إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الفكر القومي الإجتماعي في مواجهة الإرهاب

الأمين ادمون ملحم

نسخة للطباعة 2016-10-24

إقرأ ايضاً


الثقافة هي فعل إنساني متواصل وهي إنتاج عقلي راق يهدف إلى الكشف عن الحقائق والإرتقاء بالمجتمع والفكر والحياة بصورة عامة ويهدف أيضاً، كما يقول سعاده، إلى "تقويم الإعوجاج وتوجيه قوى الحياة نحو الأفضل". من هذا المنطلق ننخرط نحن بالفعل الثقافي الهادف ونرحب بكم اليوم في هذا الملتقى الثقافي، الذي نسلِّطُ فيه الضوء على ظاهرة خطيرة تشكل نموذجاً للإعوجاج النفسي والإجتماعي، ظاهرة عُنفّية شاذة ومدمِّرة، هي ظاهرة الإرهاب التي تشغل العالم وتتعبه وتهدد أمنه واستقراره والتي تعنينا بشكل مباشر ليس لأننا نريد ان نحافظ على السلام العالمي بحكم طبيعتنا المحبة للسلام فقط بل لأننا نعاني من هذه الظاهرة العُنفية منذ عقود من الزمن.. فنحن كشعب من اكثر ضحايا الإرهاب الذي يقاتلنا بكل همجية وبربرية ويهدد حياتنا ووجودنا الحضاري في موقعنا الجغرافي الطبيعي المميز بغنى بيئته وجمالها وأهميتها الاستراتيجية وبمكانته الفريدة في تاريخ العالم منذ عصوره الأولى وذلك لما قدمه أبناء هذا الموقع الحضاري للإنسانية من أبدع الأفكار والشرائع وأرفعها ومن أروع الاختراعات الأبجدية والإبتكارات الثقافية والعلمية وغيرها من الإكتشافات والآداب والفلسفات والديانات التوحيدية السامية.

نحن أبناء هذه البيئة الجغرافية الغنية بكنوزها الثقافية وآثارها المادية وخيراتها الطبيعية، نحن هذا النسيج الإجتماعي المبدع.. هذا الشعب العريق الذي يشكل مزيجاً من جميع الأقوام والجماعات التي قطنت هذه الأرض وتفاعلت معها ومع بعضها عبر تاريخ طويل فشكّلت بإنصهارها واندماجها سياق حضاري ثقافي إجتماعي واحد.. هو ما نسميه بالشعب السوري او بالأمة السورية الهادية.. هذه الأمة العريقة في عطاءاتها تواجه اليوم ذروة الإرهاب الجاثم على أرضها.. تواجه اليوم حرباً همجية على وجودها من قبل عدو متغطرس ودول إستعمارية عريقة في قهر الشعوب ونهب ثرواتها وخيراتها... دول قوية ومقتدرة تتشدق بالرقي والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولكنها ترعى الإرهاب وتريد ان تفرض تعريفها له وتريد منا ان نستسلم لمشيئتها الجائرة وان نعلن عن خضوعنا التام للدولة الصهيونية لكي لا تصنفنا "إرهابيين".

الإرهاب الصهيوني

سورية التاريخ والحضارة والعمران تواجه اليوم الإرهاب بأبشع مظاهره.. إرهاباً يأخذ أشكال القتل والمجازر والتدمير والإبادة.. إرهاباً تمارسه جماعات همجية متخلّفة تشوّهت نفوس أفرادها وعقولهم المتحجرة ويمارسه كيان عنصري يقوم على عقيدة باطلة وعلى إعتقادات عنصرية وإستعلائية عن باقي الشعوب. هذا الإرهاب يتمثل بعدو همجي شرس يشنُّ حرباً إلغائية على وجودنا القومي.. عدو عنصري بطبيعته وبربري بأفعاله، عدو يتمتع بعقلية الخداع والحقد والإجرام وقد بنى دولته الإستيطانية التيوقراطية بالتسلط والقوة والعنف والإغتصاب يدعمه الغرب الإستعماري وتسانده الرجعية العربية المتصهينة التي ابتدعت وموّلت مع أسيادها الأميركان قوى جاهلية إرهابية متطرفة تحمل أسماء مختلفة ولكنها في حقيقتها ووظيفتها ليست إلا امتداد فعلي لا بل أدوات مجرمة لهذا العدو الصهيوني يستعملها في حربه التدميرية على أمتنا وفي مشروعه الإستيطاني التوسعي الذي يستهدف القضاء على هويتنا القومية وإلغاء تراثنا الثقافي واجتثاث وجودَنا الحضاريَ الإنسانيَ في كلِ الساحاتِ والمجالاتِ في الوطنِ وفي المغتربات.

إن دولة العدو المصطنعة التي حلّت محل العصابات الصهيونية التي روّعت المدن والقرى الفلسطينية بالمذابح لإجبار أبناء شعبنا الفلسطيني على إخلاء بيوتهم وترك أراضيهم وممتلكاتهم وتشريدهم عن وطنهم.. هذه الدولة الغاصبة التي قامت على إغتصاب أرض واقتلاع شعب من جذوره بعد تدمير أكثر من أربعمئة بلدة فلسطينية وطمس جميع الآثار التي تدل على وجودها.. هذه الدولة المارقة يكمُنُ الإرهاب في طبيعتها العنصرية، لأنه إرهاب يستند إلى نصوص دينية واجبة التطبيق وإلى توصيات وبروتوكولات متشدِّدة لا شفقة فيها. فالإرهاب بالنسبة لهذه الدولة العدوانية هو، كما يقول الوزير السابق ميشال اده، "علة وجودها وقد بُنيت على أساسه، منذ أن فجرّت العصابات العنصرية الصهيونية أرض فلسطين، وروَّعت شعبها وأهلِها العزّل الآمنين بعملياتها ومجازرها توطئة لإقاقة الكيان الصهيوني". هذه الدولة، إذاً، تقوم على الإرهاب، تقتاتُ منه وتتنفسُ من خلاله. فهي تعتمده سياسة دائمة ونهجاً مبرمجاً يتجلى بقوانينها العنصرية التعسفية وبأساليبها القمعية وبإنتهاكها للحريات والمقدسات وبتنكيلها بوحشية بالمواطنين، وبإعتقالها لعشرات الآلاف من المدنيين وتعذيبهم ومن بينهم نساء وأطفال ونواب ووزراء.. كما يتجلى إرهابها بهدم المنازل ومصادرة الممتلكات وبناءِ المستوطنات وبعملياتِ القتل والتصفية والإغتيالات والمجازر المتنقلة من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية بغية ترويع شعبنا الفلسطيني وإجباره على مغادرة أرضه بصورة نهائية ليحل مكانه المستوطنين اليهود القادمين من مختلف انحاء العالم.

ويتجلى الإرهاب الصهيوني بشن الإعتداءات والحروب المتكررة بغية التوسع وإحتلال الأراضي وقضمها، وبالمجازر الرهيبة التي يرتكبها بحق شعبنا الآمن والتي يفاخر بها ويعتبرها أوسمة ُتعّلق على صدور قادته وجنوده المجرمين.. وقد نحتاج لمجلدات ومجلدات لنكتب عن تفاصيل مجازره في مختلف قرى ومدن فلسطين، في القدس وحيفا وخان يونس ودير ياسين ومخيم جنين والحرم الإبراهيمي في الخليل وفي غزة والجولان وحروبه المتكررة على لبنان ومجازره المتنقلة في الجنوب اللبناني والبقاع، في قانا وصور، في صبرا وشاتيلا وفي القاع، وقصفه بالأسلحة المحرمة دولياً لكل المخيمات الفلسطينية وتدميره للبنى التحتية ولقرى لبنانية وقتل المدنيين بالآلاف. هذا الكيان العنصري بكل قادته وأجهزته ومؤسساته هو كيان غازِ ومعتدٍ على حقنا القومي وهو كيان إرهابي بامتياز لا بل هو التعبير الأمثل عن الإرهاب بكل أشكاله وتصنيفاته..

إرهاب القوى المرتزقة

اما القوى الداعشية المرتزقة وأخواتها فهي تنظيمات إرهابية ممّولة من قبل دول غربية استعمارية كاذبة ومن دول عربية رجعية وأجهزة مخابراتية وصهيونية تعمل على تغذية التطرف وبث روح الكراهية والحقد والفوضى الهدامة في مجتمعاتنا تنفيذاً لمشروع إستعماري يهدف إلى إضرام نار الفتنة بأشكالها المذهبية والعرقية والإجتماعية تحقيقاً لتمزيقنا وضرب قوى المقاومة في أمتنا وتدمير ثرواتها وطاقاتها ومستقبل أجيالها .. هذه التنظيمات المتطرفة لم توجد لغاية تحرير فلسطين بالطبع بل وُجدت لتخدم عدونا الصهيوني لأنها تحقق له مشروعه التاريخي الذي عجز عن تحقيقه بقوته الذاتية. فهي لم ولن تطلق طلقة واحدة باتجاه العدو الصهيوني بل ما نراه ويعرفه القاصي والداني ان هذا العدو يستقبل جرحاهم في مستشفياته ومراكزه العلاجية ويقدم لهم كل المعونة والدعم بالأسلحة والآليات ويساندهم بشن غاراته المدمّرة على الشام...

وهذه القوى الشريرة التي تجتمع على فكر وهابي جاهلي يحضّ على العنف والإرهاب ونفي الآخر وتكفيره.. هذه المجموعات التكفيرية المتخلّفة تقوم بممارسات عنفية تُرهب بها المجتمعات بغرض فرض عقائدها المتحجّرة بالقوة والإكراه.. فهي ترتكب الأعمال الإجرامية بوحشية همجية من ذبح وقتل جماعي للأبرياء ومن تفجير وتدمير للممتلكات والمرافق الحياتية والآثار الحضارية.. هي تقطع الرؤوس وتذبح الأطفال.. تعدم الشعراء والمفكرين وتخطف الأبرياء وراهبات الأديرة ورجال الدين ولا ترحم أحداً من كل الطوائف والمذاهب والإثنيات. وهذه القوى الإرهابية أرعبت المواطنين بشتى الوسائل فسبت النساء واغتصبتهن ودمَّرت الكنائس والجوامع وهجّرت مئات الألوف من أهل الشام.. وبفضل جرائمهم الفظيعة تحوّلت شام العطاء والحضارة والأمان إلى ساحات لمعارك مدمِّرة تسيل فيها دماء الضحايا والشهداء وتعمَّ الآلام والعذابات وتسيطر أجواء الخوف واليأس والحزن وكره الحياة. بفضل فظاعاتهم أمست الشام حزينة ومدمّرة، كفلسطين الشهيدة من قبلها وكلبنان والعراق، وأمست سورية كلها مثقلة بالجراح والمآسي والدموع والأزمات.. ولكن إرادة الحياة في شعبنا، إرادة المقاومة والصمود والمواجهة التي صنعت الانتصار في حرب تشرين، هي إرادة لا تهزم. فبهذه الإرادة المصمِّمة وبدماء الشهداء وتضحيات شعبنا وصموده ستحقق سوريا أعظم انتصار على الإرهاب وداعميه وستلحق الهزيمة بالمشروع المعادي وأدواته..

دينهم المزيَّف والإسلام المحمدي الصحيح

هذه التنظيمات الإرهابية السلفية التي ترتكت جرائمها باسم الله ورسوله والإسلام هي أشد أعداء الدين والإسلام ويصح فيها ما قاله الفيلسوف ابن رشد: "أشد أعداء الإسلام جاهل يُكّفرُ الآخرين". إن الإسلام المحمدي الصحيح هو براء من هذه العصابات المتخلِّفة لأنه في جوهره دين التقوى والتسامح والرحمة بين الناس ودين الإعتدال والإنصاف واحترام الإنسان.. اما دينهم الوهابي المزيَّف فهو إسلام لغير رب العالمين، دين كفر وبغض وظلم وقتل وعدوان. هذه العصابات الوهابية هي ليست إلا دعوة للعودة إلى ظلمات الجاهلية المتوحِّشة ولنشر ثقافة الغزو والسبي والإجرام والكراهية والحقد بين الشعوب.. والإسلام المحمدي الصحيح براء منها لأنه في جوهره، كالإسلام المسيحي، دين البر والإحسان، دين عدل ورحمة للناس ودعوة للسلام والمحبة والتسامح بين البشر. الدين الحقيقي، ايها الحاضرون المحترمون، يرفض العدوانية والعنف والبغض والإرهاب ويحرّم القتل والذبح والإنتقام ويحثُّ على التسامح والتساهل مع الآخر واحترامه وعلى زرع قيم المحبة والمودّة والتعاون بين كافة البشر فالله سبحانه هو محبة ولا يمييز بين البشر.

إرهاب الدولة المتغطرسة

ويبقى السؤال: كيف نواجه هذا الإرهاب المتمادي والمستشري في بلادنا خصوصاً.؟ كيف نواجه هذا الإرهاب المدعوم من الغرب وبصورة خاصة من الولايات المتحدة الاميركانية المتغطرسة والمنحازة دائماً لدولة العدو توظف لها ترسانتها العسكرية وإمكانياتها المالية والسياسية وتغطي مجازرها وممارساتها التعسفية واغتصابها للأرض..؟ كيف نواجه هذا الإرهاب الممّول من دولة تاريخها حافل بجرائم ضد الإنسانية وبإعتداءات وحروب باهظة شنتها على بلدان عديدة وكانت بحق اول من مارس إرهاب الدولة تأميناً لمصالحها واستغلالاً لخيرات الشعوب واستعبادها بمنطق القوة والإستكبار والإستبداد؟. هذه الدولة الساقطة من عالم الإنسانية الأخلاقي والمعروفة بغيرتها الكاذبة على حقوق الإنسان وبتشدقها بقيم العدالة والحرية والديمقراطية ولكنها لا تقبل بنتائج الديمقراطية عندما لا تخدم مصالحها في الهيمنة على العالم.. هذه الدولة هي هي التي تعتمد إزدواجية المعايير وهي هي التي ساهمت بسياساتها الظالمة في انتشار الفوضى والعنف والتطرف في العالم الذي أرادت ان تكون سيدة عليه تملي سياساتها على الدول وتُصنّف الحكومات والأحزاب والأشخاص وتتهم المقاومين المدافعين عن أرضهم بالإرهاب وتطلب من أصدقائها بمعاداتهم بالرغم من ان مقاومة الإحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة هو حق مشروع للشعوب في القانون الدولي.

القوميون الإجتماعيون رواد التصدي للإرهاب

أيها الحاضرون المحترمون،

بفضل الفكر القومي الإجتماعي الذي جاء به سعاده العظيم منبهاً في بدايات القرن السابق من الأخطار التي تهدد وجود الأمة ومن بينها الخطر الوهابي والخطر التركي والخطر الصهيوني.. بفضل هذا الفكر الواضح آمنا نحن بحقيقة الأمة وتعاقدنا من أجل قضية وجودها وعقدنا العزم على ان نصارع بالمبادىء الجديدة وبالدماء الحارة التي تجري في عروقنا لننقذ هذه الأمة من مصير الموت ولننهض بها سائرين إلى قمم المجد والعز والتقدم والفلاح.

ومنذ تأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي كان القوميون الإجتماعيون رواد التصدي لإرهاب الغزاة الصهاينة المحتلين والإستعمار الأجنبي الذي احتلَّ البلاد وقطّعَ أوصالها وأنظمة الإستبداد والفساد وحكّامها المتسلطين الذين مارسوا كل أشكال الظلم والقهر والطغيان. وفي تصديهم للإرهاب والإستبداد كان لهم جولات من البطولات والتضحيات والعديد من الشهداء ومن بينهم الشهيد سعيد العاص والشهيد حسين البنا وشهيد الإستقلال سعيد فخر الدين.

قتالنا للعدو الصهيوني لم ولن يتوقف يوماً طالما هنالك إغتصاب لأرضنا. فيوم احتّلَ هذا العدو أجزاء كبيرة من لبنان، اندفع أبناء العقيدة القومية الإجتماعية لقتال هذا العدو ومقاومته بأجسادهم المتفجرة فكانوا رواد المقاومة وشكلوا بقوافل الشهداء الأبطال، بوجدي وعلي وسناء.. بخالد علوان وعمار الأعسر ونورما أبي حسان وغيرهم من الشهداء.. شكّلوا طليعة إنتصارات هذه المقاومة المستمرة التي ألحقت الهزيمة والعار بهذا العدو البربري.

وها هم اليوم نسور الزوبعة الأبطال يقاتلون على كل الجبهات ويواجهون ببطولاتهم قوى الإرهاب التكفيرية التي حرّفت وجهة صراعنا مع العدو ويقدمون مئات الشهداء حفاظاً على الشام وحماية للبنان ودفاعاً عن فلسطين وعن الأمة بأسرها. ولكننا نؤمن ان المواجهة الميدانية وحدها لا تكفي لحماية مجتمعنا وأمنه ولصيانة سيادتنا القومية. إن المواجهة الميدانية يجب ان تتكامل مع المواجهة الفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية والنفسية لأن هذه الحرب المفروضة علينا تطال كامل وجودنا القومي وبكل مظاهره وتستهدف إقتلاعنا من هذه الأرض المقدسة التي دَّنسوها بأقدامهم وأوساخهم الموبوءة.

جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب

إن حزبنا السوري القومي الإجتماعي بما يمثِّله من حركة صراع إنقاذية لمصيرنا القومي برمته يعتبر ان مواجهة الإرهاب هي مسؤولية المجتمع السوري بأكمله وهي مسؤولية نهضوية بإمتياز وعلى جميع قوى الشعب ان تتنكَّبها ولا يجوز أن تُلقى هذه المسؤولية على عاتق قوى المقاومة في الأمة وحدها، إذ انّ هذه القوى تخوض مع أبطال الجيشين الشامي واللبناني حرب التحرير في ميدان الصراع ضدّ الإرهابيين وضد منبع الإرهاب المتمثل بالعدو الصهيوني المجرم.

لقد دعا حزبنا إلى قيام جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب ولحماية شعبنا من خطر الإرهاب والتطرف والاحتلال. هذه الدعوة هي برسم المجتمع بكل أطيافه وشرائحه وأفراده لأن مكافحة الإرهاب هي مسؤولية الجميع وكلّ فرد في المجتمع ينبغي أن يكون خفيراً، يحرس أمن مجتمعه ويدفع الخطر عنه ويساهم في صون حريته وفي تقدمه وازدهاره.

إستراتيجية إعلامية

كما دعا حزبنا إلى وضع إستراتيجية إعلامية مضادة لإعلام العدو الذي يشكل سلاحاً خطيراً في هذه المعركة الوجودية. فأعداء الأمة ومعهم الإرهابيين يملكون أدوات وإمكانيات إعلامية متطورة يستخدمونها لإذكاء الفتنة المذهبية وللتأثير على الأفراد والمجتمع بنشر الأكاذيب وطمس الحقائق والتبشير بهزيمة افتراضية وللسعي لتحييد جماعات من شعبنا عن وجهة الصراع المصيري مع العدو الصهيوني ودفعها لتتجاهل إغتصاب فلسطين ولتتبنى شعارات الجهاد بالاتجاه المعاكس.

عالماً جديداً وحياة جميلة

نحن أبناء الفكر القومي الإجتماعي ننشد عالماً جديداً خالياُ من العنف والتطرف والإرهاب.. عالماً يسود فيه العدل والسلام المسيجان بالسيادة والحقوق، وليس العدل والسلام المدججان بمنطق القوة والعنف والقتل والإستبداد.

نحن ننشد حياة جميلة لأمتنا، حياة راقية تسودها القيم السامية من حق وعدل وآخاء ومساواة وينعم فيها الإنسان بالحرية والطمأنينة والأمن والسلام. هذه الحياة التي ننشدها لا تتحقق بالأقاويل والتمنيات بل بالأعمال والصراع والتضحياــت. لذلك نحن حركة صراع مستمر و"لو لم نكن حركة صراع"، يقول سعاده، "لما كنا حركة على الإطلاق، لا تكون الحياة بدون صراع" . ومن يرفض الصراع يرفض الحرية ولا ينال إلا الذل العبودية.

عقيدة مناقبية

وحركتنا القومية، أيها الحاضرون المحترمون، تقوم على عقيدة مناقبية ترمي إلى تحقيق وحدة المجتمع وبعث نهضته وصيانه حقوقه وضمان مصلحته العليا وتطهيره من عوامل التخلف والفساد وكل المسبِّبات التي تسمح لفئات من شعبنا للإنحراف والعمالة والإرتباط بدعوات سلفية تدعو للتطرف والإرهاب ولتهديد سلم المجتمع وأمنه. وفي طليعة هذه المسبِّبات نرى إنعدام الوعي القومي وانتشار الحزبيات الدينية العمياء التي ولّدت الأحقاد والضغائن وثقافة التعصب والتكفير والتقوقع والإنعزال.

معركتنا، أيها الحاضرون المحترمون، هي كما يصفها سعاده العظيم: "معركة بين حياة جديدة وحياة عتيقة، معركة بين سمو وانحطاط.." ونتسائل: أليس ما نشاهده اليوم هو الإنحطاط بعينه؟ ألسنا في زمن الضعف والتراجع والإنحلال والإضمحلال؟

تحصين المجتمع

برأينا، لا أمل لهذه الأمة من مصير الإنحلال والإضمحلال إلا بتجهيز مجتمعنا بعناصر القوة والمناعة وبتحصينه بسلاح الوعي القومي لحقيقة إشتراكنا في الحياة الواحدة ولضرورة تكاتفنا في سبيل حماية مجتمعنا من الأخطار. وما الوعي القومي إلا الوجدان الحي لقوميتنا، لعصبيتنا الروحية الجامعة التي تربطنا في وحدة حياة ووحدة مصير والتي تدفعنا إلى الإنصهار، إلى الأخاء والتسامح والوئام وإلى المحبة القومية الصافية التي تولِّدُ التعاون فيما بيننا لترقية حياتنا المشتركة وصيانتها.

إن تحصين المجتمع يبدأ بتحريره من أمراضه النفسية ومن آفاته الإجتماعية ومن كل الثقافات اللاقومية المدمّرة لحياته، كثقافة الإستسلام والإنهزام، وثقافة الإنعزالِ والكراهيةِ، وثقافة المحسوبيات والفوضى والفساد والتكاذب والإستهتار والإتكالية واللامبالاةِ.

وتحصين المجتمع يكون بإصلاح أحواله وبعث فضائله واستنهاض قواه ليتحول إلى مجتمع قوي ومتماسك، مجتمع منتج ومتفوّق ومحصّن من الإحتياج والتبعية، مجتمع يحيا فيه المواطن بحرية وكرامة ورفاهية وهناء ويعمل لخيره وتطوره وليس لإضعافه وتدميره.

إن تحصين المجتمع يتّمُ في التربية الصحيحة النبيلة وبناء الإنسان بناءً نفسياً ومدنياً وإثراء وجدانه وتنمية طاقاته الخلاّقة. فالتربية كعملية إعداد ثقافي ونفسي وإجتماعي هي الأساس في تكوين الأجيال الصالحة وبناء مجتمع العدل والمساواة والإستقرار. وهل يكون بناء الأجيال وإعدادها بغير القيم المثالية والتفكير العقلي العلمي والعقيدة المناقبية الخالية من الأوهام، عقيدة السلام التي تشكل السبيل الوحيد لإنتشال الأمة من مستنقع العنف والإنقسامات والنهوض بها إلى مراقي الحياة القومية الدافئة، حياة المجتمع الواحد القوي بوحدة أبنائه المنتجين غلالاً وصناعة وفكراً والمتحّصّن بإرادتهم الواحدة في الحياة...

ثقافة قومية جديدة

نحن نقدم ثقافة قومية جديدة ترفض العصبيات المذهبية والتآويلِ الدينيةِ البغيضةِ ولا تقبل بأن تكون الأديان أحزاباً متصارعة في المجتمع. فالصعودُ إلى السماءِ يقتضيِ إرتقاءً لا انحطاطاً و"إن إقتتالَنا على السماءِ أفقدَنا الأرض"، كما قالَ زعيمُ النهضةِ.

وثقافتنا القومية تدعونا لإيقاظ فعالية العقل فينا ولفهم الحقائق بعيداً عن التعصب الناتج عن الجهل والإيمان الغيبي كما تدعونا لدراسة مكامن الضعف والقوة في حياتنا الإجتماعية وللتعمق بمعرفة عدونا الإستراتيجي وأهدافه العدوانية. فبالمعرفة اليقينية الفاضلة نبدّد الظلمات ونواجه الصعوبات ونخرج من البلبلة والشك إلى الوضوح واليقين، إلى أنوار النهضة المشّعة لنرتقي قمم المجد والعز والإنتصار.

دولة قومية ديمقراطية عصرية

إن الفكر القومي الإجتماعي يقدم برنامجاً إصلاحياً حقيقياً لقيام دولة قومية ديمقراطية عصرية تعتمد العلمنة والعقلنة والعلم والتخطيط ويتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.. دولة تسودها الحرية والعدالة الإجتماعية والقانون المدني وتسيّرها المؤسسات الجديدة التي تصون الإنسان وحقوقه وتؤمن له الرفاهية والهناء. فلا سلام أهلي في المجتمع من دون حرية ولا سلام أهلي من دون عدالة إجتماعية ولا سلام أهلي من دون مساواة.

إن صراعنا غايته عز الأمة وانتصارها لأنه لا معنى للحياة إن لم تكن حياة عز وحرية وحياة شرف وكرامة. لذلك يقول سعاده: "نشأنا نبحث عن القتال ولا يبحث عنا القتال أبداً، نشأنا، وفي نشأتنا عزّ هو كلّ معنى وجودنا ولسنا بمتنازلين عن معنى وجودنا لشيء في العالم”.

في الختام، نوجه التحية لأرواح الشهداء ولكل ضحايا الإرهاب في أمتنا ونؤكد انه لا أمل لهذه الأمة من مصير الإنحلال والتجزئة والإضمحلال الذي يعدّه لنا أصحاب المشروع الصهيوني العدواني وحلفائه الغربيين بخطتهم الممنهجة إلا بإعتماد نهج الصراع وخيار المقاومة والبطولة الواعية المنبثقة عن محبة الأرض والشعب. وكما يؤّكدُ سعاده: "إن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة" .



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024