إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا والخيارات الصعبة 1

زياد حافظ - البناء

نسخة للطباعة 2017-11-29

إقرأ ايضاً


قد تكون القمّة الثلاثية في سوتشي التي جمعت كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيّب أردوغان نقطة فارقة ليس فقط في تاريخ المنطقة، ولكن أيضاً بالنسبة لتركيا وخياراتها الحاضرة والمستقبلية. فالعلاقات بين هذه الدول مرّت عبر التاريخ القديم والقريب بتقلّبات كانت تعكس موازين قوّة متنافسة بينما نشهد في هذا اللقاء تحوّلاً في مسار هذه الموازين باتجاه التكامل وليس باتجاه التنافس. فبات واضحاً أنّ العالم تغيّر، حيث لم تعد هناك مراكز قوّة أحادية تستطيع فرض إرادتها على العالم من دون منازع. القوّة أصبحت منتشرة ومتناثرة في العالم وداخل الدول التي كانت «قوّة» بحدّ ذاتها. وبالتالي لم يعُد من الممكن اتباع سياسة «فرّق تسُد» التي اتبعها الغرب منذ حقبته الاستعمارية بدءاً مع البريطانيين وصولاً اليوم إلى الولايات المتحدة. سياسة الضمّ والتجمّع حلّت مكان سياسة الإقصاء والتفرقة.

على قاعدة هذا التحوّل كان لا بدّ أن تتأثر به تركيا. فأحلام الهيمنة الإقليمية عبر إحياء «العثمانية الجديدة» وصلت تركيّا طريقاً مسدوداً بسبب صمود سورية وبسبب عدم وجود بيئة إقليمية وعربية مؤيّدة لذلك. فبعد التنظير لسياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار لصاحبها وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو أدّت السياسة المتبعة عند القيادة التركية إلى «صفر حلول» مع دول الجوار. ليس هدفنا استعراض ما حصل بمقدار ما يهمّنا استشراف ما يمكن أن يحصل ونتائج الخيارات التي يمكن أن تتخذها القيادات التركية.

فقمّة سوتشي قد تكون تتويجاً لمسار تركي بدأ منذ فترة وخضع لتقلّبات كبيرة خلال السنوات الست الماضية، وذلك بسبب موقف تركيا في سورية وتهديد مصالح كلّ من روسيا وإيران فيها. من جهة أخرى واكب هذه التقلّبات تدهور مستمرّ في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة لأسباب مختلفة منها بعض نواحي الموقف التركي في سورية الولايات المتحدة في قضية أكراد سورية ، ومنها بسبب موجة النازحين واللاجئين إلى أوروبا عبر البوّابة التركية ناهيك عن يقين الموقف الرافض الأوروبي لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وبناء على هذا العرض المقتضب لمسار علاقات تركيا مع دول الجوار والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يكون السؤال: ماذا بعد لتركيا؟ فتركيا مُقدِمة على اتخاذ خيارات صعبة. لم تحسم عند كتابة هذه السطور تلك الخيارات، إلاّ أنه بإمكاننا عرض بعض الوقائع وتطوّراتها المستقبلية.

فالخيارات الصعبة تتمثّل في رأينا في مراجعة العلاقة مع كلّ من الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي والولايات المتحدة. كما أنّّها تتمثل بتوجّه جديد نحو نسج علاقات لها الطابع الاستراتيجي قد تصل إلى تحالف استراتيجي مع روسيا والجمهورية الإسلامية في إيران. فتركيا قد تكون إحدى البوّابات الغربية للكتلة الأوراسية الصاعدة وللحزام الواحد والطريق الواحد حو طو ولمنظومة شنغهاي الأمنية والاقتصادية، ومَن يدري المدخل لمجموعة بريكس. وأخيراً يكمن الخيار الصعب الأخير والأهمّ بالنسبة لنا كعرب، أيّ مراجعة السياسة الخاطئة تجاه سورية ومراجعة النظرة الدونية تجاه العرب.

فنحن من دعاة تشكيل كتلة جغرافية سياسية اقتصادية مبنية على الموروث التاريخي والحضاري المشترك بين كلّ من العرب والأتراك والإيرانيين على قاعدة أنّ العرب عرب، والأتراك أتراك، والإيرانيين إيرانيون. علاقة أساسها التعاون والتكامل وليس التنافس. هذا يعني بالنسبة لتركيا التخلّي نهائياً عن أحلام عثمانية جديدة تهيمن على المنطقة. فالعثمانية القديمة كانت سبباً لتفتيت المنطقة عبر الجنوح نحو التتريك القسري للولايات العربية داخل السلطنة العثمانية. أما العثمانية الجديدة فكانت صاحبة المآسي في سورية وسائر دول المشرق العربي عبر توظيف جماعات الغلوّ والتعصّب والتوحّش لتحقيق تلك المآرب. هنا قد يكون الخيار الأصعب للقيادة التركية أيّ التخلّي عن سراب العثمانية الجديدة. فهل تستطيع القيادة التركية القيام بذلك؟ في رأينا إنّ الوقائع الميدانية والوقائع السياسية ستؤدّي إلى تلك المراجعة، ولكن ربما ليس في المدى المنظور. بداية المراجعة ستكون من البوّابة السورية. فالتلميح الأخير للرئيس التركي حول إمكانية التفاهم مع الرئيس السوري قد تكون بداية لذلك المسار الصعب، ولكن الضروري لضمان وحدة تركيا ومستقبلها في بيئتها الطبيعية التي هي ما نسمّيه بالمشرق.وهناك خيار آخر صعب، قد تواجهه تركيا عاجلاً أم آجلاً نأمل عاجلاً! هو العلاقة مع الكيان الصهيوني. لا يغيب عن بالنا أنّ تركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني فور إعلان دولته المغتصبة وغير الشرعية. ولكن لا بدّ من تذكير أنّ شعبية الرئيس التركي أردوغان مبنية على دغدغة الشعور القومي التركي كما أنها مبنية على تمسّكه بالموروث الديني والحضاري. ذلك الموروث لا ينسجم مع العلاقة مع الكيان. نذكر أنه عندما كان عمدة مدينة اسطنبول استقبلت المدينة أول مؤتمر من أجل القدس. التجاوب الشعبي والإعلامي التركي حسم تردّد العمدة. فكانت سلسلة من المواقف الاستعراضية ضدّ الكيان الانسحاب من دافوس بوجود شمعون بيريز وتدهور العلاقات بعدما تعرّضت له باخرة مرمرة التركية المشاركة في أسطول الحرّية لكسر الحصار على غزّة . طبعاً، تراجع أردوغان عن تلك المواقف الظرفية، ولكن مجرّد أنه أقدم عليها، فإنّ ذلك يعني أنّ وفقاً لظروف موضوعية مختلفة كالخروج من الأطلسي أو طيّ الصفحة مع الاتحاد الأوروبي أو الانخراط بالكتلة الأوراسية، فإنّ العلاقة مع الكيان الصهيوني قد تخضع لمراجعة لا تقلّ أهمية وصعوبة عن الخيارات الأخرى.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024