العلم الفرنسي. ولحظة وضع العلم اللبناني، دوى الرصاص مجدداً، فإذا بحسن يسقط جريحاً والعلم اللبناني يرفرف بين يديه. فنقل الى مستشفى أوتيل ديو ليفارق الحياة في اليوم التالي، وذلك في 28 نيسان 1944. *** نشرت جريدة "النهضة" في عددها 231 تاريخ 29 نيسان 1954 الكلمة التالية: الدم القومي في كل مكان ذكرى 27 نيسان 1944 في 27 نيسان من سنة 1944، إستغلت العناصر الفرنسية وأتباعها في لبنان إنتخاب النائب يوسف كرم، فبيتّت مؤامرة لقلب الحكم في لبنان عن طريق مظاهرة كبيرة مسلحة إنحدرت من الجبال والعاصمة لمرافقة النائب المذكور وإدخاله البرلمان دخول الفاتحين وهي تهدف من وراء ذلك الى احتلال المجلس وإغتيال بعض النواب والشخصيات السياسية وإنهاء عهد الاستقلال لإعادة عهد الإستعمار الفرنسي وكادت المؤامرة تنجح، بعد ان رفع المتظاهرون العلم الفرنسي على المجلس، لو لم تتصدّ لهم فئة ضئيلة من الجند والمواطنين، وكان على رأسها وفي طليعتها بالطبع، كما هو الحال دائماً، من رفعت العقيدة القومية الاجتماعية نفوسهم من حضيض الذل الى قمم العزة والمجد. وبرز الدركي حسن موسى عبد الساتر، القومي الاجتماعي، يردّ بعزيمته الجبارة وصدره الواسع وقلبه الكبير، في قلة من رفاقه لم تتجاوز العشرة بعد ان فرّ سائر أفراد القوة ورجال الشرطة وإنضم بعضهم للمهاجمين، برزت هذه القلة المؤمنة، فأحبطت المؤامرة وتصدت للجماهير المندفعة وردّتها على أعقابهاخاسرة... وكان صوته الجهوري العظيم يرتفع وسط لعلعة الرصاص ودوي القنابل محمساً رفاقه، داعياً الى الصمود. ولفت صوته والرصاص المنهمر أنظار المآمرين وأسيادهم المتمترسين في بناية التلفون وسواها، وبطبيعة الغدر القذرة سقط عليه الرصاص من الخلف حيث لم يكن ينتظره من بعض رجال الامن او من المتمركزين في البناية العالية، فهوى صريعاً يتخبط بدمه. وبعد ان حقق النصر وأدّى دمه الغالي الرسالة التي نذر كل قومي اجتماعي نفسه لتأديتها من سعيد فخر الدين الى الزعيم الخالد الفادي، الى سلسلة كريمة من الشهداء إفتتحت في ميدان العطاء والإستشهاد صفحات لن تنتهي حتى نحقق لهذه الأمة الناهضة المجد والعز والرفعة. ولم يطلب حسن عبد الساتر في استشهاده جزاء ولا شكوراً، كما لم يطلب من قبل سعيد فخر الدين ولا أي شهيد سوري قومي اجتماعي، لان الاستشهاد في عرف السوريين القوميين الإجتماعيين، واجب وعطاء عبر عنهما زعيمهم الخالد عندما قال: "كل ما فينا هو ملك للأمة حتى الدماء التي في عروقنا هي ملك الأمة متى طلبتها وجدتها " . ولم ينل حسن عبد الساتر وغير حسن عبد الساتر، بالطبع على يد سلطات العهد الماضي جزاء ولا شكوراً بل على العكس فقد عمدت تلك السلطات، في سياستها الهدامة، الى لفلفة التحقيق، والى إضافة ثمن الدم الغاتلي الذي ما سال إلا ليروي ارض الوطن العطشى الى دماء الابطال وأساطير البطولة. بلى، لقد نال رفقاء حسن عبد الساتر ومعلمه فيما بعد، على يد السلطات نفسها الجزاء: جزاء سنمار. ولكن تلك السلطات، زالت وبقيت الامة، الامة التي في سبيل مجدها وحدها دون سواها، بذل السوريون القوميون الاجتماعيون دماءهم الغالية وهم ما زالوا على استعداد للبذل كلما دعت مصلحة الامة ذلك، ولسان حالهم في كل طور من اطوار الإستشهاد تقول: " نقضي. ان تمدّ جسومنا جسراً ... فقل لرفاقنا ان يعبروا ". *** - ولد الرفيق حسن موسى عبد الساتر في ايعات (بعلبك) عام 1909 . - اقترن من السيدة زينب عبد الساتر، ولم يرزقا أولاداً . - التحق بسلك الدرك اللبناني . - انتمى إلى الحزب في منفذية بعلبك عام 1942 . - أصيب أمام البرلمان اللبناني في ساحة النجمة، بتاريخ 27 نيسان 1944 واستشهد في اليوم التالي، 28 نيسان، في مستشفى أوتيل ديو في بيروت . • نأمل من كل رفيق او صديق يملك ما لديه من ملاحظات او يضيفه من معلومات وصور على النبذة انفاً، ان يزوّدنا بها. |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |