إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

شعب

الأمين موسى مطلق ابراهيم

نسخة للطباعة 2010-01-21

إقرأ ايضاً


فهرس الكتاب والمدخل يضيئان على بحث معمق اخذ من الامين موسى مطلق الكثير من المطالعة، والمراجعة والتدقيق.. "شعب" كتاب يجدر ان يُقرأ، أن يُهدى وان يُترجم.

فهرس الكتاب

في كنيسة شعب

الأحــد الاول: انجيل متّى

الأحـد الثـاني: انجيل مرقس

انجيل لوقا

الاحـد الثـالث: انجيل يوحنا

صورة يسوع الناصري

لماذا صوّر كتاب الانجيل يسوع الناصري

مسيحياً يهودياً مولوداً في التوراة؟

الاحـد الـرابع: أعمال الرسل

اين هو الانجيل السوري؟

من هو إله اشعيا ومن هو مسيحه؟

تدمير التراث السوري القديم

يسوع الناصري بين الخرافة اليهودية والاسطورة الوثنية

*

في جامع شعب

الجمعة الاولى: لماذا القرآن وحده؟

التخبّط والضياع بين العقل واللاعقل

اختلاق الروايات عن سوء نية

النبوة في معناها وغاياتها

لماذا كانت النبوة طريقاً للتغيير؟

الوحي النبوي

أميّة النبي

سيرة ابن هشام

الجمعة الثانية: الوضع الثقافي والروحي في الجزيرة العربية وتأثيره في القرآن

المؤثرات العربية الجاهلية في القرآن

المؤثرات التوراتية الاسطورية في القرآن

المؤثرات النصرانية في القرآن

الجمعة الثالثة: القرآن الملكي

الجمعة الرابعة: القرآن المدني

*

المدخل

للمؤلف

شعّب، قرية جليلية، تقع على يعد عشرة أميال الى الشرق من عكا، في نقطة تنفرج عندها الجبال عن وادي الحلزون انفراجة واسعة ملأتها الاجيال المتعاقبة بغابات الزيتون الخضراء تحف بها من الشرق والشمال والغرب. وهي تتكئ على سفح الجدار الجنوبي لذلك الوادي القادم اليها من الشرق بين جدارين من جبال تتقارب فيما بينها حتى لا تترك متسعاً إلاّ لمجرى السيل المتوافد من سفوح تلك الجبال وأشاليلها متجهاً إلى الغرب بين غابات الزيتون المترامية على امتداد النظر.

هناك، في تلك القرية الوادعة، ألقت بي الحياة في أحضان الدنيا، فدرجت، أول ما تعلمت المشي، على راحتي ترابها الحميم. وسبحت، أول ما تعلمت السباحة، في غدران واديها الأخضر. ولم تكن تلك الدنيا التي القت بي الحياة اليها تحمل لي، ولا لجيلي، أدنى مشاعر الأمومة، فالدنيا في شعب، وفي كل البلاد التي تنتمي اليها شعب، لم تكن أماً لأبنائها منذ اجيال واجيال.

كانت الدنيا التي يقولون عنها انها أم، أمرأة عاقراً لم تعرف للأمومة طعماً ولا معنى، فكانت أسوأ حاضن لأبناء رجل أدار لها ظهره حتى الغيبوبة، وترك ابواب بيته مفتوحة على مصاريعها للشهوات والاطماع، فجاست خلاله تعبث به على هواها، دون ما حسيب ولا رقيب.

نسف الفاتحون الانكليز قريتي في سنوات طفولتي الاولى، واغتصبها المستوطنون اليهود من بعد ذلك، ونفضت خالتنا الدنيا حرجها من ابناء لا يحملون لها همّاً ولا تحمل عنهم مسؤولية، فإذا نحن على فوهة الريح والريح صفير مجنون.

يلجأ الانسان الى ايام الطفولة مثلما يلجأ من لهب الهاجرة الى برد الظلال. وهكذا كنت الجأ الى ايام الطفولة كلما لفحتني هواجر الأيام أو كلما أصابتني ضربة شمس تسوطني بها، أنا وجيلي، يد العوادي.

في شعب، كان هناك رموز ثلاثة، تحمل في معانيها روح تاريخ طويل لأجيال لا تعد ولا تحصى، ذهبت كلها جيلاً بعد آخر، وأبحر الأقدم منها على اشرعة من الصمت في محيط النسيان. فعلى مدخل شعب الشرقي تقوم كنيسة مهجورة، والى الشمال الغربي منها في الحارة الشرقية من شعب، أطلال جامع متهدم، أما على المدخل الغربي فهناك عبهرة(2) ضخمة تنتصب الى جوار العين، ممدودة أغصانها فوق الطريق، كأنها ملاك عملاق شرع صدره وفتح ذراعيه يبارك العابرين.

عند هذه العبهرة تقيم سبع من بنات الاساطير في بيت مسحور، هن (بنات العين). يقول البعض من اهل القرية أنه سمع من ابيه أو جده أنه ذات ليلة بينما كان عابراً من هناك، رأى العبهرة كأنها قنديل مضاء، ورأى سبع صبايا لم تحمل الارض جمالاً كجمالهنّ، يغنين ويرقصن، تارة تحتها وحولها، وتارة بين الاغصان المضاءة، ولذلك كانت العبهرة بيت نذور لتلك البنات، فإذا اصاب المرض وحيداً لأمه أو وحيدة، نذرت الأمُّ لهن كسوة، فتأتي بقطعة من القماش المزركش زاهية الألوان، وتفصلها مناديل مناديل، وتأتي ببعض البخور والمستكي، تعقد عليه أطرافها وتذهب الى العبهرة وتفي بنذرها بأن تربط تلك المناديل بأذيالها الخضراء. وهكذا، كانت رائحة البخور، في مجمرة الفصول، تملأ رئتي كل عابر من هناك، فيشعر وكأنه في مكان مقدس، ومجامر معبد أخضر لا يحترق بخورها بنار. فكنت ترى عندها العابرين بعضهم يقرأ الفاتحة، وبعضهم يرسم الصليب.

ويروي الآباء في شعب عن آبائهم، أنه كان في القرية رجلا دين يخدمان الكنيسة والجامع فيها، وأن القرية في ايامهما كانت على احسن حال وأهدأ بال ويقولون انهما كانت لهما طريقة مستطرفة في تعليم الدين، اذ كان الشيخ أحمد العليمي يقول: لركعة واحدة عند حفرة تغرس فيها تينة أو زيتونة خير عند الله من الف ركعة في المحراب. وكان الخوري مبدى النجار يقول: لا يقبل الله صلاةً من بطّال.

وكانت ممارسة الدين عندهما خدمة الناس. ففي أحد الايام رآهما أهل القرية يحمل كل منهما معولاً ويذهبان الى "بلاطات العين"، وهذه البلاطات هي صخور هائلة تنتصب على حافة الطريق السلطاني عند مدخل القرية الغربي كأنها أقدام لذلك الوعر الذي ينحدر متطامناً من الجنوب الى الشمال نحو الطريق. وكانت هناك قلدومية تقطع هذه البلاطات وتمر بسالكها من تحت اذيال العبهرة الى العين. وكان لسالك في هذه القادومية فوق (البلاطات) كالماشي على مثل جدار البيضة، فهو عرضة لزلة القدم اذا لم ينتبه جيداً كيف يضعها على هذا الجدار المائل. وهناك راحا يحفران في الصخر الأصم مواطئ سهلة تطمئن بها الاقدام من الزلل والسقوط. ولما تجمهر بعض أهل القرية، مستكبرين عليهما هذا العمل الشاق، اجلالاً واحتراماً لهما، واخذوا منهما معوليهما، وجاءت معاول اخرى بأيدي البعض، وشرعت هذه المعاول في حفر الصخر بأرشادهما، قال لهما بعضهم: مكانكما في الجامع والكنيسة وليس هنا، فقالا وهما يضحكان: هناك المدرسة النظرية التي نتعلم فيها كيف يجب ان نحيا، وهنا التطبيق العملي لما تعلمناه نظرياً هناك.

وكانا يعلّمان ان الوجدان الاجتماعي هو الدين، ازاحة حجر من طريق هي ممارسة للدين. حماية زرع من دابة فالتة، كلاهما ليسا لك، هو عمل من الدين. الصلاة والصوم ليسا ديناً، انهما شعاران للدين. العاملون بما وراء الشعار دون رفعه، هم خير عند الله من المكتفين برفع الشعار. انك تستطيع ان تصوم وأن تصلي بمفردك، ولكنك بمفردك لا تستطيع ان تمارس الدين. فالدين هو ما بينك وبين الآخر، وكلما اتسعت بك الدائرة باتجاه الآخر كلما كنت اقرب الى الله.

في مثل هذا الجو الخانق، القابض على الروح في قفص من الحديد المحمى، حملت نفسي المنكسرة وقلبي المنعصر، وسؤالاً بحّت أوتاره لطول لجاجة والحاح، ما هو الدين؟ ما هو الدين؟. حملت كل ذلك ولجأت الى افياء الطفولة لعلي أجد عندها طمأنينة وراحة، أو ما بعث عليهما على الاقل، ولعلي استطيع التفكير في سؤالي المبحوح، بعيداً عن القرن الهائج، والحافز الجامع، والناب المسعور.

في عين البصيرة، لا البصر، سر من اسرار الانسان الكبرى، فهذه العين الغامضة تتخطى بالانسان المحدود حدود زمانه ومكانه، فإذا هو كائن غير محدود لا بزمان ولا بمكان. بهذه العين يستطيع الانسان ان يوجد نفسه في اي مكان وزمان يشاء. كل مكان مهما بَعُد فهو خطوة. وكل زمان مهما استطال فهو لمحة. في عين البصيرة كون داخلي خفي، لا يقل في العمق والبعد والعظمة، عن الكون الخارجي المنظور!.

أنا الآن، الزمان طفولتي، والمكان قريتي، ادخل اليها عبر الطريق المؤدي الى العبهرة، وكانت بلاطات العين عن يميني، وكان هناك رجلا دين يجلسان مكتئبين في أعلى تلك البلاطات. فتقدمت منهما وحييتهما بلطف، وجلست الى جوارهما استريح. وكان الاول في العقد السابع من العمر، ربع القامة، ترى على وجهه سيماء الجلال والمهابة، وكان شعره المعقود في مؤخرة رأسه يبدو كأنه زهرة قطن تفتحت، وراحت تتبارى مع لحيته وشاربيه في ابراز جلال البياض ووقاره.

وكان الثاني في العقد الخامس من العمر، طويل القامة، واسع الجبين، له عينان نفاذتان، الناظر فيهما كالناظر في سماء سحيقة يغشى وجهها سديم كئيب، اسود اللحية والشاربين، إلا من بعض بياض خفيف كشفت عنه عمامته في مفرقه وفوديه. ولم يلبث هذا الاخير ان التفت الى جليسه وقال:

- اتذكر يا ابونا يوم حفرنا هذه المواطئ في هذا الصخر معلمين بالقدوة؟.

فرد الاخر وعيناه تائهتان من شدة الكآبة:

- نعم يا شيخ أحمد، ولكن الاقدام التي خشينا عليها من الزلل هنا زلّت هناك. وأشار بيده الى السهل المنبسط المغطى بغابات الزيتون. فعرفت من هذه الاشارة الى حفر الصخر انهما رجلا الدين اللذان تتحدث عنهما الاجيال في قريتي، فقلت:

- اذن انتما الخوري مبدّى النجار والشيخ احمد العليمي اللذان كنت اسمع عنكما منذ طفولتي ولا ازال!.

- فالتفتا كلاهما الي، وقال الخوري:

- أأنت من هنا يا بني؟

- قلت نعم انا من هنا يا ابونا.

فحملق بي مستغرباً وقال:

- من اين جئت، واين كنت؟ فنحن هنا منذ ثلاثة عقود لا نقع الا على وجوه غريبة!.

- قلت: انا هارب من بيروت، لاجيء الى طفولتي التي تشدني الى هنا. وهنا تدخل الشيخ أحمد العليمي وقال:

- ولماذا انت هارب من بيروت؟

- قلت من الدين!.

فضحكا كلاهما من اجابتي، ثم قال:

- لا يهرب الانسان من المثل الاعلى الا اذا كان ضعيفاً خائر الهمة والقلب، كيف تهرب من الدين والدين مثل اعلى وقدوة حسنة؟.

- قلت: لعل ما تقوله عن الدين هو ما كنتما تعلمانه ههنا، أما هناك فما ابعده عما تقول، وهنا تدخل الخوري وقال متسائلاً باستغراب:

- كيف يكون الدين شيئاً هنا ويكون في بيروت شيئاً آخر؟ نحن هنا وفي بيروت شعب واحد، والدين اياً كان اسمه، هو لخدمة الشعب وترقية حياته الاجتماعية والاخلاقية والمناقبية !. وهنا قال مستدركاً باهتمام: الا الدين اليهودي، فهذا الدين يسير في اتجاه معاكس للاتجاه الذي تسير فيه الانسانية.

- قلت: كيف يكون الدين اليهودي كذلك يا ابونا وهو مصدر الانجيل ووحي القرآن؟. فابتسم الشيخ أحمد العليمي ونظر الى الخوري مبدى النجار نظرة ذات معنى وقال: معه حق، اني اشعر بالمسؤولية اليوم اكثر مني في اي وقت مضى. فقال الخوري مبدى النجار بصوت هادىء حزين:

- نعم، وأنا أشعر بالمسؤولية ولكن ليس من اليوم، انني اشعر بها من اليوم الذي عرفت فيه الحقيقة، ووقفت امامها وجهاً لوجه، ثم أدرتُ لها ظهري خوفاً منها لا تنكراً لها.

فقال الشيخ أحمد العليمي:

- نعم يا ابونا، وانها من ذلك اليوم الذي عرفناها فيه وهي تدق على جدران صدري تريد الخروج، ولكن خوفي منها، أنا الآخر، يسد عليها الطريق.

- قلت: عن أية حقيقة تتحدثان؟

- قال الخوري مبدى النجار: عن حقيقة الدين الذي يدين به السوريون.

- وقال الشيخ أحمد العليمي: وعن حقيقة العلاقة بينه وبين الدين اليهودي.

- قلت اذن، ما نعرفه عن ديننا ليس هو الحقيقة!

- فقال الخوري مبدى النجار: نعم يا بني.

- قلت: سمعتكما تقولان انكما تخافان منها، فهل هي مخيفة، ولماذا؟

- قال الخوري مبدى النجار: نعم هي مخيفة، ولكن كان علينا ان لا نخافها الى حد الهرب منها. وتحول بنظره الى الأفق وقال كمن يحدث نفسه: هربنا منها حرصاً منا على سلامة الجسد، ولم نكن نعلم انه سيغدو تابوتاً لما فينا من الروح، روح الايمان وروح الحقيقة الذي هو ملك الشعب كله، والذي لا يحده مكان ولا زمان. بخلاف الجسد الذي هو ملك شخصي محدود في المكان والزمان. هربنا ليسلم الجسد فمات الروح الذي هو اولى بالسلامة. نعم، مات الروح لأنه امانة لم تُوَدّ الى اهلها.

- فقال الشيخ أحمد العليمي معقباً: " انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها، وحملها الانسان انه كان ظلوماً جهولاً"(1).

فالتفت الخوري مبدى النجار اليه وقال:

نعم، انه ظلوم لنفسه عندما يكون جاهلاً قيمة الامانة التي يحمل، ولكن عندما يكون عارفاً بقيمتها ويؤديها الى أهلها حق ادائها، ايا كان مصير الجسد، فأنه يكون عندئذ انساناً مثلث الأبعاد، فيه من عمق السماء وسعة الأرض، وفيه من طول الجبال. انني أشعر بمسؤوليتي ليس فقط عن موت الأمانة بل عن موت الأجيال التي كانت ستحيا بها لو أنني كنت اهلاً لحملها.

تهيبت الموقف وأنا انظر الى الخوري مبدى النجار يعصره الالم العاصف في كيانه بقسوة لم ارَ لها مثيلاً في حياتي، فقلت محاولاً التخفيف عنه:

- اعتقد يا ابونا انك تظلم نفسك كثيراً بتحميلها كل هذه المسؤولية! وهنا قال الشيخ أحمد العليمي وهو يتألم بحدة:

- لا لم يظلم نفسه ابداً، ولا انا اظلم نفسي اذا حملتها مسؤولية تشريدكم من الأرض، ومسؤولية اغتصابها، لأننا لو كنا أدينا الأمانة الى اهلها لما كنت انت ذهبت الى بيروت مطروداً من الأرض، ولا كان اصابك ولا اصاب جيلك كل هذا الشقاء. ان جميع الذين تثيرهم المفاهيم الدينية الخاطئة فتجعل منهم اما قاتلين او مقتولين، ليس في بيروت ولبنان فحسب، بل في جميع انحاء سورية، انما نحن مسؤولان عنها.

فسكتُّ ولم أجب بشيء ولكن الدهشة في وجهي هي التي كانت تتكلم. فالتفت الخوري مبدى النجار اليّ وابتسم لي ابتسامة تفيض بالحزن وقال:

- نعم يا بني، لقد سمعتني أقول ان الاقدام التي خشينا عليها من الزلل هنا – وأشار بيده الى القادومية المحفورة في الصخر – زلّت هناك، مشيراً الى غابة الزيتون، نحن مسؤولان عن كل ما اصابكم وعن كل ما يجري، لأن الحقيقة التي كتمناها عنكم كانت جديرة، لو عرفتموها وتربيتم عليها، بأن تجعلكم أعمق جذوراً في الأرض، وأثبت أقداماً عليها.

- قلت: هل تسمحان لي بأن احمل عنكما بعض اعبائها فأحملها الى جيلي قبل فوات الاوان؟.

- قال الشيخ أحمد العليمي: وهل تجد في نفسك القدرة والكفاءة على حملها الى جيلك؟.

- قلت: لقد تعودت على ذلك، وانني الان أحمل في نفسي أمانة استهلك في سبيلها جسدي، أنظر الي، فلولا حمل الأمانة لما رأيت بي ما ترى من جراح.

فقال الشيخ أحمد العليمي موجهاً كلامه الى الخوري مبدى النجار ومشيراً الي:

- ارى يا ابونا ان ما بهذا التى من جراح شاهد على صدقه وكفاءته، فماذا ترى؟

فقال الخوري مبدى النجار:

- ولكنني ارى ان لا أنطق بها الا حيث كان يجب عليّ ان انطق بها هناك من على مذبح الكنيسة.

- فقلت: انها الان مهجورة، مغلقة، وان روادها من أصحاب القبور!.

- فقال الخوري: ولكن لا تنس يا بني ان هذه الامانة هي حياة حتى لمن في القبور. انها تستطيع ان تفتح للأمة أبواب الحياة المغلقة في وجهها أفتعجز عن فتح أبواب الكنيسة؟.

- وقال الشيخ: إني أوافقك يا أبونا على هذا الرأي، وأنا بدوري لن أعلنها الا من على المنبر حيث كنت القي خطبة الجمعة كل أسبوع. والتفت الي وهو يبتسم قائلاً: ولكن اياك ان تقول ان الجامع مهدم، فالحقيقة التي تبني حياة الأمة لا تعجز عن بناء جامع متهدم!.

- وقال الخوري موجهاً كلامه الى الشيخ:

- ارى يا شيخ أحمد انه لا موعظة واحدة ولا خطبة واحدة تكفي لتبليغ الأمانة، لذلك ارى ان نخصص لها شهراً ندعوه باسمها "شهرالحقيقة" القي أنا فيه كل أحد موعظة، وتلقي انت خطبة كل جمعة، فيكون لدينا بذلك متسع من الوقت الكافي للتبليغ.

- قال الشيخ: نعم ما رأيت يا أبونا، تبدأ أنت في الأحد المقبل وأبدأ انا في الجمعة التي تليه، ونمضي هكذا حتى ينتهي الشهر بإعلانها كاملة.

وعندما أكمل الشيخ أحمد العليمي كلامه، نهض وقال للخوري مبدى النجار: قم يا أبونا لنمض الان، فنهض الخوري، وفيما هما يودعانني قال الشيخ أحمد العليمي:

- لا تنس يا فتى مواعيدنا في كل أحد وجمعة.

قلت: كلا، سوف لا انسى ابداً هذه المواعيد. وما ان أتممت كلامي حتى غابا عن ناظريّ بشكل مفاجىء، حسبتُ معه أنني كنت أحدث نفسي.


(1) سورة الأحزاب الآية 72.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024