إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

وانتصرت مَجِدّو الكنعانية على الحفريات الاسرائيلية

أحمد أشقر

نسخة للطباعة 2016-09-09

إقرأ ايضاً


وأخيراً اعترف الآثاري "الإسرائيلي" "زئيف هيرتسوج" قائلاً: "بعد سبعين عاماً من الحفريات المُكثّفة، في أرض إسرائيل [فلسطين]، توصّل علماء الآثار إلى نتيجة أنه لم يكن أي شيء لليهود هنا سوى الأساطير، حيث لا وجود لمملكة داود وسليمان، والباحثون يعرفون هذه الحقائق".

ومَجِدّو هي دُرّة مرج ابن عامر وأحد ميادين المعارك على كنعانية وعروبة فلسطين.


"أرسم طيراً أخضرَ ﻓﻲ أطراف مغارات الغابة

أرسم زهراتِ القندولِ على الصفّينْ.

أرسم زنبقةً ووعولاً، تتراكض ﻓﻲ الليل البُنّيْ

ﻓﻲ سهل العِنَب الدابوقيْ

أرسم طاقيَّةَ إخفاءٍ لأزوركِ،

ﺛﻢ أُكحّلُ جفنيكِ ... بلونينْ

وأوزّعُ قافيتي وخيولي بين مَجِدّو ... وَمَجِدّو.

ﻓﻲ سهل مَجِدّو يرتفع العَلَمُ الكنعانيْ:

الأخضرُ زرعي ، داسوه بجرّافاتْ

الأحمرُ، قُرباناً، أُهديهِ إلى الإيلْ

كبشيْ، أُطلقُهُ من أجل مناماتْ

الأبيضُ حقلُ الملحِ، شربناهُ على المُنعرجاتْ

الأسود قهرٌ ﻓﻲ أضلعنا من زمنٍ فات".


(عز الدين المناصرة)


مَجِدّو


استخدم العرب واليهود التلّ في صراعهم في منتصف القرن الماضي.

تتكوّن مَجِدّو التي يتغنّى بها الشاعر عز الدين المناصرة في قصيدته من 35 طبقة- مدينة وعمرها 7 آلاف عام. ومَجِدّو هي دُرّة مرج ابن عامر وأحد ميادين المعارك على كنعانية وعروبة فلسطين. وشكّل تل مَجِدّو (أو تل المتسلم) الواقع في الطرف الغربي- الجنوبي لمرج ابن عامر وعلى أبواب وادي عارة مركزاً هاماً في الطريق الدولي الذي يربط مصر ببلاد الشام وتركيا، والبحر المتوسّط بشرق الأردن والعراق. لذا اهتمّت القوى المُتصارِعة على أرض فلسطين وفيها بالسيطرة على هذا التلّ-المركز. يذكر التاريخ أن الفراعنة بقيادة تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، حينما استولوا على هذا التل عام 1842 ق. م. حكموا فلسطين لأكثر من قرن من الزمان.

وعندما استولى البريطانيون على مَجِدّو من أيدي العثمانيين، في نهاية الحرب العالمية الأولى، تمكّنوا من هزيمتهم وبقوا فيها حتى العام 1948. كذلك استخدم العرب واليهود التلّ في صراعهم في منتصف القرن الماضي. إضافة إلى وجود تل مَجِدّو على الطريق الدولي فإنه يطلّ (أيضاً) على مرج ابن عامر الذي يُعتبر "سلّة القمح" لفلسطين، فمساحته التي تبلغ 181 ألف دونم هي أكبر مساحة يمكن زراعتها بالقمح والحبوب في فلسطين. وكذلك يطلّ التلّ على مصادر المياه التي جعلت من مرج ابن عامر منطقة خصبة ومأهولة بالسكان.

لم يفقد تل مَجِدّو (ومنطقة مَجِدّو) أهميته منذ الاحتلال عام 1948 إلى يومنا الراهن؛ فقد تحوّلت المنطقة التي تقع على بوابة وادي عارة الشمالية مع الزمن إلى شريان المواصلات الرئيسي الذي يربط شمال فلسطين بوسطها وجنوبها؛ وشمال الضفة الغربية بحيفا وعكا والساحل الفلسطينيّ ولبنان. ولم يفقد هذا الشريان أهميّته وحيويته إلا عندما قرّرت السُلطات "الإسرائيلية" تجاوزه بشقّ الشارع الموازي له من الغرب المعروف بـ"عابر إسرائيل أو شارع رقم 6"، الذي أصبح شارعاً لليهود وحدهم تقريباً. بينما بات شريان المواصلات الأصلي: شارع وادي عارة للعرب لوحدهم تقريباً.

تم تجاوز شارع وادي عارة بـ"عابر إسرائيل" لأسباب سياسية واضحة؛ لأن الشباب العرب في منطقة وادي عارة والمُثلّث الشمالي اعتادوا على إغلاقه في كل ممارسة احتجاجية على قمع السُلطة وسياساتها تجاههم. لذا عمدت السُلطات "الإسرائيلية" إلى إغلاقه وقطع شريان المواصلات الرئيسي في الكيان. وكانت آخر مرّة أغلق فيها الشباب العرب الشارع في أكتوبر 2000 عندما تم إغلاقه كليّاً وجزئيّاً مدة ثمانية أيام مُتواصلة احتجاجاً على المجزرة التي نفّذتها السُلطات بحقّ ثلاثة عشر شاباً من عرب 48.

يفصل شارع "عابر إسرائيل أو شارع رقم 6" بين المُستعمرين اليهود والسكان العرب الأصليين في فلسطين. إذ يسكن في الجانب الغربي منه غالبية المُستعمرين اليهود، وفي الجانب الشرقي يعيش غالبية من العرب الفلسطينيين.


عِلم الآثار والصهيونية


تشكل الحفريات والأبحاث الآثارية، سلاحاً سياسيّاً- معرفيّاً- إيمانيّاً بأيدي المجموعات اليهودية- الصهيونية والمسيحيّة التي ساندتها منذ القرن التاسع عشر.

تشكل الحفريات والأبحاث الآثارية، سلاحاً سياسيّاً- معرفيّاً- إيمانيّاً بأيدي المجموعات اليهودية- الصهيونية والمسيحيّة التي ساندتها منذ القرن التاسع عشر.

شكَّل حقل الحفريات والأبحاث الآثارية، ولا يزال، سلاحاً سياسيّاً- معرفيّاً- إيمانيّاً بأيدي المجموعات اليهودية- الصهيونية والمسيحيّة التي ساندتها منذ القرن التاسع عشر إلى يومنا الراهن، من أجل شرعنة الغزو الصهيوني وتثبيت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربيّة. هدفت هذه الأبحاث والدراسات إلى إيجاد واقع ماديّ في فلسطين، يُحاكي النصّ الأسطوري الإيماني للتناخ، كتاب اليهود المُقدّس. لذا بذلت الحركة الصهيونية وحلفاؤها من جمعيات مسيحية مختلفة وبعدها الكيان الصهيوني ومراكز أبحاثه في حَقلي الآثار والتاريخ جهوداً كبيرة من أجل التأكيد على هذه المُحاكاة. لكن حديث حجارة وفخّار فلسطين والذهب الذي كان يزيّن جياد وصدور وأيادي الكنعانيات، بدأ صوته يعلو أكثر فأكثر منذ سبعينات القرن الماضي ليصبح الصوت الوحيد الناطق باسم أرض فلسطين الكنعانية- العربيّة وأهلها.

الكنز الكنعاني يكشف الكذب



حلية من الكنز الكنعاني المُكتَشف.

أفادت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" المُختلفة وتلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية، في شهر أيّار من عام 2012 أن البعثة الأثريّة "الإسرائيلية" التابعة لجامعة "تل أبيب" برئاسة الأثاريّ "الإسرائيلي" الشهير والمُثير للجدل، "يسرئيل فنكلشطاين"، عثرت على جرّة فيها كنز كنعاني يعود تاريخه إلى 3100 سنة مضت.

ولو بقي الخبر كما هو لقلنا أن الاكتشاف هو من اختصاص الأثاريين بكافة اختصاصاتهم، إلا أن الحيثيات التي أدّت إلى الإعلان عن هذا الاكتشاف_ كما ذكرها الأثاري "فنكلشطاين" في حديث إذاعي في ما بعد_ هي التي دعتنا إلى كتابة هذه المُلاحظات- المقال. فقد أشار "فنكلشطاين" إلى أن بعثته اكتشفت الجرّة في موسم الحفريات في صيف عام 2011، إلا أن أحداً من أفرادها لم يهتم بالجرّة حينها وتم تسليمها إلى سلطة الآثار.

وبطريق "الصدفة"- وفقط بطريق الصدفة، عندما حاول "عامل" تنظيف الجرّة إفراغها على الطاولة نزل الكنز منها! لو كنا في مرحلة الدراسة الابتدائية قبل أن ندرس موضوع الكثافة والوزن النوعي للمواد لصدّقنا "فنكلشطاين". إلا أننا نبلغ من العمر والتجربة قدرة تجعلنا نعرف أن وزن الجرّة المليئة بالذهب أثقل من نظيرتها المليئة بالتراب، ونسأل الأسئلة البسيطة التالية: هل يُعقل أن عالم آثار لا يُميّز بين وزن جرّة مملوءة تراباً وأخرى مملوءة ذهباً؟ وهل يُعقل أن يُسَلِّم عالم آثار جرّة مُكتشفة في منطقة كانت تُعتَبر طريق التجارة الدولي على مرّ التاريخ إلى عامل لتنظيفها؟


وهل يمكننا أن نصدقّ أن "فنكلشطاين" العالِم بخلافات وصراعات الأثاريين على المُكتشفات في مَجِدّو سيقوم بتسليم الجرّة من دون أن يُفرغها؟ ولو كنا نجهل أهداف عِلم الآثار "الإسرائيلي" وخلاف وصراع الآثاريين على مُكتشفات مَجِدّو لصدّقنا "فنكلشطاين". لكن ما العمل عندما أصبح العربيّ يشكّ بكل ما يقوله "إسرائيلي" حتى لو كان عالِم آثار مرموق وذا سمعة عالمية؟ لذا يمكننا القول أن "فنكلشطاين" لم يُعلن عن اكتشافه إلا بعد أن حسم صراعاً سياسياً- وليس عِلميّاً- مع أعضاء البعثة ممن ظلّوا على نهج يهدف إلى إيجاد مُحاكاة ما بين اللقيات الأثرية والنصّ التناخي.


حفريات من دون أثر


حفريات شوماخر، 1903- 1905.

أثار تل مَجِدّو اهتمام الآثاريين المسيحيين واليهود من الذين أسهموا في حقل الاستعمار الثقافي، منذ بداية مشروع الاستعمار اليهوصهيوني في فلسطين، كون الاسم: مَجِدّو_ ونقول الاسم فقط ولا نقصد عداه_ مذكور 12 مرّة في التناخ في أسفار: يشوع والقضاة والملوك الأول والثاني وأخنوخ الأول والثاني وزكريا، وهو مذكور مرّة واحدة بعبارة "هرمجدون" في سفر الرؤيا المسيحي. لذا أعمّل الآثاريون معاولهم وخيالهم للتأكيد على أن تل مَجِدّو الكنعاني هو الاسم- الموقع المذكور في التناخ والعهد الجديد.

يعود التنقيب الآثاري في مَجِدّو إلى بداية القرن العشرين؛ فقد نقبت بعثة تابعة لمعهد الدراسات الشرقية الألمانية برئاسة ج. شوماخر في 1903- 1905 حيث كان شوماخر ينتمي إلى الفرقة العسكرية فرسان الهيكل.

بعدها أرسل المعهد الشرقي من جامعة شيكاغو بعثة للتنقيب في السنوات 1925- 1939 بإشراف "س. فيشر" (C.S Fisher). ترأس "فيشر" البعثة في السنتين الأولى والثانية من عمر البعثة، لكنه اضطر إلى العودة إلى شيكاغو نتيجة مرض ألمّ به. وخلفه في رئاسة البعثة ب.ك. جاي (B.K. Guy) الذي واصل التنقيب حتى 1935. وخلفه في ما بعد "جوردون لود" (G. Loud) حتى توقّفت البعثة عن التنقيب سنة 1939 بسبب إندلاع الحرب العالمية الثانية.

ونقّبت في المنطقة بعثة تابعة لمعهد الآثار في الجامعة العبرية برئاسة "يجآل يدين" (1917- 1984) في الأعوام 1960 و1966 و1967. كان "يدين" جنرالاً في الجيش وقائداً للأركان ومُختصاً بعِلم الآثار. أسّس حركة "داش" في العام 1977 وأصبح عضو كنيست ووزيراً ونائباً لرئيس الحكومة في حياته السياسية. كما نقّب في المنطقة الآثاري "الإسرائيليّ" "إيتان حيفر" في العام 1974. ومنذ العام 1994، تُنقّب في المنطقة بعثة تابعة لجامعة "تل أبيب" برئاسة "فنكلشطاين". وكانت آخر جولة تنقيب لها في صيف العام 2012.


الاعتراف بالفشل والكذب


أن صوت فلسطين الكنعاني لا تشوبه أية شائبة ولا يشاركه أيّ صوت آخر.

تحدّثت الأدبيات الآثارية "العلمية" عن مُكتشفات يهودية بمُجملها، إلا أن الكتابات عن هذه المُكتتشفات أصبحت عُرضة للنقد والتشكيك بصحّتها منذ سبعينات القرن الماضي، عندما اعترض "ج. ب. برتشرد" (J. B. Pritchard) على النتائج التي ادّعاها كل من "حيفر" و"يدين". فقد أشار "برتشرد" إلى أن اكتشافات "حيفر" و"يدين" الأثرية تعود إلى الكنعانيين وليس إلى اليهود. وجرت نقاشات أخرى تؤكّد ما جاء به "برتشرد" وتنفي الإدّعاء القائل أن مَجِدّو يهودية. وما الاعتراف بأن الكنز المُكتشف كنعانيّ، يعود تاريخه إلى 3100 سنة خلت، إلا تأكيداً آخر على أنه لم يعد بإمكان علماء الآثار "الإسرائيليين" الاستمرار بتزوير التاريخ. وأن صوت فلسطين الكنعاني لا تشوبه أية شائبة ولا يشاركه أيّ صوت آخر. وأخيراً اعترف الآثاري "الإسرائيلي" "زئيف هيرتسوج" قائلاً: "بعد سبعين عاماً من الحفريات المُكثّفة، في أرض إسرائيل [فلسطين]، توصّل علماء الآثار إلى نتيجة أنه لم يكن أي شيء لليهود هنا سوى الأساطير، حيث لا وجود لمملكة داود وسليمان، والباحثون يعرفون هذه الحقائق".

اعتراف "هيرتسوج" جاء مُتأخراً؛ فقد سبقه إلى هذا- على سبيل الحَصر فقط- كل منّ رينهارت دوزي (1820- 1883) الذي وضع كتاباً عام 1864 بعنوان:

"Die Israeliten zu Mekka von Davids Zeit bis in’s funfte Jahrhundert unsrer Zeitrechnung :ein Beitrag zur alttestamentlichen Kritik und zur Erforschung des Ursprungs des Islam / aus dem Hollandischen ubersetzt".


وعنوان الكتاب بالعربية مُترجَماً عن الهولندية: "بنو إسرائيل في مكّة من عهد داود حتى القرن الخامس من تاريخنا الحالي [أي الميلادي]: إسهام في نقد العهد القديم والبحث في تاريخ الإسلام. نذكر هنا أن مؤسّسات عربية عديدة ترجمت كتب دوزي التي تحدّثت عن اللغة والملابس إلا أنها أحجمت عن ترجمة هذا الكتاب الهام، لأنه يتعارض مع الفكر السائد عن تاريخ اليهود في التُراث العربيّ والإسلاميّ. ونقل الدكتور نزيه مؤيّد العظم (1890- 1977) في كتابه "رحلة إلى العربيّة السعيدة" في العام 1927 (صدرت في كتاب عام 1936) عن عبد الرحمن الشهبدنر (1879- 1940) أن راباياً يهوديّاً من اليمن أخبره أنه كانت لليهود مملكة عظيمة في اليمن. وكما يؤكّد كل من كمال الصليبي (1929- 2011)، توماس تومسون وكيت ويتلام وزياد منى وفاضل الربيعي على عدم قبولهم التناخ نصّاً تاريخيّاً، بل يتقاطعون_ كل وفق منهجه الخاص- أن ميدان أحداث التناخ، الذي هو تاريخ قبيلة بني إسرائيل العربية، في غرب شبه جزيرة العرب.


*أحمد أشقر : باحث في الديانات المقارنة، ومترجم عربي - عبري. كتب العديد من المقالات والكتب. له أربعة كتب منها: مكانة النساء في العقائد اليهمسلامية- من المسؤولية عن الخطيئة الأولى إلى التبرئة؛ وقصة لوط التناخي وديناميكية العداء للآخرين.


المصدر: الميادين نت

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024