إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

النحيب الرجعي والثقة القومية

د. سليم مجاعص - البناء

نسخة للطباعة 2014-02-22

إقرأ ايضاً


تكاد هذه الأمة أن تختنق من النحيب، نحيب النازحين ونحيب القاعدين، نحيب المهاجرين ونحيب المتفرّجين، نحيب الأميّين ونحيب المثقفين، نحيب الشعراء ونحيب الخبراء، نحيب الهائمين ونحيب المتسكّعين، نحيب بنحيب بنحيب! ألا يكفي ما حلّ بهذه الأمة من ويلات حتى نضيف إليها كلّ هذه الولولة!

ينتحب السياسيون، أكثرهم، من حال الحكم وهم المسؤولون، بتناحرهم الفئوي، وسعيهم النفعي، وأفقهم المحدود، وتشبّثهم بمراكز السلطة، وتهافتهم على الاستئثار بمرافق الحكم، وتنازعهم خيرات البلد، وارتهانهم للأجنبي، مسؤولون عن ما آل إليه الحكم.

ينتحب الناخبون، أكثرهم، من حال السياسيين وهم المسؤولون، بخياراتهم المذهبية، وارتهاناتهم الإقطاعية، وولاءاتهم العشائرية، وتلكّؤهم عن نصرة الحق، وتغاضيهم عن الخيانات والمثالب، وتخليهم عن مسؤولياتهم القومية، وتراخيهم في المطالبة بحقوقهم الأساسية، مسؤولون عن ما آل اليه السياسيون.

وينتحب المثقفون، كثير منهم، من حال الشعب وهم المسؤولون، بانعزالهم في أبراجهم العاجية، وغيبوبتهم عن أحوال الأمة، وارتهانهم لأصحاب المال، وسعيهم وراء البروز الفردي، وشتاتهم الفكري في أصقاع الأرض وصحارى الأكاديميات، مسؤولون عن ما آل اليه الشعب.

وينتحب الشعراء، آه من انتحاب الشعراء، لكأنّ التعتير من المستلزمات الأساسية للشعر! ينتحب الشعراء ويتحفوننا بالمراثي. وهذه المراثي الطويلة لما نحن فيه ولأحوالنا قد أدمنها الشعب حتى الغيبوبة، فما عادت تحرّك نفساً ولا تنبض قلباً، وإنْ كان البعض لا يزال يرقص طرباً لذكر بعضها. وهذه المراثي تتخفّى برداء البطولة والألم الفردي، ولا تعلن عن ذاتها أنها مراثي. وقد تكون قصيدة «سجِّل أنا عربي» من أشهر قصائد سبعينات القرن الماضي، وردّدتها الجماهير من المحيط حتى الخليج حتى سئمَ صاحبها من تكرارها ورفض إنشادها، وحسِب مردّدوها أنّ إنشادها يكفي بديلاً عن الكفاح . لكن إنْ قرأنا نصّها بتروّ نجد أنها من نوع المرثية السلبية المستكينة للمحتلّ، تحتفل بإخصاب الزوجة كنوع من الكفاح وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف، فهل تغضب ، وتؤجل الكفاح الى ان تصل الحياة الى ادنى مستوياتها ولكني إذا ما جعت، آكل لحم مغتصبي، حذارِ حذارِ من جوعي ومن غضبي ، فليس الحسّ القومي لضياع شطر كبير من الوطن هو ما يقود الى الثورة، بل الشعور الفردي بالاندحار عبر مأساة الجوع! واذا كان هذا شأن هذه القصيدة المدللة فماذا نقول عن غيرها!

لقد سئمت الأمة من هذه القلوب الزجاجية التي تنشطر فزعاً كلما قام حدث وقعد خبر.

انّ الحركة القومية تقول بالثقة بالأمة، بقواها، بأهليتها للحياة والرقيّ، بقدرتها على السمو فوق الألم والمصائب.

والحركة القومية تثق بخطة الإنقاذ التي تحملها وتدعو الأمة الى اعتناقها والسير في مواكبها.

والحركة القومية تقول بالبناء والعمران والتقدم، وجميع هذه تتطلب حشد القوى في موكب العمل والرجاء، وعدم هدر الطاقات بالنعي، وتبذير الجهود بالبكاء.

والحركة القومية تقول بجدية المثابرة وعز الصراع.

الحركة القومية تقول بالثقة. فاذا لم تكن لنا الثقة أنّ القوة التي فينا يجب ان تفعل ليكون مجرى التاريخ كما نريده نحن، لا كما يريده الآخرون، فما الفائدة من هذا الصراخ وهذا العويل؟

واذا لم تكن لنا الثقة انّ خطة الإنقاذ قد وضعت، وأنّ اليد القومية يجب أن تمسك بدفة الأمور، فما النفع من هذا النحيب وهذا النعيب؟

فلنترك الأطلال تبكي على أحوالها ولنضع انتصار الأمة نصب أعيننا ومثلنا الأعلى في محور اهتماماتنا.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024