إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المركز الآلي الخارج عن القانون

محمد وهبة - الأخبار

نسخة للطباعة 2010-10-23

إقرأ ايضاً


جزر مقطعة الأوصال في وزارة المال لا تتلاءم مع معايير الرقابة

يُروى الكثير عن مآثر المركز الآلي في وزارة المال، لكن المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار» تؤكّد أنه كان متفلتاً من كل الضوابط القانونية خلافاً لقانون إنشائه، فهو حوّل الوزارة إلى جزر مقطّعة الأوصال بلا تخطيط أو دراسة، فلم يبن أنظمته على الأصول والضوابط المحاسبية، فكان بمثابة منشأة خاصة بالوزير فؤاد السنيورة «ما يدخل إليها مفقود وما يخرج منها مولود»!

من يعمل على إزالة التجاوزات والمخالفات في وزارة المال، عليه أولاً أن يبدأ بتفكيك الشبكة العنكبوتية التي أرساها وزير المال السابق، فؤاد السنيورة، من خلال إنشاء المركز الآلي الذي بات يحيط بكل مديريات الوزارة ويربطها بعضها ببعض كأنها جزر مقطعة الأوصال لا يعرف ما يجري فيها إلا الممسكون بمفاتيح المركز الذي كان يفترض أن يكون وحدة الدعم التقني لمختلف صناديق الوزارة ودوائر المحاسبة فيها... أي تابعاً لأعلى سلطة الهرم الإداري في الوزارة، وهو المدير العام لوزارة المال، لكنه لم يكن كذلك. بل كان على رأس إدارته بصورة مخالفة للقانون، مستشار وزير المال نبيل يمّوت (UNDP)، الذي أداره وتحكّم بكل تفاصيله، فيما العاملون فيه كانوا بالتعاقد لكن كلفتهم تضاعفت أكثر من مرّة، وحيث اتسعت سلطة المستشار ليتربّع على عرش الوزارة منذ إنشاء المركز مع بداية تولي السنيورة وزارة المال إلى اليوم، باستثناء فترة الوزيرين الياس سابا وجورج قرم، أي ولاية الوزراء من خارج نادي الحريري.

مرحلة الإنشاء

قانونياً، أُنشئ المركز الآلي في وزارة المال بالقانون 1/70 الذي أجاز للحكومة تعديل الملاكات الدائمة للمديرية العامة للمال، فصدر المرسوم 14940/70 وأنشأ الملاك الدائم للمركز الذي حدّد عدد وظائفه وأنواعها وشروط تعيين الموظفين، على أن يشرف المدير العام لوزارة المال مباشرة على أعمال المركز، ويعيّن أحد رؤساء المصالح مديراً له، بناء على اقتراح المدير العام لوزارة المال، وبتفويض من وزير المال. وبموجب المادة 6 من المرسوم 2485/ 92 أعطي المدير العام صلاحية تحديد نظام عمل موظفي المركز، وهذا يعني أن الهدف من الإنشاء هو أن يكون مواكباً لتطور المعلوماتية وما يلزم الوزارة منها لوضعها ضمن برمجيات تستخدمها الوزارة.

عملياً، كان المركز الآلي حاجة ملحة لتطوير عمل الوزارة المتنامي بالتزامن مع وضع تصميم محاسبي جديد لحسابات الدولة يعتمد القيد المزدوج، وإنشاء فريق المحاسبة الخاص (هذا الفريق أنشئ أيضاً بصورة مخالفة للقانون وله قصة أخرى)، وتتلخص المهام المنوطة به على النحو الآتي: إعداد وصيانة البرامج المعلوماتية التي تحتاج إليها الإدارة لتسجيل المعلومات والعمليات، تصميم وتركيب وصيانة الشبكات التي تحتاج إليها الوزارة بمختلف مديرياتها والمصالح المالية في مراكز المحافظات، والمحتسبيات في مراكز الأقضية، تركيب وصيانة التجهيزات المعلوماتية اللازمة، إدارة الأنظمة والشبكات المعلوماتية.

خارج عن الأصول

إلا أن إنشاءه تحوّل إلى خطوة خارجة عن الأصول والقواعد القانونية، فالمهام التي كانت منوطة به كانت تتطور وفق حاجات الإدارة، لكنها كانت مشوبة بعيب التسرّع وعدم التخطيط ومن دون أي ربط للبرامج بعضها ببعض، فبدت مديريات الوزارة عبارة عن جزر مقطّعة الأوصال. إذ تشير تقارير رسمية إلى أن المعلومات كانت تختلف بين شاشة وأخرى في المحتسبيات، فتؤخّر إنجاز معاملات المواطنين، وفي بعض الحالات، كان إثبات براءة المكلّف من تكليفه بضريبة نتيجة تشابه أسماء على سبيل المثال، يقع على عاتق المكلّف نفسه الذي يتوجب عليه تقديم دليل براءته... ولطالما شكت المحتسبيات والإدارات من تكرار الأعطال التي تصيب عمل أنظمة التحصيل، أو من ظهور معلومات متناقضة على الشاشات المختلفة حول الجدول نفسه أو المكلّف نفسه، وكذلك لم توفّر هذه الوحدة التيار الكهربائي اللازم باستمرار لعمل الأجهزة والآلات، وقد عانت المحتسبيات من توقف العمل فيها بسبب انقطاع الكهرباء!

وقد أدت بعض البرامج المعلوماتية التي وضعها المركز بالخدمة الفعلية لمختلف مكاتب الوزارة، إلى تعطيل بعض النصوص أو الحالات القانونية بسبب عدم تلاؤم البرامج المعلوماتية معها، فالنظم المعدّة لم تكن متلائمة مع النصوص النافذة، فيما تأخّرت عملية ربط أنظمة إصدار إرساليات بعض أنواع الرسوم والضرائب بأنظمة التحصيل، وذلك على الرغم من انتقال نظام إصدار إيصالات القبض وأوامره من اليدوي إلى الممكنن، ما فتح باباً لإمكانية حصول هدر أو أكثر، فضلاً عن ظهور مشاكل ناتجة من عدم دقة المعلومات عن بعض المكلفين.

موجبات الرقابة مغيّبة

غير أن المشكلة الأبرز، بحسب ما يروي مطلعون على ملف المركز، تكمن في أن النظام المعلوماتي الذي خلقه المركز، لم يكن يلبي موجبات الرقابة الفورية والفاعلة على تسجيل العمليات والمعاملات، فضلاً عن أنه لم يكن يحترم الضوابط المنصوص عليها في القوانين، ولا حتى أبسط قواعد الإدارة والشفافية التي كان يتغنى بها السنيورة.

وكان المركز يخالف أهمّ قانون في إنشائه، فقد أراده المشترع أن يكون خاضعاً لهيكلية إدارية واضحة وبإشراف من قمة الهرم فيها، أي المدير العام، إلا أن الواقع كان مختلفاً ومغايراً للقانون، إذ كان أحد مستشاري وزير المال يتولى مهمة الإشراف عليه، ما أحدث تنازعاً في الصلاحيات والتبعية الإدارية، فقد كان يفترض أن يكون فريق المحاسبة الخاص تابعاً إدارياً (بمعنى التسلسل الإداري) إلى دائرة المحاسبة والصناديق، وأن يكون مرتبطاً تقنياً بالمركز الآلي الذي يتولى الإشراف على شبكة هذا الفريق ونظامه وأجهزته، وعلى البرامج التي يعتمد عليها العاملون فيه، لكن العلاقة بين الاثنين، أي المركز الآلي وفريق المحاسبة الخاص، كانت تشوبها إشكالية تتمثل في تداخل المركز وتدخّله بالأمور الإدارية.

وأكثر ما يدلّ على وضع المركز غير السوي، أن موظفيه من المتعاقدين الذين يراوح عددهم بين 30 و40 متعاقداً. أما كلفته الإجمالية فقد كانت تقدّر في عام 2006 بنحو 1.5 مليار ليرة، علماً بأنها تضاعفت نحو 4 مرات خلال فترة وجيزة، وهذا مؤشر على الحظوة التي كان ينالها من مديره الفعلي، أي مستشار السنيورة، نبيل يموت، فقد حصل هؤلاء على عطاءات مميزة خلافاً لموظفي الوزارة الأصيلين.

كل هذه المجريات توفر مدخلاً واسعاً للهدر والفساد والإفساد، مَنْ يُحاسب مَنْ؟

--------------------------------------------------------------------------------

37 في المئة

هي الزيادة التي طرأت على رواتب متعاقدي المركز الآلي وأجورهم بين عامي 2005 و2006، إذ ارتفعت من 883 مليون ليرة إلى 1.4 مليار ليرة في عام 2006، أي بفارق 519 مليون ليرة، فيما ارتفع عدد المتعاقدين من 34 إلى 35 فقط

--------------------------------------------------------------------------------

في انتظار نتائج التحقيق

يؤكد المتابعون أن نظام المعلوماتية في وزارة المال أدّى إلى «فوضى منظّمة»؛ فهو يتيح للممسكين بمفاتيحه الدخول إلى النظام وإخفاء حسابات وتعديل بعضها. وقد انكشف هذا الأمر للمرة الأولى في ديوان المحاسبة في عام 2008 بعد تحقيق بعملية تلاعب بضريبة مستحقة على أحد المكلفين، وفي المرة الثانية حين بدأت مديرة المحاسبة، رجاء شريف (المعفاة من منصبها) تسأل عن سبب وجود تعديلات في الحسابات ونفقات غير مسجّلة... وهذا الملف يقع حالياً تحت سلطة الديوان الذي بات لديه رئيس أصيل هو القاضي عوني رمضان المتوقع أن يشرف على هذا التحقيق مباشرة.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024