إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مسؤولية أميركا عما يحدث في المنطقة

صبحي غندور

نسخة للطباعة 2018-05-03

إقرأ ايضاً


الولايات المتحدة كانت مسؤولة بشكل كبير عن توظيف حركات دينية خلال حقبة «الحرب الباردة» مع المعسكر الشيوعي وضد تيار القومية العربية، هذه الحركات التي تحوّلت إلى جماعات عنف وإرهاب، كما حدث مع «المجاهدين الأفغان» الذين كانوا نواة تنظيم القاعدة، وهو الذي أفرز لاحقاً تنظيم داعش وجبهة النصرة.

والولايات المتحدة كانت مسؤولة أيضاً عمّا حدث ويحدث في العراق و سوريا وفي بلدان أخرى بالمنطقة، نتيجة السياسات الأميركية التي اتّبِعت منذ مطلع القرن الحالي، والتي استفادت منها إسرائيل فقط، وهي السياسات التي خطّط لها «المحافظون الجدد» وجماعات أميركية/‏صهيونية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والتي جرى البدء بتنفيذها عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

وما زلت أذكر قول الرئيس بيل كلينتون في العام 2000 بأن «القرن العشرين كان قرناً أميركياً، وبأن على أميركا أن تعمل أيضاً ليكون القرن الحادي والعشرون قرناً أميركياً».

فلقد نجحت أميركا في القرن الماضي بالتعامل مع تطوّرات عالمية كثيرة بدأت في مطلع القرن العشرين بحرب مدمّرة لأوروبا، ثم تكررت فصولها بشكل أبشع في الحرب العالمية الثانية، التي ختمتها أميركا باستخدام القنابل النووية ضد اليابان من أجل تكريس نفسها كمنتصر أول في الحرب، ومن أجل إضافة اليابان (الآسيوية) إلى الفلك الأميركي الجديد الذي نتج عن انهيار أوروبا عسكرياً واقتصادياً.

ثمّ نجحت أميركا في جعل العالم يقوم على حلفين أو محورين: «حلف الخير الديمقراطي الرأسمالي» (الأميركي/‏الغربي)، و«حلف الشر الدكتاتوري» (الشيوعي/‏الشرقي).

وكانت ساحة الصراع بين المعسكرين هي دول العالم الثالث غير المحسوم انتماؤها نهائياً لأحد المعسكرين. فموسكو وواشنطن حرصتا خلال الحرب الباردة على عدم التدخل المكشوف والمفضوح في دائرة المعسكر الآخر، كما احترم قادة المعسكرين ما حصل في يالطا من اتفاقية توزيع غنائم ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنّهما استباحا لأنفسهما الصراع على كل دول العالم الثالث.

إن أميركا لم تصنع الحرب العالمية الثانية، لكنها استفادت من تداعيات الحرب لكي تُضعف المنافسين الأوروبيين الذين تربّعوا على عرش زعامة العالم منذ الثورة الصناعية في أوروبا.

إن أميركا لم تخطّط للعدوان الثلاثي (البريطاني/‏الفرنسي/‏الإسرائيلي) على مصر عام 1956، لكنها استفادت من ثورة المنطقة العربية على البريطانيين والفرنسيين من أجل وراثة دورهم ونفوذهم في منطقة الشرق الأوسط.

إن أميركا لم تشعل نار الخلافات العقائدية والسياسية بين روسيا والصين خلال فترة الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي، لكنّها استفادت من الصراعات الداخلية في الدائرة الشيوعية من أجل عزل الاتحاد السوفييتي وانشغاله في «حروب عقائدية داخلية».

طبعاً هناك عدّة حروب وصراعات بدأتها أميركا أو خطّطت لبعض تفاصيلها لأجل توسيع دائرة هيمنتها أو لتحجيم نفوذ المنافسين لها. بعض هذه الحروب سار في اتجاه الهدف الأميركي وبعضها الآخر مشى في الاتجاه المعاكس لرغبات واشنطن، لكن الحروب كر وفر، وقد فشلت أميركا في أماكن عديدة كان أبرزها في الميدان العسكري خسارتها لحرب فيتنام، ثمّ ما حدث ويحدث في العراق وأفغانستان.

هكذا هو تاريخ الإمبراطوريات والقوى الكبرى في العالم: صناعة أحداث للاستفادة من نتائجها، أو توظيف أحداث قائمة لخدمة مصالح القوة الكبرى المهيمنة. فأميركا ليست شواذاً في سلوك القوى الكبرى مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة والشعارات العقائدية للدول والمراحل التاريخية.

والمشكلة ليست في وجود تخطيط أو تآمر أجنبي، بل في عدم توقعه أو التحسب له ولأساليبه وأهدافه. هي مشكلة «الداخل» الذي يوجِد الأرض الخصبة لزراعة تآمر «الخارج»، ثم يترك لهذا الطرف الخارجي أن يحصد النتائج!.

ولا أعلم إذا كانت صدفة تاريخية أن يتزامن سقوط الأندلس في العام 1492 مع اكتشاف كولومبس للقارة الأميركية في العام نفسه. فقد كان ذلك التاريخ بداية لتكوين أمة جديدة قامت نواتها الأولى على قهر أصحاب الأرض الشرعيين واستبدالهم بمستوطنين قادمين من أوروبا خوفاً من أوضاع خاصة في بلدانهم، أو طمعاً في ثروات الأرض الجديدة.

لكن نهب الأرض الجديدة وقتل وتشريد أصحابها الشرعيين، ثم الصراعات على الغنائم بين القادمين الجدد، ثم الحروب الأهلية والخلاف على تفاصيل السيادة والحكم وكيفية العلاقة مع الجماعات البشرية المستوردة بالقوة من أفريقيا.. كل ذلك، مع ما تخلّله من سيطرة «ثقافة الكاوبوي» وانعدام التراث الذاتي الحضاري للأمة الجديدة، لم يكن سبب تحوّل الأرض المكتشفة منذ قرون قليلة إلى القوة العظمى الأكبر الآن في العالم.

فرغم كل المساوئ التي رافقت نشوء الأمة الأميركية الجديدة، فإن تحوّل خليط الثقافات والأعراق فيها إلى أمة واحدة ما كان ليحدث لولا البناء الدستوري السليم الذي حافظ على التنوع في المجتمع في ظل الانتماء إلى دولة قائمة على التكامل والتوحد بين خمسين ولاية.

أما على الطرف الآخر (أي دولة الأندلس العربية الإسلامية) فلم يكن سقوطها بسبب انعدام المضمون الحضاري أو نتيجة التخلّف العلمي والثقافي، ولا طبعاً بسبب الابتعاد عن الدين... فالسقوط العربي والإسلامي في الأندلس كان خلال عصر ذهبي من الناحية الحضارية، لكنه كان تتويجاً لحالة التسيّب في الحكم والصراعات بين أمراء الأرض الأندلسية، وبينهم وبين باقي الولايات العربية والإسلامية.

فما كانت أميركا لتكون ما هي عليه اليوم من قوة وجبروت لولا هذا المزيج المركّب من البناء الدستوري والتكامل الاتحادي. أمة موحدة رغم ما فيها وما قامت عليه من تناقضات وصراعات عرقية وثقافية، أمة محكومة بدستور يتجدد، ولو بفعل ضغط الشارع وليس بمبادرة من المشرّع الدستوري، أمة هي اليوم تقود العالم ولو على الرغم من إرادة كل العالم.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024