كبيرة هي آمال اللبنانيين وكثيرة تطلعاتهم إلى مرحلة جديدة من النهوض الوطني على المستويات كلّها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً… ولعلّ الأولوية الأولى بين هذه الآمال والتطلعات هي للإصلاح الإداري، لأنّ النهوض على الصعد الآنفة الذكر لا يتحقق إلا بإصلاح إداري شامل، حيث لا يمكن التقدّم في أيّ مجال إلا بوجود إدارة سليمة تطبّق القوانين المرعية وتطوّر ما هو بحاجة إلى تطوير لمماشاة العصر والتكنولوجيا الحديثة.
ولأنّ اللبنانيين بمجموعهم لهم علاقة يومية مع الإدارات العامة على تنوّعها واختلافها بين مدني وعسكري وأمني وقضائي… فإنّ الحاجة ملحة جداً إلى وسيط الجمهورية. ولكن قبل الدخول في التفاصيل لا بدّ من الإشارة إلى أنّ وسيط الجمهورية أو Ombudsman، والكلمة أسوجية تعود إلى العام 1809، ومعناها الشخص الذي يستمع إلى المواطنين ويدافع عنهم في وجه مزاجية موظفي الدولة في الإدارات الرسمية كافة.
لا شكّ في أننا في لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى وسيط الجمهورية نظراً لما يعانيه المواطنون من مزاجية الموظفين في الدولة ومن الفساد المنتشر والمستشري في مختلف الإدارات العامة، حيث إنّ الصلاحيات المعطاة للموظفين في بعض هذه الإدارات، خصوصاً التي تعنى بالتخمينات وتحديد القيمة التأجيرية ووضع التكاليف الضريبية على الأفراد والمؤسسات، وكذلك القوى المعنية بتنظيم السير، وبعض البلديات، لا سيما بلدية العاصمة هذه الصلاحيات تسمح للموظفين بتحميل المواطنين ما لا قدرة لهم على احتماله، وذلك من خلال فرض ما هو غير منطقي ولا عادل ولا قانوني. وحين يجد المواطن نفسه عاجزاً عن رفع هذا الظلم عن كاهله، وحين لا يجد إلى جانبه مَن يدافع عنه في وجه هذه الإدارة أو تلك، يُضطر إلى استخدام وسائل وأساليب ملتوية كأن يلجأ إلى مرجعيته السياسية أو الطائفية والمذهبية، أو يتدبّر أمره برشوة موظف هنا أو مدير هناك، فيدخل المواطن عندها، عن قصد أو غير قصد، في حلقة الفساد والإفساد التي يتساوى فيها الراشي مع المرتشي.
هناك لجان للشكاوى في بعض الوزارات والإدارات، ولكن هذه الشكاوى غالباً ما تصبح شكلية وغير فاعلة، تحمي الموظف أكثر مما تحمي المواطن المكلّف صاحب الشكوى.
هنا يأتي دور وسيط الجمهورية لمنع الظلم وجعل كلّ صاحب حق قادراً على بلوغ حقه، والعمل على تصحيح أداء إدارات الدولة ومؤسساتها العامة، بشكل يجعل هذه الإدارات والمؤسسات فعلاً في خدمة المواطن، وليس العكس.
ولا بدّ في هذا السياق من الإشارة إلى أنّ الرئيس العماد إميل لحود، هو الذي دفع في اتجاه إصدار القانون رقم 664 الذي أقرّه مجلس النواب في 4 شباط 2005. وقد حدّد هذا القانون كيفية تعيين وإدارة أعمال وسيط الجمهورية وجهازه أربع سنوات غير قابلة للتجديد على أن يتمتع الوسيط وجهازه باستقلالية كاملة. كما حدّد القانون كيفية قيام المواطن بمراجعة وسيط الجمهورية للحصول على حقه من الإدارات العامة، وقد أكد الرئيس لحود يومها أنّ وسيط الجمهورية سيكون له دور أساسي في رعاية شؤون المواطنين وحاجاتهم ورفع كلّ ظلامة قد تلحق بهم.
ولكن للأسف الشديد… صدر القانون ولم تصدر مراسيمه التطبيقية، عن قصد أو غير قصد، مما أبقى القانون حبراً على ورق من دون تنفيذ. الأمر الذي حال ويحول حتى اليوم دون تعيين وسيط الجمهورية الذي يملك الحق في التدخل لمنع أيّ إدارة أو مؤسسة عامة من الافتئات على أيّ حق من حقوق المواطنين.
اليوم… وقد انطلق عهد جديد وحكومة جديدة، فإننا إضافة إلى تأكيد مطالبتنا بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية يعتمد النسبية الكاملة، نُعلي الصوت وندعو إلى إصدار المراسيم التنفيذية للقانون 664، ومن ثم المسارعة إلى تعيين وسيط الجمهورية، ليبدأ عمله ويمارس دوره بفاعلية في حماية حقوق المواطنين.
ونختم بالإشارة إلى أنّنا في لبنان كنا السبّاقين في إصدار هذا القانون الرائد، ولكن هناك نحو 110 دول في العالم، من بينها تونس ودول عربية أخرى، سبقتنا إلى تطبيقه والاستفادة من مفاعيله…
|