إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

في تشييع الرفيق ميشال زكاك في تورنتو

راجي سعد

نسخة للطباعة 2013-09-07

إقرأ ايضاً


في صباح عيد العمل في كندا تاثرت باخبار الوطن التي حملتها لي العائلة القادمة لتوها من جبل لبنان، فلم يبقى في الضيعة الا مسنيها وهجرها آخر ما تبقى من شبابها المثقف ويملأ شوارعها من هجرتهم الحرب الكونية من ديارهم الشامية فيصارعون يوميا ليغطي رؤوسهم سقف ويسد جوعهم بعض الخبز والبصل. بين اخبار الاستغلال والذل والقهر والقلق والصراع من اجل الحياة وبين اخبار الانترنت والفيسبوك عن ما يدور من مخططات وحسابات لشياطين الارض لشن عدوان على ما تبقى من هذه الحياة في بلدنا، فاقت طاقة جسديي على التحمل فاستلقيت بعد الظهر لبعض الدقائق لعلني ابعث به بعض الروح. مرت الدقائق وقبل ان تتجاوز عقاربها الستين، رن جرس الخليوي فإذا بالرفيق عامر يذكرني بماتم احد الرفقاء القدماء الذين انكفؤا قسراً عن العمل بسبب المرض ولم يتسن لي ان اتعرف عليهم. بعد بعض التردد، قررت الذهاب فترافقنا وانتظرنا الرفقاء الآخرين على المدخل للدخول كوفد حزبي واحد كما جرى الاتفاق. خلال الانتظار اخبرني الرفيق سهيل وميلاد وجريس عن الرفيق المرحوم ميشال زكاك وعن ايمانه وفهمه العميق للقضية ولقبه الرفيق جريس ب"بطريرك الحزب". بعد ان تخطى الوقت موعد التجمع، قررنا الدخول وتقديم التعازي وكانت أفكاري تجول بين كلمات الرفيق جريس وحضور خمسة رفقاء فقط للتشييع.

أثناء الجلوس على مقاعد "بيت التشييع" وامامنا في الصفوف الامامية عائلة الفقيد ومن حولنا المشيعين الذين ربما ولضرورات العمل لم يروا بعضهم لفترة طويلة ويستغلون هذه الفرصة للتواصل ، علمنا ان الكهرباء مقطوعة واننا ربما لن نستطيع ان نشاهد فيلم مصور عن الفقيد مرفق بالاناشيد الحزبية، كما وصى. لم تستطع افكاري ان تستريح بعد سماع هذه الاخبار فإذا بها تربط بين انقطاع الكهرباء وبين الحرب على امتنا ومشاركة الصدف والاقدار فيها، وكان يقطعها حديث الرفقاء عن ثقافة الفقيد وايمانه العميق ودوره التأسيسي والريادي في النشاط الحزبي في تورنتو.

كانت صورة الفقيد في صدر القاعة قد بدات تبدو غير واضحة للحاضرين لكسوف ضوء النهار الآتي من شبابيك القاعة عندما عاد التيار الكهربائي فجأة، فكان نوره واضحا على وجوه الحاضرين التي أضيأت بامل ان يكون يوم الوداع كما اراده صاحبه. بعد لحظات قليلة ها نحن نرى صورة يافا وصورة طفل ترعرع فيها وصورة طالب مليئ بالحياة يدرس على مقاعدها وصورة شاب يجتهد لبناء وطن جديد من خيرها وجمالها قبل ان ياتي أولاد الافاعي ويقضوا على احلامه ويشردوه الى لبنان ومن ثم الى تورنتو. كانت تواكب هذه الصور أناشيد تناجي الحضور بصوت رصين يلقي السلام على سوريا وينادي موطني يا توأم التاريخ ويسمع من فلسطين نداء اسكندرون. كم كانت هذه الدقائق رهيبة فبين كل نغمة واخري دمعة في العين وغصة في القلب وبين كل كلمة واخرى عز وفخر برفيق اصر ان يحيي سوريا في حياته وفي يوم وداعه. بينما كانت الصور والصوت تكبل احساس الحاضرين، اثارت صورة للفقيد وهو يرفع يده زاوية قائمة مع الأمين لبيب ناصيف تحية لضريح الزعيم في بيروت أفكاري مجددا عن واجبنا اتجاه هؤلاء الذين وضعوا بصماتهم على هذه النهضة وآمنوا بهذه القضية التي ساوت وجودهم وهل حضور بعض الرفقاء لمآتمهم يكفي. خرجت من القاعة ومشاعر الحزن والتقصير بحق رفيق لم اعرفه تكبل مشاعري ولكن خفف من وطاتها مشاعر مماثلة من الرفيق عامر الذي لم يتعرف عليه أيضا. بعدها سالت نفسي وانا ارى كيف ان معظم الرفقاء تمنعهم هموم الحياة اليومية من وداع رفيق لهم وارى ايضا احفاد الفقيد وابنائنا جميعا في المغتربات يركضون وراء الهموم ذاتها فيخف ارتباطهم بالقضية والوطن شيئا فشيئا، هل نحن امة على حافة الموت وهل سيتمكن منها التنين هذه المرة. كان جوابي انه رغم كل الجراح التي تزداد نزفاً والويلات التي تزداد فتكاً من فلسطين الى لبنان والشام الى ضفاف دجلة والفرات، سنستمد الصلابة والثبات من أمثال الرفيق الفقيد وسنكون أوفياء لهم باستمرار سلامنا لسوريا وهتافنا لها، يدوي في الاجيال القادمة لتقود المسيرة لتحيا سوريا.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024