إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عودة إلى مواجهة العدو الواحد

طلال سلمان - السفير

نسخة للطباعة 2010-04-26

إقرأ ايضاً


منذ أيام أدولف هتلر في ألمانيا النازية لم يسمع العالم تهديداً يماثل في وحشيته ذلك الذي أطلقته حكومة بنيامين نتنياهو بأنها «ستعيد سوريا إلى العصر الحجري»؟

أما السبب فيتصل بأن تكون سوريا قد ساعدت أو سهّلت وصول بضعة صواريخ روسية من طراز «سكود» إلى لبنان لتعزيز القدرات الدفاعية لمجاهدي «حزب الله» في مواجهة الخطر الدائم باحتمال إقدام إسرائيل على مغامرة عسكرية جديدة على غرار حرب تموز 2006، أو أشد تدميراً وأعظم فتكاً بالبشر والحجر وبما لا يقاس.

وبالتأكيد فإن المصنّعين الروس لهذا الصاروخ لم يفترضوا فيه القدرة على الإخلال بالتوازن الاستراتيجي القائم بين «حزب الله» في لبنان وإسرائيل النووية، ولذلك استمروا يبيعونه لكل من يطلبه من الدول، مطمئنين إلى أن أحداً لن يحاسبهم على هذا الخرق الفاضح لتوازن الرعب السائد والذي يضبط إيقاع الدول والمنظمات جميعاً... توطيداً للسلم العالمي وتأميناً للغد الأفضل للإنسانية جمعاء!

... والحمد لله أن حكمة القيادات السياسية في لبنان قد جنّبته خطر الإبادة الشاملة لو أنه استمع إلى غواية الشيطان وقبل تلك «الهدية الروسية المسمومة» ممثلة ببضع من طائرات الميغ 29، التي تستخدم الآن لجولات سياحية مكلفة في سماء موسكو، وإلا لكانت القيادة الفذة لبنيامين نتنياهو قد أمرت بالرد باستخدام بعض مخزونها من القنابل النووية لمسح لبنان عن خريطة الكون!

على أن الأبشع من التصرف الإسرائيلي المتهوّر هي تلك التهديدات الخرقاء التي وجهتها الإدارة الأميركية إلى سوريا، عبر سفيرها في واشنطن، فلما غاب استدعت نائبه للتشديد على جدية تهديداتها، ثم أنها ذهبت بها إلى الكونغرس لتؤكدها على هامش «التعليمات» التي سوف يأتي بها السفير الأميركي الجديد إلى دمشق!

وسيكون مخبولاً من يمكن أن يصدق أن بضعة من صواريخ «سكود» المهرّبة عبر الحدود السورية ـ اللبنانية (على فرض إمكان تهريبها وطول الواحد منها يصل إلى 12 متراً، ويحتاج إلى شاحنات يمكن رصدها ومتابعتها من لحظة انطلاقها)، ستكسر التفوق الإسرائيلي الكاسح، وستصيب الحكومة الإسرائيلية بالذعر فتدفعها إلى فتح مخزونها النووي في ديمونا لكي تسحب منه ما يكفي لتأديب سوريا ولبنان و«حزب الله»، وكل من تسول له نفسه التفكير بإيذاء «جيش الدفاع الإسرائيلي» في حروبه التدميرية المقبلة!

سيكون مخبولاً من يصدق أن إسرائيل، وبوصفها أكبر تاجر سلاح في المنطقة، وهي قد باعت فعلاً الطائرات من دون طيار إلى روسيا، مصنعة صواريخ سكود ذاتها، وكذلك إلى تركيا، وحتى إلى الجيوش الأميركية، كما أنها تبيع كميات هائلة من دبابات الميركافا والصواريخ البعيدة المدى إلى بعض كبريات الدول الآسيوية (الهند مثلاً)، قد أصابها الرعب من صواريخ سكود التي يصعب إخفاؤها ويصعب أكثر إطلاقها قبل أن تكتشفها الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار التي لا تغادر الفضاء اللبناني من التخم إلى التخم وعلى مدار الساعة...

إنها حملة تهويل بطبول كثيرة ولكن لأسباب سياسية وليس لأسباب عسكرية، وبقصد استكشاف عمق التباعد بين الدول العربية، واحتمال الانفراد بسوريا مع لبنان ومقاومته في أي مواجهة مقبلة، بافتراض أن أي حرب إسرائيلية جديدة بذريعة «استئصال خطر حزب الله» ستشمل سوريا قطعاً، بل ستدخلها سوريا حكماً، وبقرار مؤكد ومعلن، لأن ذلك بين أبسط شروط الدفاع عن التراب الوطني.

لقد طلب العديد من أقطاب النظام العربي السلامة لأنفسهم، فأعلنوا خروجهم من ساحة المواجهة، تكريساً لما تمّ فعلاً في الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006 والذي ثبت فيها «حزب الله» بقيادته ومجاهديه الأبطال في مواقعهم معززين بالتضامن الوطني الذي لم يؤثر في تماسكه ظهور الإدارة الأميركية السابقة بشخص وزيرة خارجيتها السمراء كوندليسا رايس في موقع القيادة الفعلية، أو بروز بعض «التواطؤ» العربي فيها...

فالعراق، أعانه الله، خارج البحث...

وأما دول الجزيرة والخليج فمشغولة بالخطر الإيراني الذي تراه ـ لوحدها ـ نووياً، وتستعد لمواجهته بالقواعد الأميركية والصفقات المهولة لأسلحة لن تجد من يستخدمها غير صانعها وهو هو بائعها،

وأما دول ما خلف مصر فقد نأت بنفسها عن ساحة الحرب الإسرائيلية المفتوحة دائماً على شعب فلسطين في مساحة أرضه جميعاً من القدس إلى غزة، ومن القدس إلى الأغوار، وهي قد دللت في القمة العربية في ليبيا أنها لن تبقي المبادرة العربية على الطاولة إلى الأبد، بل أنها قد باتت مستعدة لتعديلها وفق الملاحظات القاسية لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون...

لقد عادت سوريا إلى دورها الطبيعي، كقوة إسناد جدية للبنان في مواجهة الخطر الإسرائيلي الذي لا يموّه نفسه أبداً، متخففة من أعباء دورها «الداخلي» الذي آذاها بقدر ما تسبب في أذية لبنان.

إن الجبهة في مواجهة احتمالات الحرب الإسرائيلية واحدة الآن: لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته، على ما أكد البيان الوزاري، وما يردده الرئيس ميشال سليمان دائماً، وسوريا لأنها تعرف ـ وبالمحسوس ـ أن مثل هذه الحرب سوف تستهدفها بقدر ما تستهدف لبنان كله بعنوان مقاومته المجاهدة التي أكدت قدرتها على المواجهة في حرب تموز 2006، والتي لا تخفي الآن أنها أكثر استعداداً وأعظم تجهيزاً، بمعزل عن حكاية صواريخ سكود التي يرصدها المندوب الإسرائيلي فوق العادة تيري رود لارسن من مكتبه في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، مستعيناً «بعيونه» في لبنان التي تراقب الحدود الشرقية والشمالية بدقة حتى لترى الطيور وهي تعبر «الحدود» من سوريا إلى لبنان وبالعكس... ولكنها لا ترى الطائرات الإسرائيلية التي تتنزه في سمائنا يومياً، أناء الليل وأطراف النهار.

لقد آن أن يستعيد لبنان ذاته، وأن يتخفف من موجة الجنون التي عصفت به في السنوات الماضية، وأن يعود إلى حقائق حياته، وأن يعزز أسباب صموده في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتربص به دائماً والذي لا يستهدف «حزب الله» ومجاهديه و«ترسانته الحربية» فحسب، بل يستهدف لبنان كله، بكل أبنائه ومناطقه، ويستهدف معه سوريا بكل جهاتها وبكل قدراتها.

والتوحد في مثل هذه المواجهة المفروضة هو أبسط شروط منعها أو استبعادها، فإذا ما وقعت كان الكل شركاء فيها... وهذه ضمانة إضافية للانتصار مجدداً على الضعف العربي الرسمي كما على آلة التدمير الإسرائيلية بقيادتها النازية.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024