إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

شبح الخصخصة يخيّم فوق المطار

حسن عليق - الأخبار

نسخة للطباعة 2010-06-26

إقرأ ايضاً


تُرِكت شركة الخدمات في مطار رفيق الحريري الدولي نهباً للفساد والهدر وسوء الإدارة، حتى طمع فيها «المخصخصون». واليوم، ثمة من بدأ يُعدّ نفسه للحلول مكانها، مشرّعاً الباب أمام دخول شركات أجنبية لتشغيل أحد أكثر المرافق حساسية من الناحية الأمنية

إنها الخصخصة. قطارها يقترب من محطة مطار رفيق الحريري الدولي، وبالتحديد من الخدمات التشغيلية فيه، رغم ما فيها من حساسية أمنية فائقة الخطورة. هذه الخدمات تتولّاها شركة الشرق الأوسط لخدمات المطارات (MEAS، ميس)، التابعة لشركة طيران الشرق الأوسط. هي إذاً شركة «شبه عامة»، أو ذات اقتصاد مختلط، لأنّ مصرف لبنان يملك معظم أسهم الشركة الأم. وخصخصة خدمات المطار لن تُثار حولها زوبعة شبيهة بما يواجَه به أيّ طرح مماثل في القطاعات والمؤسسات العامة الأخرى. فمؤيدو الخصخصة وبيع القطاع العام سيخرجون ليقولوا إن الخصخصة متحققة في المطار، نظرياً على الأقل، إذ إن شركة «ميس» ليست مؤسسة عامة بكل ما للكلمة من معنى، لكونها مستقلة تماماً عن القطاع العام، وتحوز كل مواصفات الشركة الخاصة، إلا رأس المال.

ومنذ انتهاء عقد «ميس» عام 2006، يجري تجديده سنوياً، لتنتهي صلاحية التمديد الأخير بداية الشهر المقبل. ورغم ذلك، فإنّ الحكومة لم تتحرك بعد للقيام بخطوة نحو تمديد عقد «ميس»، أو لإجراء مناقصة عالمية لتشغيل المطار، علماً بأنّ تنظيم العقد أو المناقصة لا يزال في عهدة مجلس الإنماء والإعمار لا بيد المديرية العامة للطيران المدني التابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل.

وبحسب مصدر في «الإنماء والإعمار»، ثمة نية لتجديد عقد «ميس» مدة 6 أشهر، على أن تُجرى خلالها مناقصة عمومية بشروط جديدة. وفي اقتراح المناقصة مكمن الخطورة التي يحذّر منها مسؤولون أمنيون لبنانيون وعاملون في مطار رفيق الحريري الدولي. فبحسب ما أكّد مسؤول رفيع في الميدل إيست، وموظفون في الشركة متعدّدو الانتماءات السياسية، إضافةً إلى مصدر رفيع في مجلس الإنماء والإعمار، ثمة ثلاث شركات أجنبية تنافس شركة «ميس» على موقعها: واحدة فرنسية (Aéroports de Paris, ADP) وأخرى كويتية (مجموعة الخرافي)، وثالثة تركية. كذلك يجري الحديث عن احتمال حصول تعاون بين الشركتين الفرنسية والكويتية لتشغيل المطار، وخاصةً أنّ ثمة تجربة سابقة من التعاون بينهما، كل في مضمارها، في مطار «مرسى علم» المصري على البحر الأحمر. وتنبع الخطورة من كون المطار يدخل في حسابات الأمن القومي للبلاد، وبالتالي، فإنّ وضعه في عهدة شركة أجنبية، يجعله عرضة للاختراق بأضعاف ما هو قائم حالياً. وتصبح الهواجس الأمنية أكثر مشروعية عندما تُعرَف تفاصيل مهمات شركة «ميس». فنطاق عملها يبدأ من صيانة الأنفاق المحيطة بالمطار (الأوزاعي ـــــ خلدة وخلدة ـــــ الكوكودي)، وصولاً إلى صيانة الرادارات، مروراً بكاميرات المراقبة والبنى التحتية وتسيير الجسور التي تصل الطائرات بقاعات المطار، إضافةً إلى إجراء الصيانة الميكانيكية والتقنية للمباني، فضلاً عن تشغيلها مع المدارج. وهذه الصلاحيات تمنح عمل الشركة طابعاً أمنياً شديد الحساسية، يكاد يفوق ما هو موجود لدى جهاز أمن المطار. إذ إنّه ما من قسم محرّم على موظفيها. كما أن معظم التجهيزات في المطار تعمل بإشرافهم، وهم يتولّون صيانتها وتشغيلها. خلاصة الأمر أنّ شركة «ميس» هي قلب المطار وجهازه العصبي. وبيد موظفيها تعطيله في أي لحظة يريدون.

ويزيد من الخطورة الأمنية أنّ الشركة الفرنسية، ADP، لا تجد أيّ مانع أمام التعاون مع شركات إسرائيلية (خارج لبنان)، علماً بأنّ مصدراً متابعاً للقضية يؤكّد أنّ للشركة عدة «عقود بالباطن» مع شركات إسرائيلية، سواء في أوروبا (هنغاريا) أو أفريقيا.

من ناحية أخرى، فإنّ أرباح شركة «ميس» تذهب حالياً إلى مصرف لبنان، فيما أرباح الشركات الأجنبية ستذهب إلى الخارج. أمّا موظفو الشركة الحاليون، فأكد المصدر أن حقوقهم ستُحفظ في دفتر الشروط الذي يفرض على الشركة ألّا تصرفهم. وفي الأصل، لن تكون قضية الموظفين عقبة أمام أيّ شركة جديدة، إذ إنّ عدد الموظفين الذين نُقلوا من ملاك الميدل إيست إلى «ميس» لا يزيد على ستين شخصاً، أمّا باقي العاملين فيها، فهم إمّا متعاقدون معها أو موظفون عبر متعهدين.

ويتحدّث عدد من العاملين في شركتي ميدل إيست و«ميس» عن وجود تواطؤ بين بعض أقطاب الطبقة السياسية على إخراج الشركة العاملة حالياً من المطار، وإدخال شركتي الخرافي وadp أو إحداهما. وقد نشطت الشركة الفرنسية في لبنان أخيراً، فأنشأت في بيروت شركة تابعة لها. وقد زار رئيس مجلس إدارتها رئيسَ الحكومة سعد الحريري في 5 أيار 2010.

وممّا يزيد من صعوبة الدفاع عن إبقاء شركة «ميس» في موقعها، هو وضعها الداخلي. فرئيس مجلس إدارتها، النائب غازي يوسف، مشكوك في قانونية بقائه في منصبه، إذ إنّ قانون الانتخابات النيابية، الذي انتُخب نائباً بموجبه، يمنع أعضاء البرلمان من أن يجمعوا بين النيابة ورئاسة مجالس إدارة الشركات والمؤسسات العامة أو ذات الاقتصاد المختلط. أضف إلى ذلك أن أرباح الشركة تراجعت منذ تولي النائب غازي يوسف رئاسة مجلس إدارتها عام 2008، بسبب سوء الإدارة والهدر والفساد الذي يعتري عمل بعض أقسامها ودوائرها، الذي يتحدث عنه علانيةً عدد كبير من موظفي «ميس» والشركة الأم. كذلك فإن النائب يوسف قلّما يداوم في مركز الشركة، تاركاً الصلاحيات بين يدي أحد الموظفين المحسوبين على تيار المستقبل. أمّا المعنيون في الميدل إيست، فيعيدون انخفاض الأرباح إلى زيادة رواتب الموظفين ابتداءً من منتصف عام 2008، فضلاً عن طلبات إضافية ترد من مجلس الإنماء والإعمار من دون تعديل في التكاليف.

ويتحدّث عدد من موظفي «ميس» عن وجود إمكان لخفض تكاليف التشغيل في المطار، إذا قررت إدارة الشركة وضع حد للهدر والفساد فيها، والابتعاد عن صفقات المتعهدين، وخاصةً أنها تمكنت قبل نحو سنتين من إلغاء عقدين لمتعهدَين وتوفير الخدمات التي كانا يقومان بها، وتحقيق وفر للشركة يقدّر بأكثر من 600 ألف دولار أميركي. وتبلغ قيمة العقد التشغيلي نحو 12 مليون دولار أميركي، إضافةً إلى ملاحق تصل قيمتها إلى نحو 1.5 مليون دولار. وتشمل هذه المبالغ الصيانة الاستباقية الروتينية، وأجور الموظفين وتكاليف الإدارة. أما أسعار قطع الغيار، فيدفعها مجلس الإنماء والإعمار، مع إضافة نسبة 10 في المئة لمصلحة شركة ميس.

في المحصّلة، ثمة الكثير من الأداء الذي يؤدّي إلى نتيجة واحدة، مفادها تكرار السيناريو اللبناني المعتمد منذ سنين. أن يُترك الفساد والهدر وسوء الإدارة لتضرب شركة أو مؤسسة عامة. ثم يُعمَد إلى بيعها أو نقل صلاحياتها إلى مؤسسة خاصة. وعند الوصول إلى هذا الحد، لن تجد الشركة من يدافع عنها. وفي حالة شركة «ميس» يُترَك أمن واحد من أهمّ المرافق العامة في لبنان عرضة للاختراق.

الأمن أولاًً

مثّل أمن المطار هاجساً لعدد من الجهات اللبنانية والأجنبية على حد سواء. ويردّد عدد من العاملين فيه أنّ الأميركيّين لطالما تدخّلوا لإبعاد أشخاص عن المواقع الحسّاسة فيه. وعندما انتُدب موظفون من الميدل إيست للعمل في شركة «ميس»، حُذف عدد من الأسماء المقترحة عن اللائحة التي أعدّتها إدارة الشركة، قبل أن يقوم الأمن السوري آنذاك بحركة مضادّة، أخرج بموجبها موظفاً كبيراً في الشركة (كان يعمل سابقاً في مطار في الولايات المتحدة الأميركية، وله صلة قوية بمؤسسات أميركية).

وبعيداً عن الهاجس الأمني، يرى موظفون في الميدل إيست أنّ باب خصخصة الخدمات في المطار مفتوح على مصراعيه منذ إقرار قانون إنشاء الهيئة المنظمة للطيران المدني عام 2002، الذي سعى لإصداره الرئيس رفيق الحريري، والذي يمكن الاستناد إليه لإدخال القطاع الخاص إلى جميع مفاصل مطار رفيق الحريري الدولي. فالقانون يمنح الهيئة صلاحية الإشراف على «إدارة واستثمار جميع القطاعات المتعلقة بالطيران المدني، بما في ذلك خدمات النقل الجوي والملاحة الجوية وسلامة الطيران المدني والمطارات المدنية».


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024