إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مـفـهـوم ألإقـتـصاد القـومي ألإجتماعي ج 3

يوسف المسمار

نسخة للطباعة 2013-09-19

إقرأ ايضاً


نظرية النظام الاقتصادي القومي الاجتماعي عند أنطون سعاده

الغاية من الإقتصاد

أ – تحقيق مصلحة الأمة

ب – تأمين مصلحة كل فرد من أفراد الأمة

ج – تأمين وحفظ سلامة الدولة القومية

د – السعي من أجل انشاء جبهة اقتصادية عربية ترفع من شأن العالم العربي اقتصاديا وتلبي كل حاجات الشعـوب العربيـة الضروريـة والحاجـية والكماليـة .وبتحقيق الجبهة الاقتصادية العربية يكون لكل المجتمعات العربية مكانتها اللائقة بين اقتصاديات ألأمم ، ودورها الفـعـّـال في تحسين حياتها وحياة البشرية .

ه – تشارك شقيقاتها العربيات في الجبهة الاقتصادية العربية لمساعدة الامم الضعـيفة على تقـوية اقتصادها من اجـل تحقـيـق أعلى مستـوى تعاوني بيـن جميع الأمـم للقضاء على الفـقـر في العالم وتـرسيخ قواعـد جــديـدة للتعاون الاقـتصادي العالمي تقـوم على اساس احـترام حـقـوق الأمـم في الحياة الكريمة والعلاقات الراقية انطلاقا من مبدأ كون العالم واقـع أمم.

نستخلص من كل ما أوردناه في هذه الدراسة المبايء الاقتصادية التالية :

أولا ً : قاعدة الاقـتصاد القـومي الاجـتماعي هي وحـدة المجتمع – ألأمة .

ان المجتمع وحــدة . لا اكثـرية ولا أقـلـية .

لافـئـويـة ولا مـذهبـية لا طبـقـية ولا نقابـية .

لا مناطـقـية ولا تـكـتـلـية .

لا حزبـية ولا اقطاعية . لا جيلية ولا عـنصرية .

انها وحـدة حـياة المـجتمع على ارضه الـوطـنية منـذ بـداية التـاريخ الى ما سوف يكــون التاريـخ وما ســوف تكـون الارض على الكـوكب الذي يـعـيـش عليه البشـر.

وبهذا يكـون لكـل مجـتـمـع في العالم نظامه الاقـتصادي الخــاص به المتوافـق مع طبـيعته وامكاناته وحاجاته وموارده ومستوى ثـقافته ودرجة حضارته ومواهب أبنائه . وليس للعالم نظام اقتصادي واحد وان تشابهت طبائع البشر .

ثانيا ً: وحدة المجتمع – ألأمة تعني وحدة الارض الجغرافية ووحدة الشعب المتفاعل مع الارض جيلا بعـد جيـل والمنشيء للتاريخ والحـضارة . وكـوكب الارض الذي نعيش فيه وعليه ليس سهلا منبسطا مســطحا بحيث تشـكل الارض بيـئة طبـيعية واحدة من حيث المناخ والرطوبة والبـرودة والمـواد الطبيعية وتوفر مـوارد الحياة بل ان الارض هي واقـع بيئات جغـرافية متعـددة متـنوعة مختلفة . وواقع البشر هـو واقع جماعات وليس واقع جماعة واحدة وكل فرد من البشر هو ابن بيئة طبـيعية معـينه ولا يستطيع العـيش والبقاء منفـردا منعـزلا وان كان بامكانه ان يغير بيئته وينتقل ويعيش في بيئة أخرى .

انه دائما بحاجة الى العـيش ضمن الجـماعة ولا بقاء له بدون ذلك . وهذا يعني أيضا بان النظام الطبيعي الذي لا مهرب منه هو ان يكون لكل مجتمع نظام اقتصادي خاص يتـناول حياة المجتمع كله في الـداخل ومصلحـة المجتمع كله حاليا واســتـمـرارا عبـر أجياله وليس لمصلحة فـرد اوافـراد او فـئة او طائفة او مـذهب او طبقة او منطقة كما ان النظــام الاقتصادي الخاص بكل مجتمع هو نظام غير منعزل ولا منفصل نهائيا عن الأنظمة الاقتصادية في العالـم بل هـو نظام متـواصل مع جـميع الانظمة الاقتصادية الاخرى فكما يتصل الفرد ضمن المجتمع بغيره من أبناء الأمة ، فالأمة كذلك تـتصل وتـتواصل مع غيرها من ألأمم .

وكما لا يجـوز ولا يحـق لفـرد ضمن المجـتمع ان يستـأثـر بكـل شيء ويســخـّـر جهـود ابناء الامة لمصلحته الخاصة الآنية الخصـوصية ،فكذلك لا يجوز ولا يحق ان تستأثر أمة من ألأمم بكل شيء وتـُسـخـّـر جهـود ألأمـم ومـواردها وثـرواتها لمصالحها الخاصة الخصـوصيـة .

نستــنتـج من هذا الشرح ان مبدأ الملكية الطبيعية السليم والعـادل في الاقتصاد هو مبـدأ ملكية الأمة أي مبدأ ملكية ألأمم وليس مبـدأ ملكية الفرد او شراكة عدة افراد في المجتمع الواحد ، ولا هو مبدأ ملكية أمة واحـدة اوتحاللف مجموعة من الأمم لكـوكب الارض ومـوارده وثـرواته على الصعيد العالمي .

الأمـة هي المالك الطبيعي والحقيقي للوطـن وكل ما فيه من مواد وثـروات وانتاج مادي وروحي وابـداعي . وكل أمـة هي مالـك طبيعي وحقيقي لوطنها وما يحتوي عليه .

الوطن هو بيئة ارضية طبيعية دائمة الوجود ومالكها الطبيعي والحقيقي هـو المجتمع – الأمـة الـدائم الوجـود وليس الشخـص الـزائل . فالأفـراد يأتـون ويـذهبـون . يـولـدون ويمـوتون . والأجيال ايضا تتوافد وتتعاقب اما الوجود الدائم والإنسان المستمر فهو الانسان – المجتمع – الامة.

ولهذا يجب ان نفرق بين ما هو دائم وما هو زائل ، ونميز بين من هــو الـدائم ومن هـو الـزائل فـتكون الملكية الدائمة للشخصية الدائمة .والملكية الزائلة للشخصية الزائلة . وحتى لو قدر للشخـصية الـزائلة ان تســتـمـر امـدا طـويلا ، فانها لا تسـتطيع الاســتـمرار الا من ضمـن مجتمع . ولا تستمر الا بأجيال المجتمع . وهـذا ما يـدفعنا الى الفـصل بين العام الذي يتناول حياة الجماعة وبين الخاص الذي يتناول حيـاة الاشخاص . وهذا لا يعني ان هناك فصل او انعزال تام بين الشخصيـة الفردية والشخصية الاجتماعية . بل نحن نجزم ان الشخصية الفردية هي في الشخصية الاجتماعية ولا وجود لها ولا حياة ولا دوام الا بوجود وحياة ودوام الشخصية الاجتماعية . ولا حق ولا حرية ولا تقـدم الا بحق وحرية وتقدم المجتمع . وان الشخصية الاجتماعية هي الحاصل التاريخي الحضاري لتفاعل الشخصيات الفردية فيما بينها ومع وطنها عبـر الاجيال والازمنة منذ بداية الحياة على الارض والى ما لا يمكن تصوره في غـياهب المستقبل . لذلك كانت الامور الاساسية والضروريات الحياتية الحاجـية هي حقـوق طبـيعية لأبنــاء المجتمع لا يمكن نكرانها ولا التغاضي عنها لأنها حقوق طبيعية مـقـدســة كالمسكن والطعام والشراب واللباس والتعلم والطبابة والأمن وتوفيـر الفرص والظروف والامكنيات وكل ما يساعد ابناء المجتمع على النمو والازدهار والحياة الراقية ، لأن في توفير وتأمين وحماية هذه الحقوق كل الخير وكل الرفاهية والسعادة للمجتمع ولجميع ابنائه دون تمييز . ووظيفة الدولة التي هي مظهر الأمة السياسي التنظيي الحضاري هي رعاية وتدبير وضبط وتـنظيم وتـوفـيـر وصيانة والـدفـاع عن تلك الحقــوق الاساسية لكل مواطن . ولا معنى للقول بدولة قومية ان لم تساوي بين جميع رعاياها في الحقـوق الاسـاسية الحيـوية ، وتعـدل في تحـميلهـم المسؤليات والواجبات . ان ملكية كل ما هو دائم وعام هي ملك الآمة وان ملكية كـل ماهـو زائـل وخاص ومستهلك هي ملكية الافراد . لذلك تكـون ادارة المصالح العامة دائما بـيـد الـدولة المـؤتـمنة على مصالح الامة . وتكون ادارة المصالح الخاصة تحت تصرف الافراد المؤتمنين ايضا على مبـاديء الاخلاص لأهـداف الامـة ومـثـلها العليا .

فاذا كان الافـراد مكـرهين على العـمل في شــركة الـدولة الاحتكـارية الاشتـراكية او الشيوعية المسيطـرة على كـل المـرافـق في البلاد في النظام الدكتاتوري التوتاليتاري، واذا كانوا مجبـورين على العمل لكي يعيشوا في ظل اقسى شروط الشركات الاحتكارية الرأسمالية الفردية المستخـدمة كـل اساليب الخـداع والسرقة والنهـب واستعباد

الشعـوب الضعيفة الفقيرة في ظل انظمة الاستعمار والتسلط ، فان ابناء الامة القادريـن على العـمـل والانـتاج والابـداع لا يعـملون خوفا من استبداد دولة سيطرت عليها زمرة فاسدة تستعبد الناس. ولا يعملون لتكريس نفوذ شركات رأسمالية تحالفت ضد مصالح شعبها والشعوب الاخرى. ان ابناء الامـة في النظام الاقـتصادي القـومي الاجـتماعي وفي نظـام الـدولة القـومية الاجـتـماعية السياسي يعـملون من اجل قضية عظمى تساوي كل وجودهم مجتمعا وافرادا . حاضرا ومستقبلا .

ثالثا ً: وحدة المجتمع - ألأمة ، تتطلب لضمان ســلامتها ، المحافـظة على سلامة جميع عناصرها ومكـوناتها وكـل خلية فيـها لتستمـر مـوحـدة وسليمة ونامية ومتطـورة ومتقـدمة ولما كان أفـراد المجـتمع هم الخلايـا الحـيـّة ، والامكانات الفاعــلـة ، والفعالـيـات المـتـطــورة والطاقات الابداعية ، والقـوى السلبية في مـواجهة الكـون والآفـاق الماثلة أمام الانســان ، فإنـه يـنـبغي ويجـب على كـل فـرد من أفـراد المجتمع أن يكـون عاملا منـتجا ناميا مبدعا لتأمين وحدة المجتمع وسلامته ونموه وتقدمه كما ينبغي ويجب ان يكون كل تنظيم او مظهر تنظيمي لمصلحة المجـتمع في الحفـاظ على ســلامة وعافية وتـنامي وتقوية جميع اجزائه وعناصره ومكوناته وطاقاته بما يضمن وحـدة المجتمع وسلامته ، وصحة تنظيماته ، وعافية فعالياته واســتـمـرار نهوضه ورقيه .

وبما ان المسؤولية ترتب على كل فرد ان يكون عاملا منتجا مبدعا بأية طـريقة من طـرق العـمل ، وفي أي حـقـل من حقول الانتاج ، وعلى أي مستوى من مستـويات الاـبداع . فإن أية مـؤســسـة تنظيمية أو هـيئة عامة هي مســؤولة وعليها واجـب الـرعايـة العادلة والحكيمة لجهة توفير النصيب العادل من حقوق العاملين المنتجيـن المبدعين .فلا تبخس أحـدا ً حـقـه ، ولا تظلم أحدا ً، ولا تميز بين أحد وأحد الا بمقدار ما يعمل وينتج ويبدع .

فالانتاج هـو انـتاج الجميع ، وانتاج الجـميع يجـب ان يكـون للجـميـع . ولا يشترط الا العدل في التوزيع بما يضمن حقوق المنتجين وتأمين مصلحـة الأمـة والـدولة وضمان حـياة الكـرامة للأجـيال القادمة .

بهـذا نـقـرر ان كـل أمة يجب أن تكـون منتجة ومتطورة وحضارية وناهضة لتأسـيس قاعـدة التلاقي الامـمي العالمي بحـيـث تـتعـاون جميع الامم وتساهم في ايجاد ونشوء عالم ناهض حضاري جديد تـتبادل اممه المعـارف والخبـرات والعلـوم والفـنـون والمـنـتـوجـات والمحاصيل وكل ما من شأنه أن يرسخ قـواعد التلاقي، ويـوطـد أسـس التعاون والتفاهم ، ويؤدي الى ما يجعل الانسان في كل مكان من الارض جديرا بالحياة العزيزة . وبهذا تـتضح صـورة النظام الاقـتصادي العالمي المبني على أسس الاقتصاد القومي الاجتماعي الانتاجي الابداعي لكل مجتمع . وكما ينال كـل فـرد نصيـبه العادل من انتاج المجتمع القومي الاجـتماعي ، كذلك ينال كل مجـتمع من المجـتمعات الانسانية نصيـبه العادل من انتاج الامـم المتعـاونة في نظـام الاقـتصاد العالمي المـركب والمكـوّن من تشارك وتعاون جميع الأمم . وكما يكون نصيب الفرد داخل المجتمع بمقدار ما يعمل وينـتج ويبـدع ، كذلك يكون نصيب كل مجتمع بحسب ما ينتج ويبدع ويتفوق . وهذا هو النظام الاقتصادي القومي الاجتماعي توزيع الثراء والغنى على الفقراء والأغنياء داخل المجتمع المعني فيصبح الفقراء أثرياء ويزداد الاغنياء ثراء. وتأهيل المجتمعات الفقيرة لتصبح منتجة غنية، وزيادة غنى وثروة المجتمعات الغـنية لتزداد قوة وغنى فتزداد الانسانية تقدما ورقيا يكونان في خـدمة جـميع بني البشـر ، وتـتحـرر الانســانية من عبـودية القـرون المظلمة التي لم تسسب لها الا الويل والخراب .

رابعا: الارض كروية وهي قارات . وكل قارة هي أقاليم . وكل اقليم بيئات متجاورة . وتجـاور البيئات جعـل احتكاكاتها وعلاقاتها فيما بينها أمتن واقوى من العلاقات بين البيئات المتباعـدة . لذلك كانت الروابـط بيـن البيئات المتجاورة قوية . فالحدود الفاصلة بيـن أمتـيـن جارتيـن هي نفســها حـدود واصلة . وليس باستطاعة اية أمـة ان تنغـلق وتنعزل عن جيـرانها . بـل ان الامم الحضارية المتمدنة هي التي تـنفتح على جيـرانها لتطـل من خـلالها على جـيـران جـيـرانها وجـيـران جـيـران جيرانها لتأخذ وتعـطي . لتستـفيـد وتفيد . لتستـورد وتصدر . لتـتعلم وتعـلــّم فتنشيء بذلك الأسواق الاقليمية التي تشكل المعبر السـليـم والجسـر الـذي لا غنى عنه ولابــد من أجـل تأسيس وتمهيد الارضية الصالـحة لبناء صرح التـواصل العالمي ثـقافـة واجتـماعا وسياسة واقتصادا وعلما وفـنـا وحياة راقية . وما الجبهة العربية في غاية الحركة السـورية القـومية الاجتماعية الا الجبهة الاقـتصادية العـربية وحصنهم الـمنيـع الـذي يضمـن لهم المـوقـع والمكـانة اللائـقة بيـن الشـعـوب في تعاونها وتعايشها الانسانيـيـن . ولأن سوريا هي إحدى أمم العالم العربي فإن الجبهة العربية التي نصت عليها غاية الحركــة القومية الاجتماعية لا تعني فقط الجبهة السياسية والثقافية والعسكرية والحضارية بـل تعـني ايضا الجبهة الاقتصادية . فالمجتمعات التي تشكل العالـم العربي هي مجتمعات أخوة . والأخوة هم عائلة واحـدة تـتعاون فيما بينها . وعلى الأخوة ان يوحدوا جهودهم ويتعاونوا من أجل صلاح حياتهم وهناء عيشهم وضمان مستقبلهم. وهذا لايتم الا بتنظيم يجمعهم جميعا في ميثاق أخـوة صادقة أو تحالف أو اتحاد أو سوق مشتـركة أو جامعة أو جبهة واحدة بحيث يستـمـرون أخـوة صادقيـن متعاونيـن دون أن يلغي أحد أحدا ً او يحل أحد محل أحد ،أو يستهتـر أحد بحقـوق أحد بل ان القوي هو القوي بمساعدة أخوته وبما يقدمه لهم من العون

وبقدر ما يدافع عنهم وعن حقوقهم ، وبنسبة ما يستطيع الأخذ بـيـدهم ويقودهم الى مراقي النجاح والتقدم . ان الجبهة الاقتصادية العربـية هي ترجمة عـملية لعـروبة واقعـية صادقة. وهي أيضاً المرحلة الثانية مـن مراحـل الاقـتصاد الســــوري القـــومي الاجـتماعي . ان الجبهة الاقـتصادية العربية هي جبهة اقتصادية مركبة من اربع اقتصادات او اقتصاديات :

الاقتصاد السوري القومي الاجتماعي في بيئة الهلال الخصيب والاقـتـصاد العـربي القـومي الاجـتماعي في بيئة شـبه الجزيرة العربية ، والاقتصاد المصري- السوداني القـومي الاجـتماعي في بـيـئـة وادي النيـل

والاقتصاد المغربي العربي القومي الاجتماعي في البيئة المغـربـية التي تضم لبيا وتونس والجزائـر والمغـرب. وليس انفع في هـذه الحال من التـزام الأخـوة وتعاونهم والتـنسيـق فيما بـينهم والعمل على ازالة كـل المعرقلات والصعوبات الداخلية في كل بيئة من بيئات العرب لأن في ذلك مصلحة مشـتـركة للجـميع تساعـدهـم على بناء جبهة اقـتـصادية عربـيـة مشتركة تعود عليهم بكل خير وأمان .

فاذا كان مبـدأ الحيـاة المشتركة او المشاركة في الحياة الـواحدة هـو مبدأ وحدة المجتمع - ألأمة ، فأن مبدأ التعاون والشعـور بالمسؤولية هـو مبدأ العيش المشترك بين الأشقاء ، وكذلك يكون مبدأ التعاون الانساني والعلاقات الطيـبة والاحـتـرام المتـبادل هـو مبـدا العالم المتمـدن الـراقي أو مبدأ التنسيق والتنظيم العالمي الاقتصادي الانساني السليم .

خامسا: :ان الاخـلاق هي في اســاس كـل نظـام يمكن ان يكتب له النجاح .

والنظـام الاقـتصادي السليم هـو نظام اخلاقي يقـوم على اساس الحـق والعدل . الحق في العمل والانتاج والابداع . والعدل في نوال النصيب العـادل ســواء كـان صاحب النصيـب فـردا او مجـتـمـعا . وكما يكـون العـاملـون

الصالحـون فـعـاليات وطـاقـات المـجـتـمـع الصالـح ، فـان المجتمعات المنتجة الصالحة هي مكونات واجزاء الانسانية الصالحة . ولا خير في نظام اقتصادي غير اخلاقي وغير صالح . يجب ان نخرج مرة واحدة والى الأبد من حالة المجتمع المتوحش وشريعة الغاب الى حالة المجتمع المتمدن وشريعة العدالة . فالقوة الحقيقية هي قوة الحق والعدل وليست قوة الباطل والظلم . وهذه الاخلاقية الجديدة القائمة على اساس الحق والعدل هي اخلاقية النظام الاقتصادي القومي الاجتماعي الجديد في داخـل المجتمع وفي خارجه . فلا اقـطاع في المجتمع ولا وجاهات ، ولا امتيازات ولا محاصصة ولا قوى متنفذة ولا تكتـلات ، ولا طبقات ولا احتكارات ، ولا تسلطات ولا سـيطـرات ، ولا استعـمار ولا استغلال ، ولا نهب ولا لصوصية ولا كل ما ما يسيء الى كرامة الانســـان وقيمه وفضائله .

انه نظام الحـق والـواجب . أعظم الواجبات فيه هو الواجب الحق .

واعظم الحقوق التي يحافظ عليها ويدافع عنها هـو الحق الواجـب .

وهـل أحـق وأصلح وأصـوب من واجـب العـمـل والانـتاج والابـداع

لتحقيق الثروة الحلال والغنى الشريف ؟!

وهـل أوجـب وأسلم وأنـزه من حـق العـمل والانـتاج والابداع لنـوال النصيب العادل والحياة الكريمة ؟!

ان في النظام الاقتصادي القومي الاجتماعي الاخلاقي كل الخير ليس فقط لكل فرد من أبناء المجتمع، بل لكل جيل من أجياله . وليس فقط لبعض المجتمعات ، بل للعالم كله في تعاقب عصوره .

سادسا : النظام الاقتصادي القومي الاجتماعي هو نظام مجتمع موحد حيّ منـتج ديـنامي اخـلاقي نامي لا يتـوقف عن النموّ والتقدم مـن أجل تـلبـية حاجات المجـتمع ومطـالبه ومطـامحه .

ولأن المجـتـمع دائـم النموّ ومستـمر الـرقيّ ، فان تشريعه القانوني الاقـتصادي هو ايضا دائـم التـطـور ومستـمـر التحسن ليلبي جـمـيع الاحتياجات الطارئة والضروريات المتـوالـدة ، والمطامح المتكشفة .

فاذا كان القانـون التـشـريعي الاقـتصادي ثابـتـا بالنسـبة للمباديء الاسـاسية الاقـتصادية كمبدأ وحـدة المجتمع . ومبدأ الملكية العامة أي ملكية ارض الوطن التي هي ملك الأمة . ومبدأ العمل والانتاج بأية طـريقة من الطـرق النـزيهة وفي أي حقل من حقول الانتاج .

ومبـدأ نـوال النصيـب العـادل من الانتاج . ومبـدأ صيانة مصلحة الامـة وضمان سـلامة الدولة القـومية التي هي دولة الشعـب كل الشعب ، وليست دولة الارادات الاستعمارية والاقطاع والشركات الاحتـكارية واللصـوصية والـرشــوة والفســاد . اذا كان القانـون التشـريعي الاقـتصادي ثابتا بالنسـبة الى المباديء الاسـاسية فانه ليس كـذلك بالنسبة للأمـور الثانـويـة والمستجـدات الناجـمة عن حركة سير المجتمع وتطوره . فكل ما يحتاج الى إكـمـال يجب ان يكـمـل . وكـل ما يـنـبـغى ان يـلـغى يجـب ان يلغى . وكل ما هـــو بحاجة الى اصلاح يجب اصلاحه . وكل ما يستلزم التعديل او التغيير يجـب ان يغيـر ويعـدل. ولا يجـوز الإبـقاء الا على كل ما هـو صالح لأن كل شيء صالح متعلق بما هو قبله ومتصل بما هو بعده. فحياة المجتمع حـركة فاعلة ،والتطور مستـمـر ،والابـتكارات متـواصلة ، والاكـتـشـافات دائمة والتشريـعـات الاقـتصادية وغيـر الاقتصادية يجب ان تـتوافق مع المستجدات .

سابعا: الملكية هي ملكية المجتمع–الأمة. ومجتمع–الامة هو أجيال المجتمع الطبيعي الذي هو الامة . والاجيال هي الأفـراد الذين ولدوا ويـولـدون والمستمـرون وسوف يستمرون بالتوالد . فكل فرد هو امكانية لـها دورها وفعاليـتها وشخـصيتها ووظيفتها في المجتمع . ولا وجـود لها ولا دور ولا شـخصية ولا وظـيفة خـارج المجتمع . ومن حيـث كـون الفـرد كذلك ، فهو مؤتمن ومكلــّف ووكيل وقـيـّـم ومســؤول عن سلامة حركة سيـر المجتمع وسلامة ملكية المجتمع لأرضه الطبـيعية وثـروته وميـراثه ومـوارده وابـداعاته لأن كل هذه الثـروات هي ملك الجميع وهـو واحد من الجميع وليس فوق الجميع مهما كانت مواهبه، ومهما لمعـت عبقـريته، ومهما ارتفع نبـوغه . ومع انه واحد من الجميع وله ما لكل واحد من الجميع وعليه ما على كل واحد من الجميع ، الا ان النظام القومي الاجتماعي لا يساوي بين العامـل والخامـل. ولا بيـن المنتج وغيـر المنتج . ولا بيـن الطـفيلي والمتفوق . فهو نظام الوعي ونظام شريعة العقل ونظام المعرفة ونظام الانسانية ونظام مستقبل العالم الذي هو محطة لنظام ارقى واسمى اذا كشفت مخبآت المستقبل أن هناك نظام أرقى وأسمى .

ان الفرد هو في الحقيقة من مالكي ارض الامة وثروتها وميراثها لكنه لا يستـطيع ان يتـصرف بأي جـزء من هـذه الملكية الا بالاشـتـراك مــع جميـع اخـوانه الذيـن رحـلـوا والذيـن يستـمـرون في العـيش والذيـن سيولدون في المستقبل . وحقه الوحيد في فترة حياته هو حق الانتفاع والعيش الرغيد السعيد . والتخويل او التفـويض الاهـم له ان يحافظ على ملكية الامة وينمي مـواردها ويـزيـد في خيـراتها لأن في ذلك رفـع قيمته بين ابناء مجتمعه ، ونواله النصيـب الذي يستحقه بتفوقه وهوحتما اكبر من النصيب الذي يناله غيره من الاشخاص العاديين لأن العدالة تقضي بأن يكـون للمبدعيـن في جميع حقـول الانتاج بحسب درجات ابداعهم اذ ليس من العدل الحقوقي ان تتساوىدرجات العاملين المتفوقين بدرجات العاملين العاديين . فالتساوي يكون فـقـط في تأميـن الفـرص المتساوية للجميع من سكن ولباس وشراب وصـحة وتعليم واحتـرام.

ان ما يقرره النظام القومي الاجتماعي الاقتصادي للفـرد هو أهـم من الملكية الفردية التي تنته برحيل الفـرد . انه يقرر المرتبة العالية التي استحقها الفرد بتفوقه فتبقى متألقة عبر الاجيال ، وتبقى مثالا يحتذى من قبل العاملين الذين يتنافسون على احتلال المراتب العالية في حياة الامـة فيكـونـون المـواهب التي تسـتـمـد منها نهـضة الامـة روحـهـا ومباديء رقيها . انهم المالكون للـذكرى الطيبة التي لا يستطيع احـد انتزاعها منهم الى أبد الدهور .

ثامنا: ان الاقتصاد القائم على اساس العمل والانتاج والابداع هو اقتصاد الثراء الوفير والغنى الكبير . والاقتصاد الغني هو اقتصاد متعرض دائما للأطماع الداخلية منها والخارجية . اطماع الانانيين واللصوص والانتهازيين والطفيليين وعبـّـاد الاهواء، واطماع الدول الاستعمارية والشعوب الهمجية المتوحشة لآن شريعة الغاب ما تزال هي المسيطرة في كل انحاء الارض .لذلك لا بد من اتخـاذ كل التدابـيـروالاجـراءات لحماية الثروة القـومية مـن كل انـواع اللصوصية والهـدر والعـدوان بســن القـوانين والتـشـريعـات الضابطـة لحـماية الثـروة وصيانتها والدفاع عنها في الداخل الـوطني ومن الاعتداءات المـمكنة الحـدوث من الخـارج بانشـاء جيش قـوي مجهـّز باحدث ما يمكن من المعـدات ومثقـّف بعقيدة قوية نيـّرة تجعل منه قوة رادعة يحسب لها المعتدي الف حساب. والى جانب مواجة ومجابهة اللصوصية الداخلية والعدوان الخارجي فان التصدي للكوارث الطبيعية والسيطرة عليها وضبطها هو واجب اســاسي ايضا يفـرضه الـوعي الانســاني والعقـل وحب المصير السعيد .

نختم هذه الدراسة بكلام للمعلم سعاده قال فيه :

" ان الانسانية بحاجة اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى الى نظام بديل آخر تشيد صرح مستقبلها عليه . فليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته ، وليس المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها . ان العالم الذي أدرك الآن ، بعد الحرب العالمية الأخيرة مبلغ الهلاك الذي جلبه عليه قيام الفلسفات الجزئية الخصوصية الفلسفات الأنانية التي تريد ان تحيا بالتخريب : فلسفة الرأسمالية الخانقة ، وفلسفة الماركسية الجامحة ، التي انتهت في الأخير ، بالاتحاد مع صنوها المادية الرأسمالية ،بقصد نفي الروح من العالم . وفلسفة الروح الفاشية وصنوها الاشتراكية القومية المحتكرة الروح الرامية الى السيطرة سيطرة مطلقة على أمم العالم وشؤونه، هذا العالم يحتاج اليوم الى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها . هذه الفلسفة التي يحتاج اليها العالم ، هي فلسفة التفاعل الموحد الجامع القوى الانسانية ، هي الفلسفة التي تقدمها نهضتكم . "

" ان اساس الارتقاء الانساني هو أساس مادي – روحي،وان الانسانية المتفوقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليه . "

وقال أيضا : " ان القاعدة الذهبية ، التي لايصلح غيرها للنهوض بالحياة والأدب هي هذه القاعدة : طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى . لا فرق أن تكون هذه الحقيقة من ابتكارك أوابتكاري أو ابتكار غيرك أو غيري، ولا فرق أن يكون بزوغ هذه الحقيقة من شخص وجيه اجتماعيا ذي مال ونفوذ وأن يكون انبثاقها من فرد هو واحد من الناس لأن الغرض يجب أن يكون الحقيقة الأساسية المذكورة، وليس الاتجاه السلبي الذي تقرره الرغائب الفردية ، الخصوصية ، الاستبدادية. "

من هذه النظرة الواعية الفاهمة الجميلة انبثق النظام القومي الاجـتماعي وانبثق منه التنظيم الاقتصادي القومي الاجتماعي الصالح لكل مجـتمع من المجتمعات الانسانية الناهضة والمتعاونة على انشاء حضارة مركبة جديدة راقية ينبثق عنها نظام اقتصادي مركب جـديـد يعـود بالخيـر والرفــاه على جميع المجتمعات وبالتالي على جـميع بني البشـر . نظـام اقـتصادي يقـوم على أساس العمل لا البطالة . وينظم على أساس الانتاج لا الصدف ولا الاستغلال ولا السرقة ولا النهب ولا الخداع ولا المقامرة ولا السمسرة ولا الرشوة ولا التزلـّم وبيع الضمائر ولا الربى ولا القتل والسلب ولا العدوان . نظام اقتصادي اجتماعي يكون فيه كل فرد من ابناء المجتمع عاملا ومنتجا ومبدعا . نظـام اقـتصادي يكـون فـيه كـل مجـتمع من المجـتمعات ناهـضا ومنتجا وحضاريا .

من كتاب : مفاهيم قومية اجتماعية

انتهى

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024