إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ملامح التقسيم في خطة أوباما الإستراتيجية

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2014-09-18

إقرأ ايضاً


أخيراً حسم الرئيس الأميركي باراك أوباما أمره، وطرح على الشعب الأميركي وشعوب العالم قاطبة خطته الإستراتيجية لمحاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" أو ما كان يُعرف سابقاً بـ "داعش"، في العراق وسورية... وربما في مناطق أخرى قد تضطره الظروف لاحقاً إلى نقل العمليات الحربية إليها. والغاية النهائية المعلنة لهذه الخطة هي، كما حددها في خطابه: "سوف نضعف تنظيم الدولة الإسلامية وصولاً إلى القضاء عليه من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة في مواجهة الإرهاب".

تقوم خطة أوباما على أربع دعائم:

أولاً، حملة منظمة من الغارات الجوية ضد هؤلاء "الإرهابيين".

ثانياً، دعم القوى المحلية التي تقاتل هذه الجماعات على الأرض.

ثالثاً، الاستمرار في الإجراءات التي تمنع هجمات "داعش" ضد الأهداف الأميركية.

رابعاً، الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين والمهجّرين الذين تضرروا من جراء تمدد "داعش".

ومن أجل تفعيل هذه الخطة ونقلها إلى حيز الواقع، أوفد أوباما وزير خارجيته جون كيري إلى المنطقة لبناء "التحالف الدولي" المنشود. ثم أرسل وزير دفاعه تشاك هاغل ورئيس أركان جيشه مارتن ديمبسي إلى الكونغرس للحصول على تأييد الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ليس فقط للعمليات العسكرية بل لتمويل القوى المحلية التي ستستخدم في محاربة "داعش".

نحن لن نتناول خطة أوباما هذه بمنطق العاجزين الذين لا يملكون سوى نظرية المؤامرة يفسرون بواسطتها ما يجري في أمتنا والعالم العربي. وإنما ندعو إلى قراءة متأنية رصينة، بعقل تحليلي استنتاجي يوصلنا إلى النتائج الطبيعية التي يمكن أن تترتب على هذه الخطة إذا وجدت طريقها نحو التنفيذ وفق برامج العمل التي تم بحثها في مؤتمري جدة وباريس، وربما في مؤتمرات أخرى قد تعقد قريباً سواء ما أعلن عنه أو ما ظل في دائرة الكواليس المغلقة.

فلننظر الآن إلى الدعائم الأربع. الدعامتان الثالثة والرابعة تحصيل الحاصل لأن الحكومة الأميركية وغيرها من الحكومات العالمية الأخرى تطبق مضمونهما بغض النظر عن تصاعد خطر "داعش" أو تراجعه. أما الدعامة الأولى فليست جديدة، لأن الطائرات الحربية الأميركية بطيار أو من دون طيار تنفذ غارات على أهداف في باكستان واليمن والصومال منذ سنوات، وبالتالي فإن توسيع ساحة العمليات إلى العراق ليس أمراً مسغرباً.

نبقى أمام الدعامة الثانية. وسنترجم ما جاء في خطاب أوباما حول هذه المسألة: "سنزيد دعمنا للقوى التي تقاتل هؤلاء الإرهابيين على الأرض (...) لقد قلت من قبل إن القوات الأميركية لن يكون لها دور قتالي، سوف لن ننجر إلى حرب برية أخرى في العراق. لكن هذه القوات (أي الأميركية) ضرورية لدعم القوات العراقية والكردية بالتدريب والاستخبارات والمعدات. سوف ندعم الجهود العراقية لقيام وحدات من الحرس الوطني لمساعدة الجماعات السنية في حماية حريتهم الخاصة من سيطرة "داعش". أما عبر الحدود، في سورية، فقد عززنا من مساعداتنا العسكرية للمعارضة السورية".

وهكذا نجد أنفسنا أمام معادلة شديدة الوضوح: ضربات جوية لإضعاف وإنهاك "الإرهابيين" من دون قوات أميركية على الأرض، يترافق ذلك مع قوات محلية تقاتل براً للسيطرة على المناطق التي قد ينسحب منها مقاتلو "داعش" بفعل الغارات الجوية الأميركية (وغير الأميركية أيضاً). أما "الحرس الوطني" الذي ذكره أوباما كشريك قتالي على الأرض فهو، كما علمنا من مصادر عراقية مسؤولة، سيشكل حرساً للإقليم السني الذي سيتحرر من قبضة "داعش"!! ويبدو أن هناك تفاهماً يحظى بضمانات إقليمية ودولية ينص على أن يرتبط هذا الحرس بالمحافظة وليس بالعاصمة المركزية، وتكون له استقلالية في أسلحته ومعداته وتراتبيته وموازنته... إلخ، تماماً على غرار ما هو قائم في إقليم كردستان العراق. وكل ما يبقى بعد ذلك (أي بعد الانتهاء من "داعش") هو قوننة الصيغ الدستورية الكفيلة بربط هذه الأقاليم الثلاثة.

أما الوضع في سورية فهو أكثر تعقيداً، ولذلك يُعتبر الأكثر حساسية وخطورة في سياق خطة أوباما. إن الولايات المتحدة تمتلك القدرة الحربية على ضرب مواقع "داعش" في سورية حتى من دون موافقة الحكومة السورية، لكن ذلك سيفتح احتمالات وقوع مواجهات أوسع لا يمكن التكهن بتداعياتها على المنطقة برمتها. ومع ذلك، ليس هذا بالتحديد ما يقلق إدارة أوباما، إنما القلق يكمن في غياب القوى القادرة على ملء فراغ هزيمة "داعش" بفعل الضربات الجوية سوى الجيش السوري النظامي، أو تنظيمات متطرفة أخرى مثل "جبهة النصرة" أو "جيش الإسلام" أو "أحرارالشام"... وعشرات غيرها!

واشنطن تعرف يقيناً أنه لا وجود فاعلاً على الأرض السورية لشيء اسمه "المعارضة المعتدلة". هذا ما قاله أوباما في حديث لشبكة (سي بي أس) التلفزيونية في أواخر حزيران الماضي: "إن فكرة وجود قوة سورية معتدلة جاهزة لهزيمة الأسد ليست صحيحة، وبالتالي فإنه بكل الأحوال الفراغ سيكون موجوداً". وقد جاء هذا الكلام قبل أن تبدأ "داعش" جزارتها بذبح الصحافيين الأميركيين وعامل الإغاثة البريطاني.

فما العمل إذن؟

خطة أوباما الأولية تلحظ تدريب خمسة آلاف مقاتل سنوياً يكونون نواة "المعارضة السورية المعتدلة" التي ستقاتل "داعش" والنظام في آن واحد. وستكون هذه القوات محمية جواً من قبل الطيران الأميركي والأوروبي (والحلفاء الآخرين)، تماماً على نمط مناطق الحظر الجوي التي فرضها الأميركيون فوق شمال العراق وجنوبه (إلى حد قليل جداً) في مطلع تسعينات القرن الماضي. ما يعني، في الحالة السورية، نشوء مناطق "محررة، مستقلة، مسلحة، مرتبطة بالحماية الخارجية، وغير خاضعة للسلطة المركزية في دمشق"!

وإذا أضفنا إلى كل هذه الخطوط المتشابكة والمعقدة تلك الحقيقة الواقعية المؤلمة التي تقول إن العراق وسورية (ولبنان طبعاً) شهدا خلال السنوات القليلة الماضية عمليات فرز عرقية ومذهبية ودينية على نطاق واسع جداً وبإسلوب منهجي مقصود، فسنصل إلى الاستنتاج المنطقي الذي يشير إلى أن الملامح التقسيمية قد تكون النتيجة الطبيعية لخطة أوباما الإستراتيجية لمحاربة "الإرهاب" في بلادنا... هذا إذا لم تقم في وجهها خطة نظامية مضادة.

لقد واجه أجدادنا مشاريع التقسيم الأوروبية قبل مئة سنة تقريباً، وقاتلوها من شط العرب إلى حلب، ومن اللاذقية إلى البقاع، ومن جبل عامل إلى حوران، ومن دمشق إلى القدس... ونجحوا في وأد فتنة التجزئة في مهدها. فهل تكون أجيالنا الجديدة أقل وطنية من إبراهيم هنانو وأدهم خنجر وصالح العلي وسلطان الأطرش وأحمد مريود وتوفيق هولو حيدر وحسن الخراط وسعيد العاص وغيرهم في تصديهم البطولي لتقسيم لا يخدم إلا المصالح الخارجية؟ هذا هو التحدي القومي التاريخي!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024