شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-06-09 |
السياسة الخارجية الأميركية من دور"سوبرمان" إلى دور "الشريف" ووكلائه! |
حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الأخير أمام دفعة جديدة من الضباط الخريجين في "وست بوينت" أن يعيد بلورة سياساته الخارجية في مواجهة انتقادات حادة من مؤيديه وخصومه على حد سواء. لكن التعليقات السياسية والإعلامية تُعطي انطباعاً بأنه فشل في هذه المهمة، إذ لم يجد المراقبون أي تغيير جذري في مقاربته للملفات العالمية الشائكة، من أوكرانيا إلى الصين ومن سوريا إلى إيران. لكننا نعتقد أن هذه الانتقادات لا تأخذ في الاعتبار متغيرات السياسة الخارجية الأميركية في ظل متغيرات إقليمية وعالمية لم تكن في الحسبان عندما أعلن تيار "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة الأميركية قبل عقد من السنوات أن القرن الحادي والعشرين سيكون بالفعل "القرن الأميركي"! كل ما في الأمر أن إستراتيجيات السياسة الخارجية الأميركية ثابتة، بينما التكتيكات هي المتحولة... وفي معمعة التحول تغيم الرؤية الواضحة بحيث تضيع اتجاهات البوصلة على كثيرين. إذا سمحنا لأنفسنا باستخدام رموز هوليوود، عاصمة السينما الأميركية، لقلنا إن السياسة الخارجية الأميركية منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم كانت تتنقل بين شخصيتين بطوليتين أسطوريتين: "الشريف" ووكلائه الذين يحافظون على الأمن بين رعاة البقر والهنود الحمر، و"سوبرمان" المدافع عن الأمن العالمي بل والمحافظ على السلام الكوني العابر للأجرام والكواكب! "الشريف" هو أداة فرض النظام والقيم الأميركية على رعاة البقر الخارجين عن القانون، وعلى الهنود الحمر "المتوحشين"، وعلى المكسيكيين "الأشرار". يساعده في تلك المسؤولية وكلاء يماثلونه في العنف، وينفذون أوامره بطاعة عمياء. وربما يطلب "الشريف" في بعض الأحيان مساعدة مواطنين عاديين أو مرتزقة، إذا إضطرته الأوضاع إلى ذلك. ويتم الأمر دائماً بعامل فرض النظام وفق المفهوم الأميركي الرسمي. أما "سوبرمان" فهو وحيد زمانه، الجبار الذي لا يحتاج أحداً حتى ولا امرأة تؤنس وحدته. سلطته تتجاوز الكرة الأرضية لتغطي السماوات السبع والأرضين السبع. ليس مجبراً على تقديم جردة حساب أمام أية جهة، كلمته هي القانون وأفعاله هي القضاء والقدر. نقطة ضعفه الوحيدة مادة "الكريبتون" (الخيالية طبعاً) التي يصعب ــ بل ويستحيل ــ الحصول عليها إلا بشق الأنفس. بعد عقود طويلة من لعب دور "الشريف" في السياسة الخارجية، تحولت الولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن الماضي إلى تقمص دور "سوبرمان". وترسخ لدى واشنطن الإيمان بأحقيتها في أن تكون "سوبرمان" الواحد الأحد بعد انهيار الإتحاد السوفياتي "الشرير والخارج عن القيم الأميركية" في العقد الأخير من القرن الماضي. ولم تكد السنوات الأولى من هذا القرن تطل على البشرية، حتى باتت الإدارات الأميركية المتعاقبة تؤمن بأن مادة "الكريبتون" لم تعد متوافرة في أي مكان، وبالتالي ليس هناك ما يُعيق الهيمنة الأميركية المطلقة في الأرض كما في السماء. لكن حساب الحقل الأميركي لم ينطبق وحساب بيدر الشعوب. مادة "الكريبتون" كانت مخبأة في أفغانستان وفي العراق، وتبين أن دولاً عدة قادرة على صنعها من روسيا إلى الصين إلى أميركا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا...إلخ. فجأة اكتشف "سوبرمان" أنه لم يعد وحيداً في جبروته وسيطرته، وباتت إرادته محددة بإرادات الآخرين، والفضاء الذي شغله لسنوات أصبح أضيق من أن يتسع له ولغيره من أرباع أو أنصاف "سوبرمان". وهكذا وجدت واشنطن نفسها مضطرة للعودة إلى أساليبها العتيقة ــ الجديدة. فإذا كانت الظروف لا تسمح لها بالإستمرار في أحاديتها المطلقة، فإن أوضاعها الذاتية عاجزة عن تأمين مستلزمات الدعم لسياسة الهيمنة التقليدية. "الشريف" و"سوبرمان" أصابهما الوهن وتسللت إلى مفاصلهما عوارض الشيخوخة المبكرة، والمال شحيح (بل مفقود) بحيث لا مجال للاستعانة بالمرتزقة في مواجهة الخارجين على "القانون والقيم الأميركية". فما العمل في مثل هذه الحال؟ تفتقت عبقرية المخططين الإستراتيجيين عن حل سحري! "الشريف" يستمر في نهجه وصلاحياته، لكنه يعطي "الوكلاء" دوراً أكبر يتناسب والمهمات المنوطة بهم. لكل منطقة في العالم وكيل أو أكثر يغطي عمل "الشريف" الأميركي ويحقق رغباته، فقط عند الضرورة القصوى يطل "الشريف" الأصيل بنجمته الفضية اللامعة من أجل فرض الرهبة على "الأعداء". ولتحقيق هذا المخطط، ليس ما يمنع من نسيان الماضي الإجرامي لهؤلاء الوكلاء حتى لو كانوا من خصوم الأمس. اليابان لاعب مهم في جنوب شرق آسيا، إذن يمكن لواشنطن أن تسمح لها بتعديل دستورها السلمي المفروض منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، فتغيّر قواعد بناء قواتها المسلحة طالما أن هناك حاجة لمواجهة الصين الصاعدة. ألمانيا أيضاً قوة اقتصادية حيوية بالنسبة إلى أوروبا، فلماذ لا تُرفع القيود المفروضة عليها بعد الحرب، ويُسمح لها بتعزيز قدراتها العسكرية ولو من خلال الحلف الأطلسي المتمدد إلى أوروبا الشرقية، فيتم إحكام الطوق على روسيا من شمال البلطيق إلى البحر الأسود؟؟ قد لا تكون كافة هذه الخطط التكتيكية واضحة تماماً الآن، ولعلها لن ترى النور في القريب العاجل في كل المناطق الحيوية. لكن الأكيد أن الولايات المتحدة ما عاد بإمكانها تمثيل دور "سوبرمان" في جميع أنحاء المعمورة، وهي مُجبرة على تعيين الوكلاء وتعزيز قدراتهم في المواقع ذات الأهمية الإستراتيجية لمصالحها القومية... وبلادنا واحدة من المناطق الحساسة جداً بالنسبة إلى الإدارات الأميركية مهما كانت هويتها السياسية الحزبية. صحيح أن هناك تراجعاً ملحوظاً في اهتمام الولايات المتحدة بالشرقين الأوسط والأدنى، إنما هذا لا يعني التخلي الشامل عن مصالحها الحيوية المرتبطة بالدولة الصهيونية أولاً، وبامدادات النفط وعائداته ثانياً. ولو أن الأمر تُرك للحسابات الأميركية الداخلية، لكانت "إسرائيل" هي وكيل واشنطن الأوحد. لكن الرفض الشعبي للوجود الصهيوني في بلادنا والعالم العربي، وخشية الحكام من الإقدام على التطبيع مع العدو يدفعان إلى البحث إما عن وكلاء آخرين أو عن وكلاء محليين مستعدين للإنضواء تحت الراية الصهيونية طالما أن "الشريف" الأميركي يضمن حمايتهم وبقاءهم. في منطقتنا الآن فراغ إقليمي خطير. تركيا أردوغان "الإخوانية" فشلت في أن تكون البديل على رغم النجاح الجزئي قبل تورط أنقرة في الأزمة السورية. إيران تسير باتجاه تسوية نهائية لملفها النووي مع ما يعنيه ذلك من فتح أقنية حوار مع الأميركيين، وذلك كمقدمة لا بد منها لتسوية الملفات الأخرى العالقة، ولعل طهران تتمكن لاحقاً من ملء جزء من هذا الفراغ الإقليمي. أما على المستوى العربي فليس في الأفق ما يبشر بالخير. مصر تحتاج إلى سنوات عدة قبل أن تقف على قدميها مجدداً، وبعد ذلك ستكون تطلعاتها أفريقية وبالتحديد نحو منابع النيل حيث سد النهضة الإثيوبي يهدد الحياة المصرية من أساسها. كما يصعب على دول مجلس التعاون الخليجي ملء الفراغ بسبب الخلافات الداخلية، لذلك تعمل السعودية والكويت والإمارات بكل ما أوتيت من قوة مالية وسياسية على دعم النظام المصري الجديد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. في خضم هذه التطورات، تعيش سورية على المستوى القومي مخاضاً دموياً لا يبدو في أفقه بصيص نور لحلول سياسية عاجلة. الأزمة السورية أسقطت حدود سايكس بيكو على المستوى الأمني، وهذا يعني أنه من الصعب العودة إلى الوراء في أي حل سياسي مستقبلي. ونحن الآن أمام نتيجة من اثنتين: إما تشظي المجتمع السوري إلى مكونات عرقية ومذهبية ودينية متناحرة تضع بلادنا كلها طوع بنان أي وكيل يختاره "الشريف" الأميركي، أو ينشأ من قلب هذه المأساة محور يمتد من شط العرب شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً يملأ هو الفراغ الإقليمي بعيداً عن الإملاءات الخارجية، محلية كانت أو عالمية.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |